أبـِضدها تتميز الأشياءُ ؟؟! إن كان هذا صحيحًا ، فالنافذة –لابد- تطل على كيان آخر غير البحر .. ربما يود الشاعر أن يصدم متلقيه منذ البداية ... أنت اعتدت أن يكون معيار جمال النافذة الواقعية هو إطلالها على بحر ٍ ، فسقية ٍ ، حديقة ٍ ، إو إلى آخر هذه المسرات .. لن تجد شيئًا من هذا في نافذتي .. ربما تتطلع من خلالها إلى نفسي أنا .. إلى أناي التي ربما لم تهمك قبل الآن في شيء ..
السقوط للأعلى : تصدير القصيدة بافتراض المستحيل ، يجعل من التحدي أمرًا حتميًا .. فهذا المخاطب الذي جرده الشاعر من ذاته – الساقط لأعلى – يتحدى باتجاه سقوطه قوانين الفيزياء (لعبًا على الدلالة الأولى الواقعية لجملة التصدير) و حدود السجن (الذي لابد يقيد حركة شاعرنا لأعلى .. ربما يكون سجنًا دون إدراك الشاعر لما يود إدراكه أو ربما هو حجابه عن الحقيقة ، فهذه من الدلالات الثواني) ، ثم إنه يتحدى بسقوطه ذاته (بغض النظر عن اتجاهه) دعاء أبيه كذلك ... ثم إنه خلال فعل السقوط الحر هذا (أكبر دليل ٍ على حريته تحديه لكل هذه المحاذير) ، يتمكن من صوغ الموجودات و الأحداث من حوله حسب رغباته هو ، فيحذف من تاريخه ما يشاء أن يحذفه ، و يشاء أن يعاند نفسه فيعيش هزيمته مرة ً أخرى (و يعيد الخـُـفَّ بأمر ِ حُنين) إمعانًا في اقتناص فرصة التحرر .. و يحول أحزانَه إلى شيءٍ هزليٍّ مضحكٍ يستطيع أن يوزعه على المحيطين به و يلون به بيض شم النسيم !
ثم إن الشاعر(يعلو) فوق حدث السقوط ذاته – بينما يواصل السقوط – ليتشكل شخصًا أثيريًا يسكن عوالم لغوية ً مفارقة ً نتبينها في (ذاكرة الضوء ، و آلاء الماء ، و أندلس الأين) ... هذا الشخص الجديد/القديم لا يلبث أن ينساق إلى جدلٍ حتميٍّ مع ذاته (الذات الشاعرة) ليذكرها بكل الماضي الذي حاولت الذات أن تنساه في رحلة سقوطها لأعلى ... (لون المقعد / الضرب/ الفرح/الحزن إلخ) .. نتبين في استرسال التذكر أن هذا الشخص الجديد يذكر تفاصيل موغلة ً في الدقة .. الشاعر هنا – من خلال تداع ٍ لغويٍّ شكلانيٍّ رائع ٍ حقًا – يشير من طرفٍ خفيٍّ إلى تأذيه من فعل التذكر الحتمي هذا .. فالتفاصيل كما يقول : " أصغر من أن تذكر .. أصغرُ من أن .. أصغرُ من .. أصغرُ ..... أصغر " ..
هنا ، يصل الـ(ديالكتيك) الثلاثي إلى غايته المحتومة .. كان إنكارٌ في البداية ، ثم غولِبَ من خلال الشخص ِ المفرق المتعالي بإثبات ٍ لكل ما حاولت الذات الشاعرة (أو فلنقل تجليها الأول) أن تنكره ، ثم امتزجا .. أو كما يقول : " تمتزجان ..." .. ليس هذا فحسب ، و إنما الامتزاجُ يتم مع التفاصيل ذاتها التي حاول الوعي إنكارَها ابتداءا .. : " تفترقان ، يعودُ إليه ، تعودُ لهن " ... الأنثى في تعددها هنا كانت قوية َ الإشارة إلى حضور الأشياء و الأحداث في اللحظة الأخيرة للجدل ، فكأن هذه التفاصيل نساءٌ حقيقيات ٌ يمتزج بهن وعي الشاعر في هذه المرحلة الأخيرة ، قبل أن يبدأ مرحلة ً صراعية ً جديدة ً بأن يفترض تفادي أخطاء الماضي (أنك فاصلة ٌ حيرَى بين السوف ِ و بينَ اللن) ... لكننا نكتشف عدمية َ هذا الجدل الطويل في هذه اللحظة بالذات ، حيث ُ الفاصلة ذاتها حيرَى لا تعرف إن كانت تقرر المكث أم الرحيل .. هل تتكرر أخطاءُ الماضي أم تتوقف ؟؟!
يتكثف لدينا هذا الإحساسُ بعدمية الجدل في المقطع الأخير من القصيدة ، حيث يتناصُّ الشاعر من قصة (يوسف) عليه السلام ... لماذا يوسف ؟؟ لأن قصته رمزٌ لا يُجحَدُ لكلاسيكية السرد .. الجدلُ فيها يصلُ إلى تصالح ٍ مثمر .. أما هنا ، فنقضُ عناصر قصة يوسف : " مفترضًا أن النسوةَ لم تكبره – أن العيرَ ستطلبك بديلا ً – تملكُ ريحًا تبصرُ أعمى " ، يكثف – كما أسلفنا الإشارة- الإحساس بعدمية كل هذا الجدل ..
القصيدةُ لها جمالـُـها الخاص .. التجربة ُ فـُـصامية ٌ مريرةٌ ، يجرد الشاعر فيها من ذاته ذاتًا مخاطبة ً ، ثم يستكشف من خلالها صراعَه مع محاذير عالمه ، و يستكشف قوانين هذا الصراع ابتداءًا بالإنكار ، ثم الرضوخ (الإثبات الجبريّ) ثم الامتزاج .. و أخيرًا يستكشفُ عدميةَ هذا الصراع حيث يتساءلُ في مرارةٍ قاسيةٍ في النهاية عما يتبقى من صدق اللحظة في عين من يعيشها : " ماذا يتبقى من صدق اللحظة في العين ؟ " .. لكنني أتساءلُ عن موقع المرآة المقعرة كعنوان ٍ لهذا الجزء من الديوان .. هل هي الواقع الذي (يُصَغــِّــرُ) تفاصيله في عين من يعيشه ، فيستبدل الشاعر به مرآته الخاصة (المحدَّبَة) التي (تكبرُ) له تلك التفاصيل ؟؟ أفيكونُ غيَّبَ هذه المرآة عمدا ؟؟! ..
2- محاولة أخيرة
يبدأ (مصطفى) من حيث انتهى (درويش) ..! نعم .. (من سيدفن موتانا) .. ختام قصيدة درويش .. إنها كانت حيرةَ منتم ٍ إلى قضية أمته .. القصيدة كما نعلمُها كانت محاولة ً حائرة ً لإيجاد عروبة ٍ تنفجرُ في وجه الغاصب الذي أتاها من خارجها ... كانت صرخة ً (دَرويشية ً) في وجه الاستكانة (سقطت ذراعُكَ فالتقطها) .. كان يحاولُ إحياءَ الموتى .. وهكذا انتهى (درويش) ، ليبدأ من هنا (مصطفى) .. (مصطفى) يمثل في لحظته التاريخية الراهنة لحظة التسليم بسقوط القضية .. هكذا يفتتح قصيدته : " اختر صليبًا و احمل الآلامَ مغتبطًا و سِرْ " .. مات الجمع في لحظة ٍ مفقودة ٍ بين (درويش) و (مصطفى) ، ليبدأ موت الفرد عند (مصطفى) .. الحرية التي بشَّرَ بها (درويشٌ) في قصيدته (فأنت الآنَ حرٌّ و حرٌ و حرُّ) ، لا يرى (مصطفى) لها بصيصَ نور .. لم يكن هناك بُدٌّ من إعلان حرية ٍ بديلة ٍ ، ينطلق فيها الفرد العربي من ذاته، و لذاته ، و هكذا ينقض شاعرُنا غَزلَ (درويش) في خبثٍ إذ يقول : " كم أنت مشدوهٌ بحلمكَ ، فابتكر حلمًا تكابدُ فرحَه المرسومَ (أنت الآن حر) " .. ثم إنه نـُ،كِسَ على رأس شعرِهِ ، فقال : " أو هكذا سيظن كل الناظريك " .. هل هي حريةٌ حقيقيةٌ تلك التي أبشـِّر بها الإنسان العربي ، بينما أنصحه بالتخلي عن حلمه القديم ؟؟ ثم إن ابتكارَ العلاقة النحوية الجديدة في السطر الأخير ، يُربك المتلقي و يبهرُهُ في آنٍ .. كان المنطق السينطقطيقي (النحوي) Syntactic التقليديُّ يقتضي أن يقول : " كل الناظرين " ، لكنه آثر أن يُعَرِّفَ (ناظرين) – المُعرَّفَةَ بالفعل بالألف واللام- بالإضافة إلى ضمير المُخاطَب (الكاف) .. و كأن لا ناظرين هناك إلا إليك أيها الفرد العربي المنسلخ من قضيته و حُلمه (فقد علــَّـمَنا عبدُ القاهر الجُرجانيُّ في دلائل إعجازه أن في الإضافةِ تخصيصًا لا مناصَ منه) .. أنت وحدَكَ هنا ، تكابد قضيتك الوهميةَ الجديدةَ على رؤوس الأشهاد .. فانظر ماذا تَرَى !! ما يتلو ذلك في القصيدة التي نحن بصددها ، إن هو إلا تجلياتٌ لهذه الفكرة التي بسطها الشاعر في الفقرة الأولى .. أنت في هذه الفردانية الواهمة لا تملك شهيقَكَ الذي (ربما) كنت تملكه وأنت منتم ٍ إلى الجمع .. ليس أمامَكَ لتواصل وهمَك إلا أن (تسرقَ شهيقًا) ، و تفند أخطاءَ أمتك لتتقنها أنت على فرديتك .. وهنا المفارقة الساخرة .. أنت توحدتَ منذ البداية لتكسب حرية ً جديدة ً ، لكنك لا تملك إلا أن تكرر الأخطاءَ ذاتَها ، و كأن تاريخَ انتمائكَ لعنتـُـك .. هي المبالغة في الفردانية ، تلك التي تدعوك إلى أن تعزل النصرَ عن مشاركتك في صنعه ، وهكذا فـ " اللهُ غالبْ .. بك أو بدونِكَ لا مفرْ " .. ثم إنه كما يقول الشاعر : " للبيتِ مَن يحميهِ ، أنتَ الآنَ هالِكْ " ... يستفزك الرجلُ لتفكرَ في الأمر جليًّا .. هل كان اختيارُك الفردانيةَ من البداية هو الحل ؟؟ إنك إذا تركت البيتَ لمن يحميه عنك ، فلت تنجو .. إنك هالك !! و أخيرًا يتم تبادلٌ تغريبيٌّ رائعٌ للأدوار .. أنتَ تحملُ صليبَك .. أنتَ إنسانٌ ، و صليبُكَ شيءٌ ينكسر .. لكنك تفاجَاُ بنفسك تنكسرُ مكانَ صليبك .. إلى هذا الحَدِّ أصبحت هَــشــَّــا .
3- بروفيل أمامي للوجع :
في تجربة الحب ، تمتزج مستوياتُ الوجودِ التي حدَّثَنا عنها (كيركغَرد) .. فالجماليُ هنا حيثُ الحبيبةُ تجسدٌ للجمال ، و الأخلاقيُّ المجتمعيُّ ، فالعلاقة ذاتُها نوعٌ من أداء الدين المجتمَعيِّ بما هي تواصلٌ مع آخر ، وبما هي كذلك وعدٌ ضِمنيٌّ بإثراء المجتمع بآخرين (من خلال العلاقة الجسدية بالطبع) ، و الدينيُّ هناك أيضًا ، حيثُ يتسامى العاشقُ المصدودُ بعواطفه إلى درجة الوجدِ الإلهي ، و العشق الصوفي لحبيبته ... لهذا السبب ، تلمسنا هذه القصيدة ُ بالتحديد كأول قصيدةٍ في الديوان تعالج موضوعَ الحبِّ المُحبَط .. هذا له علاقةٌ بمضمونها ، بغض النظر عن الشكل .. ففي تجربة الحب ، تتوحدُ كياناتُنا المتشظية ، و تتداخل مستوياتُ وجودِنا ..
هذه مقدمة ٌ ربما لم أكن بحاجة ٍ إلى كتابتها ! العنوانُ يذكرني بلوحات (بيكاسُّو) في مرحلته التكعيبية .. تلك المرأة التي نرى ركنَ عينَها اليُمنى في بروفيلٍ واضحٍ ، و نرى معه عينَها اليسرى كاملة ً في صورة ٍ أمامية .. التكعيبُ تشظية ... تكسيرٌ في بنيةِ الصورة ... وهذا ما يخلقُ الجَدَلَ بين العنوان و القصيدة .. العنوان : حيثُ التشظية .. و القصيدة : حيثُ التوحد .. رُبـَّما استقرَّ في (لاوعي) الشاعر أن يتمرَّد على التجربة وعلى القصيدة من قبل أن يكتبَها .. الحبيبةُ فرحة ٌ ، طفلة ً تبدو ، كعادتها في شِعر الأسلاف ... و العاشقُ مرتابٌ مدركٌ متعقلٌ للحظته .. كعادته كذلك ! (الريبةُ دون سببٍ مبالغة ٌ في التعقل إذا شئنا الدقة) .. الحبيبةُ لن تُصغِيَ للشاعر إذا ما أخيرها عن ريبته ، أو لن تفهمه .. لم يُصرِّح لنا بهذا .. لكنـَّـه ترك فضاءًا دلاليًا بين وصفه لحاله و حال حبيبته ، و بين عزمه على الكتابة و الإفضاء إلى الوَرَق ، و كان علينا أن نملأه بهذا الاستنتاج ... هذا الإفضاءُ لا يستطيعُ ان يقتلَ إحساسَه الوِحدة ، كما يقول لنا : " خفاش الوقت يفتش حولك .. إلى : أم أن الظل استشعر شعفًا ملءَ الصوت فغاب ؟ " .. الشاعر يتوسل بسيلٍ من الاستعارات المكنية في الفقرة التالية ، فهو في ركن الغرفة منصهرٌ سائلٌ مسكوبٌ هنالك ، و مصباحُهُ رجلٌ في غرفته يضنُّ عليه بالدفء فيضطر إلى أن يستجديَه ، و هاتفه مثله مثل مصباحه يضن عليه بالرنين ، فيسأله إياه ، و حين يحاصره الإحباطُ من كل هذه الأركان ، يلوذ بداخله سجينًا ، ثم يشكو هذا السجن الاضطراري .. ثم يرجع إلى نفسه ، فيعاتبها على تعلقها بحبيبة ٍ غير مخلصةٍ في حبها .. ثم يبهرنا بصورة ٍ في غاية الروعة 0 أو هكذا تراءَت لي .. هذه الغانية (في متابعةٍ لخاجس الاستعارة المكنية! ) كفراشةٍ جائعةٍ تأتيه فتمتصُّ رحيقه ، فإذا شبعت تراءت له بذرةً مواتًا ، فلا يملك إلا أن يعاملها بمزيد حنانٍ ، و خشوعٍ (لأنه عاشقٌ في النهاية) ، فيزرعها في كف الرجل الآخر ... ثورةٌ مُضمرةٌ على ذلك الضعف الذكوري أمامَ (الضعف الأنثوي) .. " سفـَّـهتَ هواكَ فلا تعتِبْ .. لا يُجدي بالأيامِ عتاب " .. الفقرة الأخيرةُ ... يُهيبُ الشاعرُ بذاته المضطربة المنقسمة على ذاتها أن تستجمع فواها بالشِّعر ، و تتداوَى به (فتناوَل شعرك قبلَ الأكل) ... ربما تثجدي ��فعًا تلك المقدمة التي صدرنا بها حديثَنا عن القصيدة الآن !! يحيلُنا الشاعر إلى المستوى الديني الصوفي من وجودنا إذ يتناصُّ مع القرآن في (اخلع نعليكَ لعل الواديَ لا يغلقُ في وجهكَ بابْ) .. إنه الملجأ الأخير ... فالديني الذي تداخل من قبلُ مع الجمالي و الأخلاقي ، لابد له أن يتعالى عليهما الآن ، و يضبطَ التجربة برمتها .. فهو الملجأ الأخير ...
4 - أحد
المزيدُ من تكريسِ الحزن ، و لَوك الوِحدة ...! يحدث تبادلٌ للأدوار بين الحانة و الرجل ... وجهه كوبٌ من خمر الأحزان ، وواجهة الحانة تشربه ... إلى هذا الحد التبس أمره بأمر الحانة .. لا تدري أيهما يشرب الآخر ... حزنه رفيقه الوحيد .. طريقة كتابة القصيدة تفترض صوتًا مهيمنًا ، يفاجئنا بالتدخل بين الفينةِ و الفينة .. ربما هو ركنٌ من الذات الشاعرة ، يشاهد أفعالها و يعلق عليها عندما يكون ذلك مناسبًا .. فتارةً يتجاوب مع اجترار الحزن ، ليعلن عن أزليته ، و تارة ً يلفت انتباهنا إلى خلفيةٍ من صوت (فيروز) في أغنيةٍ حزينة ، و ثالثة ً يستذكر إعجابه بقامة المحبوبة ... بعدَ لأيٍ ، تبدهنا اللغة في سطر ٍ جديد ٍ ، حيث يقول الشاعر : " موحودٌ أنت ببابِ الحانة " .. اسمُ المفعول هنا ذو دلالةٍ نابضة .. فقد كرَّسَ إيحاءًَا قويًا بأن وِحدةَ الشاعر بفعل فاعل .. ليست نابعةً من رغبته .. و لأن اللفظة نادرة الاستعمال كذلك ، فقد زادت قوة الاغتراب الموحَى به هنا ... ثم إن تداعيَ الذكرى جميلٌ في (والشارعُ أنبوبٌ أسودْ .. يمتدُّ كقامتها في الليل) .. هي هناك في خلفية وعيه .. لا يستطيعُ منها فكاكا .. لا محيص ! إنه قدره أن يعلن استسلامه التام لذكراها (فلتعلن صعفك .. هزمتك البنتُ اللامعقولة) .. ثم إنها بنتٌ غيرُ قابلةٍ للتكرار كما تفصح الأسطر التالية .. يستعينُ بإعجاز المسيح و يتناصُّ مع مجده ، لكن دون فائدةٍ ، فالأخرى الـ(معقولة) لا تصبح طيرًا حين ينفخ فيها .. تناصٌّ آخر قرآنيٌّ في قوله : " لا عاصمَ من عينيها اليوم " .. إنها إلهية الحضور تمامًا كما يبدو .. ربما لأنها غيرُ معقولة ، فإننا – بالعودة إلى كيركغَرد- نقرأ أن الإيمانَ الدينيَّ يجب ألا يُؤَسسَ على المنطق العقلي (والأدقُّ أن كيركغَرد يرفض توسيطَ أي شيءٍ بين العابد و المعبود ، ابتداءًا برجال الكنيسة الكثوليكية و انتهاءًا بجدَل (هيغل) / منطقِهِ ، لكن فلنعد إلى صلب أمر القصيدة) .. و لأن البنتَ (لامعقولة) ، فإن حضورَها : ذلك الإلهيّ ... الركنُ المتسلط- المشاهد في آنٍ – من وعي الشاعر ، يتدخل في الوقت المناسب ليعلن استمرارَ تعلقه بعينيها حين يجيءُ ذكرهما (اللهم احفظ عينيها) .. ثم يتدخل من جديدٍ في (من زمنٍ وهي تشيرُ إليك بلا كلمات) .. حزينٌ لحاله .. حزنٌ على حزنٍ على حزن ..