" لقد عودنا الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن أن نظفر بالطريف في كل كتاب يخطه وفي كل موضوع يطرقه؛ وهاهو ذا، في الكتاب الذي بين يديك، يأتينا بما كنا نظن أن العقل ينكره، بل أن يحيله، في معضلة لطالما شغلت " إنسان هذا الزمان"، وحيّرت العقول ولا تزال، ألا وهي " العلاقة بين الدين والسياسة"! فقد تحدى فيلسوفنا المسلمات المقررة والاعتقادات المرسخة، مقتحماً عقبات العقل وحدود العلم، وجاءنا بمقاربة لهذه المشكلة ليست من جنس المقاربات المعهودة، لأنها لا تخاطب العقل المجرد في الإنسان، وإنما تخاطب عقله المؤيد بالروح؛ إذ تقرر أن الإنسان أشبه بالكائن الطائر منه بالكائن الزاحف.
ولما كانت مقاربة مفكرنا معالجة روحية غير مسبوقة لهذا الإشكال المحير، لم يكن بد من أن يتعرض لمختلف الدعاوى التي تعلقت به، علمانية كانت أو ديانية، ناقداً من غير تشنيع، وبانياً من غير ترقيع؛ وبعد أن طاف بنا في عوالم الوجود الإنساني، منبهاً على اتساع آفاقها وتداخل حدودها، انتهى إلى أن حلّ هذا الإشكال الخفي ليس في وجود ضيق يفصل بين الدين والسياسة ، ولا في وجود دونه ضيقاً يصل بينهما، وإنما في تجاوزهما معاً إلى فضاء وجودي غاية في السعة يتداخل فيه المرئي والغيبي تداخل اللحمة والسدى؛ فهنالك لا فصل ولا وصل، وإنما وحدة أولى تتلاشى فيها الحدود بين التعبد والتدبير؛ وتجلّت هذه الوحدة الروحية في ثمرة اللقاء الغيبي الذي عرض فيه الخالق، سبحانه وتعالى، على خلقه أجمعين، في يومٍ لا كالأيام، أمانته الثقيلة؛ فبادل الإنسان إلى حملها، متعهداً بالوفاء بحقوقها؛ إذ قضى الخالق، جلّ في علاه، في هذا اللقاء العظيم أن يكون التدبير أمانة، فصار بذلك عبادة، وأن تكون العبادة، هي الأخرى، أمانة، فصارت بذلك تدبيراً؛ لكن ما لبث الإنسان أن نسي عهده للخالق، سبحانه، ونسي حقيقة " الأمانة"، ففصل ما كان موصولاً، ووصل ما لم يكن مفصولاً. "
طه عبد الرحمن (من مواليد عام 1944 بمدينة الجديدة المغربية)، فيلسوف معاصر، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق. ويعد طه عبد الرحمن أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين في العالم الإسلامي منذ بداية سبعينيات القرن الماضي. تلقى طه عبد الرحمن دراسته الابتدائية بمدينة "الجديدة"، ثم تابع دراسته الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، ثم بـجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط حيث نال إجازة في الفلسفة، واستكمل دراسته بـجامعة السوربون، حيث حصل منها على إجازة ثانية في الفلسفة ودكتوراه السلك الثالث عام 1972 برسالة في موضوع "اللغة والفلسفة: رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود"، ثم دكتوراه الدولة عام 1985 عن أطروحته "رسالة في الاستدلال الحِجَاجي والطبيعي ونماذجه". درَّس المنطق وفلسفة اللغة في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ 1970 إلى حين تقاعده 2005. وهو عضو في "الجمعية العالمية للدراسات الحِجَاجية" وممثلها في المغرب، وعضو في "المركز الأوروبي للحِجَاج"، وهو رئيس "منتدى الحكمة للمفكرين والباحثين" بالمغرب. حصل على جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم على جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006. تتميز ممارسته الفلسفية بالجمع بين "التحليل المنطقي" و"التشقيق اللغوي" والارتكاز إلى إمدادات التجربة الصوفية، وذلك في إطار العمل على تقديم مفاهيم متصلة بالتراث الإسلامي ومستندة إلى أهم مكتسبات الفكر الغربي المعاصر على مستوى "نظريات الخطاب" و"المنطق الحجاجي" و"فلسفة الأخلاق"، الأمر الذي جعله يأتي بطريقة في التفلسف يغلب عليها التوجه "التداولي" و"الأخلاقي".
في بداية قرائتي للكتاب كان كل ما يشغل بالي هو كيف عرف طه عبدالرحمن كل هذا؟بعدما قطعت شوطا منه زالت الدهشة وحل محلها التركيز والاهتمام بقراءة كل كلمة في هذا الكتاب..عرفت جزءا من اجابة سؤال الدهشة الذي انتابني ؛طه عبدالرحمن يقرأ القران بطريقة مختلفة عني..تعلمت منه كيف أقرأ القران وابحث فيه.. كل ما نبحث عنه موجود فيه .. كل ما نبحث عنه.. من اهم ما اضافه لي هذا الكتاب تعريف الروح والنفس.. الروح هي وحي الله لكل منا وذاكرتنا الي تحوي شهودنا وفطرتنا الأولى.. والنفس هي ما يحجبنا عنها ،وهو ما يعيد تعريف الانسان بشكل جذري فهو ليس نتاج نفسه وليس نتاج حياته وظروفها ،بل هو روحه التي تحمل الشهود في ذاكرتها وهي الان في الارض لتشهد الشهود الثاني..الانسان هو المؤتمن في هذه الارض ..مؤتمن على هذه الارض ومؤتمن على الانسان فيها.. اهم سؤال طرحه الكاتب في الرد على دعاوي العلمانية -وهو السؤال الذي لم تطرحه العلمانية اصلا لقصورها- لماذا يريد اصحاب السلطة من العلمانين تولي السلطة؟اعتقد ان اجابة هذا السؤال قد تلخص جانبا كبيرا من الكتاب.. كتاب رائع أنصح به بشدة
هكذا يفعل طه بالنقطة :)) .. يطوقها، يقيدها، يحاصرها من كل الاتجاهات. حتى من كثرة التحوير والتدويل تشعر بتخمة عقلية لا تنفك عنك حتى ينتهي الكتاب.
مالجديد هُنا ؟ استقراء جديد .. وبزوايا غير مُكتشفة.
الفائدة ؟ إثراء معرفي، رؤية الواقع العلماني السياسي من منعطفات أخرى، تعزيز نقدي، تصحيح مفهومي .. من منطلق فكري حر.
كلمات تكررت من سوى المصطلحات؟ دنيوي / أخروي روح / مادة ظاهر / باطن مرئي / لا مرئي غيب / شهادة حسي / معنوي قانوني / أخلاقي .... وهما أقطاب الكتاب بالكامل، فهو يبرز هذا ويطمس هذا. يربط وجودهما خارج نطاق الفهم التقليدي .. ويجعلهما مرتكزات لمصطلحات ومفاهيم سياسية كبرى .. على سبيل المثال ؛ ربط سلوك المستبد بالتدرج من الحضور إلى الغيبة. فهو يبدأ بالشهادة على استبداده ثم يتحول إلى مرتبة الغيب عنده. وهو أسلوب مستحدث يعيد صياغة البنية الفكرية من جديد.
*من ذكاء الطرح أنه بدأ بالنسبان وعاد بالتذكير به، بعد أن استطرد بما يدور حوله. *خرج في النهاية بمفهوم "الائتمانية" بسعة التدبير بعد ضيق العلمانية وتقييدها .. "لكي يتخلّص المدبّر من هذا التعبّد لذاته ذي المراتب المتعددة، ويصير تدبيره تدبيراً ائتمانيا لا استعباد معه، فإنه يتعين عليه أن يرى في التدبير، لا إدارة ينفرد بها، وإنما أمانة استودعها الله عزوجل عنده ؛ ويرى نفسه، لا مدبّرا مستقلا بإدارته، وإنما مؤتمناً عليها راعياً لها، أي حافظاً لحقوقها؛ ولما كان حفظ هذه الحقوق لا يتعارض مع التصرف في أمانة الله بما يعود على المؤتمن بالفائدة المشروعة، جاز للائتماني المدبّر أن يجد في العمل المؤسّسي الذي توصّل به تحقّقا لذاته، ويجد في الصلاح العام الذي قصده تملّكا له؛ وغيرُ خاف أن حق العمل المؤسّسي والصلاح العام على المدبّر هو أن يُقرّ بأن الله، تبارك وتعالى، خصه بهذه المسؤولية العظمى، إكراما له وإنعاما منه عليه، وأن ينهض، بالتالي، بواجب الحمد والشكر له بأن حظي منه بهذا التفضيل؛ ومتى استطاع أن يقوم بهذا الحق على الوجه الذي ينبغي، تيقّن بأن التحقق بالعمل المؤسّسي لا يمكن أن يكون إلا تحقّقاً نسبياً، وأن التملك للصلاح العام لا يمكن أن يكون، هو الآخر، إلا تملّكاً نسبياً، لحصول إدراكه بأن الله هو المتفضل عليه بهذه المهمة التدبيرية، مؤتمِناً له عليها، فيكون هذا اليقين سبباً في إفساح المجال الوجوده المرئي لكي يتزحزح عن حدوده."
▪️ملاحظة:الكتاب دسم، ثقيل، يحتاج إلى تركيز. وقراءته قد تكون متعبة قليلاً.
حينما تراني ممسكة بكتاب ومع ذلك أتحدث بصوت عال كأني في لقاء حواري، أطرح النقاط بكل حماس وأعيد صياغتها للتأكد من فهمي لها، ولا أحد من حولي سوى الكتاب، فاعلم حينها أنه استطاع اختراق أعمق نقطة في عقلي والتفاعل معها :) وهذا لا يحدث كثيرا لكنه حدث مع هذا الكتاب. هذا الكتاب الذي ابتدأ بقوة من مقدمته، فالتمهيد كان جيدا ينبي عن شخص مستقل ذي رؤية واضحة ومنهج مدروس، نبه قبل عرضه بأن على القارئ أن يستعد لعمل سيراجع فيه أحكاما مسبقة ومفاهيم سارية ورثها له (إنسان هذا الزمان) حتى ظن أنها حقائق جازمة. ثم بعد ذلك بدأ بسرد فلسفته متبعا منهج النقد لما سواها تمهيدا لها كحل نهائي شامل، وهذا الأسلوب محبب لدي جدا، وذلك لأن متخذه غالبا ما يكون مطلعا اطلاعا شاملا يعطيه القوة والقرب إلى الكمال في عرض رأيه، وهذا الأسلوب سبق أن نال إعجابي في قراءتي لبيجوفيتش مما جعلني أضع طه عبدالرحمن مع "شلة بيجوفيتش والمسيري" المرضي عنهم رضا تام :) . يا الله ما الذي يتناوله أولئك ؟ هل يشربون حليب السعودية أم ماذا :) ؟! انظروا للمقدمة التي منها انطلق ليمهد لرؤيته الفكرية الشاملة (النسيان) كأزمة للإنسان، كما هو أصل تسميته كما يرى، وإن كان الخلاف في أصل اشتقاق الإنسان هل هو من الأنس أو النسيان، فإنه يرى أنه لو قيل بالأول فإن الإنسان لم يأنس لو لم ينسَ! إذن النسيان هو الصفة الثابتة التي يعرف بها الإنسان، وانطلاقا من تعريف الإنسان بكونه (الموجود الذي ينسى أنه ينسى) هذا التعبير الحقيقي الظريف :) يجد مؤلفنا أن منه أزمة الإنسان الحقيقية، ويرى أن جهاده في هذه الحياة هو جهاد للتذكر، أن يتذكر من هو؟ ولماذا خلق؟ وإلى أين مصيره؟ ومن هذا التعريف يتضح أن بذرة الشر فيه هو في محاولته لعدم التذكر، لعدم إشعال ضوء في عتمة نسيانه لسبب وجوده ونهاية هذا الوجود ومآله، لذا فمحاولة الإنسان الدائمة للانغماس في دنياه المحسوسه ونسيان عالمه الغيبي الروحي هي أكبر مشاكله، ولعل مصداق قوله هو قوله تعالى:(فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) إذن النسيان هو آفة الإنسان الكبرى.. ومن هذا المنطلق بدأ طه يمهد لنظريته (الائتمانية) التي تدعو للتذكر، وعدم نسيان حقيقة المرء بكونه حسي وغيبي، يعيش في عالم مرئي وغير مرئي، ألا ينسى موجده وسبب تواجده على هذه الحياة وهو الله والتعبد له، هذه هي الأولوية الأولى، بل قل إن ما حاول المؤلف إيصاله لنا هو أنه ليس مجرد أولوية فبالتالي ما بعده تبع له، وإنما هو محور الخلق فبالتالي كل ما خلق ووجد يدور حوله ولأجله.. وقبل أن يسقط رؤيته على مثال (الدين والسياسة) فإنه وضح رأيه بخصوص (وجود الإنسان في عالمين: انوجاد في عالم مرئي "حسي""مشهود" وتواجد في عالم غير مرئي"روحي""غيبي") مستعرضا الأقوال المعارضة لذلك ومحاولا نسفها وقد وفق باستدلالاته على وجود الإنسان فيهما مع عدم انفصاله عن واحد منهما كما قال بذلك من خالفه، بدلالة أن الصوفي مهما ادعى روحانية عباداته فإنه لا يفتأ عن تنزيلها للواقع بتعبده بأفعال أو رقصات في العالم المرئي، كما أن السياسي وإن ادعى عدم استصحابه للغيبي فإنه لا يفتأ متعطشا لصفات غيبية كالعدالة المطلقة ونشر السعادة وإظهار الهيبة وغيرها من المعان الغيبية، ولعل ذلك ذكرني بمقولة لأحد الأشخاص حيث يقول: أن الإنسان روح وجسد ولا يكون إلا بهما معا، بدلالة أن جثة الميت "كجسد" لا تعبر عنه فبالتالي أنت لا تتعامل مع جثته على أنه هو، وكذلك لو رأيت روحه في المنام ما كفاك ذلك عن إرادة ملامسته حقيقة وضمه. يرى طه في (الفطرة) الذاكرة الغيبية للعالم الغير مرئي الذي يعيشه الإنسان، فكما أن له ذاكرة تشهد على ما عايشه في حياته المشاهدة، فالفطرة كذلك هي ذاكرته في عالم الأرواح والغيب، ومنها يبتدئ شعور المرء بالحاجة لخالق وبوجوده أصلا وبالتخلق بالصفات التي غرسها فطرة فيه، لذا فمهما وجد كفرة أو مشركون فإن آثار هذه الفطرة باقية عليهم، لذا تجد الكره للظلم والميل للعدل والخلق الحسن، ووجود دافع يدعوهم لفعل الخير والإحسان، هذا كله بقايا هذه الفطرة التي دنسها دين الآباء أو الإعلام أو البيئة أو غيرها، ومستنده على كون الفطرة ذاكرة غيبية هو قوله تعالى :(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) فهذا الإشهاد حاصل في عالم الغيبيات، والاستدلال عليه بآثاره الغيبية كالحاجة لخالق وأنه واحد وغيرها.. ثم بعد ذلك استعرض طريقة التعبد الصحيحة بتطبيق فلسفته على مسألة (السياسة والدين) أو بشكل أوسع (التدبير والدين) وإن كنت تستطيع إسقاط فلسفته على جميع مناحي الحياة، لكنه هنا استعرض المسألة المشهورة في (الدين والسياسة) والآراء حولهما، فمهد لذلك بمسلمة "تعدية الوجود الإنساني" والتي نتج عنها: مبدأ الاختيار الوجودي: ومقتضاه أن الإنسان بين خيارين وجوديين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يقوم بتنزيل العالم الغيبي في العالم المرئي ممارسا التشهيد "كالمعتقد الدياني" والذي باسم الدين استحضر المعاني الغيبية في المرئية، وربما استغنى عن الروحي باسم الروحي، بأن ينسب لنفسه الأمر والتبعية حتى يخرج من تبعيته للخالق إلى "تسيده" على المخلوقين باسمه، أو متأثرا بأدوات العلمانية في السياسة فيدعي تحكيم خالقه، بينما يتخذ أدوات العلمانية ذات السيادة الذاتية في حكمه، وهنا مصطلح "النسبة" يورده الكاتب ويقصد به ما ينسبه المرء لنفسه، وهو درجات يكون بالتملك كما في الدياني ويصل للتسيد كما في العلماني، ويقصد به نسبة الأشياء لنفسه بدل نسبتها إلى خالقه. وإما أن يقوم بتصعيد العالم المرئي إلى العالم الغيبي ممارسا التغييب "كالعلمانية" التي نفت وجود هذا العالم الغيبي واستخدمت صفاته كالإخلاص والسعادة والرضا والعدالة ونسبتها إلى نفسها مدعية عدم حاجتها لمن أوجدها ابتداء وهذا ما يسمى في المصطلح الشرعي "الطاغوت" فالعلمانية استغنت بنفسها بنسب ما لله لنفسها وطغت عن العبودية لله. كما أسهب بالحديث عنها، فطرح وجهة النظر العلمانية والتي تدعي التجديد وتدعو لنبذ التقليد، والذي أثبت المؤلف وجود مغالطة فيها وذلك لكون العلمانيين وقعوا في التقليد المنهجي وإن ادعوا البعد عن التقليد الشكلي، وعرض الكثير من المغالطات التي تعرضت لها العلمانية وعلى أساسها أخرجت الدين من حق الحاكمية، كالقول بتكافؤ الأديان وما فيه من ظلم لدين التوحيد الذي لا مجال لجعله في خانة واحدة مع بقية الأديان الأخرى التي شابها ما شابها من الشرك والفساد، ووجود مغالطة حرية الاعتقاد التي تدعمها العلمانية ثم تعارضها من خلال منهجها الذي يقتضي استبعاد وجود عالم مرئي، وبالتالي عدم إعطاء المتدين حقه في "التشهيد" والذي معناه تشهيد عالم الغيب على الشهادة، وذلك لكون المتدين يعمل ما يعمل مستحضرا شهادة الله على عمله، فالعلمانية لا تتعامل ولا تحترم حق الإيمان بوجوده أصلا، وإن ادعت الحرية فإنها تكون في الممارسات الشكلية، وحتى هذه قد أصابها من الظلم ما أصابها كمنع ارتداء الحجاب في فرنسا كمثال، أو عدم احترام أوقات الصلاة وغيرها. ولعل أكبر المغالطات التي حاربها هي مغالطة (فصل الدين عن السياسة) فالدين كما ذكر المؤلف منظومة شاملة لا تنفك عن بعضها البعض، فالدين يشمل الدنيا ولا يعارضها، والدنيا مزرعة الآخرة كما يتضح ذلك في النظرة الإسلامية، وكل عمل حتى وإن أطلق عليه "دنيوي" فإنك ستجد الدين يشمله تعبدا إما بالقول بالإباحة فبالتالي ينطبق مبدأ الاستمتاع بالطيبات، أو الحرمة فبالتالي ترك المنهيات، أو الوجوب فبالتالي فعل الواجبات، أو غيرها، ولئن قالت العلمانية بشكل صريح بالفصل بين الدين والدولة، فإن بعض الديانية وهم الذين ينتمون للدين ويتحدثون باسمه قد أساءوا إليه بغير قصد بنشر مقولات تبين أن الدنيا تتعارض مع الدين بذكرهما كمصطلحين متعارضين، بينما ذكرا في الأحاديث النبوية كمصطلحين متداخلين، وبناء على هذا القول الشنيع فإن المؤلف يذكر أن له من الأثر الفاسد على المرء الشيء الكثير، إذ بفصل الدين عن السياسة -وذلك ينطبق على الحياة ككل- فإننا ضيعنا حاجة الإنسان إلى التعبد، وحقه الروحي، وسجناه في عالم المادة، وجوعنا روحه بل أنكرناها، وفي هذا كل معاني الظلم والقهر. والحقيقة أن الإنسان ليس متوحد البنية كما يصوره التحليل النفسي، وإنما مزدوج البنية، فكما أنه يملك غريزة جسدية تتمثل في الشهوة، فإنه يملك فطرة روحية تتمثل في الشوق الذي يصله بالعالم الغيبي، وإذا كانت شهوة الجنس مستحصلة لديهم بواسطة "الإعلاء" فإن لنا الحق أن نقول أن الشوق المعنوي يتجلى في أعظم صوره "حب الله"، كما أنه لا تعارض بينهما، إلا أن الصواب أن يكون الثاني هو الغاية العظمى التي على ضوئها وضمن إطارها نحقق الأول. وبالتالي نستطيع القول أن طه خرج لنا مما سبق بفلسفته الشمولية، والتي تدعى "الائتمانية" والتي تخرج العباد من ضيق العلمانية والديانية والتي التدبير فيها قلق، إلى "سعة" الائتمانية والتي التدبير فيها متمكن. والائتمان يعرف بأنه: عبارة عن إيداع رعاية، بحيث يكون كل ما خلق الله من أجل الإنسان هو عبارة عن ودائع أودعها إياه، يتملكها كيف يشاء، ويتحقق بها كيف يشاء، شريطة أن يصون حقوقها. فعلى ضوء هذا التعريف نعي أن النفس البشرية وكل ما خلق لأجلها هو أمانة أعطيت للإنسان ليرعاها بحقها، ومن عدل الله أنه جعل للمرء حق الاختيار بحملها كما ورد في قوله تعالى :(إنا عرضنا الأمانة على السماوات ... وحملها الإنسان) فإذن هنا يتبين لنا حرية الإرادة التي أعطاها الله للإنسان، ولكن ثمن هذه الحرية هو المسؤولية، فلك الحرية في الاعتقاد، ولكنك مسؤول عن عاقبة اختيارك.. ولو أننا استوعبنا أن كل ما حولنا أمانة، بما في ذلك أنفسنا وأنفس من نحب، لما تعلقت قلوبنا بهذه الأمانة، ولما شعرنا بالغضب أو الحزن عند فقدها والذي يعني "استردادها من قبل مالكها الأصلي".. لذا فدور المرء في هذه الحياة هو أن يرعى هذه الأمانة حق الرعاية عن طريق ما أسماه "تزكية النفس" والتي يجب أن تكون وظيفة الإنسان الأساسية، فتزكيتها هو محاولة نزع حب التملك والتسيد الموجودة لدى الإنسان، بنسب وتذكر استحقاق الخالق الرازق الذي له الأمر لها، وزرع الحياء منه، والذي يعتبره المؤلف العامل الأهم في طرد حب التسيد من النفس، فوظيفة الإنسان في هذه الحياة هو مجاهدة النفس في عدم منازعة الله سلطانه، ونسب ما له لها، وذلك يكون بدرجات، أعلاها ما فعله فرعون بنسب الربوبية له، وأدناها أدق الأمور كالتعبد لله ولكن صوريا، فينسى المرء روح العبادة وحقيقتها ويتعبد بالصور والشكل ويهتم بذلك وينشغل به وبذاته وما تظهر به هذه الذات حتى ينسى حقيقة هذه العبادة وما تدور عليه من محاولة زرع المعاني الأهم التي فرضت لأجلها كالعبودية له سبحانه.. كما بين المؤلف أهمية هذا الوجدان (الروحي) وقوته وتقدمه على المادي والعقلي، فبينما السلطان يقوم على وازع خارجي هو القوة، فإن الوجدان يقوم على وازع داخلي هو الحياء، وبينما القوة هي أقوى سلاح للسلطان، فإن الحياء هو أقوى رادع للنفس من تعدي حدود الله، وبينما البرهان يقوم على علاقة إدراكية ظاهرة هي الاستدلال، فإن الوجدان يقوم على علاقة إدراكية باطنة هي الإيمان، والعمل يكون بالوجدان ولا يصار إلى السلطان أو البرهان إلا بدليل. كما جعل لدين "الائتمانية" ميزات بها وعلى أساسها يتوجب التعبد، إذ أنه أولا مبني على "التشهيد" في عالم الغيب و"الاختيار" في عالم الشهادة، فالفطرة هي الذاكرة على أن الله أشهدنا على ألوهيته واستحقاقه للعبادة، والاختيار في عالم الحس بأن للعبد الحرية في اعتناق الدين من أعظم الأدلة على عدله وأهم الأسس التي بها يقوم دين الائتمان، لذا حتى وإن أجبر أحد على اعتناق الإسلام ظاهرا، فإن من عدل الله ألا سلطة لأحد على قلبه باطنا، وكان الإسلام مستحقا للاعتناق بدليل الفطرة، ولاستحقاقه لذلك لكماله وسعته ووحدته (حيث التوحيد روح الدين وكل التشريعات تدور حوله)، فكان دين الإسلام مناسبا للإنسان الذي يتواجد في عالمين مرئي وغير مرئي مشبعا لاحتياجاته فيهما. كما دعا لمقابلة الصفات التي ابتلي بها العلماني والدياني وهي "النسبة الذاتية" و"استعمال وازع القوة" و"التعبد للذات" بـ"تزكية النفس" كحل لمكافحتها عن طريق نسبة كل صفات العبودية لله وتجرد العبد منها ومن استحقاقه لها ، فالائتمانية تعني أن تعلق المرء ليس بالصلاح العام ولا العمل المؤسسي ولا الفردي ولا الوكالة عن الله أو الاستقلال بالتدبير عنه، وإنما التعلق بمقام الربوبية بـ(أن تختار أن تكون إرادتك تبعا لإرادة الله) ولا يقصد بالإرادة هنا القدرية فهي بلا شك تابعة لمشيئة الله، ولكن المراد هو الأحكام التكليفية، وأن تكون النفس البشرية "مستودعا" لا "متسيدا" والتعامل معها كأمانة استودعها الله لديك لرعايتها على الوجه الذي يريد، وأن تحاكم ظاهر أعمالك إلى باطنها. وفلسفة المؤلف هنا تتعارض مع مقولة كانط الذي يرى: أن عالم الوجود هو مجال الاضطرار في حين عالم الشهود هو مجال الاختيار، إذ إن المؤلف يقول بالعكس.
إذن: "التحول الإيماني الجذري الذي يحدثه الائتمان في الإنسان، مطلقا إمكاناته ومخرجا مكنوناته، يجعله يجدد ممارسته للعقل، موسعا نطاقه، ويجدد مكابدته للواقع، باسطا فضاءه، بل إن الائتمان هو وسيلة الإنسان إلى تجديد نفسه بالكلية على مقتضى الإيمان الحي". هذه خلاصة فكر المؤلف، وهذا ما يرى باعتناقه خلاصا للبشرية، وعلى أساس ذلك تدور أفكاره ومحاوره.. الفصول الأولى كانت تسير بشكل خطي هادئ تمهد للفلسفة النهائية التي يدعو لها، ثم بعد ذلك في نهاية الكتاب أورد بعض الاعتراضات معقبا عليها بالرد، تلاها فصل بالمصطلحات الخاصة بفلسفة المؤلف ومعانيها، وهذا مما نال إعجابي جدا ، وذكرني بالمسيري ومصطلحاته الخاصة به، فالمؤلف هنا بنى مصطلحات على أساسها تفهم فلسفته، والجميل والجدير بالذكر هو صياغة هذه المصطلحات مع مراعاة الأصول اللغوية للمفردات واشتقاقاتها، حيث للغة الأثر الكبير في التأثير على الثقافة والفلسفة، كما أنها المترجم للأفكار، فالاهتمام بأصولها يعني دقة المؤلف واهتمامه بخروج فلسفة واضحة مبنية على أصول لغوية صحيحة، فما بني على أركان صحيحة ذات جودة عالية يكون أقوى في تحمله، وأطول في بقائه.
أخيرا لا أعتقد أني بحاجة للثناء على الكاتب فنقل أفكاره والإزعاج الشديد الحاصل في تحديث الحالة كافي للدلالة على ذلك :) لذا سأنتقل للثناء على الطبعة وهي من إنتاج المركز الثقافي العربي والتي تبدو جيدة ولم ألحظ فيها أخطاء إملائية، أو تعبا بصريا في قراءة الكلمات، كما أنها مرتبة ترتيبا جيدا، ويلاحظ الاهتمام بالمؤلَّف من خلال تعريض المصطلحات الهامة والقواعد الأساسية التي بنى عليها المؤلف فلسفته وكتابتها بالخط الغامق، مما أورثني شعورا بمدى الاهتمام والعناية بالكتاب ومحتواه، وفهما لما يريده الكاتب، ودقة في توضيح مبتغاه، فجزاهم الله خيرا..
*ملاحظة: من أراد أخذ فكرة عن محاور الكتاب، وتلخيصا لأهم ما ورد فيه، فليراجع تحديث الحالة للكتاب، والذي حاولت أن أجعله كملخص للكتاب ولأهم النقاط التي وردت فيه.
الطريق الثالث ( الائتمانية ) تذكرت كتاب ( الإسلام بين الشرق والغرب ) و الديني لدى بيجوفيتش هو الروحاني الخالص، والمادي هو المادي الخالص... فجاء الإسلام الجامع بين سبيل الروح وسبيل المادة. هنا تذكرت هذا الطريق الثالث. ولا أسمي قراءتي لهذا الكتاب قراءة بل هي إطلاع، وسأزعم قراءتي لهذا الكتاب بعد تأمله وتلخيصه والتدبر في مرامي المؤلف البعيدة والقريبة والمحاور الأساسية. وابتداءً بدأ بالإنسان، وأنه في عالمين، وأن لهذا الإنسان منهجين ( منهج لله يشمل الروحي والمادي ) و ( منهج لغير الله ) يقتصر على المادي... فقط ويقلص ويضيّق من حياة الإنسان . فالإنسان إما أن يختار بين ترقية نفسه بالجمع بين العالمين والأخذ بالتدبير الإلهي، أو ظلم نفسه بالأخذ بالتدبير السياسي فقط! الذي يجعله في قصور دائم.
ثم يأتي الحل مع الوحدة في الائتمانية، وحمل الإنسان للأمانة مختاراً والعمل على الحفاظ على الوديعة التي استودعها الله إياه. هذا هو الطريق الوسط والحقيقي والأكمل.
هذا بالنسبة للهيكل الكلي الذي فهمته، أما ما كان تحته من هياكل أصغر وتفصيلات فهي فوائد عظيمة وفيها فتوحات كثيرة لمن أراد التأمل.
كتاب عظيم جداً، وفيه تزكية حقيقية للنفس عند التعمق فيه والتأمل، لذلك القراءة الأولى هي مثل ا��تصفح لا أكثر فيستحق على الأقل 3 قراءات مع التلخيص
يعتبر روح الدين جزءاً من مشروع طه عبدالرحمن الفلسفي ، لكن الغارق في هذا الكتاب سيدرك بان روح الدين هو مشروع فلسفي كامل بحد ذاته . هذا الكتاب يقرأ مرة ، و مرات ، يحفَظ و يدرّس وسأبقى أعود له كل حين
تعددت الكتب التي تناولت علاقة الدين بالسياسة وتعددت الأوجه التي تمت دراسة تلك العلاقة من خلالها إلا أن كتاب الدكتور طه عبد الرحمن يختلف عن بقية هذه الدراسات من عدة أوجه، فهو يختلف من حيث المبدأ في الدراسة ومن حيث المنهج المتبع وطبعا من حيث النتائج المتوصل إليها. ما يميز منهج طه عبد الرحمن في كتابه هذا كما في بقية كتبه هو اتخاذه المنهج المنطقي الصارم في نقاشه لوجهات النظر المخالفة، وحتى في عرض وجهات نظره الخاصة فهو لا يبدأ بالتقرير كعادة بقية المؤلفات بل إن سلوكه يتخذ سلوك طريق الإستدلال في النقد والتحليل المنطقيين. وكتابه هذا المعنون بروح الدين : من ضيق العلمانية إلى سعة الإئتمانية لا يختلف عن بقية كتبه إلا من حيث الموضوع المناقش فهذه هي المرة الأولى التي يناقش فيها طه عبد الرحمن موضوعة علاقة الدين بالسياسة وهذه المقاربة التي قام بها ليست مثل المقاربات المعروفة التي تملأ المكتبات فلاهي تاريخية أو سياسية أو اجتماعية أو قانونية أو إيديولوجية هي مقاربة روحية بامتياز أو بحسب مصطلح طه عبد الرحمن هي "مقاربة ذكرية" غير نسيانية والنسيان هو ما يميز النظرة العلمانية للأمر بينما ما يميز نظرة الإسلاميين أو بتعبير طه عبد الرحمن "الديانيين" القعود، فالعلماني نسي العالم الغيبي والدياني قعد عن الروحانية التي تطبع الدين وبالتالي فمقاربة طه عبد الرحمن غير نسيانية فالروح بحسبه لا تنسى ولا تقعد وإنما تذكر وتعرج وأبى "إلا أن يكون في مقاربتنا ذكر لما نسيه العلماني وعروج إلى ما قعد عنه الدياني" وقد قسم الكتاب الواقع في أكثر من 500 صفحة إلى بابين كبيرين وكل باب احتوى على عدة فصول والفصول إلى مباحث والمباحث إلى فقرات وكل ذلك بمسلمات منطقية مدروسة وجاء البابين كالتالي: الباب الأول: إزدواج الوجود الانساني ونهاية التسيد العلماني، ويحاول في هذا الباب من خلال عدة فصول نفي الفكرة العلمانية القائلة بانفصال العالمين الديني والسياسي أو عالم الغيب وعالم الشهادة. والباب الثاني جاء تحت عنوان: اتصال التعبد بالتدبير واتساع الوجود الائتماني، وكما انتقد الاطروحة العلمانية في الباب الأول بدأ في انتقاد الأطروحة الاسلامية في هذا الباب مؤكدا على أنهم أي الاسلاميين أو بتعبيره الديانيين يكتفون بمحاولة القول باتصال الدين بالسياسة مبتعدين عن القيم الروحية الحقيقية للإسلام ومنتقدا في نفس الباب الكثير من المقولات الرائجة والشائعة مبينا خطأها وقصورها مثل مقولات "الإسلام دين ودولة" "الدولة الاسلامية دولة مدنية" وغيرها من المقولات التي تروج لها الأحزاب الإسلامية. أين الطريق الصحيح إذن؟ إنه في تلك الذكرى الفاصلة التي حدثت في تاريخ الانسان، حيث تم العرض الغيبي الكبير على كل المخلوقات بتحمل الأمانة ورفضتها كل المخلوقات إلا الانسان. ويفسر طه عبد الرحمن دعوى الائتمانية بأنها لازمت حرية الاختيار فالأخير هو الشرط الأساسي الذي تتوقف عليه إمكانية تحمل الأمانة من عدمها، ومن هنا يحسم الجدل الدائر حول الجدل الدائر حول جدلية الجبر والاختيار حيث يبرهن طه عبد الرحمن أن الانسان مخير منذ بداية اختياره لتحمل الأمانة. الدعوى الائتمانية إذن ترجع العمل التعبدي والعمل التدبيري في العالم المرئي إلى أصل واحد هو الائتمان الالهي حيث لا يوجد لا فصل ولا اتصال بينهما أي بين الدين والسياسية، فالانسان اختار أمانة التدبير فصارت بذلك عبادة والعبادة منشأها التدبير، ولكن الانسان نسي بطبعه كائن ينسى فنسي أنه حمل تلك الأمانة ورجع إلى مسألتي الفصل والاتصال والتي أسال فيها الكثير من الحبر بل إنه أسال في حقها الكثير من الدماء والأنفس على مر التاريخ. في الحقيقة إن أي عرض أو قراءة لهذا الكتاب العظيم لا توفيه حقه، فقراءته وقراءته وحدها هي ما توفيه بعض حقه ولعل قراءة ثانية وثالثة تكون أهدى إلى السبيل.
أعترف بأن أسلوب طه عبد الرحمن لا يروق لي أبداً، وأكابد جهداً كبيراً في الانسجام مع ما يكتب، لسببين: الأول أنّني لست معتاداً على القراءة في التصوّف، والثاني هو لغة طه عبد الرحمن واصطناعه المبالغ فيه برأيي واشتقاقاته المزعجة التي تذهب سهولة اللغة وانسيابها أمام تقعّر لفظي كريه وتعسّف في التعريب.
أما مضمون الكتاب فهو محل عدم قبول لدي أيضاً، ولدي بعض الملاحظات على المنهجية المتّبعة لدى أنصار التصوف الفلسفي. ويمكن الإشارة بصورة سريعة إلى مدى ضعف النتيجة التي وصل إليها الكاتب عبر أطروحة "الإئتمانية" التي تجعل الدين والسياسة شيئاً واحداً، ثم تحيلهما إلى "ميتافيزيقا التزكية الروحانية" في النهاية، أي أنّها تلغي التمايزات الابستمولوجية بين الدين والسياسة تماماً.. وإن كان هناك ما يبرر هذه النتيجة منطقياً بطبيعة الحال، كون طه عبد الرحمن منطقي قبل أن يكون فيلسوفاً، إلّا أنني لا أجد هذا كافياً للاقتناع بهذه الوحدة، وأعتبرها إغراقاً في "مثالية" فلسفية تحتقر المادة وتنتهي بإنكارها وتهمل شروط وجودها أيضاً..
عموماً لدي بالفعل نفور من كلّ فلسفة لا تستطيع التأسيس الواقعي الفعلي لأطروحتها فيما يتعلّق بالقيمة التي تنظّر لها، أو "ما يجب أن يكون" بعبارة أخرى. وأرى أنّه من الضروري جداً للفيلسوف أن يستحضر الواقع الحاضر، أو التاريخ بصورة أدق، حينما يأتي بنظرياته الجديدة؛ إذ لا يكفي فعلاً أن تكون النظرية جميلة ومنطقية، بل يجب أن يكون لها روافع من الواقع أيضاً تدعمها، كي تتحول إلى سلوك بدل أن تبقى كقصة جميلة فحسب!
لا أظن أنني وجدت بغيتي في هذا الكتاب لتحرير الإشكالية بين الدين والسياسة.
بسم الله الرحمن الرحيم "ولقد عهدنا إلى آدمَ من قبلُ فنسي ولم نجد له عزما" مشكلة الإنسان في النسيان والآفة الكبرى نسيانه أنه ينسى، فينسى السؤال الأول: ألست بربكم؟ وينسى إقراره بعبوديته وبربوية الخالق حين أجاب بلى! وينسى أنّه مخلوق من مضغة وينسى النفخة التي ائتمنه الخالق عليها، وينسى الرسالة التي خُلق من أجلها، وأنّه خليفة لله تعالى في أرضه، وينسى أنّه سيموت ويبعث ويحشر ويسأل، وكل يوم يحاول تذكير نفسه بضرورة نسيان زواله وموته وفناءه. حالة النسيان الملاصقة للإنسان اللاهي في الحياة الدنيا جعلته يدعي أنَّ مسار الحياة يُسلك بشق واحد فقط وهو الشق البدني والحسي والشهودي؛ لأنّه استنكر الغيبية ونسى الروح وغلب الشهودية على الغيبية وجنّب الروحية واعتمد على المادية فقط. نسي الإنسان أنَّ الحياة يجب أنْ تسلكَ بجناحي الغيبية والشهودية فيسعى في الأرض ببدنه من أجل تزكية النفس بإعمال الروح فيها: أو يعمل إلهام التقوى الذي جاءه من الله في النفس فيزكيها، ولا يعمل الفجور فيها فيدسيها كتاب روح الدين للفيلسوف الفقيه العارف "طه عبد الرحمن" ليس مجرد نقد لفكرة العلمانية على الصعيد السياسي فقط، وإنّما محاولة إبداعيه منه لنقد فكرة فصل الحياة بكافة مجالاتها عن الدين أو عن الله. فكل محاولة لهذا الفصل إنَّما هي شرود بالإنسان عن النفخة الأولى التي وضعها الباري في داخل العبد، وانسلاخ عن الرسالة الأولى والهدف الأسمى للإنسان على الأرض: وهي رسال الائتمانية أو الاستخلاف. فخلافة العبد لربه في الأرض يقتضي منه أنْ يكونَ متذكرًا رسالة الإشهاد الأولى التي أقرّ فيها العبد بربوبية الله عز وجل عندما سألهم ألست بربكم؟ فقالوا بلى! وكيف للعبد الذي يسير على هذا الأرض حاملًا النفخة الإلهية أنْ يشرد عنها ويختار أن ينفرد أو يدعي التسيد على الكون وينفصل عن وظيفته الأولى ورسالته الأساسية. فكل محاولة لفصل الإله عن حركة الإنسان في هذه الحياة هي محاولة لا تحمل في ذاتها الطمأنينة أو الأمان وهي تؤدي رسالتها في الكون. لم يكنْ انتقاد "طه عبد الرحمن" لفكرة العلمانية على الصعيد السياسي بشقيه الديني والعلماني فقط، وإنما امتد الانتقاد إلى مستوى المدارس الفقهية في التاريخ الإسلامي والتي أطلق عليها "عبد الرحمن" بالصنعة الفقهية والتي تخلّت عن الدور المنوط بالفقيه، والذي تم ممارسته لفترة ليست بالقليلة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى بداية نشأة المذاهب الفقهية، والتي تعاملت مع النصوص الفقهية بالمبدأ الرياضي البحت وحولت النص الإلهي إلى مادة قانونية تخضع للحل والحرمة والجواز وفقط متناسية روح النص الإلهي ومراده وغايته ومقاصد تشريعه. فدعا "عبد الرحمن" إلى ضرورة التحرر من الصنعة الفقهية وقانونية الفقه واسترداد الفقه لروحه التي نادى بها الإله في وحيه، والتي أراد من خلالها الخالق إلى ضبط العبد ومجتمعه ليصل الى التزكية التي أرادها الله من عبيده. ومع انتقاد "طه عبد الرحمن" للصنعة الفقهية والعلمانية بكافة أشكالها الجزئية والشاملة؛ من أول الداعية إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة إلى حد العلمانية القائلة بتسيد الإنسان على جميع المخلوقات ومركزيته بالنسبة للكون، انتقل "طه عبد الرحمن" لنقد ما وصفهم بالديانين والذين نافسوا العلمانيين على المستوى السياسي متهمًا الديانية بأنواعها المختلفة التي قالت بتديين السياسية أو تسييس الدين بأنّه توجه لم ينجْ من النزعة العلمانية التي تفصل ما بين حركة الإنسان في الأرض والرسالة الأولى التي خلقه الله من أجلها. سارع مسيسوا الدين أو مدينوا السياسة إلى تفعيل الدين في المجال العام أو تفعيل السياسة داخل الدين فأرادوا النفس فقط ولم يراعوا الروح، والأساس في مبدأ الائتمانية هو الروح وليس النفس؛ إذ النفس لم تؤتمن على النفخة الأولى ولم تك هي المعنية حين طُرح سؤال ألست بربكم؟ فأجاب العبد بلى. انتقد "طه عبد الرحمن" الديانيين بأنّهم ركنوا إلى الدين في جانب واحد فقط من الحياة: فصارت رسالتهم مبتورة ومنقوصة لإهمالهم الجانب الأكبر والهدف الأسمى. إذ المنوط بتديين السياسية أن تكونَ استجابة لتزكية النفس أو سعيًا لرفعها وتطهيرها، وما حصل منهم هو كان رد فع على العلمانيين على نطاق النفس والذات ولم يكن من أجل الروح؛ فانهزموا مرةً لأن ميدان النفس ليس ميدانهم بل ميدان الدهرانيين لامتلاكهم لأدوات السياسة الحياتية وتمكنهم من الارتكاز على النفعية من غير حرج في الظاهر أو الباطن، وهو ما لم يتمكن منه الديانيون لحرجهم الظاهر، وانهزموا مرةً أخرى لأن سعيهم لم يكنْ من أجل الروح والعمل على سموها بل كان من أجل النفس والذات فقط. فالمعني من الرسالة الائتمانية سواء في حراكها السياسي أو غيره من الحراكات العامة التي يتجول من خلالها الإنسان في ضروب الحياة أن يسير بروحه لا بنفسه فيحصل بذلك عمليه التشهيد والتغييب في آن واحد من غير فصل مهين للإنسان أو وصل مبتور الروح يرتكز على النفس ولا يبالي بالروح. رؤية الدكتور طه عبد الرحمن من خلال هذا الكتاب تهدف إلى إحياء الروح في جميع مجالات الحياة؛ بأن نخلقَ فقهًا حيًا بروح متجاوبة مع النفخة الإلهية، لا فقهًا رياضيًا بحتًا يقول بالحلال والحرام من غير مراعاة للنزعة الصوفية والركيزة الأخلاقية التي أتى رسولنا الكريم من أجل اتمامها، وبأن نحي الروح في سعينا وبناءنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيصير التدبر تعبد والتعبد تدبر.
ماذا يناقش هذا الكتاب ؟؟ _ العلاقة بين اليدين والسياسة _ وما علاقة هذا الموضوع بالعنوان ؟؟ _ العلاقة بين الدين والسياسة كما يراها المؤلف لا تنحصر في كونها فصلا بين مجالين مختلفين " العلمانية " ولا وصلا بين مجالين متماثلين " الديانية " بل هي فوق ذلك دعوى ائتمانية " من الأمانة " تجمع بينهما عبر فكرتي الإيداع الرعائي والاتصال الروحي لتصير الحياة كلها تدبيرا تعبديا خالصا تحرر الوجود الإنساني من كل قيد . مقاربة الدكتور طه مقاربة روحية _ كما سماها _ ترتكز على العمل التزكوي المستمر للروح ينشغل به الفرد والمجتمع ولا يلبث أن تمتد آثاره للحكام والولاة ... ربما يبدو هذا مثاليا بعض الشيء لكن منطق المؤلف ومنهاجه وأسلوبه في عرض أفكاره ونظرياته سيقنعك بالكثير . هذا الكتاب في رأيي المتواضع لا غنى عنه لمن شغلته هذه الجدلية المستمرة في العلاقة بين الدين والسياسة وهو ككل أعمال المؤلف يتميز بأفكار بالغة الجدة وبأسلوب رصين وبطريقة عرض وترتيب متميزة للغاية وكأنها مدرسة منهجية خاصة بالدكتور طه عبد الرحمن " الذي أندهش كثيرا لقدرته على الجمع بين الفلسفة والتصوف بسهولة ويسر " نفع الله به وبارك في علمه .
تلح علي رغبة مستغرَبة وهي أن يقرأ هذا الكتاب وهذا المشروع أعلام التاريخ الإسلامي ويبرز بينهم في مخيلتي شيخ الإسلام ابن تيمية الرجل الذي حمل هم التصحيح لكثير من التصورات التي تسللت بفعل البيئة المحيطة والقوى الاجتماعية العلمية دون التدقيق في صحة هذي التصورات ودن منح الوقت الكافي للحكم عليها
نعم أجازف بثقة حين أقول بأنني أضاهي طه عبدالرحمن بابن وشد والغزالي والفارابي وابن سينا فيلسوف متمكن سؤثر على تاريخ الفلسفة في العصور القادمة
بداية الكتاب بالتأكيد لا تكفيه قراءة واحدة ... ولن أدعي أنني فهمته كلّه
الكتاب يؤسس لنظرية متكاملة في المقارنة بين إشكالية الديني والسياسي من بذورها وحتى تقديم نموذج حلّي (من وجهة نظر الكاتب بالتأكيد) لها
وتتأثر هذه المقارنة وهذا النقد بالنزعة الصوفية لدى مولانا طه عبدالرحمن ... والتي تتضح كلّما توغلنا بالكتاب بانيا المشكلة والحل عليها "التزكية .. والباطن"
قد يكون هذا هو الوجه السلبي الرئيسي الذي لربما لم يعجبني في الكتاب ... ليس أنني أنكر أن صلاح باطن الإنسان وتزكّيه بالتأكيد سيكون حلّا لكل المشاكل ... ولكن هذا الموضوع يبقى نسبيا كوننا بالفعل لا نستطيع الحكم على هذا الباطن ... وهنا تكمن مشكلة تأسيس الدولة ونصب الولاة ومنهجية الحكم التي تتطلب مراعاتنا للظاهر وإن كانت من الأمور التي ينتقدها الكاتب
تكمن صعوبة أُخرى في الكتاب وهو فرد مصطلحات جديدة من قِبل الكاتب ,,, وهو أمر يُصعّب فهم الكتاب قليلا
أمر جميل أن أغلب أفكار هذا الكتاب كانت باقتباسات سواءا من السنة أو من القرآن الكريم (وهو الأبرز والأكثر) وهو شيء جميل لافت للنظر كيف أن هذه المصادر غنية جدا بحيث نستطيع بعقولنا وقلوبنا النهل منها ولن تنضب
الكتاب من 9 فصول تتقدمه مقدمة أخاذة وخاتمة مميزة
في الفصل الأول :
يتناول الكتاب قضية قصور وتعدية الوجود الانساني ... بحيث يثبت منطقيا لزوم وجود الإنسان في أكثر من عالم .. مرئي وغيبي .. وهو الأمر الذي ترى كثيرا من العلمانية يتغافلون عنه فتراهم ينظّرون وكأنما جلّ الاهتمام ووحدويته للعالم المرئي .. هذا إن لم ينفوا العالم الغيبي بالكليّة من الأساس
في الفصل الثاني :
يناقش الكتاب عملية الفعل الديني والفاعل الديني وكيف أن ما يميزه هو عملية التشهيد بحيث يتراءى له العالم الغيبي في كل ما يفعل في هذا العالم المرئي وذلك بفضل مبدأ الفطرة التي تنزل منزل ذاكرة سابقة على الوجود المرئي والتي تُحدد الغاية من وجوده والتي هي التعبد لله وحده ... ثم بعد أن يحصل الفاعل الديني القدرة على التشهييد لن يتحصل كماله إلا بمبدأ التفاضل أي طلب أفضل دين وشريعة وطريقة لتعبده ... ولا يتحصل له شمول هذا التشهيد إلا بمبدأ التكامل بحيث يطلب في كل أمر مرئي وجه غيبي تتكامل فيه الدين ككل.
في الفصل الثالث:
وهنا يتناول الكتاب الفعل السياسي مبينا كيف أنه ينبني في الأساس على "التغييب" أي تصعيد العالم المرئي مرتبة العالم الغيبي , وكيف أن ذلك لا يكون إلا بمبدأ النسبة أي نسبة الأشياء إلى نفسه والتي قد يتوغل فيها لغاية أن يتسيد على غيره فتراه بهذا التسيد يتطلّع أن يدرك رتبة الحاكم المطلق ,, ثم بعد هذا فلا يكون كمال هذا التغييب إلا بمبدأ السلطان وذلك بجعل ملكه ملكوتا واسعا ومن قوته جبروتا قاهرا ومن شخصه ذاتا متألهة متوحدة ... ثم يسعى لشمول التغييب من خلال مبدأ التنازع وذلك بأن تكون العلاقات النفسية مع غيره مبنية على التنافس في المنافع والأغراض موجدا فضاءا نزاعيا واسعا.
أما في الفصل الرابع:
فيتحدث الكتاب عن الدعوى العلمانية وكيف أنها تشترط الفصل بين العمل والديني والعمل السياسي وذلك بنهوض المواطنين بوضع قوانينهم بأنفسهم وبهذا تدخل عليهم شتى ألوان التضييق, بداية أنها بُنيت على افتراضات باطلة, منها أن إرادة التدبير لا تتجلى إلا في القدرة على وضع القوانين , وأيضا أن إرادة الله تتعارض مع إرادة الإنسان ,, ثمّ أنها بُنيت على اختلالات شنيعة في فهم الصلة بين الله سبحانع وتعالى والإنسان منها أن انحسار إرادة الانسان تكون على قدر امتثاله لأوامر الله عز وجل , وأن ارادة الله تسلب من الانسان ارادته ,,,,,, ثم بناءا على هذه كلّه أنشئت هذه الدعوى تقريرات فاسدة كأن تقول أن العمل الديني لا يدخل في الشأن العام إذ لا تدبير فيه .. والسياسة لا تتدخل في الشأن الخاص إذ لا تعبد فيه... وكلّ هذا أدى إلى تضييق وجود الإنسان وانوجاده في العالم المرئي وتواجده في الغيبي.
ثمّ في الفصل الخامس:
يتحدث عن كيف أن السيد وإن اختلفت أنواعه (تسيّد محكم أو مشتبه) هيمن على تدبير الشؤون والعلاقات الانسانية ... وعلى من يتعبد لله وحده الخروج من هذا التسيد الطاغوتي وكيف أن طرائق القول والحوار وما إلى ذلك لا تُفيد في عملية الخروج هذه ولا يكون ذلك إلا عن طريق العمل التزكوي الروحي وأخذ بقية الفصل في تفصيل هذا العمل التزكوي وتوضيحه.
في الفصل السادس:
تحدث عن الدعوى الديانية وبين أو الوصل بين الدين والسياسة لديهم أخذ صورتين : إما تسييس الدين أو تديين السياسة ,, أما الأولى فكان من أجل خدمة أغراض الدولة التسيدية ,وكان هذا صورة لإخضاع الدين للتدبير التسيدي بحيث تتمسك بما يحفظ أهدافها التسيدية بما يتجلى من هذا التعبد , وتقصي باسم التعبد نفسه من لا يخدم مصالحها.
أما الصورة الثانية التي يدعوا بها بعض "الاسلاميين" فدخلت عليها شبهة تقليد المفاهيم والتدبيرات ذات الأصل العلماني ,,, وهذا التقليد كان أحيانا مقصودا لدفع تهمة التطرف وأحيانا أُخرى غير مقصود متأثرا بأساليب الممارسة السياسة السائدة في المجتمعات ,, وهذا التقليد إذ أنهم لم يرتقوا بتعبدهم إلى الدرجة التي يصبح معها معينا حيّاً يمدّهم بأسباب الإنشاء والابتكار.
الفصل السابع:
تحدث الكتاب هنا عن صورة من صور التماثل بين الدين والسياسة وهو مبدأ تحكيم الدين .. او "الحاكمية" ولكن هنا يوضح أن مجال هذه الحاكمية ليس كما يعتقد التحكيمييون مجال التدبير التسلطي التي تعتبر فيه الأعمال محكومة بالآمرية البشرية إنما هو مجال التدبير التعبدي فلا يقول بالحاكمية لله إلا لمن شَهِدَ الحق في الخلق أي المُتزكي.
الفصل الثامن:
وهنا يتناول الصورة الثانية من صور التماثل وهي صورة تفقيه السياسة كما تمثلت بنظرية ولاية الفقيه في المذهب الشيعي ,, وبيّن كيف أن هذه النظرية بنت تصورها للفقيه عن طور التدويني والعصر الصفوي الذي اتسمّ بعداء ومحاربة للمتزكيين والمتصوفة ,, وكيفيو عنايته بالجانب القانوني من الفقه مهملا الجانب الأخلاقي حيث أنه لم يبنِ الأخلاق الظاهرة على الباطنة وأنه لم يبن الأخلاق على القانو ,, ثم عرض إلى الفرق بين الفقيه الصناعي والفقيه الحي ... وبين فرقا أساسيا بينهما وهو الخصوصية في الأول والعمومية في الثاني حيث يرى أن جميع المسلميين يجب أن يتفقهوا فقها حيا ويكونوا فقهاء كلّ على قدر حاجته .. وبالتالي فعرض أن ولاية الفقيه الحي بهذه الصورة تكون ولاية لكل الأمة لا لفئة محددة ومخصوصة.
أما في الفصل الأخير فقد رسم الكتاب ملامح الدعوى الإئتمانية التي يجلّيها على أنها التصور الذي يراه حقا موسعا للوجود الإنساني مُخرِجا له من ضيق العلمانية ..ومن بعدها ضيق الدعوى الديانية (بالتأكيد موضحا أن الدعوى العلمانية كانت أكثر تضييقا) ... وتأخذ هذه الدعوى أساساتها من اعتبار الله عز وجل مودِع والأنسان مودَع لديه وكلّ الأمور التي يقوم بها الإنسان إنما هي ودائع أودعها اللهُ إياه بالتالي لا يتسطيع نسبتها إلا إلى نسبتها الحق إلى الحق سبحانه وتعالى ... راسما ومفاضلا بينها وبين الددعوتين الأُخرتين.
بالتأكيد كتاب بهذا الحجم لن يفيه العرض الذي عرضت حقه في مناقشة افكاره وإيضاحها وما إلى ذلك .... الكتاب بمنح الكثير من منهجية وافكار وإيضاحات ... وقد لا تتفق مع بعض ما فيه ولكن لن تنكر تميزه وسبقه
كتاب قدّم نظرية متماسكة وفلسفة رائدة من مشكاة الوحي وصريح العقل ، حول جدلية العلاقة بين الدين والسياسة أو علي حسب تعبير المؤلف (التعبيد) و (التدبير) وهذه الفلسفة كما قال المؤلف أنه أراد أن تكون نظرية في الوجود الانساني (حيث الوجود الانساني متعد غير قاصر) وليس فقط في العلاقة بين الدين والسياسة .
طه عبد الرحمن بهذا الكتاب يُعتبر أعلم وأبلغ الفلاسفة المعاصرين من حيث : قدرته علي الإحاطة بالمعاني الكلية والنفاذ إلي جوهرها وصياغتها في نسق متماسك وتخليصها من الاعتراضات وقدرته علي نحت المصطلحات والمفاهيم الخاصة به وقدرته علي التفكيك والتركيب وعمقه في استيعاب الفلسفات والمذاهب الفكرية والانسانية وانطلاقه من الوحي لبناء التصورات
ولفهم هذا الكتاب لابد أن تستوعب مصطلحاته جيدا ودلالتها وهو قد وضع قاموس مصغر في اخر الكتاب لبيان وشرح معاني هذه المصطلحات ، وفي أول سياق لذكر المصطلح يذكر معناه في الهامش وأهم المصطلحات في نظري هب (التغييب) و (التشهيد) وعلاقتهما بالعالم المرئي واللامرئي ، ففهم ذلك سيساعدك كثيرا علي استيعاب وإدراك صُلب وجوهر الفكرة الناظمة أو الفلسفة المُؤسسة لنظرية المؤلف في كتابه ومن مميزات الكتاب أن المؤلف في اخر كل فصل يضع تلخيصا رائقاً لهذا الفصل يساعدك علي فهم المقاصد والمعاني الكلية للفصل ؟
كتاب يُظلم كثيرا لو تمت قراءته مرة واحدة بل يُقرأ مرارا ويُلخص أيضا . ومن وجهة نظري طه عبد الرحمن تفوق علي المسيري وتجاوزه في نقده للعلمانية
بعض من مقتطفات الكتاب :- من خصائص وفوائد التزكية الروحية في دفع مساوئ التسيد إلى الخَلق ، إذ تخرج من التوسل بقوة السلطان إلى التوسل بقوة الوجدان ، ومن ضَيق التعبد للخلق إلى سعة التعبّد للحق ، مفجّرة طاقات الإبداع في المجتمع ، ومُطلقة قدراته على تجديد تدبيره لشؤونه ، مرئية كانت أم غيبية . فالكتاب يتحدث عن العلمانية وما تتصف به من السلطة والتسيّد للخلقِ بالإضافة عرضه لبعض انواع من العلمانية فهي ليست في مقام واحد من الأنا الذاتية - وجود الإنسان في عالمين اثنين لا عالم واحد -خصائص العمل التزكوي وغيرها من الأطروحات الشيقة
يتكلم فيه الكاتب عن العلاقة بين الدين والسياسة وشرحها في هذا البحث وحاول يربط الدين بالسياسة بحيث يكونان مكملان لبعضهم ومحد يطغى فيها على الثاني بحيث ان الدين له خصائصه والسياسة لها خصائصها ووظائفها .. وفي الكتاب يعترض على الفكر العلماني اللي يفصل الدين عن السياسة ويرى انه مايصح هالشي وايضا يعترض على الفكر الاسلامي او اسماه هنا " الديني " اللي يضع السياسة جزء من الدين ويراها حركة مضادة للعلمانية فقط لكن لاتمثل الدين الحقيقي .. طه عبدالرحمن هنا يدعوا الى الائتمانية اللي هي تطبيق الدين بوجه عام مع وجود أمور وتدابير تركها الله للناس لكي يقومون بالاختيار والتدبير من انفسهم .
بدأ الكاتب في توضيح نقطة انه يوجد عالمين الأول هو العالم الغيبي او الروحي وهو اللي تخلق فيه الروح ويكون منبع الفطرة التي اوجدها الله في الانسان وهي فطرة العبودية لله وحده .. والعالم الآخر هو العالم المرئي وهو العالم الذي نعيش فيه بأجسادنا , فمن وجهة نظر طه يقول ان المفترض ان الانسان يوازن بين هذه العالمين بحيث انه ماغلو في اي طرف لأنه يرى العلمانيين غلو في العالم المرئي ووضعوه هو الاساس بينما الدينيين غلو في العالم الغيبي ووضعوه الاساس ونسو عالمهم المرئي .
ربما أكثر نقطة عجبتني في الكتاب كان حديثه عن التسيد الممارس من قبل الحكام في كل الأزمنة السابقة والحالية وكيف انهم يمارسون تسيدهم على الشعب بصفة ملكهم للسلطة وانه واجب على الشعب طاعتهم وتبجيلهم على أي امر كان .. حديثه في النقطه هذي كان غني ومليئ بالنقاط الجيدة والفصل هذا كان أكثر فصل شدني في الكتاب لأنه يبين لك عن الحالة النفسية اللي تأتي للحاكم حينما يمارس السلطة على الشعب فالبعض يغلو فيها ويعتقد انه معصوم عن الخطا وان من يخالفهم يقتل ! والبعض يرى التبجيل يكون للدولة او للنظام سواء كان ديموقراطي او اشتراكي او غيره .
فكرة الكتاب العامة هي أكثر شي عجبني لأنه يدعو فيه لشي جديد وتقريبا معتدل لكن تطبيقها وسردها ماكان موفق على الاقل بالنسبة لي .. أول وأهم حاجة هي اسلوب الكاتب كان جاف جدا ويميل للتعقيد منه للتبسيط .. يعني تحسه يعشق تعقيد الأمور واستخدام مصطلحات متعبة وايضا طريقة عرضه للأفكار تحس فيها إجبار أو قوة مبالغ فيها كأنه يبي يقنعك غصب ترى فكرتي هي الصح بس والباقي غلط ومليان عيوب ! الأسلوب هذا ينفر القارئ وأنا شخصيا أبغض هالنوع هذا .. كان من الممكن ان يطرح كتابه بشكل افضل وابسط .
ايضا نقاط عديدة في الكتاب ما اقنعتني .. كثير من النقاط كان يستشهد بالقرآن او السنة وبالنسبة ما اراها الحجة المناسبة اذا كنت تكتب كتاب فلسفي فكري زي هذا , لأن القران له اكثر من تفسير وكذلك السنة فالافضل انك تدرج الفكرة حقتك وتبدأ بطرحها بأسلوب عقلي ومنطقي لأنها هذي الطريقة المناسبة للتحاور مع القراء خصوصا انك بتتعامل مع الكثير من القراء اللي يمتلكون توجهات مختلفة وربما أديان مختلفة .
بالنهاية الكتاب جيد كفكرة وسئ كطريقة طرح وسرد وايضا اسلوب .. ويمكن بسبب اسلوب الكاتب قعدت على الكتاب فترة طويلة وأخذ مني وقت واضطريت في بعض اجزاءه اني اسويلها سكب مع اني اكره جدا اني اعدي نقطة بدون لا اقراها بس اضطريت خلاص قعدت وقت طويل في الكتاب وانهكت .
اول مطالعة للمفكر طه عبد الرحمن .. الصراحة الصراحة .. كتاب صعب، ولم يضف لي .. باعتقادي أن روح الدين أبسط بكثير من شرح معقد اتفقت مع مافهمته ولكن !! هل هكذا كتب تُكتب لفئة معينة من القراء؟
الكتاب يحوي تسعة فصول مقسمة بين بابين ، وجدت بها إسهاب اكاديمي بعيد عن السلاسة والوصول للقارئ ، أشعرني بتيه المؤلف نفسه مابين الدين والسياسة ! التعبد والروحانية !
أظن الكتاب يمكن اختصاره للنصف بتوضيح منزه عن الفلسفة :)
#أديان التوحيد هي التي تدعو إلى التعبد لاله واحد لاثاني له واديان الشرك التي تجيز التعبد لأكثر من إله واحد #عماد الأعمال التي يأتيها الإنسان هو النيات #الحكم الديني يتسع لما لايتسع له الواقع ... يحمل من قابلية التعميم مايجعله لايختص بمجتمع محدد، وإنما يشمل مجتمعات مختلفة كما أنه يحمل من قابلية التكيف مايجعله لايتعلق بزمن واحد بعينه، وانما يستوعب أزمنة متتالية
طه عبدالرحمن غني عن التعريف..طرحه دائماً متميز. غير أني أجد أن اسلوبه في الكتابه يعتمد على التعقيد أكثر من التبسيط وكأنه إشارة للملكه الفلسفية التي يملكها!! وهذا بظني قصور. لمن يرغب بقراءة كتبه ففيها اضافة جيدة..لكن يجب أن تكون صبوراً..وتأخذ حبتين بندول!! :)
ينتقد الفيلسوف والمفكر الاسلامي طه عبدالرحمن في كتابه هذا طرق تحول الأنظمة المستبدة بالثورات او حتى بالطرق الديمقراطية التقليدية ويرجع هذا الانتقاد الى ان اي نظام كان في الماضي مضطهد او بلا سلطان بعد ان يتولى مقاليد الحكم ينقلب الى نظام استبدادي . ويرى في الطريق الصحيح في تحويل تلك الانظمة وهو ما يسميه الكاتب (الازعاج) بمعنى انه بواسطة الدين وروحه يتم تغير مفاهيم الفرد واستشعار وازعه الداخلي وتذكيره بفضل الله عليه حتى يؤدي ذلك الى صلاح الفرد وبالتالي صلاح المجتمع . اتفق مع الكاتب في ان صلاح الفرد يؤدي الى صلاح المجتمع ولكن ما يثير تساؤلاتي أن جميع الأديان (اليهوديه والمسيحية والاسلام)بدأت مضطهدة في مجتمعاتها الا ان كسبت تعاطف الناس وتقلدت الحكم وبدأت تمارس اساليب القمع والاستبداد كما تم عليها من قبل ! اذا كانت هي تلك غاية الدين وروحه في صلاح الافراد على العموم وبالتالي صلاح المجتمعات لماذا هذا الفشل الى الان ف�� تحقيق اه��افه ؟؟ كم من القرون نشأة الأديان ولم تفلح في تحقيق ما سعت اليه؟ وما يدعيه الكاتب وهو روح الدين للأسف لم تكن نشأة الأديان ولا حينما مسك مقاليدت التزمت به . بل صارت على نفس اي نظام اخر يدعي مبادئ وينقلب عليها في الأخير . من الممكن فعلا أن يتطور الانسان ويرتقي بأخلاقه الا ان يكون الوازع الداخلي يمنعه من الاستبداد ولكن لا استطيع ان ازعم ان هذا سوف يكون بفضل الدين ام انه تطور طبيعي للانسان ؟
كتاب يشدك يستفزك لا يسمح لك بالشرود و التجاوز ... مصطلحات صعبة جداً ... تحتاج لتركيز و هدوء و فنجان قهوة لتدرك معانيها
قبل أن أبدأ بالكتاب كنت متوقعة أن أجد تفسيراً واضحاً للأزمة الدينية التي نعيشها... و بالفعل وجدت جواباً عن كثير من أسئلتي .. اجابة أكثر من المتوقع و من صلب المنطق من صلب روح الدين
قسم الكاتب الناس لثلاث أقسام رئيسية علماني .... الذي استغنى عن العبادة لأنه اعتبر أنها تقيده و الدياني .... الذي قيد نفسه بعبادته الظاهرية الجوفاء و الإئتماني... الذي اعتبر العبادة " أمانة " أودعها الله له و بشكل رهيب أثبت طه عبد الرحمن كيف أن الدياني و العلماني ما هما إلا وجهان لعملة واحدة ألا و هي الأسر لا الحرية !!
نعم أنصح بالكتاب و لكن مع علبة باندول كاملة ..... لصعوبة مصطلحاته الفلسفية و عمق معانيه و قيمته بأربع نجوم من أصل خمسة لسببين - صعوبة مصطلحاته و غرابتها في كثير الأحيان - التكرار في بعض الأفكار
كان الكتاب صريحاً جداً معي ... تعمق فيني أكثر من نفسي ... لذلك أحس و كأني سأسأل عنه يوم القيامة فأسأل الله أن يجعله حجة لي .. لا حجة علي آمين
قد يكون فيه كثير من الجمل والمصطلحات الفلسفية، إلا أن أروع فهم للفطرة و الروح وعلاقته بالنفس البشرية يمكن أن يستخلص منه. فلم أعثر على كلام واضح يعطي هذا البعد العميق ويتعامل مع الروح والنفس بشكل عقلي وروحي و يتوافق مع الدين مثل ما كتبه الدكتور عبد الرحمن طه. ربما لأنه اطلع على كلا العلمين ، الفلسفي والديني الروحي أو الصوفي.
كتاب بإسلوب فلسفي، يشرح الفارق بين الدين و السياسة، و يصل بك الى مفهوم بأنهما نقيضان، و في نفس الوقت مكملان بعضهما البعض كالنهار و الليل استمتعت بقراءة ذلك الكتاب، و أعتقد بأنكم ستستمتعون مثلي بقراءته، إن كنتم من هواة الفلسفة و المنطق
طه عبد الرحمن أدخلني في غرفة عمليات كبرى وكان مشرطه حاد, بالتاكيد ساخرج من هذا الكتاب بأفكار ورؤى ومعتقدات جديدة غير تلك التي اعتقدت أنها مسلمات أحمد الله أني جعلني أحد الذين درسوا هذا الكتاب الفخم
ربما كان طه عبد الرحمن أشهر فيلسوف إسلامي معاصر إلا أنه أقرب للتصوف منه إلى الفلسفة وهو بالطبع لا يرقى لفلاسفة الإسلام الكباركإبن سينا وإبن رشد الذين كان لهم تأثير كبير على الشرق والغرب بينما طه عبد الرحمن في هذا الكتاب غارق في المثالية الصوفية الخيالية فهو عندما يتحدث عن مفهوم "الإزعاج" الذي يزعم أنه يتجاوز المفهومين العلمانيين:"الإنتخاب" و"الإنقلاب" في مواجهة المستبد أو الدكتاتور فهو غير واقعي بالمرة وكأنه يعيش في عالم الأحلام فكيف يمكن إزعاج الدكتاتور بالوجدان بحيث يخرج من الظلم إلى العدالة وأنا أسأله كيف يستطيع المجتمع الإئتماني الذي يدعو إليه أن يزعج دكتاتوراً مثل صدام والقذافي فيخرجهما من الظلم إلى العدل! وهذا لا يحصل إلا في عالم الأحلام وهناك مسألة لا تعجبني في طه عبد الرحمن فكيف لشخص يدعي بأنه فيلسوف وهو يأخذ بمسلمات دينية فهل هو فيلسوف أم عالم كلام ومتصوف؟ ومعلوم أن الدين ضد الفلسفة والتصوف وهذا هو التناقض الذي يقع فيه طه عبد الرحمن كما أنه يتحدث كثيرا في هذا الكتاب إلى حد اللغو وتصديع رأس القارئ والإتيان بمصطلحات غريبة يغني عنها ما إستقر من مصطلحات في المجال التداولي كالديمقراطية التي يفضل عليها مصطلح "الشعبانية" نسبة إلى الشعب لأن الديمقراطية هي حكم الشعب! أما الإئتمانية التي يدعو إليها فلا أعتقد أنها توجد أو ستوجد على ارض الواقع لأنها مفهوم مثالي فإذا أفترضنا أن الإئتمانية موجودة فالسؤال هو كم شخصاً هناك في الواقع نستطيع أن نطلق عليه إسم "الإئتماني"؟ وكيف نستطيع أن نميز بين الإئتماني وغير الإئتماني؟ وإذا كان الكتاب العلمانيين الغربيين قد قدموا نظريات سياسية أدت إلى تطور السياسة في الغرب مثل نظرية العقد الإجتماعي وغيرها فلا أعتقد أن طه عبد الرحمن بكتابه هذا يستطيع أن يقدم نظرية عملية لمجتمعنا المسلم فهو أساس عمله هو الإنتقاد لكل ما هو غربي حتى الضروري والبديهي والإنتقاد أسهل من الإنشاء فأنت عندما تنتقد العلمانية إئتني بنظام أنجح منها في قيادة المجتمع ونحن نرى كيف أن الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية كيف أخربت العراق وكان كل همها هو السرقة ومن أغرب ما جاء في هذا الكتاب هو أنه يزعم أنه كما يوجد مجتمع متقدم علميا وإقتصاديا فهناك مجتمع متقدم دينيا ولكنه نسى أننا كيف نستطيع أن نقيس تقدم المجتمع المتقدم دينيا فالمجتمعات العربية كل واحد منها يدعي أنه الأكثر تقدما دينيا من المجتمعات الأخرى ومعلوم أنه كلما زاد تدين المجتمع عن الحد المعقول زاد تخلفه كما هو حال المجتمعات الاوربية في العصور الوسطى والمجتمعات العربية في العصور الحديثة يبقى أن أقول أن في الكتاب بعض الإيجابيات مثل نقده لولاية الفقيه الصناعي
أحد الكتب المركزية في فكر الفيلسوف طه عبدالرحمن و فيه أفكار و نقودات مميزة تجاه الفكر العلماني ربما يكون ثاني مفكر بعد المسيري نقد العلمانية من جذورها غير أنه يمتاز عن المسيري بتقديم رؤية فلسفية بديلة عن العلمانية أسماها الائتمانية مستوحاة من الآية الكريمة "﴿وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هذا غافِلينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]
كذلك نقد الحركات الإسلامية المعاصرة بشتى أنواعها و سماهم "الديّانين " بمثل نقد الفكر العلماني
واضح في هذا الكتاب تأثر طه بافكار الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء من خلال إطنابه و تركيزه على الباطن الروحي للإنسان في تخلقه و عبادته لله
ربما يكون في الكتاب نظريات مغرقة في المثالية و الطوباوية في التعامل مع الشأن السياسي الحديث حيث يجعل العلاقة بين أفراد المجتمع و انعكاساتها الخلقية هي المنطلق في تكوين حداثة إسلامية جديدة و أظن هذه الفكرة تحتاج إلى تقعيد و تنظير أكثر