"أحمد بن محمد إبراهيمى بن خلكان" قاضي القضاة "شمس الدين أبو العباس البرمكي الإربلي الشافعي"، ولد بإربل سنة ثمان وستمائة وسمع بها "صحيح البخاري"، كان فاضلاً بارعاً متفنناً غارفاً بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيراً بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الإطلاع حلو المذاكرة وآخر الحرمة، فيه رياسة كبيرة، له كتاب "وفيات الأعيان" وقد اشتهر كثيراً وذلك لما يحتويه من تراجم لمختلف الخلفاء والأمراء والوزراء والعلماء وغيرهم، وهذه التراجم بلغ عددها ما يزيد عن 850 ترجمة، وفيه أيضاً تراجم تاريخية تتناول تاريخ بعض الفرق كتاريخ الصغاريين والسلاجقة والعبيديين والأيوبيين.
وهذا ولم يذكر المؤرخ في المختصر ترجمة لأحد من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا من التابعين رضي الله عنهم، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس غلى معرفة أحوالهم، وكذلك الخلفاء: لم يذكر أحداً منهم واكتفى بالمصنفات الكثيرة المدونة في هذا الباب، لكن ذكر جماعة من الأفاضل الذين شاهدهم ونقل عنهم، أو كانوا في زمانه ولم يرهم، ليطلع من يأتي بعده على حالهم.
هذا ولم يقتصر مختصرة على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل تحدث فيه عن كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه فذكر أحواله، وأثبت وفاته ومولده، ورفعت نسبه ومحاسنه، وافتتحه بخطبة وجيدى قدم فيه للكتاب وللدافع الذي دعاه لتأليفه. ونظراً لما يتمتع هذا الكتاب من مكانة اعتنى الدكتور "إحسان عباس" بإخراج هذه الطبعة التي بين أيدينا من الكتاب محققه ومدوناً عليها هوامش هامة، وملحقة بمجلد خاص بالفهارس العلمية العامة للكتاب.
خمسة مجلدات كانت بيوتا لرجال التاريخ الغابر، طرقتها بابا بابا، وكما كنت قد توقعت لم تبخل أي من تلك البيوتات بواجب الضيافة، قدمت لي أديم العلم وفاكهة الأخبار وحلواء الشعر واترعتني بكؤوس من عبق الحضارات التي مرت على بساط هذه الأرض من - أموية وعباسية ومملوكية وأندلسية وإفريقية وأيوبية...-، وكل حضارة كان لها رجالها.
جالست هارون الرشيد وشهدت نكبته للبرامكة، وعاصرت الأمين والمأمون طفلين يكبران في كف القدر ليقتل المأمون أخاه ويتربع على عرش الملك، ومن طريق مكة حيث زبيدة تحفر الآبار وتروي الحجاج رافقتها، وهناك من المغرب لاح لي محمد بن تومرت يدبر ويتصرف وينسج لعبد المؤمن وولده من بعده عرش الإمارة، وفي الأندلس حيث كانت الحضارة مدينة يمشي على حصبائها رفوف من العلم والكتب تأخذ هيئة رجال، غمروا الأرض علما، وساروا إلى بغداد حيث مكتبة دار الحكمة جمعت كل حكمة.
ومن مصر بزغت دولة بني عبيد التي انتهت لتبدأ رواية حضارة أخرى وليفسح التاريخ للقادمين المكان الارحب، فتظهر الفاطمية فتدحرها السلجوقية وتتعاضد مع الأيوبية لترسم بارقة أمل بعد أن طال الليل الذي هجع تحته بيت المقدس.
كانت تجربة غنية بكل المقاييس استطعت من خلالها أن امتلك ملكة تذوق التاريخ لأعرف لكل اسم نسبا ولكل فن مرادا، ولأخمن عصر اللغة التي يتكلم بها صاحبها، وانسج في خيالي ألف صورة ( بين مشرقة ومعتمة) لسيرورة التاريخ العميق.
لن أقول المزيد فما زال التاريخ ينتظرني لأدخل بين أوراق كتاب جديد من كتبه.
من المصادر و المراجع المهمّة وفيّات الأعيان لم أزل في أوَّل خيرهِ حيثُ انتصفت بالمجلد الثاني إلى الآن و اقتباساتي تمحْوَرت عن سبب تسمية بعض المدن و الأعيان ومذاهبهم و بعض الاقتباسات لأشعارهم ..
يسطر قاضي القضاة شمس الدين ابو العباس احمد بن محمد ابن خلكان تاريخ أعيان الأمراء و الشعراء و مشاهير الناس في عصره ، كتاب من خمس اجزاء تعد منهل لأصول التاريخ . ابداع في اللغة و إتقان في مشارب التراجم .