في مطلع عام 1938 جاء المستشرق الفرنسي ليفى بروفنسال إلى القاهرة, بدعوة من كلية الآداب في الجامعة المصرية إذ ذاك, وألقى برعايتها, في مارس من العام نفسه, ثلاث محاضرات في الجمعية الجغرافية الملكية بالقاهرة عن: "الحضارة العربية في إسبانيا" باللغة الفرنسية, وجمع هذه المحاضرات في العام نفسه, وأضاف إليها موجزاً بالمصادر المهمة التي عاد إليها, وملحقاً بالتواريخ البارزة في تاريخ الأندلس, سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً, وطبع هذا كله باللغة الفرنسية في القاهرة, وصدرت الطبعة الأولى منه بعد شهرين من إلقاء المحاضرات. وقد أضفت إلى هذه الترجمة مقالاً كان ليفى بروفنسال قد كتبه في "مجلة المعهد المصري" في مدريد, العدد الأول منها, وصدر عام 1953, بعنوان: "المذهب المالكي في الأندلس, وإسهامات المذاهب المشرقية الأخرى le malikism andalous et les apportes doctrinaux de I orient". لأني رأيت ذلك مفيداً في توضيح بعض الآراء التي أهملها المؤلف في المحاضرات, أو جاء بها مجملة للغاية, في الوقت الذي نعرف فيه جميعاً الدور المهم الذي لعبه الفقهاء في حياة هذا القطر الوحيد الذي غابت عنه شمس الإسلام بعد قرون طويلة, وليس ببعيد أن تشرق من جديد.
ذكر المترجم في مقدمته، أن هذا الكتاب بالأصل، هو ثلاث محاضرات ألقاها المستشرق الفرنسي ليڤي بروڤنسال في القاهرة، بدعوة من كلية الآداب في مارس عام ١٩٣٨م، ثم قام المستشرق بروڤنسال بجمع هذه المحاضرات وأضاف إليها موجزًا بالمصادر الهامة التي عاد إليها، وملحقًا بالتواريخ البارزة في تاريخ الأندلس، وطبعها بالفرنسية في القاهرة بعد ذلك بنحو شهرين. لكن المترجم، أصدر ترجمته لهذا الكتاب، ملحِقًا بها ترجمته لمقال للمستشرق ذاته عنوانها “المذهب المالكي في الأندلس، وإسهامات المذاهب الشرقية الأخرى”.
وفي هذا الكتاب، يتناول المستشرق الفرنسي اليهودي الحضارةَ العربية في إسبانيا، بطريقة نقدية أكثر منها سردية، وذلك عبر فصول ثلاثة متمايزة، الأول منها تناول فيه مفهوم “الغرب الإسلامي” والحضارة العربية الإسبانية، وفي الفصل الثاني، تناول المشرق الإسلامي وعلاقته مع الأندلس، أما الأخير، فتناول إسبانيا المسيحية والتأثيرات المتبادلة لها مع الحضارة العربية الإسبانية.
وكما قلت، فالكتاب نقدي تاريخيٌ، تحليلي، أكثر منه سردي، إلا أن المؤلف لا يفتأ بين حين وآخر من ذكر بعض الأحداث التاريخية مسلسلة حسب تاريخها، بما يتناسب مع سياق حديثه، ويذكر بعض المعلومات التاريخية، التي لا بد من التأكد منها-بالنسبة لي على الأقل- عبر قراءة مصادر ومراجع أندلسية أخرى.
والمؤلف يبدو في كثير من كلامه، واثقًا في آرائه وأحكامه، ويزول عجبنا من هذا الكلام إذا قرأنا أن المترجم وصف المؤلف في مقدمته بأنه “حجة فيما يكتب أو يقول في هذا المجال” أي تاريخ الأندلس.
وكان المؤلف شديد الانتقاد للدور الذي قام به أئمة المذهب المالكي في الأندلس، إذ يعتبرهم عرقلوا مسيرة الازدهار الفكري والثقافي للأندلس، كما أنه ينقل تاريخ دخول المرابطين لنجدة الأندلس، وكأنه تنازل من الأخيرة عن بعضٍ من كبريائها السياسي والثقافي، لصالح البدو القادمين من المغرب، فقط في سبيل إنقاذ مصيرها من ألفونسو السادس، كما أنه يكرر في أكثر من مناسبة، أن اليهود القاطنين في الأندلس، قد أسهموا في بناء حضارتها الرائعة، إسهامًا فعّالاً، كما انهم أسهموا بنقلها -حين دنا زوالها- إلى إسبانيا المسيحية عبر الترجمة.
في نهاية الفصل الثالث، يطرح بروڤنسال تساؤلاً مهمًا يتعلق بواقع إسبانيا المعاصرة له(عام ١٩٣٨م، حيث كانت إسبانيا متخلفة عن الركب بشكل كبير، وتمزقها صراعات محلية)، وهذا التساؤل لا أراه موضوعيًا، ولا منطقيًا، فيقول… هل يمكن أن نرد سبب الاستنزاف لقوة أسبانيا عبر السنوات والعقود الأخيرة إلى الإسلام الإسباني؟ وهو يجيب إجابتين مختلفتين، إحداهما نعم، حيث أن الإسلام فرض على إسبانيا المسيحية لونًا من السلوك لا تستطيع أن تحيد عنه ولا أن تخرج منه حتى القرن الخامس عشر، فأنضب هذا كل فاعليتها. ويجيب إجابة أخرى، وهي؛ لا، في المجالات التي ساعد الإسلام فيها إسبانيا ونفخ في روحها ثقافة تتلاءم مع عبقريتها الخاصة.
ورغم أن المؤلف يجيب إجابتين متناقضتين، كنوعٍ من الموضوعية والحيادية، إلا أنني أرى أن التساؤل من الأساس غير موضوعي، فهل يمكن أن نرد أسباب تخلف بلاد معينة في فترة معينة، لدين تم إخراجه من هذه البلاد بالقوة قبل أكثر من 400 سنة، كما تم مطاردة كل من اعتنقه ولو متخفيًا، كما أن الثقافة التي كانت تمثل هذا الدين، بدأت بالتقهقر والتراجع قبل ذلك بنحو 200 سنة، فسياسيًا وثقافيًا، وطبعًا دينيًا، كانت الأمور في إسبانيا محسومة لحركة الاسترداد، ذات الطابع العسكري الإقصائي الدموي، فلماذا الالتفاف على التاريخ، ومحاولة إقحام الإسلام في شيء ليس له فيه أي علاقة؟!
بدأته الخميس 26 جمادى الآخرة 1441 هـ، 20 فبراير 2020 م وأنهيته 10 رجب 1441 هـ، 5 مارس 2020م وقد وجدته في مكتبة مدرسة النواورة الثانوية المشتركة.
لم أحب هذا الكتاب، ربما لأن ترجمته لم تخرج مناسبة للأسلوب العربي، وربما لأن غرضه لم يكن واضحاً بالنسبة لي: هل هو مجرد عرض لحضارة العرب في إسبانيا إبان فترة الحكم االإسلامي للأندلس التي هي الآن أجزاء من أسبانيا والبرتغال؟ أم هو عرض للتأثير الإسلامي العربي في ثقافة شبه الجزيرة الأيبيرية، وما غيرته في ذلك الحين، وما بقي حتى الآن متأثرا بها أو يعود في بعض أصوله لتأثر قديم بها، ضمن إطار ثقافي أوسع أشمل مهيمن يسمى أسباينا؟ أم هل هو مناقشة للتأثر والتأثير المتبادل بين العنصرين، الفاتحين الجدد، وأهل البلد الأصليين؟ وعلى أي حال تجد عناصر من هذه، لكن ما أحسسته، ولم أنفق مزيدا من وقت لأتلمس دلائله، هو أن الكاتب يريد أن يظهر منصفاً، ولا يملك أمام الواقع إلا أن يقر بفضل وتأثير العرب والإسلام على شبه الجزيرة، ثم كأنه يأنف أن يقر لهم بالفضل في ظل ما يسميه بظلام العصور الوسطى، فيعود ليقول أن هذا انصهر في بوتقة واحدة هي مكونات الشخصية الحالية؟! وهو أيضا ينوه على حقيقة الاتصال القوي بين الأندلس والمغرب العربي الإسلاميين. ولا ينكر العداوة الوضحة منما أسماهم "الاسترداديين" تجاه الإسلام والمسلمين، وربا أراد أن يومئ إلى سياسة المسلمين المتحفظة الظاهرة في التزامهم مذهب فقهي واحد طوال تلك القرون، ربما للإحساس الدائم بالخطر من الممالك القشتالية والأراجونية ... إلخ النصرانية المجاورة، ذلك التحفظ الذي جعلهم يلتزمون مذهبا واحدا خوفا من الاحراف عن الدين، ومع ذلك لم يمنع كثيرين من الخلطة مع النصارى والتزوج منهم، وصولا لموالاتهم، الذي يظهر في استعانة أمراء بالنصارى ضد إخوانهم المسلمين، وصولا إلى تنصر أمراء كثيرين مع انتصار حملات "الاسترداد"- التي نشير إليها نحن المسلمين بضياع الأندلس.
الكتاب موجز بشكل كبير جدااااا عكس المتوقع -خصوصا-بعد قراءتى لاكثر من كتاب بيقتبس عنه فى موضوعات معينة الكاتب اسلوبه اكاديمى اكتر منه اسلوب كاتب أحيانا الكاتب بيخلط بين دوره كمؤرخ محايدوبين دوره كمفكر مسيحى تربى على ان الاسلام هو سبب تخلف الاندلس وان حروب الاسترداد كانت لانقاذ الاندلس (ذات النشأة العربية الفينيقية ) من براثن الجهل والتخلف الكاتب احيانا يبدو متناقض ف أرائه اللى المفروض مبنية على حقائق تاريخية هو اعلم الناس بها التسلسل الزمنى فى الكتاب كان سطحى جدا وأحيانا كان مختصر وملخبط (ومتكروت ) الكتاب كان تجربة مفيدة لأنه كان أول كتاب مترجم وقديم (ما قبل النصف الثانى للقرن 20 ) فى سلسلة قراءاتى عن الاندلس