يحدد الشيخ عبد الحليم محمود في مقدمة كتابه تحديدا صريحا كما يلي:
1. الكتابة عن حياة ابن طفيل 2. إخراج رسال حي ابن يقظان 3. شرح فلسفته على وضعها الصحيح: شرحها في ذاتها، وتحديد الصلة الفكرية بين ابن سينا والغزالي وابن باجة من جانب وابن طفيل من جانب آخر
وُلد الشيخ عبد الحليم محمود في قرية أبو احمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في (2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ= 12 من مايو 1910م)، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1932م)، ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في سنة (1940م)في الفلسفة الاسلامية.
بعد عودته عمل مدرسا بكليات الأزهر ثم عميدا لكلية أصول الدين سنة 1964 م وتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم تولى وزارة الأوقاف، وصدر قرارٌ بتعيينه شيخًا للأزهر في (22 من صفر 1393هـ= 27 من مارس 1973م) حتى وفاته.
ومن مواقفه أنه بعد عودته من فرنسا كان يرتدي البدلة غير أنه بعد سماع خطبة للرئيس عبد الناصر يتهكَّم فيها على الأزهر وعلمائه بقوله: "إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه" فغضب الشيخ الذي شعر بالمهانة التي لحقت بالأزهر، فما كان منه إلا أنه خلع البدلة ولبس الزيَّ الأزهريَّ، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له تحديًا للزعيم، ورفع المهانة عن الأزهر وعلمائه.
كما كان له موقفه الشجاع نحو قانون الأحوال الشخصية الذي روَّج له بعضُ المسئولين بتعديله؛ بحيث يقيَّد الطلاق، ويُمنَع تعدد الزوجات، فانتفض الشيخ فقال: "لا قيودَ على الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيودَ على التعدد إلا من ضمير المسلم ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: من الآية 101) ولم يهدأ حتى أُلغي القرار.
كما لا ينسى أيُّ أحد مواقفَه من المحاكمات العسكرية ضد جماعات التكفير، وموقفه الشديد ضد قانون الخمر؛ حيث ندَّد به في كل مكان، وموقفه أيضًا من الشيوعية والإلحاد، وموقفه العظيم من الوفد البابوي.
لقد حاول الشيخ إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء من الأكفاء ومِن حِسَان السمعة والعدول، وكانت حياة الشيخ عبد الحليم محمود جهادًا متصلاً وإحساسًا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، حتى لَقِي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق (15 من ذي القعدة 1397هـ= 17 من أكتوبر 1978.
يقدم لنا الفيلسوف الأندلسي المسلم ابن طفيل شخصية بطل عمله الفلسفي حي بن يقظان، الخالي من أي إرث حضاري أو ثقافي سابق على وجوده، الذي نشأ وترعرع في جزيرة معزولة تماماً عن أي اتصال انساني، إلا أنه سيتمكن من تمييز ذاته عن الوجود الحيواني الطبيعي المحيط به، وسيرتقي في درجات الوعي والإدراك، من الإدراك الحسي عبر الاتصال بالأشياء والتعاطي معها، إلى الإدراك العقلي من خلال النظر العقلي، ومنه إلى تجربة الكشف الصوفية، والتي تمثل أعلى درجات الإدراك الإنساني! -في زعمه-
فكانت معركة ابن طفيل الأساسية التي أراد الانتصار لها في قصته هذه هي تأكيد "القيمة المعرفية لموضوع العزلة وانتصار العقل على نمط الحياة الثقافي المؤدلج وتقديم إجابة لسؤال جوهري: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الاكتشافات الجديدة في علاقتنا بأنفسنا ووعينا بذاتنا؟ أملاً في لفت انتباه القارئ إلى أهمية التقارب بين الإنسان وذاته من خلال العزلة".
لقراءة المراجعة على رسالة و قصة حي بن يقظان وهي مراجعة عامة لمختلف النسخ مع التركيز على نسخة ابن طفيل link: من هنا
تمتاز هذه الطبعة بمعالجتها لنسخة ابن الطفيل دون سواه ، و التركيز على فلسفة ابن طفيل في ذاتها ، و التأكيد على وجود حاجة ملحة لدراسة ابن طفيل دراسة عميقة لم يحظى بها كما حظي بها سابقه ابن سينا أو لاحقه ابن رشد ربما يكون السبب هو عدم بقاء شئ من ميراثه الفلسفي و الفكري سوى رسالة حي بن يقظان في حين أن مؤلفات سواه غزيرة كثيرة درست وطحنت طحناً و لا تزال تحظى بالإهتمام حتى يوم الناس هذا ، فابن طفيل بحاجة لدراسة جادة عميقة تبين أغراضه الحقيقية و فلسفته المنثورة في ثنايا رسالته ، فالإمام عبد الحليم محمود في هذا الكتاب قام بالتركيز على فلسفة ابن الطفيل و تحديد الصلات بينه وبين كل من ابن سينا والغزالي و ابن باجة ( أبو بكر ابن الصائغ ) و تقديم فلسفة ابن طفيل و منهجه المعرفي بشكل مستقل مدافعاً عن أصالته و شخصيته المستقلة المميزة ففي حين لم يصل ابن سينا إلى مرتبة العارف وهي المرتبة التي يضعها ابن طفيل في الصدارة وهي مرتبة ذوق و كشف و ليست مرتبة نظرعقلي فقط ، يثبت بذلك تميزه و أنه ليس بتابع و مقلد لابن سينا فابن سينا بالنسبة له يمثل مرحلة من مراحل المعرفة لا أكثر ولا أقل حتى على مستوى الإبداع الفني و الأدبي نجد استغراق ابن سينا في الرمزية و الإستغلاق مما يجعل إمساك المقصود مهمة صعبة و مضنية ، في حين كان أسلوب ابن طفيل أكثر إشراقاً فهو يكثر من السرد الروائي الحكائي فكان أرقى من ابن سينا من حيث اللغة و الأدب ، و في حين يرفض الغزالي العقل رفضاً صارماً و جازماً فالنظر من وجهة نظره لا يثبت حقيقة و لا يؤدي إلى يقين يعطي ابن طفيل العقل دوره المهم و المنوط به في المراحل الأولى ويثبت في يقين دوره المؤدب للمعرفة فالغزالي رفض العقل قبل الإشراق أما ابن طفيل فلم يرفضه إلا بعد المشاهدة لعدم جدواه . في المحلصة من أراد قراءة الرسالة بشرح و تعليق فقيه و إمام ذو نزعة صوفية فعليه بهذا الكتاب
إن رواية الحي ابن يقظان من كلاسيكيات الأدب العربي، ولقد سررت باكتشافي العظيم لهذا الكتاب عن طريق اليوتيوب ككتاب مسموع..
بالمختصر الرواية تتحدث عن تشكل الوعي لرجل يدعى حي ابن يقظان ترعرع في جزيرة بلا أم ولا آب وكيف يتشكل هذا الوعي ويقوده للواجد الأحد الذي ليس كمثله شيء فيقول:
“فلما تبيّن له أنه كله كشخص واحد في الحقيقة قائما محتاج إلى فاعل مختار، وأن ذلك الفاعل لا يمكن أن يدرك بشيء من الحواس لأنه لو أُدرك بشيء من الحواس لكان جسماً من الأجسام، ولو كان جسما من الأجسام لكان من جملة العالم، وكان حادثا واحتاج إلى محدث ولو كان ذلك المحدث الثاني جسمانيًا لاحتاج لمحدث ثالث، والثالث إلى رابع ويتسلسل ذلك إلى غير نهاية وهو باطل، فإذا فلابد للعالم من فاعل ليس بجسم، وإذا لم يكن جسما فليس إلى أدراكه بشيء من الحواس سبيل لأن الحواس الخمس لا تدرك إلى الأجسام أو ما يلحق الأجسام، وإذا كان لا يمكن أن يحس فلا يمكن أن يتخيل فإن التخيل ليس شيئا إلى إحضارا صورا للمحسوسات بعد غيبها فإذا لم يكن جسما فصفات الأجسام كلها تستحيل عليه “
الرواية فخمة في اللغة عميقة في المعنـى ولولا الكتاب المسموع لما استطعتُ اتيانه!
كتاب جيد يتقصى فلسفة ابن طفيل الأندلسي من خلال ما جاء في قصة حي بن يقظان، وهي العمل الوحيد الذي وصل لنا لهذا المفكر الفذ. ويوضح الكتاب استقلالية فكر ابن طفيل ويبرز أوجه اختلاف أفكار كتابه (حي بن يقظان) عن أفكار معاصريه والسابقين له مثل ابن سينا والفارابي وابن باجة والغزالي.
بماذا سأصف أعظم رسالةٍ اطّلعت عليها في مُستهلّ وأواسط حياتي رأيتها في الرسوم المُتحرّكة بشكل الاقتباس وشاهدتُّ لها أفلاماً سينمائية ومسرحيّات فاستمعت إلى روايتها الصوتية وها أنا ذا أُقلّب صفحاتها بنصّها الأدبي الأصلي الذي يصل بمضمونه إلى رُقيّ الإنسان وإحكام عقله من المحسوس إلى المعقول إلى الله سبحانه وتعالى أبدع الإمام الرئيس: إبن سينا في كتابتها غير مُكتملة وهو محبوساً في السجن، فتبنّى أفكاره فيما بعد الفيلسوف الأندُلسي: إبن طُفَيل، مروراً بالسهروردي المقتول: شهاب الدين.
فمن ولادة الطفل بطريقةٍ غير شرعية، إلى ظبيةٍ ترعى ذلك الطفل ظنًّا منها أنه إبنها المفقود، وصولاً بـ "أبسالا وسلامان" حتى يتيقُّن البطل بإنسانيّته وعقله اللذان ميّز بهما المولى تبارك وتعالى عباده عن سائر الكائنات الحية وفضّلهم خير تفضيل.