أعتقدُ بأن ثمة فرق شاسع بين "البوح" والكتابة الأدبية. البوح، بمعنى الفضفضة، وإظهار الشيء وكشفه حسب تعريف ابن منظور، يعني كتابة تنبثق من الداخل إلى الخارج، كأن يكون المرء منشغلا بموقف أو متأثراً بحدث فيكتب مشاعره إزاءه، وأعتقد بأن أكثر نصوص هذا الكتاب جاءت من هذا الباب .. الكتابة الأدبية، كما أعرفها شخصيا، هي فعل إنصاتٍ وترجمة لهذا الإنصات، إنها - على عكس البوح - حركة من الخارج إلى الداخل، حيث الكاتب هو فم الكون، والعالم يتحدث من خلالهِ، والأمر يتجاوز تفاصيل حياته وما يحدثُ بها من أمور مستفزة.
فيما يخص هذه الكتابة، المتطورة عن تلك، لأن الكاتب فيها يتجاوز "قلق" وجوده اليومي، وتفاصيل حياته المعيشة، وأحداث يومه، أعتقدُ بأن 3 نصوص من الكتاب قد نجحت في بلوغ هذه المرتبة، وهي: لا شفاعة، أغلق فمي، قلم الحمرة الـ موكا ..
الكاتبة مستغرقة في كتابةٍ ذاتيةٍ جداً، أو لنقل: شخصية جداً. إنها تعبر عن مشاعرها ودهشهتها وقلقها ومحبتها بلغةٍ جميلة، ولكن .. لكي تتحول، من هذه الكتابة، إلى الكتابة الأخرى، ينبغي عليها أن تنصت أكثر، إلى العالم الذي يتحدث من خلالها، إلى العالم في داخلها (وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ) .. العالم القابع في الداخل ولكنه ليس قلق اليومي ولا تفريغ الذاكرة والتخفف من جفاف الوجود.