في الثمانينات، كنت بالكاد أعبر سن الطفولة إلى سن المراهقة، عندما مر علينا هذا المسمى الغريب، لاهوت التحرير. ظهر في بعض المجلات والصحف اليسارية آنذاك، مثل الأهالي وروز اليوسف، فتراه مكتوبًا على استحياء في أخبار صغيرة، وليس في تقارير أو مقالات، بالصفحات المهملة داخل الصحيفة أو المجلة. كان كل ما فهمته من هذه الأخبار أن في أمريكا الجنوبية، ثمة من الرهبان الكاثوليك من أعتنق الشيوعية ويدعو لها. رهبان كاثوليك شيوعين، يا له من أمر عجب. احتاج الأمر ما يزيد عن خمسة وعشرين عامًا حتى يزول هذا الاستغراب، إذ عثرت على هذا الكتاب، الذي أنشأه الأب وليم سيدهم، أحد وجوه الثورة المصرية العظمى المعروفة، ليقدم للقارئ العربي عامة، لاهوت التحرير بقلم احد المحسوبين على هذا التيار، أو احسبه كذلك، من حيث هو إعادة قراءة اجتماعية للمفاهيم العقائدية وتوظيف هذه المفاهيم في خدمة المستضعفين والمحتاجين، بدلًا من اللاهوت التقليدي الذي اصطنعته الكنيسة واستخدمته لدعم نفوذها ونفوذ حلفاءها من الجماعات الحاكمة الأوتوقراطية أو الفاشية أو حتى الرأسمالية المتحالفة مع الاستعمار، وذلك من خلال عرضه لتاريخ هذه الحركة وأهم من شاركوا فيها وأوجه النقد الخارجي والداخلي الذي تعرضت إليه ونماذج من إنتاجها الفكري. في رأي الشخصي، هذا الكتاب، والكتب الأخرى التي تتناول مثل هذا الموضوع، لهم أهمية خاصة في هذا الوقت الذي تثور فيه أسئلة عن موقع الثورة في الدين عام، وفي الإسلام خاصة، ومحاولة البعض خطف الإسلام وتوظيفه في خدمه الجماعات الحاكمة وجماعات المصالح المالية والبيروقراطية والمؤسسات الدينية الرسيمة المتحالفين معها.