عرفنا الحنين إلى المكان منذ عرفنا الشعر العربي القديم، وهنا نجد الحنين إلى العدم، العدم الذي لا يختفي بظهور المكان، بل يصبح المكان لازمًا لوجوده، هكذا يلعب الشاعر بالمنتاقضات، يجمع الموت والحياة في نفس واحدة، يلمس العدم ويحوله إلى موجودات، أو يكشف ما في الموجودات من عدم لا نراه، أو يقدم عدمًا شعريًا يمكننا تخيله.
الحياة التي أحملها معي» الحياة التي تخذت هيئة جسمي الحياة التي أصعد بها على الرصيف خوفًا من العربات المسرعة الحياة التي أغطيها بواق شفاف الحياة التي أصبح بيني وبينها حائط زجاجي انظر إليها كل يوم كوديعة بعد أن كانت بالأمس القريب، عضوًا من أعضائى»
يمكننا رؤية العدم هنا وقد انفضل عن الذات، يمكننا رؤية مكانه الزجاجي، ومتابعة الشاعر وهو ينظر إليه، أنه الحنين إلى الحاضر، إلى المفقود وهو بين أيدينا، إلى الجسدي الذي يفارقنا لكنه يظل على بعد خطوات. «العدم أيضًا مكان حنين» هي المجموعة الشعرية الثامنة لعلاء خالد، وهي تأتي لتؤكد تجربته كواحده من أهم تجارب النص الشعري الجديد، ومن أكثرها جدارة بالقراءة الجادة.
ولد علاء خالد فى الاسكندرية عام 1960 واتجه فى البداية إلى دراسة العلوم الطبيعية . بدأ طريقه الأدبى فى الثمانينات بعد دراسة للكيمياء الحيوية فى جامعة الاسكندرية . وانطلاقا من التناقض بين الشعور بالأمان والشعور بالغربة داخل ثقافته أخذ علاء خالد ينشر نقده لمجتمعه متمنيا المشاركة فى إنجاز وطن ثقافى جديد .بمجلة "أمكنة" أسس مجلة ثقافية تمثل استثناء، ليس فقط من خلال مقالاتها غير التقليدية، وإنما أيضا لأنها تقيم علاقة وثيقة بين النص والصورة. اشتهر علاء خالد بديوانه الأول الجسد عالق بمشيئة حبر 1990 . وفى هذه القصيدة النثرية الطويلة كشف المؤلف عن تجارب طفولته . وفى هذا الديوان يعرف علاء خالد كيف ينير - وبحساسية خاصة - أزمات الحياة بوصفها لحظات تجذر واقتلاع وكيف يربطها بصورة توضح وتبين الطريق إلى الاستقلالية الشخصية . ومن بين الأعمال النثرية التى صدرت له حتى الآن يمكن الاشارة بصورة خاصة إلى كتابه خطوط الضعف . فى هذه السردية يقيم علاء خالد علاقة بين عناصر أوتوبيوجرافية وبين لحظات تاريخية لواحة " سيوة " . فمن خلال المواجهة والمحاذاة بين الذاكرتين الشخصية والثقافية يتطور حوار بين المبدع وخط الزمن الذى تعكس الرحلة عبر الصحراء إبانه طريقة حياته
أسابق شيئًا في حياتي لا أعرفه ليس لكي أكسب حياة جديدة ولكن لأبقي على حياتي نفسها أصبحت حياتي تتبعني وأنا من أمامها، كنبوءة لها، أحافظ على العلاقة بين الشيء ونقيضه بين السهم المشدود والهدف. / أحببته جدًا
جميعنا نمتلك أحلامًا غير مكتملة ربما ما يجمعنا هو هذا الجزء الناقص والمبتور من الأحلام الذى تطرحه غصبًا عنا من رصيدنا كأنه ادخار لأيام الشتاء لا يأتي الشتاء، بل يأتي الموت في رمز الشتاء هذه الأحلام المفصلة فقط على الحياة على انتظار دبيب الموت خلف الباب رُد لي بعضًا من مدخراتي يا الله لقد دفعت ثمنها غاليًا، خوفًا من الموت دفعت ثمنها من عمري ذاته الذي كان يسيل تحت لهب شمعة الأمل يا الله لا أريد أن يكون خلودك مبني على هذا الجزء المقصوف من حلمي ومن عمري ومن أظافر وعيي
يمكن أن نبكي ونحن نسير لا داعِ للتوقف والتفرغ للبكاء يمكن أن نبكي ونحن في طريقنا لنقطة جديدة نتحرك مع الدموع وتتحرك معنا الدموع يمكن أن تلمسي الفقد، أيضًا، ونحن نتحرك لفقد جديد، يمكن أن تلمسي الحزن ونحن نركب القطار، يمكن أن تكون الدموع تعويضًا عن هذه المسافة التي لن أسيرها معكِ