يحاول هذا الكتاب تقديم نبذة عن المدرسة الفكرية السائدة في السعودية: جذورها و تحولاتها, ثم يلحقها بأخرى عن التحولات (الجيو) سياسية في الحقبة الأولى من تاريخ السعودية وواقع التعليم العالي خلالها, ثم يستعرض بعض نقاط التحول الرئيسية التي قادت الى تغيرات سياسية و اجتماعية و تأثير ذلك على بيئة و نظم التعليم العالي, ثم يقرأ التأثيرات الايدلوجية في التعليم العالي, و يحلل علاقة مؤسسات التعليم العالي بالدولة, و يحول اخيرا استقراء التحولات المستقبلية.
يقدم الكتاب سرداً جميلا لنشأة التعليم الجامعي في المملكة وكيف كان مستقلاً في بدايته قبل أن يخضع بشكل تدريجي لسلطة الدولة متمثلاً في وزارة التعليم العالي. يتناول الكتاب كذلك تأثر بيئة التعليم الجامعي بالايديولوجيات السائدة في المجتمع في أزمنة مختلفة وبطبيعة الحال كان التيار الإسلامي هو المسيطر في أغلب الفترات. أجدني اتفق مع الكاتب في محورية تبني الحكومة للإخوان المسلمين في مواجهة المد الناصري وتأثير ذلك على المجتمع بشكل عام والتعليم بشكل خاص. كما أعجبني تفسيره للانخفاض الذي طرأ على مستوى المعلمين في التعليم العام الناتج عن توسع سريع في برامج السعودة في السبعينات بدافع أمني وايديولوجي لمنع تأثر افراد المجتمع بالتيارات الفكرية الخارجية.
لكن نقطة اختلافي الرئيسية مع الكتاب هي في سطحيته في تناوله للتيار الإسلامي فهو يقدمه كتيار واحد بأجنده واحده بينما نعلم وجود تيارات متعددة متصارعه داخله من سلفيين (موالين ومعارضين) وإخوان وسروريين الخ الخ. كما أجده أعطى أهمية مبالغ فيها لأحداث هامشية وبالغ أحيانا في ربط قرارات معينة بالتأثير الايديولوجي وقلل من أهمية العامل الحكومي الأمني وسأورد أمثلة: أولا: يبالغ في أهمية حادثة جهيمان وأنها أدت إلى مزيد من سيطرة الإسلاميين على التعليم بينما وثيقة نظام التعليم العالي التي يستشهد بها الكتاب كدليل على سيطرة الاسلامين اللاحقة لحادثة جهيمان سابقة لحادثة جهيمان بعامين ثانيا: حادثة إغلاق إسكان طلاب جامعة الملك سعود حيث يربطه الكتاب مرة آخرى بالقيود التي يفرضها الاسلاميون على التعليم العالي بينما هي كانت بدافع أمني في بداية التسعينات ثالثاً: القيود على سفر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لحضور المؤتمرات الخارجية هي بيروقراطية أمنية بشكل رئيسي وليست بدافع ايديولوجي كما يقدمها الكتاب
لو قيمت الكتاب كوصف تاريخي لأعطيته خمسة نجوم استحقاقاً لكتاب صغير الحجم ويقدم نبذة سهلة. لكن بما أن الكتاب في الأصل كان ورقة عمل فالكاتب حاول أن يعطي كل الجوانب -المؤثرة والمتأثرة- فيما يخص التعليم حقها وهذا صعب في ورقة عمل! الكتاب وصفي أكثر من كونه تحليلي واستقرائي.
طرح جداً جريئ للكاتب في نقد دور الجامعات المأمل والمفترض ويعكس واقع الحال و الأسباب الباعثة والموصلة للحال الهزيل للجامعات الحكومية بالسعودية وكيف استطاع المد الاسلامي/الصحوي السيطرة عليها. تفشي المحسوبية في توظيف الأكاديميين والبيروقراطية بشكلها السلبي والمقرف وضعف المنجز المحلي للجامعات هو المتسيد، حيث أصبحت اقرب ما تكون إلى مدارس أكثر من أنها جامعات.
عودة المبتعثين وصعوبت حصولهم على فرص وظيفية بها الا من خلال الواسطات والمحسوبيات هو الواقع الحالي المُعايش للأسف، حيث يستقدم الأجنبي ليغطي العجز المفتعل في الكادر السعودي من أجل مميزات مالية يحصل عليها أبن البلد في أحتكاره للمقعد!!
كتاب ينصح بقراءته للأكاديميين وللمهتمين بالتعليم العالي
أقرأ كتاب تاريخي ليس له علاقة بعنوانه لا أنكر أن عنوان الكتاب جذاب وتوقعته مناسب جداً لي كوني جزء من هذه المنظومة التعليمية _ التعليم العالي السعودي _ التي يتحدث عنها ، لكني فوجئت أن الكاتب إستهلّ كتابه بسرد تاريخ المملكة السعودية و ذكر قضية الإختلاف المذهبي في السعودية ، تساءلت بعد ذلك ، ما علاقة كل ماذكر سابقاً بالتعليم العالي ؟! الربط لم يكُن مُوفق إطلاقاً خصوصاً أن المحاور والآراء المذكورة معروفة ودارجة _ حد الملل _ لدى عامة الناس ، أرى لو ألّف الكاتب كتاباً آخر يتحدث فيه عن تأسيس المملكة إسلامياً وسياسياً لكان ذلك أفضل له ولنا ، يمكنني القول الآن أن توقعاتي باءت بالخيبة ، ظننت أني سأقرأ كتاب ينتقد بحيادية وموضوعية هذه المنظومة التعليمية الضخمة والفساد الإداري الذي أصبح هو المحرك الأساسي لها في السعودية ، لكن وجدتني أقف أمام كتاب تاريخي لم يُضِف لي سوا كلام ( سطحي ) مللت سماعه منذ القدم ، الكتاب لم ولن يُعجبني أبداً مع الكثير من الإحترام والود والشكر للكاتب على تكبّد العناء في كتابه
في هذا الكتاب شرح مبسط وواضح عن التأثيرات السياسية والتأثير الأيديولوجي في بناء التعليم في المملكة كما تحدث عن التغييرات الإيجابية في وضع التعليم العالي وإن كانت هذه التغييرات كمية