هذا الكتاب أقرب إلى التاريخ منه إلى السياسة، فهو عبارة عن رصد تأريخي لحالة الحرية والدستور في مصر بداية من عهد الخديوي إسماعيل الذي كان يلقب بشيخ الحارة، وانتهاء بعهد أنور السادات، وهو تأريخ جيد ومكتوب بأسلوب صحفي جذاب. واضح من ثنايا الكتاب أن المؤلف كان معارضا لسياسة وطريقة حكم عبدالناصر لانخفاض حالة الحريات في عهده إلى أدنى مستوياتها وغياب كامل للدستور والحياة النيابية السليمة التي وعدوا بها الشعب المصري في بيان قيام ثورة 23 يوليو. وعلى النقيض من هذا الموقف نجد المؤلف مؤيدا ومشيدا بأنور السادات وسياسته وطريقة حكمه لأنه بدأ عهده بإطلاق الحريات السياسية وكتابة دستور يحقق مستوى معقول من الحريات والديمقراطية. وهذا مما لا خلاف فيه مع المؤلف، غير أن هذا التأييد انسحب إلى تأييده لمعاهدة كامب ديفيد وتشبيهها بصلح الحديبية الذي عقده الرسول صلى الله عليه وسلم مع قريش في العام السادس للهجرة وهذا موقف وتشبيه لا يستقيم سياسيا ولا شرعيا فصلح الحديبية كان مؤقتا ومشروطا وعندما خالفت قريش شرطا من شروط الصلح اعتبر لاغيا وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم التحرك لفتح مكة، أما كامب ديفيد فليس لها أمد محدد وغير مشروطة! كما أن صلح الحديبية كان شاملا لجميع المسلمين في مكة والمدينة والقبائل التي دخلت في عهد محمد، أما كامب ديفيد فشملت السلام مع المصريين فقط وداخل الحدود المصرية فقط، وما تفعله إسرائيل مع أي قطر عربي آخر فهو غير خاضع لبنود هذه المعاهدة ولا يحق لمصر الاعتراض عليه أو إعادة النظر في المعاهدة بسببه! وأكثر ما آلمنى وأزعجني في هذا الكتاب هو رؤية المؤلف للحروب التي خاضتها مصر بداية من حرب 1948 وحتى حرب 1973، فهو ممن يرون أن كل هذه الحروب خاضتها مصر مكرهة من أجل فلسطين ولم تكن من أجل مصر، وأن الأمر لم يكن يستحق كل هذا الثمن الذي دفع فيه، وعلينا ألا نكرر هذا الخطأ مرة أخرى وعلى الآخرين أن يذكروا لنا دائما وأبدا هذه المنة وهذا الفضل منا عليهم! وهذه الرؤية تعني أن هذا المؤلف لا يعرف شيئا عن أهمية مصر ودور مصر في المنطقة ولا عن الأمن القومي المصري أين يبدأ وأين ينتهي! ولا حول ولا قوة إلا بالله