يأتي إلينا الشاعر علي جعفر العـلّاق من إحدى قرى واسط، وفي أثره طيور الحصاد، ونواح الرّيح في سفرها الأبديّ وهي تتصادى مع أغنيات الغجر الفارّين من حنين التاريخ. يأتي من أساطير دجلة وكأنّ ولادته نشيدٌ لانهائيّ، وأنّه أومضَ للتوّ من قيعان هذا النهر السحيق ومعه أحلام الأطفال الغرقى. تستدعي الذات ماضيها بصورةٍ حميمية، وتستدعي معه حالات انبثاقها المتعددة: ذكريات الطفولة، النزوح من القرية، تجربة اليتم بعد موت الأب، اكتشاف الشعر مبكّرًا، الارتباط الوجدانيّ بالأم، الاتصال بالمجلات الثقافية، وكتب الأدب والنقد، وجيل الستينيات، الذي عايشه دون أن يتورّط في دعاواه ومواقفه الأيديولوجية، والسفر للدراسة وتوسيع الخيار الجماليّ للشعر بين دمشق، وبيروت، والقاهرة، وصنعاء، وال
ولد في العراق · حصل على بكالوريوس في الأدب العربي من جامعة المستنصرية في بغداد , عام1973 وحصل على الدكتوراه في النقد و الأدب الحديث من جامعة أكستر في بريطانيا عام 1984 · عمل مدرسا في الجامعة المستنصرية و جامعة بغداد و جامعة صنعاء و يعمل حاليا في جامعة العين بالأمارات العربية المتحدة. · عمل رئيس تحرير لمجلة الأقلام و مجلة الثقافة الأجنبية العراقيتين , وشغل منصب مدير المسارح و الفنون الشعبية في العراق. · شارك في العديد من المهرجانات الثقافية والشعرية العربية في القاهرة و عمان و فاس و أبو ظبي وبغداد والرياض وصنعاء والكويت كما شارك في مهرجانات و لقاءات أدبية دولية في كل من بريطانيا و فنزويلا ويوغسلافيا و الأتحاد السوفيتي وبلغاريا. · عضو في الأتحاد العام لكتاب و الأدباء العرب , وفي الأتحاد الأدباء العراقيين و في رابطة نقاد الأدب في العراق · له العديد من البحوث والمفالات النقدية في الصحف والمجلات العربية باللغتين العربية والأنكليزية.
المجموعات الشعرية: 1- لا شيء يحدث... لا شيء يجيء . بيروت 1973 2- وطن لطيور الماء , بغداد 1975 3- شجر العائلة , بغداد 1979 4- فاكهة الماضي , بغداد 1987 5- Poems , بغداد 1988 6- أيام آدم , بغداد 1993 الدراسات النقدية 1- مملكة الغجر , بغداد 1981 2- دماء القصيدة الحديثة , بغداد 1989 3- في حداثة النص الشعري, بغداد 1990 4- الشعر والتلقي , عمان 1997
الأعمال النقدية المشتركة: 1- الشريف الرضي . بغداد 1985 2- أشكال القصيدة العربية , بغداد 1988 3- دراسات عن الشعر العربي.معجم البابطين , الكويت 1995 5- عالم غالب هلسا , عمان 1996 6-Tradition and Modernity in Arabic and Literature, 1996 7- الشعر العربي في نهاية القرن الحديث 1997 الدواوين الشعرية :لا شيء يحدث.. لا أحد يجيء ،شجرة العائلة ،فاكهة الماضي ،أيام آدم وغيرها
أعرفُ الصيف من رائحة قديمة تعودت عليها، الليالي الطويلة، قراءة الأدب العربيّ، الشاي البارد، والحساسية العالية لأشياء قديمة خلت أنني نسيتها في منتصف الطريق، وحينما فتحت هذا الكتاب بعنوانه الشاعريّ في ليلة ما قبل أن أنام وقلت بأنني سوف أقرأ صفحتين منه فقط،لأكتشف لحظتها ومنذ السطر الأول بأن هذا كتاب مفضل فتركتهُ ورجعت إليه في اليوم التالي - قرأته كله دفعة واحدة على عجل ويا لغرابة ما اكتشفت- أنه أرجعني لكل ما أحببتُ، ولكل ما قرأت وأنوي أن أقرأ في صيفياتي القادمة، الأدب والشعر، الجواهري، جبرا، دمشق وصنعاء ، وتبدت لي ساعتها أن فكرتي القديمة حول أن الكتب هي اللي تختارنا حقيقة صريحة بالرغم من كل الغرابة التي تحيط فيها وبأنها لا تخطئ أبداً
،حينما أكملت القراءة، اطلعت من بعده على مقالة لطيفة للدكتورة بروين حبيب تحكي فيها عن تجربتها الشخصية والإعلاميّة معه - تقول فيها ما أزال إلى الآن كلما دخلت مطعماً أو مقهى وأرى رجلاً وامرأة تتوسطهما طاولة فارغة يثب إلى ذهني قوله في تلك القصيدة شجرٌ أخرس أم مائدة تنحني جرداء.. ما بينهما أم رماد يتنامى .. هل هُما حقاً هُما ؟
أقول لصديقتي بعد ان انتهيت من قراءة السيرة، وشرعت بقراءة المقال عن جعفر العلاق صيّاد الندى وأنا أفكر مليّاً في كل المسرّات والأحلام الطريّة التي تجلبها القراءة لعالمي وحياتي.. لهذا حقاً تُعاش الحياة.
أول ما بدأت القراءة، كانت العصافير تحوم حولي مغردة، وماء النهر ينساب رقيقًا من تحتي، والأرض كلها جنّة أمام عيني.
أحب كل ما يكتبه العلاّق، منذ أول مجموعة له " لا شيء يحدث لا أحد يجيء".. وهو يجيء بكل ما يدهشني، ويُحدث في قلبي كل ما هو عصيّ على التجاوز. هذه السيرة مكتوبة برهافة بالغة، ومشغولة بتفاصيل شعرية تؤدي في الأخير إلى قصيدة متكاملة.
لحنٌّ يُنشد على مر العمر، يقف على عتبات الطفولة، يستذكر ذاك الصباح الخريفي في المدرسة الذي فجّر فيه السؤال الأول عن ماهية الشِعر وهيئة الشاعر، إلى حين بيته الصغير في تركيا حيث عاش فيه ليروي.
كلمة واحدة أريد أن أقولها له إن رأيته يومًا: "لم أكن أعلم أن للقصيدة قائلًا من لحم وحنين وقدمين تلامسان الأرض!"
"ويخيل لي أن حجارة هذه الأرض لا تزال حتى اليوم، زلقة الملمس بفعل ما علق بها من دم وأنين."
"لم يكن والدي مالكا للأرض، في تلك القرية، ولم يكن فلاحا تماما. كان أكثر من فلاح بقليل، وأقل بكثير من مالك للأرض."
"أنت في القرية جزء من الأرض، أما في المدينة فثمة ما يحرمك من إحساس كهذا؛"
"ما أجمل مخيلة الطفولة، وما ألذ تصوّراتها الشرسة والمحببة في آن. إن لها قدرة هائلة على أن تجعل للتراب رائحة الحليب، وللأفاعي قلوباً تعشق بحنان بالغ"
"ورغم إنني تركت قريتي مهاجراً مع أسرتي إلى بغداد، وأنا ما أزال دون التاسعة، فإنها لم تفارقني أبداً ظلت كائناتها وأشياؤها تفوح من لغتي باستمرار"
"في تلك الليلة كان الظلام من نمط خاص، كثيفا مترعا بحنين وتوجس لاذعين: الحنين إلى قرية أحاول انتزاع قلبي الصغير من طينها وهوائها الممتزج ببكاء أهل القرية، والتوجس مما سيجيئ"
"الكتاب الأول، إذاً، ليس حزمة من الورق، أو غلافاً لامعاً. ليس صفحات من الحبر أو الفكر أو التأوهات فقط، بل كائن حي، شهد معي صباي الأول، وعثراتي الأولى أيضاً"
بهذا العنوان الحائر يقدم الشاعر علي جعفر العلاق سيرته التي يلفها التيه بين مدن العالم مثل معظم العراقيين . ولكن ما يميز هذه السيرة هي لغتها الشعرية العالية الممزوجة بالماء والعشب والغيم وطين الأرض. لعلي العلاق قدرة هائلة على الامتزاج بمكونات الطبيعة والتماهي معها في مفرداته التي تأتي طيّعة تفيض عذوبة . .. ويتضح لنا في الفصول الأولى كيف تشكلت لغته تلك في قرية صغيرة وفقيرة ولكنها تضج بالمعنى والحياة .. وكيف كانت الطبيعة تعذي مخيلة ذلك الطفل الذي يكتشف العالم بحواسه وذهنه بكل صفاء. محطات كثيرة سردها في سيرته بدءً من القرية والتماس الأول مع الماء والشعر.. ثم بغداد ومرحلة بناء شخصيته وشعره.. بداياته الشعرية وبدايات العمل والنشر الجاد.. ثم بدايات الغربة والتنقل بين العواصم وكيف كان كل منها منعطفاً مثرياً سواء بالمكان أو التجارب التي عاشها فيها والأشخاص والأدباء الذين عاصرهم وخاض معهم تلك المراحل.. اكستر.. بغداد.. صنعاء .. العين .. بولو التركية.. مسيرة عمر وعمل وابداع وصراع عاطفي وإيديولجي خلق تجربة شعرية فذةّ سايرت العديد من النكبات حتى صقلتها بهذا الشكل الجميل. السيرة بالنسبة لي كانت تتقاطع مع ذكرياتي عن المرحلة الجامعية وهو ما جعلها بالنسبة لي مهمة ومؤثرة لمُعلّم أدين له بالكثير .. لذلك كان يهمني أن اقرأها .. وبظني أنها تؤرخ لحقبة مهمة من حقب الشعر العربي وهي مرحلة الستينات وبدايات الحداثة الشعرية في العالم العربي الموضوع الذي يحتل جزء مهم فيها ويرصد تحوراته. الأجزاء الأخيرة من الكتاب بدت لي غير متماسكة قليلاً وفيها الكثير من النقلات والقفزات بين محاور سبق تناولها ولكنها من أجمل ما قرأت من السير العربية بلغة هي من أعذب وأرق ما يكون.
هنا تتعانق كل أشكال الكتابة الإبداعية شعراً وسرداً وذاكرةً. هنا سيرة ذاتية تنتصر للجمال حتى في لحظات الحزن فتستدعي الذات ماضيها بصورة حميمية عن: ذكربات الطفولة، النزوح من القرية إلى بغداد، تجربة اليتم، الشعور بالعزلة، اكتشاف الشعر، الارتباط الوجداني بالأم والتفجع برحيلها، حياة الغجر، فاجعة كربلاء، تبدل القيم، اندحار الحاضر، جشع السلطة، خيانة المثقفين...وغير ذلك ما جعل النص يحتوي أمشاجاً من التاريخ والمذكرات.