يستعرض الناقد السعودي حسين بافقيه في كتابه"طه حسين والمثقفون السعوديون"الصادر أخيراً عن دار الانتشار العربي، الصلات الأدبية التي ربطت بين عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وبين الأدباء السعوديين والتي أرجعها المؤلف إلى السنوات الأولى لقيام المملكة العربية السعودية، حين نشر طه حسين مقالته"الحياة الأدبية في جزيرة العرب"في مجلة الهلال 1351هـ -1933، أي بعد إعلان توحيد البلاد بأشهر معدودة، وكانت تلك المقالة كما يشير بافقيه أول دراسة علمية عن الأدب والثقافة في المملكة والجزيرة العربية في العصر الحديث.
واشتمل الكتاب، الذي أهداه بافقيه إلى عاشق طه حسين الأديب السعودي عبدالفتاح أبو مدين، على دراسة مطوَّلة في 376 صفحة من القطع الصغير، وجاء تقييداً للصلات الثقافية بين الأدباء السعوديين وطه حسين، والتي كان من دلائلها إعجاب عدد من الأدباء السعوديين بأسلوب طه حسين وانقسام الأدباء في ذلك الوقت حول عميد الأدب العربي، كما احتوى الكتاب على وقائع زيارة طه حسين للسعودية في العام 1374هـ-1955، حين كان رئيساً للجنة الثقافية التابعة للجامعة العربية، والتي عقدت اجتماعها في مدينة جدة.
ووثق الكتاب المقالات والخطب التي ألقاها طه حسين في أثناء زيارته إلى المملكة، وكذلك مقدماته لعدد من الدواوين الشعرية والكتب، كديوان"الأمس الضائع"لحسن عبدالله القرشي، و"الهوى والشباب"لأحمد عبدالغفور عطار، و"رجالات الحجاز"لإبراهيم فلالي، و"رجل وعمل"لعبدالله عريف، ودراسته المهمة لديوان"وحي الحرمان"للأمير عبدالله الفيصل، كما احتوى الكتاب على الحوارات التي أجريت مع طه حسين في الصحافة السعودية، وكذلك المقالات التي كتبها المثقفون السعوديون في طه حسين. والكتاب على أهميته في رصد الصلات الثقافية، بين المثقفين السعوديين وطه حسين، يرصد كذلك تطور الأدب والثقافة في المملكة في العقود الأولى لنشأتها.
وفقًا لتاريخ الزيارة كان برفقته الأديب (أيمن الخولي) وكان طه حسين قد جاء بحرًا وكان إستقباله فوق كل تصوره من قبل العمال المصريين الإخوة المقيمين في حينها بالسعودية وكذلك من الطلاب السعوديين والمثقفين والأدباء وكبار رجالات الدولة رغم أن الزيارة كانت ذات طابع رسمي حيث كان طه ومن معه ممثليين اللجنة الثقافية التابعة للجامعة العربية في ذلك الوقت وكان هو الرئيس – في حينها – وضمن فعاليات هذه اللجنة عقد اجتماع لها في مدينة جدة في السعودية كنوع من الواصل الثاقفي بين دول العالم العربي في العام (1374هـ – 1955م)، وكان طه حسين بصحبة وزير المعاوف (وزارة التربية والتعليم فيما بعد) الأمير السعودي فهد بن عبد العزيز – الملك السعودي الخامس فيما بعد – وقد رافقه وذلك لقيمة طه حسين الكبيرة هذا وغير من رافقه من الأدباء السعوديين.
عني الناقد والباحث الاجتماعي حسين بافقيه بتاريخ الصحافة والأدب المحلي كذلك فعل القشعمي من السعودية مع إختلاف عناية الأول وتخصصه في النقد، وإهتمام الثاني بالتوثيق والجمع الكمي.
الكتاب أهتم بزيارة طه مرحلة توثيقية ودليل ذلك لمحة سريعة على فصول الكتاب حيث يضم الكتاب القراءة التقديمي لطه حسين لعدد من دواوين الشعراء الحجازيين لإعجاب طه حسين بالشعر الحجاز خصوصًا شعر حسن عبد الله القرشي(i)، ويضم الكتاب المقابلات الصحفية والمقالات التي كتبها عدد من السعودية عن طه حسين وجلها عن زيارته للسعودية في منتصف القرن الماضي في عهد الملك سعود – الملك الثاني للسعودية الثالثة – والزيارة في مجملها كانت للفت النظر للأدب السعودي في دور المملكة العربية السعوية حيث أنه لم يمضي على إكتمال ضم جميع مناطق البلاد سوى (23) عام. فكانت هذه الزيارة من دلالات عناية العهد السعودي بالثقافة وتقبل الرأي الآخر وتقبل العهد الجديد للكتاب والمفكرين حتى أولئك المثيرين للقلق. علمًا أن ثمة الكثير لم يتقبل زيارة طه حسين خصوصًا بعد كتابه (في الشعر الجاهلي)، وكتاباته (على هامش السيرة)، و مؤلفات (الفتنة علي وبنوه وعثمان) وغيرها من الكتابات التاريخية الدينية التي تناول موضوعاتها طه حسين بالنقد من وجهة نظره ولم يتقبلها أصحاب التوجه الديني في مصر أو في السعودية عامة وعلي العكس كان له مؤيدوه، وقد ألمح المؤلف لوجهة النظر التي نشير إليها بخصوص تلك الأفكار التي لم يتقبلها بعض أدباء السعودية في ذلك الوقت.
وبالمناسبة كما ذكرت في تعريفي بكتاب أ القشعمي (طه حسين في المملكة العربية السعودية) (*) أن ثمة تلاقي كبير بين الكتابين لإعتمادهما على مصدر واحد يكاد يكون هو الأوثق والزوحد لتلك الزيارة – صحيفة البلاد – وكذلك ثمة إختلاف في بعض المقالات وإنفراد كلاهما ببعض ما ليس لدى الآخر.
صدر عن دار المؤلف كتاب (طه حسين والمثقفون السعوديون)، الطبعة الأولى عام1430هـ-2009م، وهذا الكتاب يقع في 376 صفحة من القطع المتوسط، ويتميز بجودة الطباعة والصفحات.
ومنذ أن صدر الكتاب وأنا أمني نفسي الاطلاع عليه حتى تيسر لي ذلك فاقتنيته ووجدت فيه صفحات مطوية نسيها المترجمون فنشرها الأستاذ حسين بافقيه.
كتب الاستاذ حسين بافقيه هذا الكتاب لأغراض منها: 1. تفاعل الأدباء السعوديون مع الأدب في الوطن العربي
2. بيان راي طه حسين في الأدب السعودي في نشأته خاصة في الحجاز( لم يتكلم عن أدب نجد إلالماما ولا أدب الجنوب تماما ).
ولي بعض الملحوظات على الكتاب: 1- لم يحدد لنا بافقيه الحدود الزمانية للمثقفين السعوديين المقصودين في الكتاب ولو أن القارئ يمكن أن يستشفه من القراءة.
2- هناك بعض أسماء المثقفين السعوديين الذين عاشوا في الفترة التي عاش فيها طه حسين ولم يذكر رأيهم أو أنهم تجاهلوا وجودهم في التاريخ إذ التاريخ لم يتجاهل وجودهم.
3- لم يذكر بافقيه إلا مامدح به طه حسين ولم نرى موقفا للمثقفين السعوديين من كتابيه في الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر إلا ماكان من مقالة في آخر الكتاب حيث مدح الكاتب منهج طه حسين ولم نعرف قبل كل شيء عن هذا الكاتب إلا أنه مراقب في وزارة التعليم فهو لايملك من أدوات البحث مايجعله يقنعنا بصوابية منهج طه حسين.
وهناك مقال لم يتمحض للمدح بعنوان ( في الميزان ) لباحث لم يذكر المؤلف اسمه، لكنه كان موفقا في عرضه ونقده لطه حسين وكتابه على هامش السيرة، وكذلك مقالان لأمين مدني أما المقالة الأولى فنقد فيها نقد طه بأسلوب هادئ (حافظ وشوقي) ونقد رؤية طه حسين في مقالة أخرى عن الرق الإسلامي نقدا موفقا مشنعا عليه رغبته في التواصل الحميمي مع الغرب وتحوير شريعة الإسلام في الرق.
4- وهناك مقالة لمن يكتب الأديب لم تكن عن طه حسين، ولكن الكاتب الأديب عبدالله عبدالجبار استلهم من مناظرة طه حسين مع رئيف الخوري حول هذه القضية بعض الرؤى التي لاتتعلق لامن قريب أو بعيد بطه حسين، حتى إنه لم يثبت أصل المناظرة، ولذا كان هذا حشوا في الكتاب وقد أخذ أكثر من عشر صفحات.
5- مما يحمد للأستاذ حسين بافقيه دقته في النقل، ومقابلته الأصول والمصادر الأولية، وهذه من أعظم الأخلاق البحثية التي تحلى بها الكتاب، حيث إنه يشير إلى كل الأصل ولو كان هناك سقط كلمة. وفي الأخير لا أزعم أني جئت على الكتاب كله، أو أنني لا أذهب مع أحد لم يذهب معي، وإنما هذه ملحوظات عابرة في قراءة متأنية عابرة لكتاب مهم خاصة لأنه ارتبط بمجموعة كبيرة من الأدباء السعوديين، وارتبط بطه حسين.