"كاد يصرخ ويولول منادياً "يا أمي..."، لكنه خاف! تذكر حدقتيه الجامدتين في محجريهما كمخلبي قط بري، ونظراته القاصمة، واحمرار وجهه الناري، ومنخريه النافثين مثل فوهتي بركان... فتكوم على نفسه وأخمد أنفاسه ذائباً في رعبه...
ثم خطر له أن يلتفت ليرجوه ألا يفعل، يتوسل إليه بكل ما يعتصره من فزع... لكن رائحة الخمر الكثيفة التي فاحت إليه للتو خدرت عزمه وأشعرته أن لا جدوى من خاطره، ثم راحت تعيد إلى ذاكرته هيئته ساعة يعود إلى البيت مخموراً، فاجراً، يرنحه الشراب والسهر.
"آه لو كانت أمي حية" رجا في قلبه وشد على جفنيه المطبقين كما لو كان يجهد في انتزاع رخام القبر عن جئة أمه، يعيدها إليه، ثم يحتمي بها -كما اعتاد أن يفعل في حياتها- كي تذهب معظم الصفعات والركلات هباء، أو تتلقاها أمه، وهي تخفيه خلفها، تحميه من سورته المجنونة، دون أن تئن أو تشكو، وكأن حماية ولدها غاية تهون عليها آلامها وتعطيها القدرة على تحمل المصائب والبلايا التي تحل عليها من زوجها.
أكانت أمه، إذن، تخمن حدوث ذلك، ولذا ما انفكت في حياتها توصية وتلح في أن يخبرها بكل ما يعرض عليه أو يحدث معه؟! أتراها كانت تحتاط في سرها فما برحت تحذره من أي شخص، قريب أو بعيد، وتصر على أن يلازمنها باستمرار، وخصوصاً في الليل حين يأوي إلى النوم؟!
أتكون قد حدست بما لم يحدث به أو يعيه أو يخمنه، فبقي هاجسها سراً عليه طي الغموض، حتى انزلق مع قدمها من على سطح الدار ودفن معها، فلم يستطع تبينه ومعرفته إلا في غياهب تلك الليلة؟.
بلى... حدث وعاندها مرات في وصاياها... وحرد مرات أخرى أيام كانت تستنكر مجيء أصدقائه خلال وجود أبيه في البيت وغيابها عنه، أو تؤنبه إذا لم يعلمها قبلاً كي تترك مشاغلها وترعاهم... سوى أنه رغم زعله وضيقه من أوامرها وتحفظاتها، كان يمتثل ويرضي من مجرد ضمة أو قبلة أو توسل حنون من عينيها.
ما عن على باله أن يسألها سبب حرصها الزائد عليه، ومداراتها الغالبة، وقلقها المتخوف من بقائه مع أبيه أو انفرادهما بعيداً عن ناظريها. وحتى حين فعل وسألها عرضاً، ما ألح وما أصر... فابتسامتها ورجاؤها ومداعبتها كانت كافية لتطفئ دهشته وتساؤلاته الحارة، فتقول وتعيد: "كرمى لي يا أمي... كرمى لي يا حبيبي"، فيلين وينسى".
مجموعة قصصية تنتمي إلى المدرسة الواقعية النقدية لذا قد تبدو لك عادية..ولكنها ليست كذلك... قد يكون المرء سجين الوهم...الخوف..اللامبالاة..الصمت...الحب..الكلمة... هنا ترى القضبان تمتد لا تقبض على طرفيها ، تتأرجح النظرات الزائغة في الفراغات ، ثمة أيادي تتشبث بتلك القضبان فإذ بها تبعثر حزم الضوء التي تتسلل فيما بينها ..وتغرق الأجساد في الصمت المعتم...وانكسارات الروح...والأحلام الضائعة... كما لو أن حصاراً ضرب طوقاً حديدياً على أرواح هؤلاء التعساء... توخزك ألماً تلك القصص التي تُحاكي واقعاً بائساً يطفح بالحقيقة المريرة... الكاتب " ابراهيم صموئيل" كنز مخبوء في عالم الأدب العربي فكرت كثيراً حيال علاقة هذا الكاتب بمفردات اللغة ، كيف يمكن التعبير عن أشد الأمور قساوة بكلمات لامتناهية في العذوبة ؟..كيف..؟ هل علاقة صداقة وطيدة نشأت بين الكاتب ومفردات اللغة ، فكانت مطواعة لم تضن عليه بالمزيد والمزيد... لا....لم تكن كذلك بل أظنها لعبة فيما بينهما ليست مصطنعة ليبدي الكاتب براعته اللافتة في التلاعب بالكلمات بل ليقتنص كل منهما من الآخر ما يكمل القطع الناقصة من الأحجية... بإذن الله لي لقاءات مُقبلة مع الكاتب " ابراهيم صموئيل"...
لطالما ضاعت معاناة الإنسان -كفرد في المجتمع- وسط ضجيج العالم الذي نعيش فيه. فتبدو معاناته كتفصيلة متناهية الصِغَر في بحر صورة ضخمة لا مجال لإدراك أجزائها كونها تُرى كَكُلٍ واحد! فيذهب البعض إلى تهميشها أو إلى الحطّ من قَدرِها جهلًا بقيمتها وخصوصيتها.
في وسط هذا الصخب يخجل الإنسان من البوح بمعاناته مهما عَظمت، فيطمس ألمه المرسوم على ملامحه في صمت أخرس، كي يخفيه عن أعين الناس المُتعامية. وينأى بوجعه الموشومة بها روحه من أجل أن يقبلوه فردًا بينهم
يأتي إبراهيم صموئيل بقصصه كصرخة قادمة من أعماق روح مكبوتة، صرخة عظيمة تشعر بأنها تضُمّ صرخات المظلومين والمُتألّمين في هذا العالم، وتُمزّق كل القيود التي يعاني منها المُهمّشين وكل من أُجبِر على التستّر خلف روحٍ لا تمتّ له بِصِلَة!
تنبش حروف إبراهيم صموئيل الأنيقة أرواحنا بقسوة ناعمة، باحثةً عن نبض غافل فينا يُسمّى "الاهتمام بالآخر". تسحرنا كلماته لتُحيي داخلنا إنسانيتنا الشاردة، فتتحوّل المشاهد العادية التي قد نراها كُل يوم إلى مشاهد استثنائية مُترعة بالأحاسيس رغم أنها غارقة في الألم
إن الأدب معنيّ بتصوير الإنسانية، وقد جاءت قصص إبراهيم صموئيل القصيرة بُرهانًا على ذلك. وعلى أن رسالة الأديب إلى القارئ لا تعتمد على حجم المكتوب من صفحات ضخمة أو حروف لا تنتهي. ولا تعوّل على وخز القُرّاء بمشاهد صادمة مؤلمة عنيفة. إنما يُثبت الكاتب من خلال قصصه أن بهاء الأدب يكمن في بساطته. وأن المشاهد المؤلمة يُمكن أن تُكتب بلغةٍ تفيض بالعذوبة!
في كل قصة يُعيد الكاتب لنا جُزءًا من نزعة إنسانية مفقودة داخلنا. ومع توالي القصص يتلاشى ببطء بعض من توحّشنا المادي. وتُرمّمُ أرواحنا ونُكمل نواقص أنفسنا من أجل أن نعود إلى نُقطة اتزان.
يقولون إن هناك أنواع من الأدب تصلح للقراءة في جميع العصور، وأزعم أن هذه القصص من ذاك النوع.
مبدع القصص القصيرة الاول تشيخوف التي تكون عبارة عن ثلاث او اربع صفحات فقط.. ومن راءيي أن ذلك النوع من القصص من اصعب انواع الادب ويوجد من قراءت له وكان عبقري مثل كاليفينو وعبد الله ناصر وهذا الكاتب الذي تعرفت عليه من ترشيح الصديقة والاخت العزيزة غفران
الكتاب ١٢ قصص افضلهم من وجهة نظري ناس وناس والنحنحات وماذا قلت يا ابي ومثل حجر في نهر هو شارع لكنك مآ ان تنعطف إليه حتي تخاله نهراً، ناس يتدفقون في لجة ناس، من الجهات الاربع يتوافدون جداول، مثل ارتل النمل ليصبوا علي ضفتيه أو يفيضوا إلي مجراه مختلطين مع السيارات الصغيرة والشاحنات. يتجمعون متزاحمين في بداية ممر المشاة ما أن يأذن الشرطي حتي يندفعوا وهم يقطعون الشارع كله كتلة تتلاطم بكتلة تندفع باتجاه معاكس، تتداخلان لحظة وفي لحظة تنفكان باتجاهين متغايرين تنسكبان علي رصيفي الشارع المتقابلين ثم تنفرطان إلي اياد تحمل خبزا وخضارا واياد تطوح فارغة واخري تتهدل واخري تهرش رؤوسا وارجل تدق الارض وارجل تمسحها واخري تتقافز عليها.. صدور تتنفخ وتضمر وهي تشهق هموما وتزفر هموما... غابة من وجوه، وجوه مثلومة بكآبه ووجوه مخددة بالتوهان واخري واخري تنز فزعا مفزعا.. ناس يختلطون بناس يتشعبون ويتفرعون ثم سريعا كما وفدوا الشارع يتلاشون في منعطف او حارة أو دكان او بيت.. خلف شجرة أو داخل خربة.. ينسابون متلاحقين كما في مجري النهر
من أجمل المجموعات القصصية التي قرأتها في حياتي . اللغة متميزة جداً ، و للكاتب قدرة فريدة على التقاط أحداث عادية ، يصوغها و يحمّلها الرمزية بذكاء كبير . أنا شخصيا لم أسمع بالكاتب من قبل إطلاقاً ، ظلم كبير ألا نعرفه جميعاً سعيدة جداً بقراءتي لهذه المجموعات المميزة ، أنصح الجميع بقراءتها
قصص قصيرة للنسيان. بالكاد تذكر ايّاً منها بعد انتهائها. لعل أفضلها كانت تلك التي تدور أحداثها في السجن. جعلتني اعتقد أن الكاتب قد خبر هذه التجربة شخصياً.
A collections of very short stories, all focused on themes such as domestic violence, family matters, injustice, and imprisonment.
This was mildly engaging, but didnt really stick as most stories are very short and dont have any key memorable aspects. Generally very average and not much to say really. Only few I liked more than average such as the title story "النحنحات", and one about a dying father trying to say one last thing to his loving son. I think I would have enjoyed this much more if the stories were more fleshed out and a bit longer, as the author's writing is pretty good.
مجموعة قاتمة، رغم لغتها البرّاقة النّاصعة. خانقة، رغم رهافة حسّ كاتبها. تغصّ بالأسى، رغم بديهيّة أحداثها في بقعةٍ يحكمها زوّار الفجر. تقرأ قصصها فتنفر من الواقع أكثر فأكثر، تنقم على كلّ الأسباب الّتي حملت الكاتب على اتّخاذ هذا المنحى من الكتابة! تجربة الكاتب الخاصّة، جهرت بها الصفحات جميعاً، وجعلت من أتفه التّفاصيل قضيّة كبرى! إبراهيم الإنسان، إبراهيم المعتقَل، إبراهيم الطّفل .. يتألقون جميعاً، بألمٍ، على هذه الصّفحات.
ثاني قراءاتي لإبراهيم صموئيل، ورغم إذعاني أمام احترافه في إطلاق رصاص قلمه، إلّا أنّ قراءتي الأولى له، "رائحة الخطو الثقيل"، تركت فيّ أثرًا أكبر. لعلّها نوستالجيا البدايات؟ في هذه المجموعة، لا ثيمة غير الشقاء، ولا لون غير القتامة، ولا نهايات سعيدة! يستفزك صموئيل بعدم اكتمال قصصه، وهُنا براعته! أبلغ الأقاصيص هُنا: شتاء طويل، أصعد قاسيون.. وأنادي، النحنحات، الصقيع، ساعة الظهيرة، والمرحاض.