في "مثل صيف لن يتكرر"، حاولت أن أكتب جزءاً من ذاكرتي التي انتسجت خيوطها خلال إقامتي بمصر وأنا طالب ثم خلال زياراتي التالية... لكن الذاكرة ليست معطى خالصاً ولا يمكن فصلها عن التخييل ولا عن "القيمة المضافة" للكلمات والصور والنصوص والاستيهامات الكامنة بالأعماق. ظللت أمداً طويلاً أحوم حول عتبة السفر إلي القاهرة ولم أطمئن إلي تأويل راجح. ما هي "المعابر" إلي ذلك الصقع الجديد الذي حملتني إليه رحلتي إلي مصر وأنا دون السابعة عشرة؟ الوجدان؟ لغة الكلام التي التقطتها من الأفلام والأغاني؟ الفضاء الضاج بالرومانسيك في الشوارع والحارات؟ أفكر في تلك الثقوب التي كان يمكن أن أملأها لو أن جميع الذين أستحضرهم في محكياتي كتبوا هم أيضاً عن نفس فضاءات الذكريات والأحداث المعيشة... لكن ما الفائدة؟ لقد استنجبت لرغبة الكتابة التي سرعان ما استحوذت علي المواد الخام وعجنتها وحولتها إلي ترجيعات ذاكرة مكتوبة لا تخلو من رؤية شعرية لماض فيه بقايا من النبض المتدثر بالغواية وحب المغامرة والجرأة علي الأمل.
"مثل صيف لن يتكرر" على مدى 234 صفحة من النسخة العربية لهذه المحكيات كما يسميها صاحبها نقف على سيرة ذاتية،سيرة اعتراف حيي تنكشف معالمه ببطء عبر شخصية حماد في الفصل الأول لكي تتضح أكثر ابتداء من الفصل الثاني حيث تتجلى شخصية محمد برادة ككاتب يحلل ويبرز وجهات نظره فيما يتعلق بالمشهد الثقافي في مصر.. اكثر ما استوقفني هو تتبع التحول الاجتماعي والثقافي الذي تجسده لحظات من حياة الكاتب والذي سيعكس تطلعات وخيبات امل جيل الاستقلال في الدول العربية عموما وفي مصر والمغرب تحديدا بالنسبة لقارئ القرن الواحد والعشرين سيجد ان المثقف العربي لم يجد لحد الان المعادلة التي تخرج الوعي الجمعي من عنق الزجاجة حيث بقي عالقا منذ و"وهم الاستقلال"
في الجزء الثاني من الرواية، اللي عنوانه "امتداد خيوط الذاكرة"، بيتحول السرد من صوت الراوي العليم لصيغة المتكلم، والكتابة بتخرج من خط السرد في الرواية وبتكون أشبه بمقالات بتعرض رؤية المتكلم، اللي هو الكاتب، عن جانب من المشهد الثقافي ف مصر في لقطات مبعثرة من الفترات اللي قضاها هنا.