ذلك النبات الغريب الذي ينمو في الأراضي الفلسطينية ويثمر تفاحا أطلقوا عليه اسم تفاح المجانين..نبات برى لم تغرسه يد معلومة في بطن التربة التي تطرح الزيتون والقمح والبرتقال ويتكاثر تلقائيا باغراء يغوى الكثيرين لأكل ثماره سيما في مواسم الجدب ..أسباب محددة تدفع الكبار للتحذير من تناوله خصوصا صغار السن ، لأنه يقدم طاقة بدنية هائلة تعصف بمن يتعاطاه وتجعله يقدم على أفعال خارقة كأنما به مس من الشيطان..وربما لهذا أسموه تفاح المجانين في مقابل تفاح ( العقلاء ) الذي لا يقدم سوى السكينة ومعها الاستسلام المر لواقع قبيح.
تطرح ثمار تفاح المجانين في كل صفحات الكاتب الفلسطيني المبدع يحيى يخلف في روايته التي تحمل نفس الاسم، وتعرض بعفوية وسلاسة وعذوبة لحياة سكان المخيمات الفلسطينية بعد نكبة 48 وبدون نبرة خطابية زاعقة..ومن خلال النماذج المتعددة التي تمثل نسيج المجتمع الفلسطيني في المخيمات برجالات الزمن العثماني والفقراء وموظفي وكالة الغوث ومن يجترون ـ مع عجزهم ـ حكايات عن بطولات الفدائيين و...
كأنما تريد الرواية أن تقول لنا بوضوح : إن تفاح المجانين وتوابعه من الأفعال القوية الخارقة هو الملاذ الأخير للخروج من دائرة الظلم الانساني البين في مخيمات للاجئين ترزح تحت نير الاحتلال..لا بد من فعل لا يخضع لمنطق أو لحسابات العقلاء حول المكاسب والخسائر أو لرضى موظفي ( وكالة الغوث ) الذين يمسكون بأيديهم اللقمة والملبس..وهي ثمار تجد الآن من يحاربها بلا هوادة ويسعى لاستئصالها من الأراضي الفلسطينية وبالتالي اخماد كل الأفعال القوية الشجاعة لمن يتعاطاها ..إنهم يفعلون ذلك لصالح تفاح ( العقلاء !(
يحيى يخلف ولد في سمخ (قرية بالقرب من طبريا) في فلسطين عام 1944.
عمل أميناً عاماً لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
عضو جمعية القصة والرواية. شغل منصب وزير الثقافة والإعلام في السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس المجلس الأعلى للتربية والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية إنتخبته مؤخراً لجنة الإعلام والثقافة والشؤون الفكرية المنبثقة عن المؤتمر العام السادس لحركة فتح رئيساً لها
مؤلفاته: 1-المهرة- قصص- بغداد 1973- ط2- بيروت 1981. 2-نجران تحت الصفر- رواية- بيروت 1977. 3-نورما ورجل الثلج- قصص- بيروت 1978. 4-ساق القصب- قصة للأطفال- بيروت 1981. 5-تفاح المجانين- رواية- بيروت 1982. 6-نشيد الحياة- رواية- بيروت 1983. 7-تلك المرأة الوردة. 8-بحيرة وراء الريح- رواية- 1993. 9 - نهر يستحم في البحر 10- نشيد الحياة 11- رواية :ماء السماء
رواية تحكي عن الصراع الخالد بين إله الحرب وإله السلم من أجل الجميلة التي اسمها فلسطين... هذه الأرض المرصودة لمصيرٍ لا يعرف الاستقرار من مطامع وموت وغزوات وقيامات، لكنّ شجاعة شعبها أقوى من قدرها، فكنيسة المهد شفيعتها وقبّة الصخرة طبيبتها، معهما تقوم فلسطين من الرماد... بهيّة، متجدّدة، يغار الجوار من حسنها وعراقتها وديمومتها. ينقلنا العمل من الأرض المُغتصَبة إلى مخيّمات اللجوء، كأنّ الخروج من الوطن فترة استفاقة... أو ربّما نقاهة في منتجع صحّي للمصابين بداء الحرب. كم كانت دافئة وجميلة الحوارات في هذه الرواية. فبها كانت الشخصيّات تتعرّى من حاضرها الخاذل لتكتسي بماضيّها الباسم. كم كانت موجعة تلك الكدمات الزرقاء على وجوه أبطال العمل. كم بكيت مع بدر العنكبوت، كم ذكّرني بي وبطفولتي... كم أوجعني فقره وبرده وجوعه، كم آلمتني خيباته وانكساراته ولحظات ضعفه... كم يشبهني بدر العنكبوت بصخبه وصمته، بصلافته وعتهه وأمله وجبروته. كم توحدنتُ مع بدر العنكبوت... كم جسّدتني هذه الشخصيّة التي قفزت من الورقة وتعمشقت بجدار روحي شجرة لبلاب هزيلة... متعبة... مكدودة ومنهكة. الرمزيّة في هذا العمل متعبة... ومهلكة أحيانًا. لم أفهم كيف استطاع يحي يخلف برواية لا تتجاوز 98 صفحة أن يشحن كلّ هذا الشجن وهذه الاضطرابات. أحداث لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وشخصيّات قليلة وفترة زمنية لا تتعدّى ربّما الخمس سنوات، لكنّ ما قدّمه الكاتب لم يبهرني فقط كلغة وأسلوب، وإنّما تلك اللفحة الذكيّة التي تتراقص بين الكلمات والأسطر، فالكاتب يخلق من الحجر شخصيّة وكيان لهما قصّة تروى، وهذا هو الأدب... هذا هو مغزى الأدب، وملّا يستطيع فعل ذلك فهو حاشية في كتاب، وليس كاتبًا. تمزج الرواية بين السياسة وبين حكايا المجتمع البسيط، فهي تُروى على لسان الطفل الصغير بطل العمل. وأعتقد كانت هذه النقطة المسألة الأصعب في العمل، فكان الكاتب مقنعًا جدًّا... استطعتُ تصديق أنّ الراوي هو فعلًا طفل رغم جزالة الأسلوب. "كان والدي قاسيًا، وفي الوقت نفسه كان حنونًا وعاطفيًّا. إذا غضب منّا فإنّه يسحب حزامه الجلديّ العريض، وإذا مرض أحدنا يحمله على ظهره إلى العيادة، وعندما لا ينفع الشراب المرّ في الشفاء، وترتفع درجة الحرارة وتتحوّل الحمّى إلى هذيان... فإنّ والدي يذرف الدمع الصامت." ثمّة الكثير من الاسقاطات السياسيّة في العمل، فبطل أحد الفصول كان حمارًا! الحمار الذي دخل القرية غارقًا بالدم ومحطّ سخرية الأطفال، حتّى أتى ذاك اليوم وأكل من شجرة تفّاح المجانين وتحوّل ثورًا هائجًا ليقتله أحد رعاع الحي وهو نائم عند شبّاك منزل بدر العنكبوت... كم أوجعتني قصّته! كما وأحببتُ كثيرًا تلك التلميحات الخبيثة من الكاتب... "صَمَتنا ذاك الصمت القاسي وعرفنا أنّه انفجار الأسود الحبيسة في الأقفاص عندما تتذكّر الأدغال" رواية موجعة وذكيّة وصادقة وعميقة وبها من الجمال ما يطوف عن كأسها.
رواية المخيم بعد النكبة. يحيى يخلف، يمسكك ويحملك ويطير بك ليحطّ في النهاية معك في قلب المخيّم. خلق شخصيات بمنتهى الكمال، بدر العنكبوت، تحصيل دار، الخال عمران، فورمان، الدكتور باز وغيرهم. رواية الصراع بين الكبرياء والإذلال، الاعتماد على معونات الأونروا، ومحاولات التغلّب على القهر والبؤس، والحلّ الذي توصل إليه الفتى الصغير بدر العنكبوت، وهو الأكل من تفاح المجانين، الثمار التي تصيبك بالمرض، وتجع من دمك دمًا فاسدًا، إلا أنها تكسبك جموحًا وقوة وتمردًا لتتغلب وتنتصر. هنا المخيّم بكل بساطته، بكل ما يملك من أزقة إلا أنه يستقبل الغرباء، وكل غريب أتى إلى المخيم يصير فردًا من أهلهم، يتشارك معهم حكاياتهم وهمومهم وضحكاتهم. الفدائي، الذي يبحث عن الوطن، لكنه في المخيم بلا بندقية، حكاية عمران الذي تخطى الصحراء وتغلب على الجيش، ثم أسر ثم أفرج عنه وجاء إلى المخيّم. المخيّم، الذي يواصل الحلقة الأصعب، التعليم، الست أنجيل على قسوتها، إلا أن الأطفال ما يزالون يدرسون ويتعلمون، حتى ولو كانت المدرسة هي خيمة فقط. الأطفال نفسهم، عاينوا وعاشوا الذل، ولم يرضوا به، سيكبرون، ويمضغون الحجر، حتى يصير ما يريدون به لأن يكون. الكثير الكثير في الرواية عليّ أن أحكيه، يجب أن تقرأ وتدرّس. يحيى يخلف اختزل السرد، وأبقى على الشكل، وأوصل ما يجب أن يصل.
يمتزج العام بالخاص والمخيم بالعالم والذاتي بمن في الجوار في هذه الرواية الممتازة معلنًا عن سلطة التعوّد على الجموح، وعن ما يُسقط في يدي الفارس مقابل واقع لا يعترف إلا بنفسه. قرأتها بترشيح من أستاذنا محمد آيت حنا، وإنه لنعم الترشيح.
هي رواية لا تتجاوز ال ٩٥ صفحة ولكنها تحمل معنى و رمزية تكفي لوضعها في مئات الصفحات . انا من اشد المعجبين بهذا الاسلوب ؛ يحثك على التفكير و الربط بين احداث الرواية و الواقع ...
قراءة في رواية: «تفاح المجانين» للكاتب الفلسطيني يحي يخلف الرواية صدرت سنة 1982 . عن دار الحقائق – لبنان وتضم ثلاثة أجزاء هي: - النُّقطة الرَّابِعة. - تفاح المجانين. - عودة الخال. موزعة على 95 صفحة - في الجزء الأول من الرواية (النُّقطة الرّابعة)، يسرد الرواي قصص الشخصيات التي تُغطي مساحة الرواية، شخصيات كل مِن "الفورمن" المتسلط وزوجته الجميلة ذات الشعر الأصفر، وقصة الزير (قال الفورمن: أُحطم هذه العصا فوق رؤوسكم..) ص 09. والمعلمة "الست انجيل" الممتعضة دوماً من تلاميذها (قالت الست انجيل: لا تتمخطوا في الصّف.. لا تسعلوا.. خطكم مثل خرابيش الدّجاج... قالت: ممنوع السُّعال يا أولاد. ممنوع الكحة. ممنوع النُّباح... قالت: أعصابي لا تتحمل هذا السُّعال المُرهق. لا تتحمل روائحكم الكريهة. ثُمّ فقدت أعصابها، فحملت المؤشر، وضربت الأولاد الذين يجلسون في المقعد الأول..) ص 11.. ويتحدث بإعجاب وانبهار عن صديقه في الحارة وفي المدرسة "بدر العنكبوت" الذي يتشقلب مثل العنكبوت (بدر العنكبوت صاحبي وابن صفي وحارتي. المعلمون ظالمون، وهو عصي الدّمع..) ص 11. (كان يطوي نفسه حتى يُصبح بحجم قبضة اليد. كان نحيفاً يشبك يديه برجليه، ويلتف حول نفسه كالعنكبوت. يتراهن مع أولاد الحارة، فلا يستطيع احد تقليده، فيكسب الرِّهان..) ص 12. كما يأتي على سرد حكايات التذكر والحنين إلى الوطن التي جمعت بين والده والعم "تحصيل دار" والد "بدر العنكبوت". (تحصيل دار هو الاسم الذي التصق بالعائلة التي تخصصت في جباية الضرائب على البيوت والمواشي والأسواق منذ عهد الأتراك..) ص 14. ويقول عن والده: (كان والداً ذا كبرياء.. كان والداً قاسياً، وفي الوقت نفسه كان حنوناً وعاطفياً إذا غضب منّا، فإنّه يسحب الحزام الجلدي العريض، وإذا مرض أحدنا يحمله على ظهره إلى عيادة الوكالة، وعندما لا ينفع الشراب المر في الشِّفاء، وترتفع درجة حرارته، وتتحول الحمى إلى هذيان، فإنّه يذرف الدّمع الصّامِت. كان والداً عبوساً، فإذا جمعتُ شفتي وأطلقتُ صفيراً في لحظة صفاء ينتهرني، ويقول إنّ الصفير يجمع الشّياطين كما أنّه كان ينتهرني إذا أطلت النظر في المرآة، ويقول أن على المرء ألا يُعجب بنفسه، لأنّه إذا أُعجِب بنفسه أصبح متغطرساً. وكان والداً حلو الحديث يروي أجمل القصص والحكايا. يصحبني معه إلى الغرفة المُلاصقة لِغُرفتنا والتي يسكن بها العم تحصيل دار والد بدر العنكبوت، وتبدأ السّهرة بِشكوى الرّجل المُسن على ولده العنكبوت، ويقوم الولد العفريت فيصنع لهما الشّاي..) ص 14. أما عن "الدكتور باز" فيقول هو (شركسي أو كردي، ولكنه ليس غريباً عن حارتنا... في حارتنا ينتشر مرض واحد هو الملاريا، ولذلك فإنّ الدكتور باز اعتاد أن يصرف للنّاس حُبوب الكينا، حتى قبل أن يسألهم مما يشكون..) ص 21. ويقف بنا الراوي عند المعاملة القاسية التي تلقاها "العم تحصيل دار" في المخفر بعد أن رفع شكوى ضد "الفورمن" الذي حطم عصاه على رأس بدر العنكبوت في قصة زير الماء. - أما في الجزء الثاني من الرواية (تفاح المجانين)، فيواصل الراوي القص عن صاحبه "بدر العنكبوت" (صار "بدر العنكبوت" يبحث عن سرِّ القوة. وكان يقول: أكره الضعف ولو أنِّي ضعيف. يجب أن نفكر كيف نُصبح أقوياء. كيف يرفع بدر العنكبوت الأثقال، ويُمارس لعبة الملاكمة، وكيف يقوى على قتل ا��شاويش حسن بصفعة واحدة. وكان يقول أيضاً: متى تصبح لي قوة ثلاثة أحصنة وأربعة ثيران في وقتٍ واحد..) ص 33. وذات يوم دخل الحارة الجحش طريف مستجيراً ضعيفاً مطروداً ضالاً.. اعتنى به بدر العنكبوت وقال لأصحابه: منذ اليوم سيكون هذا الجحش صديقنا.. ونُسميه طريف. (ومع الأيام، أصبح طريف أليفاً ومألوفاً، صار أنيساً مثل الطُّيور والقِطط. وبدأ يكبر.. ويعلو.. وخلال ذلك طمع فيه الطّامعون..) ص 36. حاول "المشط" بائع السمك أن يتشاطر على الأولاد ويستأجر الحمار، لكن "بدر العنكبوت" كان له بالمرصاد... يتواصل الحكي بأسلوب جميل وشيق إلى أن يصل إلى بؤرة االسرد التي جاء بها عنوان الرواية. ذات صيف. (كان صيفاً جافاً قاحلاً. وكان صيفاً شحيحاً، قل فيه الماء، وانتشر القمل، وجفت البرك، فاعت الأفاعي.. الضفادع.. الديدان. جاع النّاس، نفقت الحيوانات، عزّ القمح وصار طحين وكالة الإغاثة هو الغذاء الوحيد. هام بعض النّاس في البراري، وأكلوا مِن ثمرة (تفاح المجانين) فأصابهم مسّ، وقاموا بأفعالٍ جنونية.. دبت فيهم قوة مؤقتة، فدحرجوا الصُّخور، واقتلعوا الأشجار مِن جذورها، وأحدهم صارع ذِئباً ولوى عنقه.. ومِن ثمّ ازداد عدد الممسوسين الذين أكلوا التفاحة.. تلك التفاحة اللعينة التي كان أهلنا يُحذروننا مِن الاقترابِ منها. كان أهلنا يُحذروننا مِن الاقترابِ مِن هذه الشّجرة الشّوكية الجافة التي كان مرآها يملأ النفس رُعباً.. ويقولون بأن مَن يأكلها يُصيبه الجنون ولا يكون مسؤولاً عن أفعاله. ويقولون أيضاً بأن مَن يأكلها يُصبح له قوة الأسود. ودهاء الثّعالب، ومَن يأكلها يُصبح له زهو الطواويس، وكبرياء النُّسور، وقد يدفعه ذلك إلى القيامِ بأعمال جنونية. وعلاج الممسوس في المراحل الأولى يكون بِفصد دمه. يشطبون جلده بشفرةٍ حادة، ويتركون دمه يسيل، فتخور قواه وينام على جُروحه.. كان فِعلاً صيفاً قاحلاً ويابساً...) ص 38 دبّ الجوع والهُزال في الجميع بشراً وحيوانات. وصار طريفاً هزيلاً بطيئاً.. قال الراوي: (فقال لي "بدر العنكبوت" الذي يكره الضعف رغم أنّه ضعيف: يجب أن يستعيد هذا الحمار قوته. أتدري كيف يُصبح حماراً بقوة ألف حصان؟ سألته: كيف؟ أجاب: نُطعمه مِن شجرة تفاح المجانين.) ص 39. (جن الحمار في تلك الظهيرة. أصبح ثوراً هائجاً.. انطلق عبر البراري رافعاً ذيله مكشراً عن أسنانه. غارزاً حوافره في الأرض انطلق عادياً عدوانياً..) ص 42. داهم كل ما كان في طريقه.. في المساء انهار الحمار وخارت قواه، فجاء أحد وغرز سكينه في رقبة طريف، شخب الدّم، ثم همد.. وجاء "بدر العنكبوت" وأجهش بالبكاء حزناً على صديقه وصديق أطفال الحارة الجحش طريف.. في تلك الليلة خرج "بدر العنكبوت" ولم يدر أحد أين ذهب؟.. ومما زاد الطِّين بلة أن المعلمة "الست انجيل" أرادت عقابه لكن سعيها خاب.. (جاء بدر العنكبوت إلى المدرسة.. شاحب الوجه. مُتسخ الثياب... ودخلت الست انجيل بيدها المسطرة. تفتيش على المحارم. على الأظافر. على شعر الرأس. على الوظائف... وكان بدر العنكبوت. بلا منديل. ومُتسخ الرأس والأظافر، ولم يكن يحمل حقيبة كتبه. سحبته الست انجيل مِن أذنه، وقالت له أمام طلاب الصّف: يا كسلان... وجهك إلى الحائط. ولم يدر وجهه إلى الحائط...) ص 45. خرج "بدر العنكبوت" من الخيمة مُغاضباً باتجاه البراري، وحين الظهيرة لم يعد... يُحدثنا هُنا الراوي أنه اتجه للبحث عن صديقه فوجده قد أكل من شجرة تفاح المجانين الحمراء الوحشية وتحول حاله إلى غير حال، أليس هو من كان يبحث عن القوة؟.. وانّه أكل هو أيضاً من نفس الشجرة.. (وقبل الغروب جاء والدي ومعه بعض الرِّجال يبحثون عنّا... أمسك والدي بيدي، وأمسك آخرون ببدر العنكبوت... وفي حوش الدّار سمعتهم يتحدثون: يجب فصد الدّم الفاسِد مِن جسميهما قبل فوات الأوان...) ص 49. - وأخيراً في الجزء الثالث مِن الرواية (عودة الخال). سيارة الصليب الحمر تحمل رسالة أولى، تليها ثانية، فثالثة مِن "الخال عمران" الفدائي الأسير في سجون إسرائيل يُخبرنا بقرب الإفراج عنه.. بحث الوالد عن كفيل يدفع مائة دينار لإخراج الخال من المخفر. فلم يجد أحداً. لأن الفقر كان قد نخر العظم.. في ذلك المساء اتجهت الوالدة إلى بيت "الفورمن" تستجدي زوجته أن تُقنع زوجها "الفورمن" بكفالة "الخال عمران".. وفي يومٍ تالٍ، خرج الخال.. وجاء برفقة "الفورمن" إلى الحوش.. استقبلته الوالدة وجيران الحارة بالفرح الذي يليق بالفدائي.. ولكن؛ وبعد أن وقع "العم تحصيل دار" مغشياً عليه وراح في غيبوبة طويلة.. (انطفأ الفرح وعبست الوجوه مِن جديد.. إنّها سُنّة هذه الحارة: قليلٌ مِن الفرح وكثيرٌ مِن الحزن..) ص 70. الحدث الجديد غطى على وهج الخال.. (أما "بدر العنكبوت" فقد بكى بصمت.. ثمّ بصوتٍ عال.. حاول "المشط" أن يُسكته، فنهره الوالد قائلاً: إذا لم يبك الفتى والده فمن يبكي إذن؟) ص 74. مات "العم تحصيل دار".. (ليلة موته حدثت مظاهرات في المدينة، وأحرق المتظاهرون مبنى النُّقطة الرّابعة.) ص 75. (توقفت الحياة عدة أيامٍ، ثمّ عادت مِن جديد.. رُفَع منع التجول، وعادت حارتنا تنغل بالنّاسِ. صار "بدر العنكبوت" واحداً مِن أسرتنا أصبح والدي والده، وأمي أمه، وخالي خاله..) ص 78. الحاجة والعوز والفاقة حولت "الخال عمران" بعد تردد أن يدعي أنه هو "العم تحصيل دار" لتستفيد العائلة من بطاقة التموين لوكالة الإغاثة "الأونروا" (لجنة الإحصاء أخذت تزور البيوت للتحقق، وشطب أسماء الموتى.. لذلك، قال الوالد، يجب أن نتصرف لكي لا يشطبوا اسم "العم تحصيل دار".. إن على الخال أن يقول أنه "العم تحصيل دار". "بدر العنكبوت" راقته فكرة أن يصبح الخال والده.) ص 83. ولكن اللجنة تكتشف الكذبة ومحاولة الانتحال هذه.. واعتبر الخال ذلك إهانة لشرفه الفدائي وشرف العائلة.. وأخيراً ينتهي السرد بخروج "الخال عمران" الذي شق طريقه عائداً إلى الوطن فلسطين (خرج الخال مندفعاً إلى الخارج.. تاركاً وراءه أهل البيت مزقاً وشظايا..) ص 93. (لم نستطع اللحاق بالخال. كان قد ابتعد وابتعد. وظللنا نرقبه وهو يصعد الجبل المقابل.. وظل يبتعد ويبتعد حتى اختفى تماماً.) ص 94. (ظلّ الخال الذي انقطعت أخباره كلياً عنّا، ظلّ يكبر في أعماقنا ويتعملق.) ص 95. (أما الوالد الذي دبّ فيه هرم مفاجئ، وشيخوخة عاتية، فقد ترك ذلك الحادث أثلاماً في روحه، ولكنه على كلِّ حالٍ ظلّ بكلِّ عصامية وكبرياء يتغلب على اليأس بقوة الحياة.) ص 95.
• نقاط على هامش الرواية: «تُفاح المجانين» للكاتب الفلسطيني يحي يخلف - عنوان الرواية «تُفاح المجانين» فيه إيحاء إلى خطيئة الشَّجرة المُحرمة التي أكل منها آدم وحواء، فأدى ذلك إلى طردهما وإخراجهما من الفردوس. أليس في ذلك رمزية على خروج وتهجير الشَّعب الفلسطيني من أرض وطنه فلسطين.. - الرواية تعود بنا إلى زمن النَّكبة والتَّهجير الفلسطيني نحو الشَّتات.. وهي ترصد المُعانات الشَّديدة التي قاساها قطاع كبير من الشَّعب الفلسطيني بعد 1947.. - تبدو الرواية من قراءة أولى عابرة كأنها عبارة عن حكايات مغامرات طفولة شقية وشيقة، فالأولاد يشبون بين مظاهر البؤس غير أنّ قوة الحياة الكامنة فيهم تدفعهم إلى التَّمرد بأشكال مختلفة.. وفي مستوى قراءة ثانٍ تكشف الرواية عن مظاهر الغربة والاغتراب والحنين الوطني الخفي، فهي تحمل همّ الوعي الفلسطيني في سياق دلالي.. - تمثلت الثّيمات التي اشتغل عليها النَّصّ في: الحنين، الحياة، الوطن، البندقية..
ما أكبر صبرهم جيل الآباء، وما أجلّ حزنهم... تجرّعوا المرارة، وعاشوا زمن الكبوة والنهوض، وكانوا شهود زمن الانكسارات...زمن الوجع والخيانة وظلّ تاريخ الملوك والأمراء والسلاطين يكرّر لهم نفسه، مرّة كمأساة، وأخرى كمهزلة عاشوا ولم يسأموا العيش... وظلّوا يحلمون بالتحرير والوحدة... وتغلّبوا على اليأس بقوّة الحياة
رواية قصيرة لا تتجاوز المئة صفحة تحكي حكاية الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية بعد النكبة استطاع يحيى يخلف رسم شخصيات روايته بشكل رائع واستطاع ابراز حجم معاناة سكان المخيم ومحاولاتهم التغلب على حياة البؤس والاعتماد على معونات الأونروا وبين الاذلال التي يقاسونه ممن يمثلون هذه المنظمات التي تقدم هذه المعونات هناك بعض الرمزية في روايته الصغيرة لكنها رمزية لا تفقد هذه الرواية جمالها
هل تعرف مخيمات الشتات؟ هل تخيلتها, سمعت او قرأت عنها من قبل؟ هل تريد أن تراها و تعرف حقيقتها بلا زيف؟ اقرأ هذه الرواية..
في البداية, لا تدري إن كنت تتقمص الرواية ام هي تستولي عليك بحزنها و ألمها, يصف يخلف الصورة بكلمات قليلة و لكنك تحتاج كثيراً لتعيها, فمن يقرأ للكتاب الفلسطينيين يلحظ أنهم يستخدمون جمل قصيرة, فما بداخلهم قد لا يسعه ألاف الصفحات..
الرواية تحكي عن الحارة التي ضاقت بغربائها, التي رغم ارهاقها تضم اليها المزيد كل يوم, حتى اصبحت تختنق, و كل وجد سبيله في هذه الخنقة.. كثيراً بالصمت و الإستكانة, و البعض بالفساد.. الحارة تضم من هم عاشوا متواريين في الأمل, يت��نبون الواقع و مواجهته, يجدون الوحدة بالتفافهم في المناسبات او المصائب, و لكن لا يشعروا بها, فهم غرباء!
الحارة تضم الفدائي, الذي خسر هذا الشرف بإبعاده, أي فدائي بلا بندقية, بلا وطن؟!
الحارة تضم أطفال يكبرون بإعتبار ان كل أرض تطأها أقدامهم هي وطن حتى يعوا النكبة مع امتداد تجاعيد الحزن, الإشتياق و الضياع على وجوه ابائهم الذين تجرعوا المرارة, وعاشوا زمن الكبوة و النهوض. و كانوا شهود زمن الانكسارات.. زمن الوجع و الخيانة..
الحارة تضم أفواه جافة من الجوع, تخرج مرارتها في دروس صغيرة الحروف, كبيرة الأثر بين سطور الكتاب. الحارة جغرافيا, معالم, مساحة, حدود, تخوم و مجاري. للحارة طول و عرض.. فيها قسوة و حنو.. ظلم و تبرير.. احكام جائرة و دفاع عن الغائب. فيها حب للغريب و خوف منه.
سوء الوضع يذكرهم انهم خرجوا وحيدين, عرايا من حقوقهم و املاكهم.. لم يتمسكوا سوى بكرامتهم و كبريائهم, و في خنقة الظروف تضطر لخلعهم.. يبيعون القليل من قروش الوصل و الذكرى -التي يزينون بها ما تبقى لهم من حياة- امام نداء "يللي عنده عملة فلسطينية". ثم يبقون بلا شيء.. حينما تصبح بلا وطن, تسكن حيثما يقدر لك, تمنح ما يقدر لك, و لا خيار سوى ان ترضى, فالشكوى ذل حتى اصبح سكان الحارة يرددون الشكوى لغير الله مذلة و ان تجرأت ترفع السياط بوجهك و تتلقى صفعاتها بصمت لأنها لا تزيد الجرح ألماً, و لا تهرب لأن لا مكان للهروب, ليس هناك محمية لهارب بلا وطن..
و تفاح المجانين هو سبيلهم الوحيد, لإيجاد القوة, لإمدادهم بالتحمل و مواجهة الصعاب, و لكن من يسعى اليه, يسرعون بسلخ جلده حتى يسيل دمائه قبل ان يقهر بالسياط حتى تخور قواه..
و لكن تغلبوا على اليأس بقوة الحياة كانوا و مازالوا :)
كتاب وكاتب متأثر بمآسي المخيم مجتمعة يسردها بشكل متتال ومنفصل في شبه رواية. فيها بعض المقاطع المتماسكة ولكن جزء لا يستهان به متخلخل مشتت، برأيي هو بسبب تشتت الكاتب في الكتابة. فكرة التفاح جميل ولكن لربما كان من الممكن استخدامه بشكل محكم بشكل اكبر.
رواية تصف حياة اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة وتصف معاناتهم التي حاولو الخروج منها عنطريق ثمرة تفاح المجانين رغم انهم يعرفون قسوة العلاج بعد تناولها ...