لماذا هذا الكتاب؟ لأننا أمام معالجة لواحدة من أهم جدليات التفكير الفقهي؛ جدلية الموازنة بين (الشكل والمضمون) في التعامل مع مسائل الشريعة، الموازنة بين النظر لـ(ظاهر أحكام الشريعة و مقاصدها)؟ تلبي هذه الدراسة حاجة الفقيه إلى تتبع موقف الشريعة من هذه الثنائية، وكيف تقرأ المذاهب الفقهية هذا الموقف؟ كما أن هذه الدراسة توقف عقل الفقيه إلى الوقوف على آثار اتجاه (الحيل) والذي ينحاز إلى شكلانية التعامل مع أحكام الشريعة في مقابل حقائق تلك الأحكام. في هذه الدراسة محاولة للجواب عن تلك الإشكاليات، جوابا لا يكتفي بمجرد التنظير بل ينتقل بعقل الفقيه إلى ميدان التطبيق من خلال نافذة من أدق وأعقد النوافذ؛ نافذة: (الحيل الربوية)، تقارن من خلالها بين التنظير الفقهي من الحيل وبين التطبيق هل كانا يسيران بشكل متوافق، أم أن ثمة مفارقة بين النظرية والتطبيق؟ أخيراً في هذه الدراسة فكٌ لكثير من مواطن الاشتباك التي ظلت عالقة في كثير من الدراسات، وفيها-أيضا- استيعاب لمواطن الإشكال، وتحديد لمنهجيات التعامل مع هذه الإشكاليات.
أصل هذا الكتاب رسالة ماجستير تبحث في حكم الحيل في الفقه الإسلامي على وجه العموم و بخاصة في المعاملات المالية. يمتاز الكتاب- على غير عادة كثير من الرسائل العلمية- بتحرير الأقوال و عدم التسليم للشائع أو التصورات المسبقة, و يمتاز كذلك بصياغة جيدة تظهر النفس الفقهي للمؤلف. لم يعجبني تحرير المؤلف لمسألة الحيل عند الحنفية؛ حيث أنه يرجح أن الحنفية في التنظير يعدون من أهل الحقائق و أقد أغفل المؤلف أن من ذكر إجازة الحنفية للحيل- على الأقل قضاء- إنما عنوا سائر أبواب الفقه كالشفعة مثلا وليس مسائل الربا التي ركز عليها المؤلف بحثه. كذلك تمنيت أن المؤلف قرن الكتاب بدراسة تطبيقية على المنتجات البنكية المعاصرة كما تطبق حاليا بدلا من التفصيل في دراسة أصولها من العقود الفقهية. كذلك كنت أتمنى أن يستفيد المؤلف مما ذكره القانونيون في نظرية الباعث على العقد كالسنهوري رحمه الله و الذي قارن الفقه الإسلامي بالوضعي.