في هذا الكتاب يكتب المناضل الفلسطيني الأسير "وليد نمردقة" المولود عام 1961 دراسة هامة عنونها بـ "صهر الوعي: أو في إعادة تعريف التعذيب" قدم لهذه الدراسة د. "عزمي بشارة" بمقال عنونه بـ "السجن كصورة مصغرة عن الوطن"، حيث التقى الأسير قبل أربعة عشر عاماً في غرف الزيارة في العديد من السجون الإسرائيلية، وباتت ظروف هذه الدراسة التي كتبها مناضل وهو في الأسر، وعلاقة د. بشارة به جزءاً من موضوع البحث.
يقول الدكتور عزمي بشارة: "وللكتابة عن السجون حساسية لا يدركها إلا من عاشها فالأسرى منشغلون بأدق التفاصيل، تستحوذ عليهم أمور تبدو من خارج السجن قليلة الأهمية، ولكنها تبدو مصيرية للأسير...".
ويعتبر أن "السجن كان دائماً مدرسة في الصمود، وفي تعلم الانضباط وتجذير أصول التنظيم، وصقل القيم وفولذة الإرادة من خلال التحكم بالغرائز (...) لقد أصبح السجن حالياً مؤسسة داخلية للاستفراد بجيل كامل من الشباب الفلسطيني لغرض إعادة تشكيل وعيه (...) صارت سلطة السجن تسمح بمد كافة الجسور الممكنة لكي تنتقل أمراض المجتمع المأزوم، وإحباطات الحركة الوطنية الفلسطينية المأزومة إلى السجن...".
وهنا تبدأ دراسة "وليد نمردقة" فهي لم تتعرض لمرحلة الاعتقال التي تسبق السجن فقد خلف الكاتب حياة المعتقل وراءه قبل ما يقارب الخمسة والعشرين عاماً قضاها في الأسر، فهو لم يعتبر قضية الأسرى قضية الفلسطينيين الأولى، بل اعتبر قضيتهم الأولى قضية فلسطين، وهي قضية الأسرى الأولى، من أجلها أسروا أصلاً ولم يفهم إطلاق سراح الأسرى بديلاً عن حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، أو للتغطية على تنازلات سياسية، بل فهم أنه يجب أن يجري في خضم النضال؛ "فلم يعد الجسد الأسير في عصر ما بعد الحداثة هو المستهدف مباشرة، وإنما المستهدف هو الروح والعقل"، "والهدف الذي ندعي بأنه يريد تحقيقه هو إعادة صياغة البشر وفق رؤية إسرائيلية عبر صهر وعيهم، لا سيما صهر وعي النخبة المقاومة في السجون"؛ وبالتالي تصبح دراسة حياة الأسرى كعينة مصغرة عن حياة المواطنين في الأراضي المحتلة يُمكنها تبسيط الصورة وإيضاحها لفهم المشهد الفلسطيني برمته.
"إنهم يواجهون تعذيباً ليس بمقدورهم تحديد شكله ومصدره، وهذه الدراسة صرخة تحاول أن تقول: افعلوا شيئاً قبل فوات الأوان، إن مهمة كشف ما يجري في السجون وتوضيحه للرأي العام في إطار تعريف جديد للتعذيب، هي مهمة لجان حقوق الإنسان ولجان الأسرى؛ فالقضية المطروحة ليست قضية حقوقية أو إنسانية وإنما هي سياسية بالدرجة الأولى".
وفي هذه الدراسة يستند الباحث "وليد نمردقة" في تعليله لأدوات الرقابة والتحكم على نظريات "ميشيل فوكو" حول السجون والمصحات العقلية، كما استند إلى نموذج في استراتيجية الصدمة التي اقترضته "ناعومي كلاين" من استراتيجية علنية في تجارب الطب النفسي في مرحلة معينة من تطوره لفهم نمط إمبريالي في معالجة المجتمع ككل.
وهنا ينتقد الكاتب لجان حقوق الإنسان وجمعيات الدفاع عن الأسرى بصورة عامة والفلسطينية منها بصورة خاصة، كونها ما زالت لا تقدم أي تفسير علمي جاد لهذه الممارسات الإسرائيلية التي تقرأها كإجراءات وأحداث منفصلة لا يضبطها ضابط قانوني أو منطق سياسي، وتتواطأ في تعاملها مع الواقع كما هو، وفي أحسن الأحوال تنشر التقارير بشأن هذه الممارسات دون أن تقدم تفسيراً لها.
إن الجديد الذي كشفت عنه هذه الدراسة هو السياسات والنظم الإسرائيلية التي باتت تستهدف التدخل في تفكير الأفراد في عملية مسخ دماغي زاحف ومتدرج وممنهج، ومحاولتها هندسة الجماعة السياسية للتدخل في العمليات الاجتماعية والسيطرة عليها وعلى نتائجها.
يقول الكاتب في ختام دراسته: "إن طموح مدير السجون السابق يعقوف جنوت يعبر عن هذا الهدف وهذه الرغبة في السيطرة، ففي إحدى ساحات سجن جلبوع، وبعد تسلم وزير الأمن الداخلي جدعون عزرا الوزارة عام 2006 يوجه حديثه للوزير وعلى مسمع من الأسرى: "اطمئن… عليك أن تكون واثقاً بأنني سأجعلهم (الأسرى) يرفعون العلم الإسرائيلي وينشدون التكفا".
العداء الصريح أفضل دائما من العداء المُقَّنع التعذيب بصورته البدائية ذي الهراوة والعصا الكهربية أفضل من التعذيب بصورته الحداثية ، حيث الحصار الثقافي والإخضاع الاجتماعي ومنع التواصل بين رموز المقاومة المنع التام للحقوق والحريات أفضل من إعطاء بعضها الوسط ليس دائما خير الأمور ، خاصة فيما يخص القضايا الوطنية فهو يمنحك دائما أسبابا أقل للمقاومة وأكثر للرضوخ
تريد أن تقضي علي قضية؟ استبدلها في نفوس أصحابها بقضايا أقل ، واجعلهم يقتنعون بأن هذه الفرعيات هي الأصل بدلا من يطالبوا بالقضية الأصلية التي إن تحققت ستضمن لهم كل الفرعيات سينقسم أصحاب القضية إلي طوائف قد تكن العداء لبعضها البعض وبذلك ينجح الظالم أيا كان شكله مستعمر أو ديكتاتور. أدرك الإسرائيليون ذلك "الخلل الأساسي عند الفلسطينيين هو ارتفاع سقف آمالهم وطموحاتهم وبالتالي لابد من تخفيض هذا السقف الذي تجرأ علي قوة الردع لجيشها" وقطعوا خطواتٍ حثيثة في هذا الشأن ، الأمر الذي يجب أن يُعامل باهتمام يكاد يوازي الاهتمام الذي يحدث عند حدوث قصف صاروخي مثلا ، فصهر الوعي وتنميط ردود الفعل أكثر خطرا علي القضية الفلسطينية من صواريخ الاحتلال.
من ينظر للسبل التي ينتهجها الاحتلال الاستيطاني الغاشم تجاه الفلسطينيين، مدنيين أو غير ذلك، يدرك، وبلا أدنى شك، بأن تلك الانتهاجات ليست بالعشوائية أبدًا بأي حال من الأحوال، بل هم يتبعون سبًلا مقصودة وخطة مرسومة بإحكام تهدف، في الأساس، ليس لقمع الجسد وحسب، وليس لقمع روح النضال فحسب، ولكن تهدف رأسًا إلى إثباط عظيمة الفلسطينيين، ليس للحرب، ولكن للوجود بشكل عام فهم لا يهدفون إلا لبث الرعب في نفوسهم، وخفض سقف مطالبهم، من الرغبة في الحرية، إلى الرغبة في الوجود والإحساس بالآدمية إن سبل التعذيب التي انتهجتها إسرائل، أرض الشيطان المحتارة (والمحتارة ليست تنقصها نقطة الخاء) كانت منتهجة بشكل دوري وخاضعة لدراسات علمية تهدف لاصطياد الجسد والروح والعقل معًا، مورست على مرضى، وخضعت للتجربة العلمية، وتتبعت سبل العلوم الاجتماعية والنفسية فيها لاختبارها يعتمد الكاتب بشكل أساسي على مؤلفات مثل عقيدة الصدمة لكلاين، والمراقبة والمعاقبة لفوكو، وغيرها من الكتب التي خصصت لدراسة وسائل الحبس والمطاردة، التي يمارسها الإنسان منذ بدء الزمن إن مراكز البحث العلمية التي يتشدق بها الإسرائيليون ( وهم لهم الحق في ذلك، ما دام العرب كل ما يشغل بالهم هو هاتف جديد أو جهاز آيباد حديث) كانت ولا شك من مهامها دراسة أثر السجن على الشعب، وتحديد وسائل جديدة وعصرية لقتل الروح بالإنسان، ليصبح كل ما يهدف إليه هو الرغبة في العيش ولو تحت أقل الظروف مناسبة لذلك والعنف المستخدم ضد الفصائل الفلسطينية لم يكن يهدف بأي حال لقتلهم أبدًا، فالمقاومة التي ما زالت تستخدم أسلحة أقل ما يقال عنها أنها بدائية، لا يمكن أن تثير الرعب في جيش ومؤسسات دولة بأكملها، توصف بأنها لديها من العتاد العلمي والعسكري ما ليس لدول العرب جمعاء، هي تهدف بشكل أساسي لبث الرعب والخوف النفسي في نفوس البسطاء، والمدنيين، والأطفال، لتثبيت لديهم فكرة رئيسية وهي أن الاحتلال لا يمزح، ولا يعرف العطف ولا الشفقة، وأنه جدّي للغاية، وهذا ما بينته تصريحات شارون وغيرهم من نجاسات دولة إسرائيل. إن هؤلاء المدنسون (بفتح النون) كانوا يتبعون في منهجهم ما لا يخالف حقوقًا إنسانية فقط، ولكن ما يخالف حتى حقوق الحيوان فانتهجوا في سبيل ذلك أشد طرق التعذيب تأثيرًا على نفس الإنسان، وهي تغييبهم جزئيًا عن الوجود، بإفقادهم شعورهم بالزمان والمكان، عبر إخفائهم قسريًا بمعتقلات تحت الأرض، وتعميتهم عن أماكن حبسهم، وعزلهم عن أي أصوات، حتى في ساعات الزيارات، كل هذه الوسائل التي قد تم تجربتها سابقًا على جرذانهم البشرية، فأتوا هاهنا لتطبيقها علينا. ما تهدف إليه إسرائيل بشكل أساسي هو كما أوضح مؤلف الكتاب بمحاولة صهر الوعي الفلسطيني بإشعاره بأنه هذا هو الوضع، ذا الشكل والطابع الحتمي الذي يفتقد لأي قدرة على تغييره أو حتى تعديله هو وشروطه هذه الدراسة تفضح وتكشف بلا شك انتهاكًا يمارس ولا يزال، ليس ضد حقوق الفلسطينيين وحدهم، بل في حق الإنسانية جمعاء هذه الدراسة ولا شك لا غنى عنها، وقراءتها فرض عين على الفلسطينيين، خصوصًا الشباب الواعد منهم. كما أن قراءتها واجبة على كل ذي عقل يهدف لمعرفة ما يجول حقًا في رؤوس هؤلاء انتهى
اول كتاب اخاف اثناء قرائته لم اخف من عدو او معتقل ولكن خفت من نفسي , خفت ان اتعير ويصهر وعيي لا اراديا واترك مبادئي التي جبلت بها ولا اكون محمد الاشقر الا بها خفت من الحاضر كيف سيكون لكنني ما ان انهيت هذا الكتب شعرت ببصيص الامل ذاك الذي ياتي من بعد الموت وكانني كنت مع وليد في الزنزانة وهو يحدثي ثم خرجت من عنده الى الحرية وايقنت ان اكثر الناس حرية هم الاسرى فهم الوحيدون الذين يدركون خطورة ما يدور حولنا فيا ليتهم يخرجون الينا من السجون معلمين في المدارس والجامعات وخطباء على المنابر علنا نلتمس من تجاربهم شيئا
قد يتعلق العنوان في ظاهره بالسجون لكن موضوعه في الحقيقة كل الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال، مع اتّخاذ السجون نموذجاً لتحليل مجموعة النظم والسياسات والإجراءات التي تمثل "صهر الوعي"، إذ تُختبر في السجون لتطبّق فيما بعد على مناطق الأراضي المحتلة التي يسمّيها وليد دقّة هنا "معازل".
لقد أدركت إسرائيل أن المشكلة الحقيقية ليست مع القيادة الرسمية والمفاوض الفلسطيني، وإنما مع الشعب الفلسطيني الذي يرفض سقف الرؤية الإسرائيلية للحل، ويبدي استعدادا للمقاومة بما يجعل رافد الفصائل المقاومة من المقاومين لا ينضب، فأنجزت نظامًا شاملاً يعتمد أحدث النظريات في الهندسة البشرية وعلم نفس الجماعات بغية صهر هذا الوعي الفلسطيني عبر تفكيك قيمه الجامعة، أي استهداف عناصر البنى التحتية لا المادية فقط بل المعنوية أيضاً للمقاومة. إن أخطر ما في هذا النظام أنه من الصعب الإحاطة به من قبل المواطن العادي والمتوسط، لاسيما وأنه نظام مقسم إلى مشاهد منفردة لا يرى منها المواطن إلا أجزاءً محددة. وعلى الرغم من صعوبة الإحاطة بهذا النظام، فإنّ دقة في هذا البحث يقوم بتبسيطه وإدراك مركباته وتعقيداته من خلال إجراء بعض المقارنات بين نموذج السجون وبين ما يجري في الأراضي المحتلة من جهة أخرى، حيث نجد تطابقًا بين إجراءات الاحتلال هناك مع ما يجري في السجون الإسرائيلية التي هي المختبر الذي يتم من خلاله اختبار السياسات التي تستهدف الحالة المعنوية والاجتماعية الفلسطينية.
لا أبالغ إن قلت أن قراءة هذا السِّفْر واجبة على كل فلسطيني اليوم، إذ يقحمنا وليد دقّة في لبّ العقلية القمعية الإسرائيلية ويفكك عناصرها وأهدافها، ولا سبيل ممكن لمقاومة العدوّ ووقائع عملياته بدون وعي أهدافه وترجمة آلياته وإجراءاته المتّخذة في سبيلها.
——
اقتباس مرجعي:
عندما قصفت إسرائيل باجتياحاتها المتكررة المدن الفلسطينية والتجمعات السكانية بطائرات الـ F16 والأباتشي، واقتحمت بدباباتها الأحياء المكتظة بالسكان ودخلت كل زقاق وكل "زاروب" وهدمت بجرافاتها الضخمة الـ D9 البيوت على أهلها.. فإن ذلك قطعًا لم يكن بهدف الملاحقة والقضاء على مجموعات المقاتلين، إن الهدف الرئيسي هو إحداث حالة من الرعب الشديد في أوساط المواطنين الفلسطينيين وجعل كل مواطن يصل لاستخلاص مفاده أن إسرائيل بقيادتها العسكرية والسياسية فقدت أعصابها وجنّ جنونها، وأنه لم يعد هناك قانون أو محرم من محرمات الحرب قادر على ضبطها. وقد رافق ذلك تصريحات لمسؤولين إسرائيليين تعزز مثل هذا الاعتقاد، وقد أعطيت التصريحات صدى إعلاميًا مقصودًا لتحقيق هذا الغرض، وانتشرت في المقابل تصريحات ومواقف لقادة ومحللين سياسيين فلسطينيين تطالب الأجنحة العسكرية للفصائل بالتوقف عن إعطاء الذرائع والمبررات للاحتلال في الاستمرار بالقتل والتدمير العشوائي.. وكأننا لا نتحدث عن دولة لها مصالح ويضبطها منطق أهدافها! "فالجنون" كما يتضح كان استراتيجية تستند إلى الكثير من حسابات العقل.. وإن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي لا علاقة لها بوقف أو عدم وقف العمليات من قبل فصائل المقاومة، فقد تبدأ إسرائيل حربها بهذه الذريعة، لكن استمرار عدوانها لا يتوقف بانتفاء العمل المسلح الفلسطيني، أو كما تسميه القضاء على "البنية التحتية للإرهاب".. لقد أرادت إسرائيل كما كان يصرح قادتها صباح مساء "جباية ثمن باهظ" يشكل حالة من الصدمة الشديدة للفلسطينيين يتم استثمارها في صياغة وعي الفلسطيني، بعد ضرب "البنى التحتية المعنوية" للمقاومة، بشكل يمكن لسقف (شارون) وحكومته التعايش معه حسب تصورهم للحل، لاسيما وأن إسرائيل بيمينها و"يسارها" اعتبرت أن الخلل الأساسي لدى الفلسطينيين هو ارتفاع سقف آمالهم وطموحاتهم، وبالتالي لا بد من تخفيض هذا السقف الذي تجرأ على قوة الردع لجيشها.
مثلما كانت الصدمة في تجارب الدكتور كميروون، لا تهدف إلى علاج مرضاه، وإنما إلى خلقهم من جديد عبر مسح ذاكرتهم وغرس ذاكرة جديدة اعتمادا على رسائل صوتية مسجلة تحمل مفاهيم وسلوكيات جديدة ينوي غرسها فيهم، فيبثها لهم مرات ومرات. فإن الصدمة التي أرادت إسرائيل إحداثها في عقل ونفس المواطن الفلسطيني هي أيضًا لم يكن هدفها الأساسي إنهاء عمل الفصائل الفلسطينية المسلحة بجعل فكرتها، أي المقاومة، مكلفة فقط، وإنما محو مجموعة المفاهيم والقيم التي تشكل البنية التحتية المعنوية للمقاومة أيضا، وأولها مقولة الشعب والقيم الوطنية الحامية للنضال والمناضلين، واستبدالها بقيم ما قبل وطنية يسهل عليها التعامل معها. بكلمات أخرى فإن إسرائيل أرادت من وراء الدمار والقتل إحداث صدمة من شأنها أن تفقد المجتمع والنخب الفلسطينية القدرة على التفكير المنطقي والمتوازن بما يسهل عليها عملية غسيل الدماغ الجماعي دون مقاومة، أو على الأقل أن تحقق استدخال مفاهيم وقيم تفرغ أطرها القائمة من محتواها المقاوم. ومن أجل تحقيق هذا الهدف لم تكتف إسرائيل بالدمار والقتل، وإنما اتبعتهما بمجموعة من الخطوات والإجراءات بدءًا بتقطيع الأراضي المحتلة إلى معازل وانتهاءً بالموافقة، عنوة، على خطة دايتون. هذا تمامًا يتطابق ومراحل تجربة الصدمة على المرضى في معهد "أولون" في جامعة ميكيجن. فبعد "قصف" عقول مرضاه بكافة أنواع المخدرات والضربات الكهربائية، قام الدكتور كميروون بعزلهم عن العالم الخارجي بزنازين انفرادية، وعطل حواسهم بتغطية آذانهم وعيونهم وأكفهم حتى يفقدوا الإحساس بالزمان والمكان، ليصبحوا غير قادرين على تحديد هويتهم الذاتية. وهذا بالضبط الغرض الذي تؤديه عملية تقطيع الأراضي المحتلة إلى معازل في إطار خطة صهر الوعي. فالفلسطيني غير قادر في هذه الحالة على رؤية ومتابعة المشهد الوطني بكامله، وهو غارق في هموم وتفاصيل الجزء الذي يعيش فيه من الوطن، فيكفّ بحكم العادة والتكرار ومرور الزمن عن التفكير كمجتمع متكامل، لتأتي مرحلة "إسماع الرسائل الصوتية المسجلة" أو عملية غرس المفاهيم الجديدة. وهذا ما تؤديه خطة دايتون.
إعادة تعريف للتعذيب في السجون الإسرائيلية تعريفا حداثيا انطلاقا من تغير سياسات إدارة السجن وتحولها إلى التعذيب بنزع الهوية وفقدان الهدف أو الاحساس بالواقع ومسايرته بعد حالة من الصدمة صنعتها الإدارة بوحشيتها اللامسبوقة أثناء إضراب 2004 فرضت بعدها واقعا جديدا ومفاهيما جديدة بشكل علمي مدروسة كل تفصيلاته (عقيدة الصدمة) وهو ما يفسر رغد العيش والمرتب الشهري الذي يعذب به الأسير وفي نفس الوقت عجزه عن التأثير في سير الأحداث أو اتخاذ المواقف الجماعية الثورية داخل السجون فضلا عن عجزه عن تفسير واقعه ، فموضوع الدراسة إجمالا هو إثبات قسوة حال اليسر والوفرة المادية المصحوبة بانعدام التأثير في الواقع وأنها تفوق في قسوتها حالات التعذيب بالكهرباء والهراوات كرسالة للمجتمع للبحث عن حل لن يستطيع الأسرى إيجاده وحدهم حتى يعود الأسرى لقيادة الشارع من السجن كما كانوا قديما.
أن تنظر للعدو كيف يسجنك، يُشعرك بضعة ما تحمل من متون فكرية اهترئت أمام ماكينة استعمارية تحاربنا بكل ما استطاعت أزمنة ما بعد الحداثة (أو الحداثة السائلة كما يؤكد عليها زيقمنت بويمان) تقيؤه . وقد أصاب وليد نمر دقة حين وصف المشهد ب: "إن الأدوات والمفاھيم الفلسطينية في التحرر تخلفت عن الواقع فغدت بحد ذاتھا أدواتا للقمع والتعذيب. وھي تقودنا رغم التضحيات المرة تلو الأخرى لطريق مسدود. إننا أشبه بمن يواجه حربًا نووية بسيف"
في مثل هذا الزمان وبصعوبة الذي يجري لا نملك أن نحاسب أو نحاكم من ضعف أو أخلص ركضا لأجل العيش وحده أو جهل أو حتى قرر أن يجهل وألا يعلم.
إن الاحتلال حتى لو قررنا تجاهله وإلباسه مظاهر عدم التقصد فهو لا يقبل بالقليل، وهو لا يتمثل بالعدوان المباشر المتسم بالقتل والتشريد وسرقة الأراضي وغيرها فقط بل يمتد لكل ما من شأنه أن يدخل الدماغ ويوهن العزيمة ويخلق في النفس التناقض وضياع البوصلة، الدراسة تكلمت عن الأسر وأوضاعه واستفاضت بشكل منظم وكاف عن وسائل التعذيب النفسية وزرع الفتنة وبذر الخوف في النفس نتيجة للشعور بالمراقبة دوما وتشتيت الهمة مع ذكر طريقة التعامل مع الإضراب كمثال على الاحتلال النفسي الممارس على السجناء. اما بالخارج فالأمر أشد سوءا وأكثر خطرا، فالضعف انتشر في النفوس حد امتهان الكرامة والتعامل مع الإذلال بلا انزعاج يذكر، فأصبح شغل الناس الشاغل أحداث فرعية هامشية لا وزن لها، وكلما دار نقاش عما يجري التفتوا للوراء وانتهى الحوار بلا كلمات تروى، وإذا تكلم أحدهم كان هناك كم من الجهل واختلاط المفاهيم عظيم، فمنذ مدة دار نقاش طويل مع أحد الشبان حول ضرورة التعليم وكان الحل واضحا من وجهة نظره بأن يتم تهريبه للعمل في الأراضي المحتلة حيث المال الأوفر وتحقيق الأحلام الأسرع،وهذا فيض من غيض فيكاد لا يخلو يوم من حدث مماثل ومظهر للضعف مشابه.
في النهاية أنا أعلم أن كل منا مهما كان خياره من جهل أو معرفة عانى قدرا كافيا من الألم والأحداث المحزنة التي دفعته لما اختاره فكما قال ريلكه"هذا العالم نشيده فينهار.. ثم نشيده ثانية فننهار نحن"
إن الفرق الأساسي بين المقاوم الفلسطيني والمحتل الصهيوني انه يحاربنا بذكاء ودراسة وليس عشوائياً. بالرغم أن الصهاينة لا يستخدمون العنف الجسدي ولكنهم يستخدمون ما هو اسد وأقصى وهو العنف النفسي.
This entire review has been hidden because of spoilers.
يقول ميشيل فوكو لا يعني تحول العقوبة إلا شكل أكثر تهذيباً و انسانية ان هنالك من يعني بحقوق الإنسان بل الأمر هو تغير في مفهوم السلطة
دراسة عن السجون الإسرائيلية و حال الأسرى هنالك ولكنها تختلف عن كتابات ادب السجون فالكاتب يرى ان تلك الكتابات منبتة الصلة بالواقع فلم يعد الجسد هو هدف الجلاوزة و المعذبين بل صهر الوعي فكأن السجون الإسرائيلية هدفها تدجين الأسرى الفلسطينين .
لم يعد المسجون يرى فرقاً بين السجون الإسرائيلية و الكانتونات و الحواجز و الفواصل بين المدن الفلسطينية
فالمقاومة المقروءة في كتب التاريخ و أدب السجون و آليات التعذيب و انتزاع الحقائفق من الأسرى وتلك الكلشيهات المستخدمة لوصف الواقع لم تعد تليق لعالم ما بعد الحرب العالمية و اتفاقية أوسلو
تلك التفاصيل الصغيرة الجديدة في حياة المساجين تلك الأشياء تحعل حياتهم فوق الفوضى و دون النظام تلك الأشياء الصغيرة قادرة على خداع الأسرى و المساجين حتى يصبحوا عبئاً على المقاومة و القضية الفلسطينية بدلاً من أن يكونوا وقوداً لها
يستخدم الكاتب كتابات ميشيل فوكو عن السجون و كتاب نعومي كلاين عقيدة الصدمة محاولاً إيجاد صورة أكثر وضوحاً لرصد حال السجون الإسرائيلية في صورتها الحداثية و أثر ذلك على الأسرى و القضية الفلسطينية
ورقات سُطرت بقلم الأسير الفلسطيني وليد نمر دقة وتلقفتها أيادي الدكتور عزمي بشارة بحكم لقاءه مع عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان الصهيوني. يجوب بنا المناضل الأسير داخل غياهب سجون أعتى النظم والميليشيات الإجرامية إجرامًا، نرحل إلى هناك عبر صفحات "صهر الوعي" فتنصهر درجات ثباتنا مما يبصرنا إياه ويسمعنا به. الأسرى هم طليعة مستقبل فلسطين، شباب في مقتبل العمر لم يجاوز العشرينات بعد يُصهر وعيه وتُغيَر قيمه وتتحطم آماله، بل إن ذلك الشباب أصبح كفئران التجارب التي يُجري عليها الباحث أولاً ومن ثم الصياغة فالتعميم على الشعب بأسره لا الأسرى وحدهم.
يقص علينا وليد نمر نبأ هؤلاء الشباب الأسارى أملاً في كشف المخطط والوقف على تفاصيله، فنجاح أو فشل ذلك المخطط المعجّز لطليعة التحرير مرهون بتلك القدرة على كشفه وبحثه علميًا بعيدًا عن الجعجعة بلا طحن. ويمكن تقسيم هؤلاء الأسارى إلى فئتين تبعًا لما شهدوه وعايشوه منم تكنيكات الأسر واستراتيجيات التعامل معهم داخل السجون: الأولى هي طليعة الأسر والرعيل الأول الذي عايش مشتملات فوكو وعقيدة الصدمة كما جاءت عند نعومي كلاين. وأما الثاني فذلك الجيل الذي عايش السيطرة الحديثة وأدرك تجليات قيمية خطيرة في حياتهم كأسرى.
رغم أنها صفحات لا تتجاوز المئة، إلا أنها تحمل الكثير من الرعب الذي يهجم على النفس ابتداءً. هذه التحولات الغريبة والبطئية والممنهجة التي تعرض لها الأسرى الفلسينيون تحتم على كل الأطراف الساعية لنهضة الأمة أن تأخذ بعين الاعتبار هذا السيناريو الأليم؛ لقد صار مناضل الأمس حجر عثر في وجه مسيرة النضال! كيف تحول من ذلك الشجاع المضحي بكل نفيس وغالي والمتجاوز لكل حدود وأطر وعصبيات إلى متلق سلبي فوضته إدارة السجن سلطة مراقبة نفسه وتحركه كعرائس الدمية من هنا إلى هناك. ماذا وقع لتتحول قضية الأسير الأسمى إلى مجرد اهتمامات وعادات روتينية لتحقيق فتات أهداف مح�� شخصية!
هي تجربة لا يجب أن تُمحى من ذاكرة الأمة. دروس يجب أن تذكرنا بأننا قد نفعل لعدونا ما ظاهره النضال وباطنه تمرير الطغيان والخذلان. هنا في "صهر الوعي" نظرات جديدة لأمور كنا نظنها حسنة ونعدها من أدوات النضال المقدس، فالإضراب عن الطعام ليس كما كنا نظن، والرغد الذي يعيشه الأسير -مقارنة بوضع الأهل في قطاع غزة، وما باطنه إلا العذاب- المستفيد الأول منه ليس هو الأسير، بل شركات الأغذية التابعة للكيان الصهيوني.. ألا في فلسطين وغيرها عبر لو أدركناها!
ولن نتناول هنا أسلوب كتاب كُتبت مسودته في غياب سجون الاحتلال، والشكر موصول إلى ذلك الدارس في أسره والمطلع رغم عزلته.
من الكتاب: 📕
"لقد تغيرت صورة السجان وأصبح شكلا وهنداما أقرب للموظف في بريد أو بنك، الأمر الذي عطل حتى القدرة أو الإمكانية لاستخدام الأدب والشعر بمفرداته ولغته وصوره القديمة لتصوير المعاناة والعذاب دون أن يكون مجافيًا للحقيقة، ودون أن يكون مضخمًا للصورة. لقد أصبح هناك ضرورة لأدوات أكثر قدرة على تفسير و شرح التعذيب الحديث والمركب. وربما أدوات مستعارة من علم الاجتماع والفلسفة. " صـ 73
التقييم العام: ⭐️⭐️⭐️ ( 3/5)
بطاقة تعريف بالكتاب: عنوان الكتاب: صَهْرُ الوَعي (أو في إعادة تعريف التعذيب..) تأليف: وليد نمر دقة تقديم: د. عزمي بشارة الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، مركز الجزيرة للدراسات الطبعة: الأولى 2010 عدد الصفحات: 87
صهر الوعي : " حينما يحاصر الوطن وتقطع اوصاله جغرافية وهوية،وتجزأ قضيته الوطنية الى قضايا متنافسة فيما بينها ، ويتحول النضال يومياً ومطلبياً متعلقاً بظروف العيش في ظل الاحتلال ، وحين يقسم السجن الى دوائر وينسحب العنف الجسدي الى انظمة الرقابة والتحكم ، وينقلب نضال السجناء الى مطالب فردية وقطاعية ويصبح السجن صورة مصغرة للوطن المحاصر والمقطع .. يصبح الاسير الباحث في شؤون السجن باحثاً في شؤون الوطن"
ان الصدمة التي ارادت دولة الاحتلال احداثها في عقل ونفس المواطن الفلسطيني لم يكن هدفها الاساسي انهاء عمل الفصائل الفلسطينيه المسلحة بجعل فكرتها ، اي المقاومة مكلفة فقط؛ وانما محو مجموعة المفاهيم والقيم التي تشكل البنية التحتيه المعنوية للمقاومة ايضاً، واولها مقولة الشعب والقيم الوطنية الحامية للنضال والمناضلين واستبدالها بقيم ما قبل وطنية يسهل عليها التعامل معها .
لقد اكتفت ادارة السجون باضعاف البني التنظيمية للاسرى وافرغتها من محتواها عبر استخدامها الوفرة وشروط الحياة المعقولة التي حولتها لاداه ضغط داخلي ذاتي لهم،فهي وان اتاحت شكلاً معينا من آلحياة المنظمة الا ان هذا الكرم الاحتلالي يبدو شِركاً؛ لانها الشعرة التي تفصل بين حياة النظام والانضباط وبين الخنوع والامتثال ، وهذا الشرك شأنه شأن اي " ضوء" - وفرة اخرى تقدمها ما دام توفيرها يوفر لها اخفاء اكثر ما يوفره " الظل" - حرمان ، خصوصاً وأنّ الاخفاء في الظل سيكون من السهل التحريض عليه والعمل ضده امام لجان حقوق الانسان والرأي العام..
ان الشعور بالمعاناة حقيقي ، لكن تشخيص ما يراه الاسرى في الواقع كمصدر للمعاناة ليسَ حقيقاً ، فهم كمن اعتاد تشخيص الواقع ( مسامير) ، فيرى الحلول امامه بالضرورة ( شواكيش) وكلما كانت معاناتهم اشدْ ، كانت الرغبة في تفسيرها اقوى ، ويقودهم هذا الالحاح النفسي لتفسير مصدر عذابهم ، الى التهويل والتضخيم ، وسرعان ما تتبين الصورة ويصطدمون بحقائق الواقع مما يزيد من عذابهم ووحدتهم .
لم يعد الاسير - الجسد هو المستهدف - ولا تعذيبه بالحرمان .المادي والتجويع ، وانما الروح والعقل هما المستهدفان، والوفرة المادية هي وسيلة من وسائل التعذيب الحديث، وبالتالي فقد بات من الضروري اعادة تعريف التعذيب والقهر والاضطهاد وكشف تفاصيله الحداثوية المركبة ، ان الاسير يسحق ويعذب بين شكل الزمن الثابت في علب المكان داخل السجن ، وبين محتوى الزمن الذي تحرر من اعباء المكان واصبح في زمن ما بعد الحداثة بسرعة الالكترون ..
ان سجون الاحتلال الاسرائيلي اليوم هي بمثابه مؤسسات ضخمة لسحق جيل فلسطيني بكامله ، بل هي اضخم مؤسسة عرفها التاريخ لاعادة صهر الوعي لجيل المناضلين ..
وكجزء من الاستفراد بعقل ووعي الاسرى ، ولمنع اي امكانية لتدفق المعلومات التي من شأنها ان تشوش عملية صهر الوعي ، فقد حضرت ادارة السجون في الاعوام الاخيرة طبيعة الكتب التي يسمح للاسير بادخالها عبر الاهل في كتب الدين والعبادة او بعض الروايات ، اما الابحاث العلمية والدراسات السياسية والاجتماعية فيمنع ادخالها للسجن بحجة انها " مواد تحريضية" ، وعلى كل حال فان الكتب الي تقرا بكثافة في الاونة الاخيرة هي كتب قراءة الطالع وتفسير الاحلام او كتب اختبار المعلومات ( بنك المعلومات) الامر الذي ان دلَّ على شيء فهو يدل على حجم التشوه الذي كان من نصيب ثقافة الحركة الاسيرة ، هذه الطليعة الفلسطينية التي من المفروض ان تكون اكثر الفئات تسييساً ووعياً..
يأخذ وليد دقة رحمه الله نظرة معمقة مكثفة مختصرة لواقع السجون الإسرائيلية تحديدا ما بعد أوسلو و الإنتفاضة الثانية .. مقدما به دراسةً لأساليب جديدة من السيطرة على الفلسطينيين و صهر وعيهم بعيدا عن أساليب التعذيب المعتادة بل ربما على العكس تماما ..
ممهدا أن هذه السياسات ما هي إلا نموذج مصغر لما تفعله اسرائيل بفلسطين ككل .. في عملية طويلة و مركبة من تغييب الشعور و الوعي الدائم لتخلص و التحرر من الاحتلال .. إلى شيء ينتمي أكثر لحياة فردية أو بأفضل الأحوال تنتمي إلى جماعة البلدة أو المخيم أو الفصيل .. مستغلةً ما بعد أوسلو و حالة خيال الدولة التي تبيعها إسرائيل للعالم و للكثير من الفلسطينيين دون أن يشعروا .
هذه الدراسة القصيرة من المفترض أن تكون مجرد مقدمة لكتاب و بحث ضخم لشخص لماح و واسع الإطلاع لجمع الظواهر و الأفكار و السياسات و تحليلها ثم تقديم ما يجب أن يكون لمواجهتها .. لكن للأسف الأسر و المرض و الآن الموت حرمنا من باحث و مفكر فلسطيني عظيم رحمك الله يا وليد
أحب أن أسمي هذة الورقة البحثية "وسائل التعذيب في عصر ما بعد الحداثة" ورقة مخيفة ومُبكية تُعلمك أنك محاصر من جميع الجهات أنت أمام محتمل لا يرحم، أعتقد أني لو كنت قرأت هذا الورقة قبل أحداث طوفان الأقصي لتملكني الخوف الشديد وربما وصلت بي إلي الهلع حيث تعتقد أنه لا مخرج ولا وسيل للخلاص من هذا الغاصب، ولكنها إرادة الله في إحياء هذا الأمة، فمن أراد أن ينصره الله فلا سبيل لذله، أقوي ما تعلمته من هذة الورقة هو العلم العلم الوعي الوعي فلا سبيل للنصر علي أعداء الله إلا بهما بكيت في أثناء الورقة لأن ما يمارسه الإحتلال علي الأسري في سجونه هو نفس ما يتم ممارسته من الحاكم علي الشعب المصري فنحن والله في سجن محتل كبير يُمَارس علينا عقيدة الصدمة لا تسأل مجدداً لماذا لا تشارك الجامعات العربية فيما يحدث!
تعديل: علمت الآن فقط بعد ساعة من كتابة الرفيو أن الكاتب قد توفاه الله من أسبوعين فقط بعد ٣٨ عام في سجون الإحتلال ولكننا ننتظر ميلاد وليد دقة الحرية لأسرانا
قرأت هذه الدراسة أثناء إبادة غزة الحالية و التي بدأت منذ اكتوبر ٢٠٢٣ و فيها ما فيها من (عقيدة الصدمة) التي حدثنا شهيدنا و أسيرنا و مفكرنا وليد عنها. لطالما سألت كيف يمكن الإجابة على الأصوات الخافتة أو تلك التي تصدر ضجيجا و من شأنها تلوم المقاومة على فعلها حتى رأيت في إسقاطات عقيدة الصدمة التي مارسها الاحتلال على الأسرى في إضرابهم عن الطعام أو في عملية (الدرع الواقي) كما أسماها الاحتلال عام ٢٠٠٢ إجابةً على كون أصبح هناك تطبيعا مع حياد البيئة الحاضنة عن كونها حاضنة للنضال و الفداء . الأسير الفلسطيني في السجون الإسرائيلية هو التجسيد المكثف لحالة صهر الوعي على الرغم من عدم عنونتها و إدراك العموم لها ، و إن كان الشعب الفلسطيني في سجنه الكبير كما أوضح وليد هو الحالة الأعم و الأشمل فإنه أيضا نحن، أي سكان الوطن العربي و كل المتأثرين بأنظمة الهيمنة تجسيد لحالة صهر الوعي الأكثر عمومية من صهر وعي الشعب الفلسطيني. و السؤال الذي يبقى (كيف علينا أن نحمي أنفسنا منه ؟)
الكتاب على جانب كبير من الأهمية يتناول فيه الكاتب فكرة نادرا مايتم طرحها عن صورة مختلفة وأشد خطورة من صور التعذيب التى يتعرض لها الأسرى فى سجون الاحتلال تعذيب غير حسى وغير مباشر يهدف للتدخل فى تفكير الأفراد فى عملية مسح دماغى زاحف ومتدرج وممنهج الكاتب يربط بين الواقع داخل السجون الاسرائيلية وخارجها وأن مايمارس فى داخل السجون ماهو الا صورة مصغرة وتجريبية لما يتم ممارسته على كل الأراضى المحتلة بهدف صهر الوعى وتغييره لشعب كامل
كتابة في محاولة جعل "آخ" الأسير (في السجن/ الوطن) مفهومة ومدركة من قبل الآخر الحر، قادرة على اختراق الضباب الإعلامي والسياسي لتحتل قضتيك كأسير (سجن/وطن) مكانة معقولة على أجندات السياسيين والإعلاميين، وأن تحظى باهتمام لجان حقوق الإنسان، دون تبسيط المركب في عذابك فيبدو عذابًا بسيطًا لا يستحق الاهتمام، أو تضطر للتهويل والتضخيم فيكون من السهل على سجّانك أن يفند إدعاءتك الكاذبة ليكرس عزلك عن العالم مجددا لتواصل عذابك وحيدًا.
لم يكن يخطر ببالي مسبقًا الأهمية والتطبيق الفعلي لعلم النفس وعلم الاجتماع وكيفية توظيف نتائج الدراسات والنظريات والاستراتيجيات الخاصة بهما حتى سمعت هذا الكتاب، فمن استراتيجيات "ناعومي كلاين" إلى نظريات "ميشيل فوكو" حول السجون والمصحات العقلية، كان تحليل الشهيد وليد دقة ملفتًا ومهمًا جدًا ووجدت أن على كل المهتمين بالقضية الفلسطينية وجوب الاطلاع على هذا الكتاب. أنا استمتعت للنسخ�� الصوتية للكتاب عبر قناة "صوت البلاد" على اليوتيوب.
اظن ان كل مهتم بتثقيف نفسه عن القضية الفلسطينية، وسياسات الاحتلال في التعامل معها بما يخدم مصالحه واعادة تعريف الوعي الفلسطيني وصولا للمرحلة الحالية سيكون ممتنا بعد قراءة الكتاب. صراحة، وخلال قراءة الكتاب تلمع في ذهنك لمحات من المراحل التي تعيشها داخل فلسطين، كتعامل الاحتلال خلال الحرب، وسياسته في التعامل مع حصار غزة، لتعيد تفسيرها ضمن النموذج الذي يطرحه الكاتب. انصح به بشدة.
الكتاب يصلح خارج سياقه .. لم أستطع أن أمنع نفسي من ربط ما كتبه عن سياسات العزل و التشظية و الإشغال بهموم ضيقة ، بحالنا في سائر الدول.. و دول الطوق خصوصاً ..
طبعا من نافلة القول أن وضع الأسرى لا يقارن بسابقه في مستوى التعذيب و التجويع و الاعتداء الجنسي والقتل ..
دراسة تستحق أن توزع على كل الشباب الفلسطيني و العربي لفهم ما يحصل. إن ما يتحدث عنه هنا الأسير الشهيد وليد دقة، يمكن أن يسقط على الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة و على الإنسان العربي أو المسلم. من المهم قراءة هذه الدراسة/الكتاب لفهم الكثير من ما يطبق علينا و ما نراه في انتشار الذباب الالكتروني لصهر الوعي الجمعي.
الكتاب توثيق لحالة الإرباك التي أصابت الكاتب إزاء سجن غير تقليدي في تحديد ما يعذبه، أذكر نقطة ذكره للعتمة كشئ يعتبر في كلاسيكيات السجون عذاباً، لكنه في الحقيقة بالنسبة له في سجنه المضئ الباهر، حماية غائبة الرجل يعتقد أن السجن هنا أصعب تحديداً، وأصعب مواجهة أيضاً، تعيينه أول خطوة لمقاومته
في الحقيقة مادفعني لقراءة الدراسة هو الفضول عن حياة الأسرى ، قرأت الكثير عن وليد دقة و قرأت رسائله في الأسر . و رغم موضوعية الدراسة إلا انها أثرت فيّ بشكل غريب و كأنها دراسة ذاتية .