What do you think?
Rate this book


150 pages, Paperback
First published January 1, 1988
أن التفكير يسبق التكفير، والعقل يسبق النقل، والسماحة تسع الجميع، وأن الحساب آت لا محالة، في الآخرة وليس في الدنيا وأن الإسلام لا يعرف الكهنوت، ولا يعرف رجال الدين، ولا يعطي قدسية لأحد، ولا يمنح عصمة لأحد، ولا يمنع النقد عن أحد، فلا عصمة لأحد غير الرسول، ولا قدسية لأحد غيره، وأنه ليس في الإسلام أزياء، وليس له ألقاب، وليس لأحد كائنًا من كان أن يدعي أنه حامي حمى الإسلام، فكلنا مسلمون، وكلنا حماة الإسلام، وكلنا أيضًا حماة الوطن، كل الوطن، وكلنا عشاق لها، وكلنا مناضلون من أجله، أرضًا وسماء، مسلمين وأقباطًا، لسنا فاتحين وليسوا أسارى حرب، نحن جميعًا مواطنون، لسنا أغلبية وليسوا أقلية، نحن جميعًا مصريون، لسنا حكامًا وليسوا محكومين، نحن جميعًا حاكمون محكومون، وكلنا عشاق لهذه الأرض، وكلنا مدافعون عنها، وقبل ذلك كله مدافعون عن وحدة الصف وتلاحم الصفوف.
يكاد القارئ يلاحظ علاقة طردية بين دنيوية الدولة وتألق الفكر والأدب والعلوم والفنون والفقه، فحينما تزداد هذه يتألق أولئك، وعلى العكس من ذلك، يضمحل كل شيء مع ازدياد سطوة الدين في الدولة الدينية إلا العبادة وقصص الزهاد وأقوال الصالحين... ذلك لأن الفن حرية، والحرية لا تتجزأ، والفنان لا يتألق إلا إذا أحس بفكره طليقا، وبوجدانه منطلقا، وبوجدان الآخرين مرحبا، وبأذهانهم سعيدة بإبداعاته، مستعدة أن تغفر له شطحاته، مقبلة على الحياة لا على الموت، منفتحة للنغم لا للوعيد. ولا أحسب أن ذلك كله جزء من طبيعة الدولة الدينية، بل هو متنافر معها كل التنافر، متناقض مع قواعدها أشد التناقض.
وخلف ذلك كله يلوح سد كبير، يتمثل في الحكمة التي يطلقها المصريون، والتي تدعو إلى سد كل باب يأتيك منه الريح، فما بالك إذا أتاك إعصار التكفير، وارتطمت بأذنك اتهمات أهونها أنك مشكك، وأسئلة أيسرها -هل يصدر هذا من مسلم؟- ، وواجهتك قلوب عليها أقفالها، وعقول استراحت لاجتهاد السلف، ووجدت أن الرمي بالحجارة أهون من إعمال العقل بالبحث، وأن القذف بالاتهام أيسر من إجهاد الذهن بالإجتهاد..