لقد أولى محمد الناصر صدّيقي اهتمامه إلى مجالات بحث لم يكن التوغل فيها إلى حد الآن عميقًا في جامعتنا. وأتاح له هذا الإتجاه الإطلاع على بعض ما انبثق ضمن الأنثروبولوجيا التاريخيّة من دراسات وجهود نظرية ونتائج تطبيقية. وكانت متابعة الملتقيات المختصة مساعدة على تأسيس مقاربة مبتكرة للنظر في الطقوس والعقائد والمتصورات الذهنيّة للمجتمعات على امتداد فترة طويلة من تاريخها.
ويظل انشغال الباحث الأساسي هو بدون نزاع المسائل الموصولة بمواضيع “الروحانية” وبشكل عام الأديان الخارجة عن المألوف في الشرق في القرون الأولى التالية للإسلام وينضوي في دائرة الاهتمام التأثير الذي مارسته الأديان السابقة للإسلام، والفلسفة اليونانية وخصوصا الأفلاطونية والعقائد التوحيدية القديمة التي سادت في المنطقة.
إن هذا الإرث العقائدي مثل “مِهادا” احتضن ميلاد الأديان التي نهلت منه في القرنين الثالث والرابع ميلادي، وانتهج منهجا “حفرانيًّا” مكّن من التوغل في الجذور البعيدة أو العميقة لهذه الأديان والعقائد، وقد شُغِف الباحث بهذا القطاع من البحث فأقبل على النبش والتنقيب فيه مقلّبا ورافعا غطاء النسيان والإهمال.
وإنها لمشكلة جوهرية هذه التي انكب عليها، فعلى امتداد كلّ العصور والحِقب وفي كلّ الحضارات بدأ الإنسان مسكونًا بهاجس الحياة الأبدية أو الحياة ما بعد الموت، وتجاوبت كلّ الأديان، التوحيدي منها والوثني لهذه الأسئلة الغيبيّة وقدّمت للبشر عقائد عن الانبعاث اطمأنوا إليها ووجدوا فيها معنى. وارتقى الإنسان بهذه الأجوبة التي استقاها من عقائده إلى اكتساب كينونة ميّزته عن الحيوان بأن جعلته كأئنا جوهره الروح.
كلما عم الظلام وانتصر الشر وفقد الناس الأمل في الغلبة بالأسباب المادية ، التجأوا إلى بعث كلمك المخلص من تراث أحد الحضارات التي سبقتهم وأعادوا تشكيلها حسب نصوصهم المقدسة ، الحضارات القديمة وبلاد الرافدين والفرس وقدماء المصريين وأهل الكتاب كلهم دندنوا حول نفس الفكرة وإن اختلفت مسمياتهم.
وأحيانا يكون سبب إحياء المهدي المنتظر هو ردة فعل على فكرة إحياء من أحد الخصوم ، فمثلا ترى فرق الشيعة تدعي ظهور المهدي من بني هاشم والذي سينتقم من أعدائهم ويقيم العدل ويبسط السلطان ، فيرد عليهم الأمويون بخروج المهدي السفياني من بني أمية ، وكلا الطرفين يمتلك نصوصا مقدسة لم تسلم من الأسطورية والخرافة.
الجميل في هذا الكتاب، أنه إستعرض فكرة المخلص عبر المراحل الحضارية جميعها، إبتداءً من السومريين والمصريين والديانات الإبراهيمية حتى الشيعة، والأجمل أن الكتاب لم يرجح مذهبًا؛ وإنما حلل فقط، أما ما يحسب على الكتاب، فهو منهجيته المفرطة في إستعراض موضوعاته.
المؤلف يضع قناعته مسبقا ثم يبدأ البحث عن أدلتها، فهو يؤمن بأن كل ما يتعلق بقدوم المهدي والمسيح والدجال مجرد خرافة. والأخطاء أكثر من أن تحصى في طريق هذا البحث غير المنهجي.