فكرة هامة تقف وراء إخراج هذا الكتاب، وهي اعتقاد المؤلف أن النحو العربي لم يعرض حتى الآن في صورته المتكاملة، على رغم جهود علماء أفاضل صرفوا الجهد في استخراج أصوله من بطون الكتب ومن أقوال النحاة أنفسهم.
في هذا الكتاب، يعرض المؤلف للعوامل المؤثرة في نشأة النحو، والدافقة إلى دراسة اللغة العربية دراسة منظمة لاستخراج قواعدها، دراسة مضبوطة، وهذه العوامل هي: العامل الديني، العامل القومي، والعامل السياسي، كما يعرض لدور الكوفيين والبصريين. كما يتصدى المؤلف لدراسة موضوع فقه اللغة مبيناً نشأة هذا العلم، وموضحاً أن عبارة فقه اللغة مصطلح عربي خالص لا يعرفه الغربيون في لغاتهم، وقد شهد استعماله بعض الغموض أيضاً في دلالته، على نحو ما يبدو من المعاني التي نسبت إليه في تاريخ استعماله.
والمؤلف يؤكد أن فقه اللغة ليس صناعة أو علماً مضبوطاً وإنما هو علم غير مضبوط، وفي المحور الثالث من هذا الكتاب يعرض المؤلف لموضوع البلاغة ذاكراً أنها مرت بمرحلتين الأولى أقرب إلى النقد العملي، الثانية ألصق وأوغل في الأسلوبيات، وهو يوضح معنى البلاغة بأنها قد تعني الانتهاء إلى الغاية، أو جودة الكلام، أو الكلام البليغ نفسه، أو صناعة الكلام البليغ.
ولد بقرية الكرنك بمحافظة قنا بصعيد مصر، أتمَّ حفظ القرآن الكريم سنة 1929م، ثم غادر قريته ليلتحق بمعهد القاهرة الأزهري عام 1930م، ليحصل على الثانوية الأزهرية عام 1935م. وبعدها التحق بكلية دار العلوم عام 1939م وحصل على دبلوم دار العلوم عام 1943م ثم إجازة التدريس عام 1945م، ولم يكد يبدأ الدكتور تمام حسان حياته العلمية معلمًا للغة العربية بمدرسة النقراشي النموذجية عام 1945م، حتى حصل على بعثة علمية إلى جامعة لندن عام 1946م، لينال درجة الماجستير في لهجة الكرنك من صعيد مصر، ثم يحصل على الدكتوراة في لهجة عدن. وعقب عودة الدكتور تمام من رحلته العلمية عُين مدرسًا بكلية دار العلوم كما انتدب مستشارًا ثقافيًّا للجمهورية العربية المتحدة في العاصمة النيجيرية لاجوس عام 1961م. وحين عاد إلى مصر عام 1965م، شغل منصبي رئيس القسم ووكيل الكلية قبل أن يتولى عمادتها عام 1972م.
وأسس د. تمام حسان الجمعية اللغوية المصرية عام 1972م، وكان أول رئيس لها وأنشأ أول قسم للدراسات اللغوية بجامعة الخرطوم في السودان، كما أسس بجامعة أم القرى قسم التخصص اللغوي والتربوي وتولى أمانة اللجنة العلمية الدائمة للغة العربية بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية وانتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 1980م. أشرف الدكتور تمام على العديد من الرسالات الجامعية في مصر والدول العربية يعد الدكتور تمام حسان أول عالم لغوي يدرس المعجم باعتباره نظامًا لغويًّا متكاملاً تربطه علاقات محدودة وليس مجموعة مفردات أو كلمات كما كان المستقر عليه عالميًّا فهو الذي نبه إلى فكرة النظام اللغوي للمعجم، وأن هناك كلمات تفرض الكلمات التي تستعمل معها، وهو أول من أعاد تقسيم الكلام العربي على أساس المبنى والمعنى رافضًا التقسيم الثلاثي (اسم وفعل وحرف) إلى سبعة أقسام، وهي الاسم والصفة بحيث يختلف الاسم عن الصفة أنه لا يكون إلا مسندًا إليه مبتدأ بخلاف الصفة، ثم الفعل ثم الظروف ثم الضمائر ثم الأدوات ثم الفواصل؛ وذلك بحسب السلوك النحوي الخاص بكل لغة، وهذا مفاد كتابه "اللغة العربية معناها مبناها".
كان أول من فرَّق بين الزمن النحوي والزمن الصرفي فقال بالزمن الصرفي الذي هو وظيفة الصيغة المفردة من دون الجملة (ماضٍ، مضارع، أمر) والزمن النحوي الذي يختلف عنه وقد يخالفه مثلما هو الحال في قوله تعالى ﴿لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ﴾ (البينة)، فهو زمن مضارع مصرفيًّا لكنه ماضٍ نحويًّا.
سُجلت حول كتبه الكثير من الدراسات اللغوية في الجامعات المصرية والعربية، وما زال عمله رهن الدراسة حتى الآن، ويعتبر الدكتور تمام أن دراسته للقرآن منذ البداية كانت فاتحة الخير وكانت سببًا في الاجتهاد في اللغة، ويقول: التوصل إلى فكرة القرائن النحوية جعلني أنظر نظرةً جديدةً في تفسير التراكيب والتعرف بشكلٍ جيدٍ على الأسلوب العربي. توفى إلى رحمة الله في صباح يوم الثلاثاء 11/10/2011 بعد مرض قصير وعملية جراحية بالمخ رحم الله الفقيد وتغمده برحمته وادخله جناته على مدى هذه السنوات الطويلة لم ينقطع العطاء العلمي من تأليفٍ وترجمةٍ فألف أهم كتبه "مناهج البحث في اللغة"، و"اللغة العربية بين المعيارية والوصفية"، و"اللغة العربية معناها ومبناها"، و"الأصول والتمهيد لاكتساب اللغة العربية لغير الناطقين بها" و"مقالات في اللغة والأدب"، و"البيان في روائع القرآن"، و"الخلاصة النحوية"، إضافةً إلى عشرات المقالات والبحوث التي نشرت في الدوريات العربية. ومن الكتب التي قام بترجمتها "مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب" و "الفكر العربي ومكانته في التاريخ" و"اللغة في المجتمع" و "أثر العلم في المجتمع" و"النص والخطاب والإجراء". اللغة العربية معناها ومبناها. الأصول. مناهج البحث في اللغة. اللغة بين المعيارية والوصفية. الخلاصة النحوية. البيان في روائع القرآن - جزئين. التمهيد لاكتساب اللغة العربية لغير الناطقين بها. مقالات في اللغة والأدب - جزئين. مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب (مترجم). الفكر العربي ومكانته في التاريخ (مترجم). اللغة في المجتمع (مترجم). أثر العلم في المجتمع (مترجم). النص والخطاب والإجراء (مترجم). خواطر من تأمل لغة القرآن الكريم (2006). اجتهادات لغوية (2007). مفاهيم ومواقف في اللغة والقرآن (2010). الفكر اللغوي الجديد (2011). حصاد السنين- من حقول العربية (2011) جوائز جائزة آل بصير بالمملكة العربية السعودية عام 1984. جائزة صدام عام 1987. جائزة الملك فيصل العالمية 2006. تكريم في المؤتمر الدولي للغة العربية والتنمية البشرية بوجدة، المغرب،
تعدّ دراسات التفكير اللغوي من الدراسات المهمة لكل دارس للغة العربية، فالتفكير اللغوي يطال الأصول التي انتهجها العلماء في بحوثهم في العلوم اللغوية، مما يساهم في استيعاب طريقة بناء اللغة، ومنهجها، وتماسك فروعها، وبالتالي النجاح في إبرازها في قالب تعليمي علمي مفيد. ويعدّ هذا الكتاب من البحوث المهمة في هذا المجال، إذ يتناول أصول التفكير اللغوي لثلاثة أفرع مهمة من فروع علوم اللغة العربية؛ النحو، فقه اللغة، والبلاغة. ..................... 🔺منهجية الكاتب:
استطاع الدكتور اتباع منهجية واضحة ومحددة في عرض ما توصل إليه في بحثه، فهو يشرح أولًا عن صنفين من العلوم؛ هما العلوم الصناعية والعلوم المعرفية، ثم يستفيد من ذلك في إلحاق كل فرع من علوم اللغة العربية إلى أحدهما، مع بيان الخصائص والسمات التي تجعلهم إما متّصفين بالصناعة، وإما بالمعرفة. ثم يشرح عن كل فرع من هذه الأفرع الثلاثة، فيبين الظروف التاريخية التي ساهمت في نشأتها، وعوامل تطورها، وموضوعها، والغاية من نشأتها، وكل ما يتصل بها. كما أنه يوظف الأمثلة حين يحتاج المقام، وأحيانًا نجده يدعو إلى بعض التعديل في بعض القواعد. وهذا كله يساهم في إبراز أفكار منظمة وواضحة ومدروسة بعناية، وفيها دقة كبيرة، مما يجعل البحث يسير في منهج علمي وتعليمي في آن واحد. ..................... 🔺أهم النقاط في الكتاب:
قد توصل الكاتب إلى نتائج عديدة، أهمها أن النحو قد نشأ بدافع الحفاظ على القرآن الكريم من اللحن والضياع تارةً، والحفاظ على اللغة العربية وتعليمها لمن لا ينطقها تارةً أخرى. وأن النحاة قد اختلفوا فيما بينهم حول الأصول، فنشأ اتجاه بصري يعتمد على القياس، واتجاه كوفي يعتمد على السماع. وأن النحو علم يلحق بالصناعة والعلوم المضبوطة. ونستنتج من باب فقه اللغة أنه من العلوم غير المضبوطة، وهو بذلك يكون من العلوم المعرفية. وأن موضوع فقه اللغة هو الألفاظ المفردة وعلاقاتها ببعضها. وأنه قد نشأ تبعًا للظروف التي أحاطت بعلم الفيلولوجيا وعلم اللغة. وأن أهم نشاط في هذا المجال هو النشاط المعجمي، وقد تعددت أنواع المعاجم للغة العربية، ومنها الخاصة بمواضيع محددة. ثم نستنتج من باب البلاغة أنها كانت قد نشأت بدوافع عدة، منها بيان الإعجاز القرآني، والوقوف على أسرار البلاغة في النصوص الأدبية، والتمييز بين النصوص حسب الذوق. وقد ارتبط البلاغة بمفهوم الفصاحة في وقت ما، ثم ارتبط بالذوق، حتى تحول إلى الأسلوبيات. وأن البلاغة لها ثلاثة فروع؛ علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع. .................... كتاب مفيد لطلبة اللغة العربية بشكل كبير 👍🏻