المهمة التي ينبري لها هذا الكتاب ليست يسيرة. إنه يضع تعاليم كانط الأساسية ومواقفه من الدين، والعقل، والإيمان، والتنوير، على مشرحة النقد. ويستعرض المحاولات النظرية والعملية التي تجابه الفكر الديني كله، وتذهب به الاستنتاجات والتحليلات إلى تبيان وسطية كانط ومنحاه التوفيقي الذي يجمع بين الاتجاه العقلي والاتجاه الديني. فماذا لو برهنت المقارنة مع الفلاسفة الماديين الفرنسيين أن كانط، وهو أحد آباء التنوير، ليس سوى متذبذب أقدم على تنازلات جد محرجة لحساب اللاهوت البروتستانتي؟ هذه القراءة النقدية للمشروع النقدي الكانطي من المنتظر أن يكون لها صداها في أوساط الدارسين والمؤرخين والمتابعين وذوي الاختصاص.
محمد المزوغي هو أكاديمي وباحث تونسي مقيم بإيطاليا، أستاذ الفلسفة بالمعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية بروما. من مؤلفاته "نيتشه، هايدغر، فوكو. تفكيك ونقد" دار المعرفة، تونس 2004؛ "عمانويل كانط: الدين في حدود العقل أو التنوير الناقص" (دار الساقي، بيروت 2007)؛ "العقل بين التاريخ والوحي: حول العدمية النظرية في إسلاميات محمد أركون" (منشورات الجمل، بيروت 2007)؛ "نقد ما بعد الحداثة" في جزأين (دار كارم الشريف، تونس 2010)؛ "تحقيق ما للإلحاد من مقولة" و"منطق المؤرخ، هشام جعيط: الدولة المدنية والصحوة الإسلامية" وكلاهما صادر عن منشورات الجمل 2014.
كانط لم يكن مفكرا ً ماديا ً معاديا للدين أو ناكرا لتعاليمه بل العكس كانت كتاباته مخترقه بالهم الديني وتعبر عن مشاغل لها علاقه باللاهوت البروتستاني ولكنه أيضا ً لم يكن من المتدينين التقليدين أو المؤمنين الذين يسلمون دون نقاش أو إعمال للعقل في أسس العقائد الدينيه وركائزها ولأنه فيلسوف والفيلسوف كترجمه لوظيفته العظمى هو صاحب العقل النقدي الذي لا يركن لما تقدمه الأديان من حلول جاهزه وإعتقادات مسبقه ولا يعترف بقدسيه الآراء والمسلمات المطروحه إن لم يضعها أولا ً على محك العقل والنقد هذه المقدمه لتبرير طرح الأستاذ المزوغي لكتابه النقدي عن فكر كانط الديني ونقده لكتابه العمده (نقد العقل المحض ) الذي ركز فيه كانط وللغرابه الشديده على إلغاء المعرفه لفسح المجال للأيمان ! وهو ما أربك المؤلف وأربك من قبله عُقُول معاصره بكل غرابتها وجدتها ومأساويتها فبينما يجد كانط أن الصلاه أو أي شكل من أشكالها ليست إلا نفاقا ً أو جنونا او هذيانا لأن الطقوس ليست إلا تعبيرا عن أوهام ذاتيه لأن الأنسان يجد لذه في تقدير الآخرين له والثناء عليه ولذالك فهو يسقط هذا الشعور على تصوره لكيفيه تعامله مع الله بيد أنه لم يكن يركن إلى رأي واحد متناقضا كثيرا وفي بعض الأحيان أستعاد ما دمره من قبل وأعاد تأهيله في ثوب جديد ، أي أن كانط لم يكن ليرتاح لفلسفته الدينيه وكان كثير القلق والتذبذب يعطي الأستاذ المزوغي هنا بعض الأمثله المهمه عن الدين الإسلامي متسائلا متى سندشن عصر بلا دين ؟ وقد ركز كانط على مبدأ الأخلاق كفضيله بدل التدين الزائف أي أن مجتمع ملحد أو لا ديني لاينبغي بالضروره أن يكون متفسخا ً أخلاقيا ً بل قد يكون أفضل وأعدل من المجتمع المتدين فرفض وجود الله لا يقود بالضروره إلى الإقبال على الرذيله أو الإنسلاخ من روابط المجتمع البشري والذي يطلق عنانه لشهواته وميوله الحيوانيه فهو إنسان خسيس . والأخلاق المبنيه أو المتأسسه على إله كل واحد يتصوره بطريقه مختلفه ويتخيله حسب صيغته الخاصه وهواه ويكيفه طبقا لمذاقه ومصالحه الشخصيه يعني في نهايه المطاف تأسيس الأخلاق على النزوات وعلى خيال البشر ويعني أيضا بناءها على إستيهامات طائفه ما أو زمره أو حزب ما يعتقد أصحابه أن لهم الأمتياز في عباده الإله الحق من دون الاخرين بالنهايه ففلسفه كانط متداخله ومتشابكه وتجعلك تشعر بالأرتباك لما يريده كانط فهل يستطيع الإنسان أن يخلص نفسه بالدين ؟ أو بالألحاد أو اللادين ؟ هذا ما تكفل به الكتاب والأستاذ المزوغي بحرفيه عاليه ومنطق مدروس وفهم عميق الكتاب مهم لكل دارسي الفلسفه والمشتغلين عليها ومحبي كانط وممتبعي فلسفته يختم الأستاذ المزوغي بجمله أراها لخصت ما طرحه بكتابه ( الحقيقه واحده وهي كسب إنساني لا وحي رباني لذالك تعب أصحاب الدين واتعبوا الفلاسفه )
الكتاب عبارة عن أربعة مقاطع ابتداءً بمفهومي الخير والشر وانتهاءً بالدين . تتلخص الفلسفة الكانطية للدين في أنه الأخلاق ، وأنها هي مصدر الدين والدافع له ، وأنه لاضير من اتباع أي دين نظامي كالمسيحية مثلاً طالما أننا لا نسلم له كدين عبادات إنما كدين فضيلة بفعل كل ماله منفعة أخلاقية والابتعاد عن كل ماهو عبادة محضة ، وأن التنوير والحرية تكمنان في إعمال العقل للوصول إلى تلك الفضيلة دون الحاجة إلى ماهو وحي تاريخي محدود بمنطقة معينة ، أي أنه نابع من العقل ويمكن التوصل له من قبل أي انسان دون وحي فيكون بذلك دينًا كونيًا .
أضحكني كيف راوغ كثيرًا ولم أتوقع أنه سيقول رأيه بوضوح ولكنه تقريبًا فعلها في آخر مقطع .
يقول الكاتب "هذا هو مصير نقد العقل المحض: كانط الذي يسحق كل شيء، كما وصفه مندلسون، لم تكن فلسفته دعما لإعانة هذا التوجه الفكري [الإلحاد]، لأنه يعرب صراحة ضد من يريد استعمال نقده لمصلحة التنوير بأنه رغب في تحطيم الكفر والمفكرين الأحرار ... أما مطلب الوضوح والبت في أمور الدين فإن هذا المطلب لم يكن ناشزا أو مستحيلا. فعلا، قد يكون الموقف القطعي معروفة عند كانط ومطلع عليه شخصية من خلال كتابات الفلاسفة الفرنسيين". هنا تأكدت أن الكاتب لم يفهم فلسفة كانط على الإطلاق (أو بالأصح يتعمد عدم فهمه) لأن مناط برهنة كانط على عجز المؤمنين والملحدين عن اثبات وجود وعدم وجود الإله بشكل موضوعي هو منطلق فلسفي إبستيمولوجي واحد.
لكن عندما أعقبها الكاتب بالتالي "فلسفة كانط لا تخلص الإنسان من الدين. ولم يكن من مهمات فلسفته أو من مشمولات تفكيره الخروج من ربقة الدين وتحرير الإنسان منه. هذا ما لم يفعله كانط، أو، على الأقل، لم يكن جازما فيه؛ وهذه مهمة نتولاها نحن" ظننت أنه سيقدم نقدا لفلسفة كانط بحيث يبين عوار نقد الأخير للميتافيزيقيا السلبية [الإلحاد] وكيفية تشييدها إبستيمولوجيا، لكني لم أجد شيئا سوى التالي "الأطروحة النقيض تقول إن هذا الكائن [الإله] غير موجود والعقل الإنساني قادر أن يبرهن على ذلك، وأن يفند الأطروحة المعارضة. من يجهل الكون وقوانين الطبيعة والأسباب الحقيقية التي تتحكم في الظواهر، فإنه عرضة لتبني الخرافة والأساطير. وكل ما في الكون، وكل ما يحدث في العالم مؤشر إلى عدم وجود الله: الكوارث الطبيعية، الشرور، آلام الحيوان البريء، الحروب: كلها تدل على أن هذا العالم يخضع لحتمية عمياء لا عقل فيها ولا حكمة".
وهذا المقطع الأخير هو ذروة ما قد يعد حجاجا فلسفيا في هذا الكتاب، وهنا أدركت أن الكاتب لا يعرف ما هو العقل الموضوعي من الأساس. وقد تأكدت من هذا بعد قراءة كتابه عن الإلحاد.
حذر كانط مما أسماه " وهم الفضيلة" الذي هو الوهم بأننا نستطيع بواسطة أعمال التعبد الدينية(الصلاة/الدعاء/الحج) أن ننجح في تحقيق رضى الله .وهذا التقديس للكائنات الخارقة الغيبية و التي فرضها الكهان باستغلال الخوف الطبيعي لدى الإنسان هو"محاولة كائنات فانية مسكينة تبحث لنفسها عن تجسيد حسي لملكوت الله على الأرض" و محاولة إستمالة القوة التي تحكم البشر إلى صالحهم لكن كل مذهب اجتهد بالطريقة التي يستطيعون فيها تحقيق هذه الإستمالة بينما حسب كانط كل ما قد يطلبه الله من البشر هو فقط أن يكونوا أخلاقيين ..لقد حولوا علاقة البشر مع الله إلى تعاويذ و طلاسم و صلوات و هذا بمثابة " الموت الأخلاقي للعقل الذي من دونه لا يوجد أي دين أبداً". و يقول كانط"إذا كان إجلال الله هو المقام الأول الذي تحته بالتالي يضع المر الفضيلة،فإن هذا الموضوع هو صنم، بمعنى هو مُفكِّكرٌ فيه بوصفه كائناً لا يحق لنا أن نرجو رضاه من خلال السلوك الأخلاقي الحسن في العالم ،بل عن طريق العبادة و التزلف و الدين عندئذٍ هو عبادة أصنام " .وصف كانط الحُكم الديني الذي يستند على وهم الفضيلة بإنه إيمان مشعوذ و من خلاله يتم التحكم بالجمهور و من خلال هذه الطاعة العمياء لمذهب ما تُسلب من الإنسان حريته الخلقية، ولا يهم شكل اتنظيم هذه الهيئة الحاكمة لأن دستورها هو يبقى- مهما كان شكل الحكم - دستوراً استبدادياً على الدوام و طبقة رجال الدين الحاكمة ستهيمن و بل ستعتقد أيضاً أنها تستطيع الإستغناء عن العقل فهي لا تحتاج للإقناع بل فقط تصدر الأوامر .. و يقول " ويل للمشرع الذي يريد أن يحقق بواسطة الإكراه دستوراً موجهاً نحو الغايات الأخلاقية " أجمل ما قال كانط أخيراً كان " أنه لا يمكن لديانة المعتقدات و الطوائف أن تدعي لنفسها احتكار أي ضرب من الخلاص أو الوعد بأي وسائل رحمة خاصة بأتباعها تنعم عليهم دون غيرهم من سائر البشر. كما أنه لا يمكن لأي دولة أن تدعي أن شعباً من الشعوب لم ينضج بعد لحريته الدينية"
كانط يبشر بدين جديد دين العقل .. ينفر من العبادات الباطلة قطع الرؤوس وقتل الكافر "الزنديق" يؤكد أن الاخلاق مصدرها العقل لا الدين وأن الأديان بمفوهوها الحالي غير قابله للتأقلم مع العالم الجديد ويؤكد أن خير القرون هو المتقدم منها وليس المتأخر .. فالانسان يتجه الى الخير لا الى الشر كما يوضح أن في الانسان بذرة خير وعلة شر لا يمكن ان يكون انساناً خيراً الا ببناء البذرة وهدم العلة
قام الباحث التونسي محمد المزوغي في كتاب « عمانوئيل كانط.. أو التنوير الناقص» بكتابة سيرة حياة الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط صاحب الفلسفة النقدية. ويسرد بشكل رائع المصاعب والعقبات التي وقفت في وجهه وأجبرته على تقديم كثير من التنازلات ومعاناة كثير من المشاكل. من خلال كتبه الثلاثة: نقد العقل المحض ونقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم.
الكتاب في طرحه العلمي والاستدراك النظري فيه رائع لكن المزروعي حاول جاهدا مقارعة كانط بنقد الأخلاق ونقد العقل الخالص عنده ولم ينجح بذلك لبعده عن البرهان العقلي واقترابه من التناقض المعرفي اذ أن كانط تساءل اذا كانت النظريات التي ينتهي اليها الاستنباط تستند في برهان صدقها على الامل الذي استنبطت منه فماذا نقول في هذا الاصل نفسه؟ ويجيب كانط بان البديهيات في الاخلاق هي كبديهيات الرياضيات و بديهيات علم الطبيعة على السواء فهي "تركيبة قبلية" اي انها تخبر عن العالم الخارجي و في نفس الوقت يكون صقها ضروري لدى العقل. و كا كتابه "نقد العقل الخالص" قد جاء ليبين هذه الحقيقة بالنسبة لكل من علم الرياضيات و علم الطبيعة ثم كان كتابه الثاني "نقد العقل العلمي" قد جاء بدوره ليبين تلك الحقيقة في الاخلاق اي ليبين كيف ترتد الافعال الخلقية الى بديهية اولية هي ما يطلق عليها اسم "الامر المطلق" و معناه "افعل بحيث يصلح فعلك ان يكون مبدأ لتشريع عام" ايضا انه ليس لنا ان نسأل لماذا نطيع هذا الامر المطلق؟ لان طاعته انما هي طاعة للعقل و الخروج عن طاعته هو خروج عن طاعة العقل و هو في الوقت نفسه وقوع في نتائج متناقضة ونقد المزروعي لرد الأخلاق كونها بديهيات كعلم الطبيعة والرياضيات كان عقيما من الناحية المنطقية لكني استمتعت بقراءة هذا الكتاب لما فيه من الجمالية المعرفية اما بالنسبة لموضوع النقد لنظرية كانط فأفضل رأي الدكتور زكي نجيب محمود عندما يقول :
ليست الاخلاق و مبادؤها من قبيل المعرفة العلمية بنوعيها الرياضي و الطبيعي فهذه المعرفة لا تصاغ في صورة "اوامر" كما هو الحال في اوامر الاخلاق, و ان اصر الفلاسفة على ان يماثلو بين الاخلاق و العلم فكانت النتيجة الحتمية لذلك زوال الاخلاق نفسها, لانا عندئذ سنكتفي فيها بالعبارات الوصيفة و نخرج منها جانب الامر, اي اننا نكتفي بان نصف الطرائق التي يسلك بها هذا المجتمع او ذاك في ظروف حياتهم المختلفة دون ان نصف هذه الطرائق بقيمة معينة , فنقول انها حسنةا و رديئة مع ان صميم الاخلاق هو ان تكون معيارية اي ان تضع للنفس ما "ينبغي" ان يكون لا ان تكتفي بمجرد وصف ماهو كائن
بجدية قل نظيرها في أوساط المثقفين العرب نجد المفكر التونسي محمد المزوغي في كتابه عمانويل كانط الدين في حدود العقل او التنوير الناقص يطرح موقف كانط من الدين طرحا مغايرا تماما لما عرفناه عن كانط _ انه كانط جديد كانط بعيون ناقدة ليس كانط المحور _ من خلال هذا الكتاب وقف كانط عن حق أمام محكمة العقل؛ ويبدو بأن القاضي كان ذكيا جدا وكشف تناقضات الفكر الديني الكانطي من داخل نصوصه وليس خارجها (قام بعملية دحض) مع مقاربتها ومقابلتها مع نصوص معاصريه وسابقيه (سواء من الغرب كدولباخ ؛ لوثر...أو من العرب كالرازي؛ ابن سينا؛ ابن رشد...الخ. ليبين المزوغي في وضوح بأن موقف كانط من الدين كان متذبذبا فهو لم يحسم أمره وأراد أن يجمع بين العقل والمسيحية وفوق هذا الاعلاء من المذهب البروتستانتي فكانط يرى بأن العقل حر في ميدان التجربة ومقيد في ميدان الميتافيزيقا ليس حرا في البحث عن الله وحقيقة وجوده؛ النفس... كما أكد كانط أن الشيء في ذاته يستحيل معرفته فنحن نعرف الظاهر فقط. اذن موقف كانط من الدين مقارنة بالتنوريين الفرنسيين الذين سبقوه موقف رجعي ظلامي. وفي ثنايا هذا الكتاب يقدم المزوغي نصيحة ثمينة جدا وصريحة وواضحة موجهة لكل من يريد ان يكون مثقفا منسجما وجديا عليه أن يحسم امره مع الدين؛ فمن اراد الدين فما عليه الا ترك الفلسفة ومن اراد الفلسفك وعقلانيتها عن حق فما عليه الا ترك الدين وخزعبلاته(الفلسفة#الدين) في الاخير بالنسبة لي كقارية اي كتاب يقاس بمدى فتح شهية القاريء لتأمل كتب اخرى. قراءة ممتعة للجميع