لا تموت الكلمات إذا رأتها عينا كاتب، تكون في ضيافة وجدانه، سرعان ما تنساب مجرى الروح فيه، يتآلف مع حروفها، تأخذ حسه، يستشعر معها السحرَ في كل شيءٍ حوله، وتتحول الكلمة من ضيفة خفيفة محبوبة إلى ملكة لها حضور ونفوذ. أرى الجمال في الجزء الحنون من صورة كل شيءٍ حولي مهما بدا لي مجرَّدًا، شيء ما لا يمكن تفسيره بدقة، يُشبه نظرة شفافة من قلبي على الأشياء التي تحت ناظري، فتتصاعد معانيها إلى مخيلتي. أرى الجمال في التفاصيل الصغيرة، في التفاتة المرء إلى نفسه، في اليدِ الباردة بينما تنساب إلى اليد الدافئة، في اللهجةِ الحنونة، في النبرةِ الودودة، في النظرةِ الفخورة، وفي حديقةِ قلبي، وفي النفسِ الصبورة، وفي ألفةِ العيون، والكلام المتروك فيها كأنه نشيد . أرى الجمال في أطراف الشبابيك المفتوحة بينما أستلقي أقرأ كتابًا تتناقله عيناي نظرةً تلو نظرة، وتحتضنه أصابع يدي لمسةً تلو لمسة. أرى الجمال في المفردة الجديدة المُحلّقة فوقي منذ زمنٍ لكن شيئًا ما يُشبهها دلّني عليها، فألتقطها.
جرعة سعادة وراحة وكلمات تنساب بسهولة نحو القلب فتجعله يطمئن وتفاصيل تجعلك تنغمس فيها وفي تفاصيلها كانها تحكي عنك وعن أحاسيسك التي تأبى أن تخرج في كلمات …كتاب جميل بسيط ومريح .
كتاب "متحف شخصي" لـِ سعيد كمال قديح... رحلة شعوريّة لطيفة تنحاز إلى التّفاصيل الصّغيرة وتلتقط جوهر اللّحظات الهشّة في حياتنا... الكتاب أشبه بصندوق قديم يحتفظ فيه صاحبه بأشيائه الحميمة: ومضات، تأمّلات، صور داخليّة، وخيبات صغيرة مرّت بالذّاكرة ولم تُغادر الشّعور.. هو سعيد كما عهدناه؛ لغته شفّافة وقريبة من القلب، يكتب بلا اِدّعاء وبصوت إنساني هادئ يرافق القارئ لا ليعلّمه، بل ليؤنسه.. ليس كتاب أفكار بقدر ما هو كتاب إحساس وتأمّل، يتركـ أثرًا خفيفًا بعد قراءته، كاِبتسامة داخليّة هادئة تمرّ في الرّوح وتمضي بصمت...
رافقني هذا الكتاب بتأملات وخواطر الكاتب سعيد قديح والذي طالما أحببت قراءة مقالاته في منصة قوثاما فقلمه معبر وبه شيء من الرقة والحنين وهنا يتتبع مواضيع الحياة ومقاماتها المتعددة في كل شيء حوله. التقط ما عاشه بوجدانه وتجاربه وكون أفكاره حول مواضيع كثيرة كالزواج والصداقة والخوف والزحام والإبداع وغيرها وكون لنا " مُتحفه الشخصي" وهنا استوقفني هذا العنوان وتساءلت فيما إذا كل شخص منا لديه هذا المتحف الخاص به يتجول بداخله صاحبه وقد يستضيف عددا لا بأس به من الأشخاص ليشهدوا جماليته أو العكس أحببت كثيرا ما كتبه فخواطره مباشرة وصادقة وتعبر عنا بطريقة ما. متحف شخصي استمتعت بالتجوال فيه عبر حروفه وكلماته وودت لو طال البقاء
قبل مدة قصيرة انتهيتُ منه كان هذا الكتاب نعم المرافق لي في الأوقات التي أكون فيها متعبة، أقرأ منه ويُعطيني طاقة من جديد، يُهوّن عليّ كل التعب الذي عشته غير هذا فيه المليء من الأفكار والمبادئ التي من الجميل أن يتصف الإنسان بها لقد علّمني هذا الكتاب الكثير من الأشياء ولا أريد أن أقول عنه أنه بسيط، لانه ليس كل بسيط يُبهر، لكن هذا الكتاب يُبهرك من الصفحة الأولى، بداية من لغته المحببة إلى النفس والقريبة إلى قلب القارئ وطريقة سرد الأفكار أو المواقف وكيفية التعامل معها أنصح به لأي شخص سواء كان في القراءة منذ زمن أو أنه جديد على هذا العالم العظيم
اعتقد أن الكتابة مهنة ليست بالسهولة التي يعتقدها الكثيرون فأن ترغب في تسطير اسمك على رفوف المكتبات حلم جميل وهدف سامٍ ولكنه ليس بالسهل وهو أجمل اللحظات المحببة للكاتب " فالكتاب مولود من حبر وورق تضع فيه شيئاً من روحك مولود يتحرك رغم أنفك ويتنقل في أوردة هذا العالم شرقاً وغرباً لا تمسك له طرفاً بعد إعطاء إذن الطباعة" ان القاريء النهم يعامل الكتب التي يقرأها وكأنها أطفاله فما بالك بالكاتب الذي يتعامل مع كتابه. اعتمد الكاتب في كتابه على البساطة واللابساطة ذكرني الكتاب وأنا أقرأه بكتاب " هكذا علمتني الحياة" لمصطفى السباعي والذي كان عبارة عن مقتطفات ترافقك في كل زمان ومكان. وهذا الكتاب مليء بالمقتطفات والافكار المتعلقة بها والتي تكمن في داخل كل منا ولا يعلم كيف يعبر عنها فأقتبس من الكتاب بأنه " شيء من الأمل، أمل حقيقي أحمله في نفسي منذ زمن تجاه بهجة الكلمة المكتوبة وأثرها في نفس المرء، الكلمة التي بقلب وأحشاء واجنحة فتحس معها بسحر القراءة وأمان المعرفة."ها أ لغة الكاتب سهلة وقريبة من الجميع تعود إليه في مرات كثيرة عند الشعور بالألم والتعب والوحدة ويحوي الكثير من الاقتباسات التي تؤخذ شعارات لحياتنا واهداف لها منها " أجمل انعكاس للمرء في نفسه هو احترامه لذاته، ورأس المال الحقيقي هو في محبة الناس، ولا عيب في التنازل." " أعلمك أن الرجل الحقيق لا يُسرق، وألا أحد يستحق أن تخسري احترامك لنفسك من أجله." " أعلمك أن لا تقاومي البكاء والفرح، ابكي كأنك لم تبكي من قبل، وافرحي كأن الفرح لا يسع إلا انت، الا تتخذي شخصاً حياً قدوة الا عن معرفة عميقة وجيدة لأن الأحياء يتغيرون ويتلونون أحياناً كثيرة، الا تكوني أنانية حتى في الأشياء ومه الذين تحبينهم"
انتهيت للتو من قراءة متحف شخصي، وقد سبق وأن قرأت للكاتب شيئاً مما يكتبه على حساباته، لهذا أخذتني الشجاعة في اقتناء كتابه الأول من معرض القاهرة. الأسلوب الذي يكتب فيه سعيد مميَّز ومن السهل أن تعرف أنه للكاتب، هو يحول دفعة الشعور التي تجري فيك إلى نص سهل سلس بسيط، وهذا ما أحبه في نصوص سعيد.
أعطي الكتاب (أربع نجمات). النجمة المتبقية أحتفظ بها.
حصلت عليه كهدية واعجبتني فكرته وأشعر بأن الكاتب حقاً لديه ما يقول، لكنني لم استطع إكماله حتى أخره فقد شعرت بأنني اتلقى رسائل وأحاول هضمها.. كتاب لطيف لكنه ليس نوعي المفضل..