"هذه الساحة مرآة " ثم نظر إلى السماء الداكنة فوقنا , حيث تتلألأ نجوم كثيرة , خافتة وساطعة , وتبدو مثل كتابة سرية , وأكمل : " هناك تدور النجوم دائريا , وتسبح في أفلاكها , وهنا , تحت , عرايا يقلدن حركات هذه النجوم , فالأرض مرآة للسماء , والحروب , في كل بيت شعر , نساء , عرايا ويدرن حول كعبة شعرية سرية , كما تدور هؤلاء العرايا بكعبة مكة "
ولد الشاعر والمفكر الراحل حسين البرغوثي في قرية كوبر شمال غرب مدينة [[رام الله]]، في الخامس من أيار عام (1954)، وقد أمضى سني طفولته بين مسقط رأسه كوبر حيث أقامت والدته، وبيروت حيث عمل والده. أثر تخرجه من الثانوية العامة التحق ببرنامج العلوم السياسية واقتصاديات الدولة في جامعة بودابست للعلوم الاقتصادية في هنغاريا. وفي العام (1979) مثّل فلسطين في أكاديمية الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا (IWP) في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد عودته إلى فلسطيني تخرج من جامعة بيرزيت وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي العام (1983) وقد عمل معيدا لسنة واحدة في جامعة بيرزيت قبل توجهه إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن بين الأعوام (1985-1992) من جامعة واشنطن في سياتل. عاد إلى فلسطين ليعمل أستاذا للفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت حتى العام (1997) وأستاذا للنقد الأدبي والمسرح في جامعة القدس حتى العام (2000). وأثناء هذه الفترة كان عضوا مؤسسا لبيت العشر الفلسطيني وعضوا للهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ورئيسا لتحرير مجلة اوغاريت ومديرا لتحرير مجلة الشعراء حتى رحيله في الأول من أيار (2002) حيث توفي في مسقط رأسه كوبر اثر مرض بالسرطان استمر عدة سنوات . وقد صدر للبرغوثي ما يزيد عن ستة عشر إصداراً توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلورية إضافة إلى العشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية والنقدية والنقدية بعدة لغات وفي العديد من الكتب والمجلات والصحف. وفي سياق آخر فقد وضع البرغوثي سيناريوهات لأربعة أفلام سينمائية وكتب نحو سبعة مسرحيات لفرق محلية وعالمية إضافة إلى كتابة العديد من الأغاني لفرق موسيقية مختلفة نحو صابرين والرحالة وسنابل وفرقة إحياء بلدنا.
الأوليات والبدايات غموض وضياع ومتاهة غالباً انت خارجك فيها تمتد الى داخلك وتعجز عن الوصول لا تصل الا الى حالة قلق وتيه وكما قال النواب: هل تصل اللب؟ هناك النار طري ويزيدك عمق الكشف غموضاً فالكشف طريق عدمي!
(غريب كم تبتعد اكثر مما نريد ومما ينبغي ونكاد حين نعود لاولنا لا نتعرف الى المكان فعمق البحر لا يعرف شيئاً عن شواطئه! وانا عمق بحر العرب والكعبة شاطئ روحي متى يتصل العمق بشاطئه فينكشف الكون الاثنين؟ هبلتك أمك هذه فوضاك متى تخرج؟
يعود حسين الى العصر الجاهلي الى جذور الذاكرة الشعرية وعلاقتها بالهندسة المقدسة هندسة ذاكرة عمرها اكثر من 8000 سنة يقرأها باسلوب رياضي هندسيي فلكي ويربط الحسابات الشعرية بالحسابات الفلكية (ان بحور الشعر الخليلية المعروفة هي بنى هندسية صارمة وعندما نرسمها نكشف علاقاتها الهندسية الدقيقة بالفن المعماري عند العرب في الجاهلية وعند العرب المسلمين لاحقاً وحتى عن علاقتها بالتطريزز الشعبي والموسييقي والرقص والغناء الشعبيين) فيرجع الى الذهنية الجاهلية الى المعلقات, الصعاليك, الاساطير, الاصنام , الزمن الغامض, الخرافات, النبوءات, السجع الكهان, المطلسمات, المقدس وربطها بتقديسهم للمثلث والمربع والدائرة ولكنها دراسة وتحليل مضياعة وملفته بنفس الوقت وحسين ذاته يقول (ليس بحثاً بل حدوس وشطحات وتخيلات غايتي سد طريقة التفكير وادراك ذهنية الجاهلية ذاتها , سحرها ومعتقداتها فاحلم التاريخ اكثر مما اتبعه, واتبعه اكثر مما اخونه واحاول ان اقبض على حلم وثني لم يعد موجوداً واركز على معلقة امرئ القيس تحديداً واربط بين معلومات متناثرة كي تبزغ صورة مذهلة لعبقرية قديمة
"امرؤ القيس ناي في يدي, وعليه اعزف ما بي كيف يعرف ما به ثم يجعل ما بي؟ وانا عند امرئ القيس ناي وعلي يعزف ما به كيف يعرف ما بي ثم يجعل ما به؟
بحث مرهق ومتعب ومثقل ايضاً مليء بالحسابات والارقام والرموز فيه تكرار كثير فحسين مات قبل ان ينجزه بصيغته النهائية وقد تكفل باعادة اعداده وتحقيقه الاستاذ مراد السوداني
من السهل أن تجذب القارىء لكتابك لكن من الصعب أن تحتفظ به للنهاية وهو ما حدث معي جذبتني لغة الكاتب وخياله الإستثنائي وفكرة القصص الدائرة في عصور الوثنية الجاهلية في قالب لا تعلم أين الخيال فيه وأين الواقع وعلى هذه النقطة تحديدا ترتكز متعة قراءة هذا النوع من الكتابة يطير بك البرغوثي في صفحاته تلك إلى العصر الجاهلي وزمن المعلقات عندما كان الشعر هو السيد ليربط بحور الشعر بالحسابات الرياضية والفلكية وتقديس الأشكال الهندسية مثل المربع والمثلث والدائرة لتشعر في النهاية أنك أمام بحث وليس نص أدبي يحاول فيه الكاتب سبر أغوار هذا الزمن الغامض بوثنيته وخرافاته وأربابه وعبقرية الشعر فيه والذي كانت ركيزته على معلقة إمرؤ القيس الصفحات كانت مرهقة والربط بين أحداثها صعب مليئة بالحسابات والرموز وجمل شديدة التعقيد مفهومها ومعناها مفقود ورغم اعجابي الشديد بجمال الأسلوب وغرابة الفكرة إلا إني فقدت استمتاعي بالنصوص تماما فالنص العصي على الفهم هو القاتل الأول لمتعة القاريء ...
كنت أتمهل وانا اقرأ أتهمل أكثر مما يجب حتى أحظى بدهشة الكتاب أطول فترة ممكنة حسين البرغوثي الكاتب العربي الأكثر إلهاماً تصوراته متفردة يحاول أن يلامس الجنون دون أن يوقظه .. للأسف نسخ كتبه الألكترونية تنقصها بعض الصفحات دائماً من خططي في 2014 البحث عن نسخ ورقية لكتب حسين البرغوثي وأتمنى على الله أن أحققها
يصوغ حسين قصته و تفسيراته في ضوء الحقائق التاريخية و الابحاث المعروفة عن علاقة الشعر بالرياضيات و الهندسة ( الدائرة -المربع - المثلث ..) الحروف بالارقام بالكواكب و النجوم بالالهة و لاسيما الالهة القمرية مناة ... هبل ... عزة و اصلهم عشتار ... حيث يتقمص دور تاجر يماني يرتحل في الحجاز و يبدع حسين في نسج القصص من خيال و واقع معا يبدأمن امرأ القيس ف وادي عبقر لافظ بن لاحظ و الجن و الجنيات و صولا الى الكعبة الكهنة و كشف علاقات الاشياء بعضها ببعض و اعطاء معاني و بوابات جديدة لكل شئ بطريقة مثيرةو ممتعة ... اعجبني
الكتاب مخيب للتوقع هي مسودات لبحث او دراسة نشر في الكرمل مقدمة لها مع وعد بالتوسع أكثر في دراستها، ثم بعد وفاته وجدت كمسودات واوراق متناثرة في مكتبه ، وقام مراد السوداني باعدادها ونشرها وهذا يفسر الاجزاء والقصص التي تتكرر بصياغات مختلفة ، الافكار غير الواضحة والتي كتبت كمسودة وليست جاهزة للنشر
بدايةُ القصص الوثنية مذهلة، يبهر حسين قارئه بخيالِه الاستثنائي و باقتحامِه زمناً غريباً عنه، استغلّ كل ما قرأه عن تلك الحقبة المسماة بالجاهلية ليتواجدَ بروحِه بينَ هؤلاء و يسير إلى وادِ عبقر و لكن! في منتصفِ القصص قد يتسلل الملل إلى نفس القارئ و هو يواجه رتابة الأسلوب في تكملةِ سرد النصوص التي تفقد لاحقاً نبض المباغتة.