هذه سلسلة حلقات (أهل السنة والجماعة.. إشكالية الشعار وجدلية المضمون)، جمعتها في هذا الكتاب، بعد صياغتها صياغة مناسبة لطباعتها ككتاب مستقل، لتكون بين يدي القراء قريبا، وهو الحسنة الوحيدة لتقريض الشيخ صالح الفوزان، لكتاب حمد إبراهيم عثمان، حيث كشف التقريض عن ملامح أزمة كبرى يعيشها أهل السنة منذ عقود، تحتاج إلى دراسة تحليلية نقدية لجذور الأزمة التي تعيشها الأمة عامة، وأهل السنة خاصة، حيث يمثلون الأكثرية بين طوائف المسلمين على مر العصور، وهم الأجدر بدراسة تاريخهم، ومعرفة مظاهر الانحراف لديهم، وأسباب ضعفهم وتشرذمهم اليوم، بدل الانشغال بدراسة الفرق الأخرى، إذ أهل السنة والجماعة هم الأقدر حين ينهضون من كبوتهم، ويقومون من عثرتهم، على تغيير مجرى التاريخ من جديد، كما فعلوا طوال تاريخ الإسلام حتى سقطت الخلافة العثمانية في القرن الماضي.
وقد حاول بعض طلبة العلم الاعتذار عن الشيخ الفوزان بأنه لعله لم يقرأ كتاب حمد عثمان، وأنه ربما قرأ بعض فقراته ولا يلزم من تقريضه موافقته على كل ما جاء فيه، خاصة دعوى أن الحكومات التي لا تحكم بالشريعة لها ولاية شرعية على الأمة، وأن طاعتها من طاعة الله ورسوله! إذ للشيخ نصوص قطعية يرى فيها رأي شيخه ابن إبراهيم في القوانين الوضعية، وأن استبدالها بالشريعة كفر ينقل عن الملة!
وقد قلت للأخوة بأنه قد يكون للشيخ عذره، ولا ينقص ذلك من مكانته وقدره، إلا أنه على كل حال قد كشف عن مظهر من مظاهر الأزمة التي يعيشها أهل السنة، وليس الشيخ فوق النقد، ولا له عصمة، وقد زكى كتاب حمد عثمان بعجره وبجره، مع أنه من أوله إلى آخره دعوة لطاعة الطاغوت الذي يحكم بغير ما أنزل الله في كل بلد إسلامي، ووجوب التحاكم إليه، وتوليه، ونصرته، ومحبته، بدعوى أنه ولي أمر يجب السمع والطاعة له!
والقضية على كل حال أكبر من حمد عثمان وشيخه صالح الفوزان، فهي أزمة أمة تحتاج إلى عودة صادقة إلى الله ورسوله، والاهتداء بالكتاب والسنة، وترك التقليد ونبذ آراء الرجال، وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أن الفوزان كتب ما كتب على أنه رأيه واجتهاده الذي يصيب ويخطئ، لوجدنا له عذرا، وإنما كتب ما كتب على أنه هو السنة وما عليه سلف الأمة، وأن ما ندعو إليه نحن حرورية واعتزال!
وقد جاءت هذه الدراسة وهي أول دراسة نقدية تحليلية لتاريخ أهل السنة والجماعة، وبداية ظهور هذا الشعار، والأصول العقائدية التي تجمعهم، والأصول السياسية التي أجمعوا عليها، وملامح الانحراف العقائدي والسياسي الذي تعرضوا له، والرؤية المستقبلية لمشروعهم السياسي الذي يجب أن يقوم على شعار نحو (أمة واحدة وخلافة راشدة).
هذا وقد اجتهدت غاية الاجتهاد في النصيحة لهم وللأمة كلها، والرائد لا يكذب أهله، فإن تاريخ الأمة العظيم هو تاريخ الخلافة وفتوحاتها، وحضارتها، والخلافة هي النظام السياسي الذي يؤمن به أهل السنة والجماعة، وهم الذين وقفوا معها، وأوجبوا الجهاد دفاعا عنها، في عصورها كله، فهم الجماعة والأمة، وهي السلطة والدولة، التي تعبر عن أصولهم العقائدية والسياسية، حتى إذا سقطت سقط معها أهل السنة وعموم الأمة!
وقد جعلت الحلقات العشر المنشورة، عشر مباحث في هذا الكتاب، كل حلقة في مبحث بعنوان يعبر عن مضمونه. هذا وأسأل الله التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
حاكم عبيسان الحميدي المطيري ولد في الكويت حاصل على الإجازة الجامعية من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت سنة 1989 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. حاصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من قسم الكتاب والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1995 عن أطروحته ( الاختلاف على الراوي وأثره على الروايات والرواة ) . حاصل على دكتوراه فلسفة من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة برمنغهام بإنجلترا سنة 2000 عن أطروحته (تحقيق كتاب إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة للسرمري الحنبلي مع دراسة شبهات المستشرقين حول السنة النبوية ومناقشتها) حاصل على الدكتوراه من جامعة القروين بفاس المغرب قسم الفقه تخصص فقه المعاملات سنة 2006 عن أطروحته (تحقيق كتاب مختصر النهاية والتمام لمحمد بن هارون الكناني) بدرجة مشرف جداً، ويعمل الآن أستاذاً مساعداً بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت كما أنتخب أمين عام للحركة السلفية 2000 – 2005 وهو الآن الأمين العام لحزب الأمة 2005 – 2008 في الكويت وأنيم مؤتمر الأمة في مقرة الرئيسي بتركيا.
بداية يجب معرفة أن هذه عبارة عن سلسلة مقالات بذات الاسم المعنون، لكن الدكتور بعد جمعها في كتاب واحد (لم يطبع حتى الآن) قام بتغيير اسمه إلى: (أهل السنة والجماعة.. الإشكالية العقائدية والأزمة السياسية- دراسة تحليلية ورؤية مستقبلية) ولعل الاسم الجديد أقرب أكثر لمضمون المقالات
الكتاب عبارة عن عشرة مقالات سبب كتابتها ما أحدثه كتابه (الحرية أوالطوفان) من جدل واسع لدى الوسط السلفي أو من ينتسب لمنهج السلف، فالحاصل أن د.حاكم كتب كتابه الأول الحرية، ثم قام حمد العثمان بالرد عليه بكتاب أقرب ما يكون للسخف منه إلى أن يكون كتابا فأسماه (الغوغائية هي الطوفان) ثم قام د.حاكم ورد عليه في كتابه (الفرقان) فسارع حمد العثمان ليضفي صبغة شرعية وهالة قدسية على كتابه وطلب من الشيخ صالح الفوزان تقديم كتابه حتى يكون أشبه بتزكية لكتابه المشبوه، فقام الدكتور حاكم بكتابة سلسلة المقالات التي بين يدينا.
التأصيل العلمي في الكتاب هذا رائع جدا فقد تطرق لأمور مهمة جدا ينبغي على أي طالب علم شرعي الاطلاع عليها، فالدكتور يستنبط فيها الأصول العقائدية والسياسية المندثرة الآن من منهج السلف، وكيف تبدل الحال حتى أصبحت الدعوة للتمسك بها بدعة وضلالا.
وكونها سلسلة مقالات فليس فيها الالتزام بترتيب المواضيع أو ترابط بعضها، لذلك أجد أن المادة المفيدة تبدأ من المقالة الثالث التي يوضح فيها الدكتور نشأة هذا المسمى (أهل السنة والجماعة) وحقيقته وسبب نشوئه وما هي الأصول العامة التي تجمع من يتسمى بهذا المسمى (أصول دينية عقائدية فقهية، وأصول شرعية سياسية)
ثم يبدأ الدكتور بمقالاته من الرابعة إلى السابعة باستعراض الأصول السياسية الغائبة عند أهل السنة والجماعة: ضرورة الخلافة الواحدة شروطها وأحكامها ، ووجوب الجماعة الواحدة وذكر أربعة مسائل فيها.
ثم استعرض الدكتور في المقالة الثامنة : ملامح الانحراف العقائدي وأورد لمحة تاريخية في مقدمة المقال عن حال الأمة في القرن السابع الهجري بعد حرب التتار وبالأخص بعد سقوط بغداد، فهذه الحملة المغولية على الأمة كان لها أثر كبير على الأمة على الصعيد العلمي والمعرفة مما أدى لشيوع الجهل والتقليد والجمود الفكري ، أراد منها الدكتور إسقاط ذات الحالة على واقعنا المعاصر! وذكر أبرز ملامح الانحراف العقائدي لدى أهل السنة والجماعة المتأخرين والمعاصرين: أولا: شروع ظاهرة إكفار المخالفين من طوائف المسلمين حتى المنتسبين لأهل السنة ثانيا: تسويغهم افتراق الأمة ثالثا: المبالغة من التحذير من البدع والتهوين من شأن المعاصي
وفي المقالة التاسعة تعرض ملامح الانحراف السياسي لدى أهل السنة، ولخصها بالتالي: أولا: فصل السياسة عن الشريعة ثانيا: مشايعتهم السلطة بالأهواء واستباحتهم الأموال والدماء ثالثا: إباحة أن يخرج الولاة عن سنة النبي ص والخلفاء الراشدين في سياسة شئون الأمة، وفي المقابل تحريم الخروج عن طاعة الولاة مطلقا! رابعا:تعطيل فرض الجهاد والتخذيل عنه والاعتذار لتركه خامسا: حملهم الأمة على فتاواهم الفقهية وآرائهم السياسية السلطانية والحبس لمن خالفها! سادسا: تهوينهم من شأن الظلم وتعظيمهم أمر الإثم
وبعد تسع مقالات نقد الدكتور الحالة التي يعيشها أهل السنة في عصرنا، قام بمقالته العاشرة بطرح مشروع المستقبل والحل (نحو أمة واحدة وخلافة راشدة) حلل فيه أزمة غياب المشروع السياسي لدى الحركات الإسلامية الحالية وكيف استطاع حتى الشيعة الإمامية تجاوز عقيدتهم التي لا تعتقد على مشروع سياسي سوى انتظار الإمام الغائب فتجاوزوها ليخرجوا بنظرية ولاية الفقيه، في حين أن أهل السنة ومن سقوط الخلافة عجزوا عن تكوين مشروع سياسي واضح المعالم يسعون لأجل إنجازه، فقام وذكر الخطوط العريضة وبشيء من التفصيل لهذا المشروع السياسي.
كتاب جيد يأصل عقيدة أهل السنة والجماعة ويبحث عن الخلل متى وكيف بدأ وإلى أين وصل بنا ويضع خطوطا عامة للعودة إلى منهاج النبوة والخلافة الراشدة انطلاقا من مايسمى "مؤتمر الأمة"