فهم العلاقة بين العقل والنقل تعد من أكبر اشكاليات الفكر و المنهج قديماً وحديثاً لا في ذات العلاقة بينهما بل في فهمها وطبيعتها, مما جعلها مادة ثرية لمشاريع فكرية نقدية كثيرة، ولا تزال قضية الاستدلال العقلي على قضايا الاعتقاد إحدى القضايا المنهجية الكبرى في البحث العقدي المعاصر، ولا يزال الموقف من الدليل العقلي عند السلف يكتنفه شيء من الغموض في كثير من الدراسات المعاصرة ، وقد جاءت هذه الأوراق الفكرية لتسلط الضوء على هذه القضية، ولتبحث في اشكالية العقل والنقل، وتبين موقف السلف من العلاقة بين العقل والنقل، وتفحص التساؤل المركزي الذي صاحب كثير من الدراسات الفكرية المعاصرة وهو : هل وقف السلف موقف المعارضة للاستدلال العقلي أم لا ؟
كنت أتمنى لو اقتصر المبحث على إيراد النصوص من كلام السلف الدالة على مقصود المؤلف من كتابه لكن يبدو أن حشد نصوص شيخ الاسلام ابن تيمية هو أيسر وأسهل مؤونة وبهذا لا يكون المؤلف قد أتى بجديد في كتابه كما أن المؤلف حصر موضوع الكتاب في قضية الصفات وأهمل بقية المسائل التي حصل فيها الإشتباك بين الدليل العقلي والدليل النقلي
يُعد كتابا مختصرا في بيان حقيقة العلاقة بين العقل والنقل، وقوام هذه العلاقة أن صريح المعقول لا يعارض صحيح المنقول، وما يحسبه البعض تعارضا فمرجعه إلى قاعدة فاسدة بنوها وهي إمكانية التعارض بين العقل والنقل..
من مشاكل الأبحاث المعاصرة في مختلف القضايا: الاستناد الكلي على آراء ابن تيمية، وعرضها في سياق (رأي السلف). فتجد الباحث يصطحب أقواله ويصرف فيها أعنّة الفكر، ويجعل تقريراته هي الحق الصابح، كأنه يخشى الإخلال باختياره. وليس بهذه الطريقة من السعة إلا بمقدار ساحة الباب من الدار، فيخرج من عهدة ما عنونه.
فضلًا عما يؤديه هذا الاعتماد إلى قصر نَفَس الباحث، فلا تسمو به نفسه لطلب العلوم من مظانها، ورؤية من توشح بقلائدها. فيصرف وجهه عنها، وينفض يده منها.
الورقية الفكرية الثالثة التي يصدرها مركز التأصيل للدراسات والبحوث تحت هذا العنوان وهذه المرة للكاتب عبد الرحمن بن سعد الشهري حول موضوع غاية في الحساسية ويقوم عليه عدد من الخلافات الفقهية والاعتقادية والفكرية الشهيرة في تاريخ الإسلام وحاضره .
كان العنوان دقيقاً حيث لم يتناول مسألة العقل ككينونة منفردة ومستقلة ولكن عن واحدة من ملحقات هذا الكائن وهو الدليل المستند إليه وموقعه من السلف .
في بداية المؤلف الصغير تحدث عن السلف وتعريفهم وركّز على جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - على اعتبار أنهم صفوة السلف ومبتدؤ هذا الوصف بعد رحيل النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - رغم أن الذهن العصري يتصور السلف على أنهم التابعين الذي عاشوا في الطبقة التالية لعهد الصحابة لأنهم أكثر اشتغالاًبالعلم والتنظيم الفقهي الدقيق أكثر من صحابة رسول الله .
وأراد الكاتب عبر هذه المقدمة أن يؤكد دور الصحابة أو ( السلف ) في القرار الفقهي وتأثيرهم في بناء الفتوى وفهمهم للنصوص لأسباب عدها ذكرت في المقدمة .
ثم درج على تعريف الدليل العقلي وابتدأ بتعريف العقل أولاً كأداة لم يصطلح العلماء والفقهاء والمفكرون والمعينيون بشأنه على تعريف واضح ومستقر له وهذا ما يقلل من فعاليته في بناء الفهم الفقهي للنصوص وتخريج الفتاوى ويضعف من جدواه في التوظيف الفكري في قضايا الأمة .
ثم ولج إلى مضمون الكتاب وهو استعمال السلف للدليل العقلي وانطلق هذا القسم من تعظيم السلف للكتاب والسنة كمصدرين أساسيين في التشريع والاحتكام ثم ذكر أمثلة لاستخدام السلف وجهابذة الفقه الإسلامي للدليل العقلي في جوانب مختلفة للمعتقد والفقه والمناظرات الكلامية وغير ذلك من فنون العلوم الشرعية وأكد أن السلف لم يكن لديهم بأس في استخدام الدليل العقلي بشروطهم الخاصة التي يتصدرها تموقع التشريف والتكريم والتقديم للكتاب والسنة - أبقاهما الله ما بقيت الدنيا - .
ثم تطرق الكاتب في مبحث آخر من هذا الكتاب إلى علاقة العقل والنقل لدى السلف ويفتتح هذا المبحث بالجانب الذي لا يعزب عن تأكيده وتأييده وهو التسليم المطلق لنص الكتاب والسنة وكأنه يريد أن يدلنا على الحساسية الكبيرة لدى المنتسبين للمذهب السلفي من شأن العقل ودلالاته وصلاحياته وأشار بعد ذلك إلى بعض الجوانب التي تظهر تصالح العقل مع النقل وأن مسألة تناقضهما لا تصح إلى في حالات معينة لا تغض من شأن العقل ولا تعطل سلطة النص مثل تضمن الأدلة النقلية للأدلة العقلية .
وهذا المؤلف اللطيف فيه اختصار للحالة التاريخية التي يشهدها الفكر الإسلامي حول صلاحيات النقل والعقل وموقعهما من التأثير والتقرير وفيه مشهد للتراجع الملفت لنظرة السلفيين نحو العقل ودوره في التشريع والتحكيم ولكنها ما زالت نظرة حذرة وآخذة بالاحتياط والريبة وهذا ما يؤخر الاستفادة الحقيقة من ثمرات هذه الأداة الربانية العظيمة والآية الإلهية الفاخرة .
أتممت قراءة الكتاب في ثالث مساءات شهر رمضان المبارك من عام 1432 هـ .
الدليل العقلي عند السلف ............... المؤلف / عبد الرحمن سعد الشهري كتيب صغير يحاول فيه المؤلف طرح وعرض بعض الاشكاليات والمسلمات المتوارثة بخصوص علاقة العقل بالنقل والذي في ظني ان الكتاب مجرد انعكاس اخر من جملة الانعكاسات الكثيرة – فلا جديد تحت شمس التيارات الجامدة ولا احد يدعو ابدا لاعادة قراءة التراث وتفنيده وتوضيح ما ادخل فيه او ما لم يتم معالجته بشكل اكثر قبولا اضافة الى ال ( Consistency ) المفتقدة في كثير من علاقات النصوص ببعضها.