This is a reproduction of a book published before 1923. This book may have occasional imperfections such as missing or blurred pages, poor pictures, errant marks, etc. that were either part of the original artifact, or were introduced by the scanning process. We believe this work is culturally important, and despite the imperfections, have elected to bring it back into print as part of our continuing commitment to the preservation of printed works worldwide. We appreciate your understanding of the imperfections in the preservation process, and hope you enjoy this valuable book.
جمع آدم متز معلوامات شتى من مصادر عديدة, ليدرس حضارة الإسلام في زمن حافل بالحركات الفكرية والمذاهب والانتصارات والانكسارات. ولقد كان هذا الرجل عميقاً عندما لم يربط بين الانكسار السياسي والجوانب الاخرى من حياة المسلمين آنئذ؛ إذ يتضح لدارس التاريخ الإسلامي أنّ هذا الربط ليس صحيحاً, ولا أدل من ذلك أن أسماء كالجويني والغزالي وبعدهما النووي والذهبي وابن تيمية وابن حجر وغيرهم أشرقت في أحلك أوقات تاريخنا السياسي. لقد كان ربط المعلومات رائعاً وترجمة الأستاذ الدكتور محمد عبدالهادي أبوريدة رحمه الله رائعة ومشرقة كتراجمه الأخرى التي اشتهر بها. غير أنّني كنت أتمنّى أنّ المترجم رحمه الله قد فسّر بعض الألفاظ والمصطلحات التي قد تبهم على قرّاء اليوم. إنّه كتاب ينقلك إلى زمن مدهش ....بأسلوب أكثر دهشة
-الكتاب قائم على الجمع والاستقصاء، ليس لصاحبه فيه من الآراء إلا ما تمليه طريقة الجمع والمصادرُ واقتطاعُ النصوص، كأنه استغنى بالمنقول عن إبداء رأيه في الموضوع الذي يتكلم عنه الفصل. وقد أعجبتني طريقته في الجمع، لأن الرجوع لمصادر هذا المجموع سهل جداً، ولكن بطبيعة الحال أكثر المراجع من طبعات بائدة يعسر الحصول عليها، ولكن يظل الرجوع متيسراً سهلاً.
-الكتاب حين يتحدث عن موضوعات الديانة وفرق المسلمين، يغوص فيتعمق ويخرج بنتائج غريبة، وقد قال مترجم الكتاب عن آدم متز ما معناه، أنه يأخذ نصاً واحداً ويعتمد عليه في إصدار والأحكام والتعميم أيضاً، وأظنه صدق. وقد أزعجني جداً أنه نسب أشياء كثيرة للرومان واليونان، أو للبيزنطيين والغنوصيين.
أما الفصلان عن الأدب واللغة فليت آدم متز رقد وما كتبهما، ويكفي من فائدتهما أن تعرف شيئاً من سذاجة الأوروبي في التعامل مع أدبنا.
أحسن ما في الكتاب الفصول التي تتكلم عن عادات الناس-وقد جمع متز منها جمعاً طيباً- والأعياد والتجارة والملاحة، أما الباقي فهو لا يخالف المؤرخين مخالفة شديدة أو كثيرة.
كانت الأعياد في بلاد الإسلام كثيرة متنوعة،وموروثاً قومياً باقياً للشعوب المفتوحة بلدانها، لا سيّما النصارى الذين لا تختص بهم الأعياد حتى يعمّ بهرجها واحتفالها البلاد، فيشاركهم المسلمون من باب المتعة والأنس(لا سيّما في مصر).
أما الفصل المتعلق بالتجارة فلعله أجمل ما في الكتاب، وقد شهد آدم متز للمسلمين أنهم كانوا رأس التجارة العالمية، وقد يتحكمون في أسعار بعض المنتجات، وكان البحر الأبيض بحراً عربياً على من له حاجة فيه أن يخطب ود العرب لينالها، وهو يقول العرب ويعني المسلمين هنا، وليست كل بلاد الإسلام عرباً، لا سيّما على ساحل الأبيض المتوسط.
كنت أحسب أن التجارة الإسلامية في أقاصي آسيا لم تزدهر إلا في عهود متأخرة على يد الحضارم، حتى قرأت أن الفرس من أهل سيراف كانوا هم عماد هذه التجارة من القرن الثالث وما بعده، حتى صارت الفارسية لا العربية لغة المتّجرين مع آسيا.
ولليهود شأن عظيم في الاقتصاد ودوران المال(سبحان من طبعهم على هذا) حتى نقل متز عن مؤرخِين مسلمين ذكرهم لتجار اليهود الذين يقدمون من أوروبا بالغلمان والجواري لبلاد الإسلام. وكان هناك يهود في الحضرة بالعراق هم بيوت مال تسير على قدمين، بلغ من غنى اثنين منهم أنهما كانا يقرضان الحكومة العباسية في بغداد مالاً معجّلاً ويسدد بفوائد معه(نحو 300هـ)!
ومن الطريف ما وجدت في الكتاب عن الغلمان المخصيين، وغلاء ثمنهم، وقد كنت أنكر في نفسي على المسلمين خصيهم الغلمان، حتى قرأت أن المسلمين لا يخصونهم فهذا حرام، وإنما النصارى القسيسون واليهود النخاسون؛ يحتملون الإثم ويجنون المال من وراء ذلك، فكانت حيلة للالتفاف على الحكم الشرعي.