أجل كتب الصناعة الأدبية، وأغزرها مادة، ويعد ثمرة ما ألف في هذا الفن، أودع فيه أبو هلال خلاصة ما توصل إليه سابقوه ممن عالجوا موضوعه كابن سلام في طبقات الشعراء والجاحظ في البيان والتبيين، وابن قتيبة في نقد الشعر، وابن المعتز في البديع وقدامة في نقد الشعر والآمدي في الموازنة، والجرجاني في الوساطة، إلا أنه أكثر من النقول عن البيان والتبيين، وقال في مقدمة كتابه بعدما أطرى الجاحظ وكتابه بعباراته الطنانة: (إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة وأقسام البيان والفصاحة مبثوثة في تضاعيفه، ومنتثرة في أثنائه، فهي ضالة بين الأمثلة، لا توجد إلا بالتأمل الطويل والتصفح الكثير، فرأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملاً على جميع ما يحتاج إليه في صنعة الكلام، نثره ونظمه، ويستعمل في محلوله ومعقوده، من غير تقصير وإخلال، وإسهاب وإهذار، وأجعله عشرة أبواب، مشتملة على ثلاثة وخمسين فصلاً) ومن هذه الفصول التي ذكرها أبو هلال خمسة وثلاثون فصلاً في فنون البديع.
. الحَسَن بْن عَبْد الله بْن سهل بْن سَعِيد بْن يحيى بْن مِهْران اللُّغَويّ، الأديب، [الوفاة: 411 - 420 هـ] صاحب المصنَّفات الأدبيّة. أتوهّم أنّه بقي إلى هذا العصر. تلمذ للعلامة أَبِي أحمد العسكريّ، وحمل عَنْهُ وعن أبي القاسم بْن شيران، وغير واحد، وما أظنّه رحل مِن عسكر مُكرم. روى عَنْهُ الحافظ أبو سعد السمان، وأبو الغنائم بن حمّاد المقرئ الأهوازيّ، وأبو حكيم أحْمَد بْن إسماعيل بْن فُضلان العسكري، ومظفَّر بْن طاهر الأشتري، وآخرون. أخبرني أبو علي ابن الخلال،
جميل من جهة التقسيم والترتيب على قدم عهده ، وإن كنت أظن أن بعض الأقسام داخلة تحت بعضها ولا معنى لإفرادها وجعلها مستقلة .. أحسن مافيه أنه يُنمي فيك ملكة النقد والبصر بالأساليب والتمييز بين جيدها ورديئها؛ إذ إن أبا هلال لا يحط من قدر بيت أو نص أو يرفع من شأنه أو يُبدي فيه أي رأي آخر إلا ويتبع ذلك-غالبًا- تعليل رأيه هذا، ولك أنت من بعدها أن تحكم .
هناك مشكلة للمؤلف مع المتنبي، ما ألمحها في أثناء الكتاب إلا وأتبّسم تعجبًا واستغرابًا لما قد يكون سببها؛ فهو لا يتعرض لعيب من العيوب قد يقع فيه الشاعر إلا ويستشهد له ببيت من شعر المتنبي، وغالبًا لا يذكره باسمه بل يكتفي بقوله : "أحد المتأخرين"، كأن المتنبي ما ملأ الدنيا ولا شغل الناس، ثم يفرده دون من استشهد بأبياتهم بالنعي والزراية، بل إنه ليسرف في ذلك أحيانًا، حتى عندما تكلم عن حُسن الابتداء واستشهد بمطلع مليح للمتنبي رجع وسَاق أكثر من خمسة عشر مطلعًا يراها سيئة من شعره، مع أن الموضع لايقتضي ذلك، وأن في دون خمسة عشر بيتًا ماهو في الكفاية .. على كل الكتاب من أمات كتب البلاغة العربية وما أظن المهتم بهذا الجانب يستغني عنه بحال .
لو كان ورقيًا لأبليته في يدي من فرط التقليب فيه. دعك من ذائقة الشيخ العسكري الربانية المحضة وكأنه يمضغ البيت بأسنانه ويعجمه بكفه ويشم رائحته بأنفه فيعلم لينه ونَشره ومذاقه، دعك من هذا، فهو باب وحده. ما هذه الانتقاءات يا عمي!
صدق من قال إن الاختيار ضرب من التأليف، فليس اختيار العالم كاختيار الجاهل.
كتاب طويل ولكن ولا أبالغ كان من أمتع الكتب العلمية التي قرأتها أوصل الكاتب لي جميع الأفكار والمعلومات بأسهل الطرق وسأعتبره من المراجع متى ما أحتجت شي للكتابة سأفتح الباب المنشود مطمئن بأني سأجد مبتغاي
مرجع لا غنى عنه في البلاغة والنقد الأدبي القديم .. جهد المؤلف جِدّ واضح في جمع الأبيات الشعرية والمرويات التي تخدم كل فصل يريد الحديث عنه .. وإن كنت أرى أن الإكثار من الاستشهادات لم يكن ضروريا، خاصة أن بعض الأبيات تغني عن بعضها .. كذلك تجد أن بعضها سلس والآخر معقد لفظيًا .. أُفضل فصول البديع على بقية الفصول ..
من أجلّ كتب البلاغة، كتبه أبو هلال قبل أشهر من وفاته، فوضع فيه علمًا جمًا، وجعله في موضع الجوهرة من قلادة البلاغة. فرحمه الله رحمة واسعة
قرأته بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وهو أفضل تحقيق للكتاب —
قال أبو هِلال العسكري: المتمكّنُ من نفسه يضع لسانَه حيثُ يُريد. (الصناعتين ٦٠) • قال أبو هلال: وقد رأينا الله تعالى إذا خاطب العرب والأعراب؛ أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي، وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم؛ جعل الكلام مبسوطًا. (الصناعتين ١٩٩) • قال أبو هلال العسكري: وإذا كان الابتداء حَسَنًا بديعًا، ومليحًا رشيقًا، كان داعيةً إلى الاستماع لما يجيء بعدَه. ولهذا المعنى يقول الله عز وجل: ألٓم، وحمٓ، وطس، وكهيعص؛ فيقرع أسماعَهم بشيء بديع ليس لهم بمثله عَهْد؛ ليكون ذلك داعيةً إلى الاستماع لما بعدَه. والله أعلم بكتابه. (الصناعتين ص٤٥٨)