هو الامام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي. ولد في سوريا سنة 700 هـ كما ذكر أكثر من مترجم له أو بعدها بقليل كما قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة. وكان مولده بقرية "مجدل" من أعمال بصرى من منطقة سهل حوران وهي درعا حالياً في جنوب دمشق بسوريا, وكان أبوه من أهل بصرى وأمه من قرية مجدل. والأصح أنه من قرية مندثرة تسمى الشريك تقع بين قريتي الجيزة وغصم ويمر من جانبها وادي مشهور اسمه وادي الزيدي وهي في منطقة حوران أو درعا حالياً. انتقل إلى دمشق سنة 706 هـ في الخامسة من عمره وتفقه بالشيخ إبراهيم الفزازي الشهير بابن الفركاح وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم ومن أحمد بن أبى طالب وبالحجار ومن القاسم بن عساكر وابن الشيرازى واسحاق بن الامدى ومحمد بن زراد ولازم الشيخ جمال يوسف بن الزكى المزى صاحب تهذيب الكمال وأطراف الكتب الستة وبه انتفع وتخرج وتزوج بابنته. قرأ على شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه وعلى الشيخ الحافظ بن قايماز وأجاز له من مصر أبو موسى القرافى والحسينى وأبو الفتح الدبوسى وعلى بن عمر الوانى ويوسف الختى وغير واحد.
تنازع الأشاعرة والسلفية في أمر معتقده. فأما الأشاعرة فزعموا أنه أشعري العقيدة حيث ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة, ص17 ج1 باب الهمزة ( وهو حرف الألف) قصة حدثت بين ابن القيم وابن كثير عندما قال ابن كثير لإبن القيم "أنت تكرهني لأنني أشعري فقال له لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك إنك أشعري وشيخك ابن تيمية". كما أن ابن كثير تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية وشرط واقفها أن يكون أشعري العقيدة - انظر طبقات السبكي.
ورأى السلفية أنه كان واضحاً وجلياً أن ابن كثير سلفي الأعتقاد في غالب بل كل مؤلفاته فكان يصرح بها ولعل المتتبع البسيط لتفسيره (تفسير القرآن العظيم) يرى بوضح وبدون أدنى لبس أنه على عقيدة شيخه أبن تيمية. وكذلك ما كتبه في أول كتابه الجليل "البداية والنهاية" عن علو الله على عرشه وإثبات صفة العلو والفوقية لله العلي القدير. أما ما أثير حول كونه أشعرياً لقبوله مشيخة دار الحديث الأشرفية التي شرط وقفها أن يكون المدرس فيها أشعرياً فهو شرط غير ملزم وقد ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية علماء سلفيون من قبله: مثل الحافظ جمال الدين المزي والحافظ أبو عمرو بن الصلاح. أما ما رواه الحافظ ابن حجر فهي كما قال نادرة وقعت بينهما ولم تكن في مقام البيان والإقرار.
كانت قراءة هذا الكتاب الجليل أمنية من امنياتي، وكنت أعلم أن التدرج للوصول إلى قراءته مطلب، فقرأت بعض المختصرات قبله وكان آخرها تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي، وشرعت في أواخر شهر شعبان لعام ١٤٤٠ في قراءة تفسير ابن كثير، وكنت انويها قراءة جرد، وأن لا بأس بأن تتخلل قراءتي للكتاب القراءة في بعض الكتب الخفيفة في السيرة والمواعظ والأدب ونحو ذلك دفعاً للإملال، فلما بدأت القراءة وجدت يسراً عجيباً من فضل الله وكرمه، ودخل شهر رمضان فخصصت ساعات من الظهر والعصر للقراءة، وكنت أحمل هماً كبيراً بأنني يجب أن ألتزم بالقراءة يومياً حتى أنجز الكتاب قبل نهاية رمضان، فأصبت بنزلة برد فأخرني ذلك بعض الشيء في قراءتي، ثم جاءتني بعض ظروف العمل التي اضطرتني للسفر في بعض المحافظات القريبة من الرياض لعمل هناك في صباح رمضان، حتى بدأت أمهد لنفسي بأنني ربما أتم الدتاب في أول شهر شوال، لكن ومن رحمة الله تعالى، وحيث أنني سبق وأن دخلت بعض الدورات القراءة السريعة، وآخرها وأفضلها دورة د.محمد الصبي، واطلعت على بعض تجارب طلاب العلم في جرد المطولات، ويسر الله لي أن أوفق للاعتكاف في مسجد هادئ، استطعت أن أنجز فيه من أواخر الجزء الرابع وحتى آخر الكتاب من الجزء الثامن ولله الحمد والمنة
وقد ألفيت من هذا الكتاب العظيم ما يجعلني أجيب على السؤال التالي وأنا مطمئن البال؛ (ماهو افضل كتاب قرأته..؟) ذاك السؤال الذي طالما حيرني حيث الكتب يزاحم بعضها بعضاً في القيمة العلمية والجودة والسبك، أما الآن فقد هديت إلى ما أجيب به دون تردد..
أن ترى وتقرأ تفسيرا للآيات من بعضها البعض، وان ترى تطبيقاً عملياً وشرحاً بليغاً من واقع حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله، وأن تسمع وتطلع على معاني الآيات مما ورد على لسان خير أهل القرون قاطبة، وأن تستأنس وتقع على بعض العجائب من الإسرائيليات دون أن تصدق ودون أن تكذب لكن فقط لتتعجب.. من يخبرني بلذة أأكبر من هذه لآخذها..؟!
كما حوى التفسير من الدقائق والنفائس واللطائف مايغري بقراءته مرات ومرات.. كتاب كهذا السفر العظيم يجعلك تقرأ القرآن بطعم آخر، ويثري في نفسك من المعاني ما يحلق بك و يبعد عنك نكد الدنيا ومنغصاتها وإن زاحمت جنبيك
وقد وفق ابن كثير في التأليف والجميع ما ممكنه من أن يسوق رأيه فيصيب به كبد الحقيقة في مواضع شتى، ويتضح في عباراته في بعض المواضع إعماله لفكره في الآية الواحده عدة مرات حتى يخرج بكلمات يسيرة تجلي لك الغوامض.. الحمد لله على تيسيره وعونه، فقد كان الكتاب حاجزاً ساميا يحفز ببلوغه إلى غيره من المطولات المهيبة، فنسأل الله من فضله تعالى..
عام وخمسة أشهر المدة التى قضيتها معه(حسب جدول القراءة ضمن برنامج علمي) .. وتفسير ابن كثير من أفضل ما أنت واجد فيه هو تفسيره القرآن بالقرآن وهذا الربط مما يسهل الفهم أولا ويظهر شيء من إعجاز القرآن وهو كذلك مادة دسمة للدعاة والخطباء فيما يقدمونه. وأما تفسيره للقرآن بالحديث وما يظهره من تمكن المؤلف من علوم الحديث وسعة اطلاع وحسن استنباط فهذان أهم ما تجده فى تفسيره وأظنه سببا لتقديم كثير من العلماء لابن كثير على غيره؛ فهو يصلح لعامة الناس كما يصلح لطلبة العلم والباحثين. مما لاحظته أن للمؤلف اهتمام خاص ودراية كبيرة بمسند أحمد وأكثر ما نقل من الأحاديث منه ، وينقل كذلك عن كتب أحاديث خارج عن الكتب التسعة الأشهر. وللمؤلف نَفَس نقدي وله استدراكات على من سبقه وترجيحات بين الآراء المختلفة تشهد له بإمامته في التفسير. ما كتبته انطباعات سريعة لا تمثل شيئا فهو أشهر من أن يعرف به وكتب في شأنه تعريفا وتلخيصا ودراسة لمختلف جوانبه عشرات الكتب والمقالات.