إنّ الوجدان القوميّ هو أعظم ظاهرة اجتماعيّة في عصرنا، وهي الظّاهرة الّتي يصطبغ بها هذا العصر على هذه الدّرجة العالية من التّمدن. ولقد كان ظهور شخصيّة الفرد حادثاً عظيماً في ارتقاء النّفسية البشريّة وتطوّر الاجتماع الإنسانيّ. أمّا ظهور شخصيّة الجماعة فأعظم حوادث التّطوّر البشريّ شأناً وأبعدها نتيجة وأكثرها دقة ولطافة وأشدّها تعقّداً، إذ إنّ هذه الشّخصيّة مركّب اجتماعي ــ اقتصاديّ ــ نفسانيّ يتطلّب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيّته شعوره بشخصيّة جماعته، أمّته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسّية متّحده الاجتماعيّ وأن يربط مصالحه بمصالح قومه وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتمّ به ويودّ خيره، كما يودّ الخير لنفسه.
كلّ جماعة ترتقي إلى مرتبة الوجدان القوميّ، الشّعور بشخصيّة الجماعة، لا بدّ لإفرادها من فهم الواقع الاجتماعيّ وظروفه وطبيعة العلاقات النّاتجة عنه. وهي هذه العلاقات الّتي تعيّن مقدار حيويّة الجماعة ومؤهّلاتها للبقاء والارتقاء، فبقاؤها غامضة يوجد صعوبات كثيرة تؤدّي إلى إساءة الفهم وتقوية عوامل التّصادم في المجتمع فيعرقل بعضه بعضاً ويضيّع جزءاً غير يسير من فاعليّة وحدته الحيويّة ويضعف فيه التّنّبه لمصالحه وما يحيط بها من أخطار من الخارج.
وإنّ درساً من هذا النّوع يوضّح الواقع الاجتماعيّ الإنسانيّ في أطواره وظروفه وطبيعته، ضروريّ لكلّ مجتمع يريد أن يحيا. ففي الدّرس تفهّم صحيح لحقائق الحياة الاجتماعيّة ومجاريها. ولا تخلو أمّة من الدّروس الاجتماعيّة العلمّية إلاّ وتقع في فوضى العقائد وبلبلة الأفكار.
على أنّه ليس كلّ درس اجتماعيّ درساً مفيداً. فإنّ من الدّروس ما هو كتبيّ أو مدرسيّ فيكونّ مجموعه موادّ عامّة أو معلومات أوّليّة لا تساعد على تقرير نظرة أو معرفة طبيعة واقع اجتماعيّ معيّن. وليس عالماَ اجتماعيّاً ولا خبيراً بالاجتماع من درس موادّ علوم اجتماعية مدرسيّة منظّمة تنظيماً خاصّاً في جامعة معيّنة وأدّى عن دروسه امتحاناً نال به لقب مخرّج أو دكتور أو غير ذلك.
ومنذ ألّف ابن خلدون مقدّمة تاريخه المشهور ووضع أساس علم الاجتماع لم يخرج في اللّغة العربيّة مؤلّف ثان في هذا العلم فظلّت أمم العالم العربيّ جامدة من الوجهة الاجتماعيّة، يتخبّط مفكّروها في قضايا أممهم تخبّطاً يزيد الطّين بلّة. ولا نكران أنّ الكاتب الاجتماعيّ السّوريّ نقولا حدّاد وضع مؤلّفاً معتدل الضّخامة أسماه [علم الاجتماع]. ولكنّ هذا الكتاب من النّوع المدرسيّ ولا يأمن قارئه الشّطط. وهو مع ذلك المحاولة الأولى من نوعها، على ما أعلم، لفتح طريق علم الاجتماع الحديث.
ولفقر اللّغة العربيّة في المؤلّفات الاجتماعية نجدها فقيرة في المصطلحات الاجتماعيّة العلميّة. فوضعت في هذا الكتاب مصطلحات جديدة أرجو أن أكون قد توفّقت في اختيارها للدّلالة على الصّفة المعيّنة، كقولي: [الواقع الاجتماعيّ] و [المتّحد الاجتماعيّ] و [المناقب] و [المناقبية] (للمورال).
إنّ (نشوء الأمم])كتاب اجتماعيّ علميّ بحت تجنّبت فيه التّأويلات والاستنتاجات النّظرية وسائر فروع الفلسفة، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً. وقد أسندت حقائقه إلى مصادرها الموثوقة. واجتهدت الاجتهاد الكليّ في الوقوف على أحدث الحقائق الفنيّة الّتي تنير داخليّة المظاهر الاجتماعيّة وتمنع من إجراء الأحكام الاعتباطيّة عليها.
وقد فرغت من تأليف الكتاب الأوّل وأنا في السّجن، بين أوائل شباط وأوائل أيّار 1936 وكنت قد كتبت الفصول الأولى الثلاثة قبل دخول السّجن.
وكنت أودّ أن أعود إلى مراجعة هذا الكتاب في متّسع من الوقت ليجيء أكمل في الشّكل ويكون أكثر إسهاباً في بعض المواضع ولكنّ تعاقب السّجون والظّروف السّياسيّة الصعبة الّتي وجدتني فيها بعد سجني الأوّل جعلت العودة إلى هذا الموضوع العلميّ أمراً مستحيلاً. ولمّا كانت حاجة النّهضة القوميّة إلى هذا الأساس العلميّ ماسّة رأيت أن أدفع المخطوطة الوحيدة إلى المطبعة وهي في حالتها الأصليّة، كما خرجت من السّجن
أمّا الكتاب الثّاني من هذا المؤلّف فقد درست معظم موادّه، ووضعت له الملاحظات والمذكّرات وهذه جميعها صودرت أثناء الاعتقالات الثّانية في صيف 1936 وسأسعى للحصول عليها من المحكمة، لأنّها أوراق شخصيّة لا دخل لها في القضيّة، وأنتهز الفرصة لتأليف الكتاب الثّاني
ومهما يكن من الأمر فالكتاب الأوّل جامع مستوف الوجهة العامّة من نشوء الأمم بجميع مظاهرها وعواملها الأساسيّة. ومع أنّ نشر هذا الكتاب الأوّل لا يسدّ الحاجة إلى الكتاب الثّاني فهو يسدّ الحاجة إلى كتاب في نشوء الأمم بوجه عامّ
يتناول الكتاب الأوّل تعريف الأمّة وكيفيّة نشوئها ومحلّها في سياق التّطوّر الإنسانيّ وعلاقتها بمظاهر الاجتماع. ويشتمل الكتاب الثّاني على نشوء الأمّة السّوريّة ومحلّها في سياق التّطوّر الإنسانيّ وعلاقتها بالأمم الأخرى وبالاتجاه العامّ
عسى أن يفي هذا المؤلّف بالغرض الّذي وضع لأجله فيوضح من حقائق الاجتماع ما يجلو الغوامض في فهم الأمم والقوميّات
أنطون سعادة: الأديب والمُفكر اللبناني والمُلقب بالزعيم، مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأحد المنادين بعودة دولة «سوريا الكبرى».
وُلد أنطون بن خليل سعادة في الأول من مارس عام ١٩٠٤م ببلدة «الشوير» بجبل لبنان لأبوين لبنانيين هما الدكتور «خليل سعادة» ووالدته «نايفة نصير».
أتقن «أنطون» القراءة والكتابة على يد مُعلمه «حنا رستم»، ثم التحق بمدرسة «الفرير» الثانوية بالقاهرة، وبعد وفاة والدته عاد إلى وطنه ليُكمل الدراسة الثانوية، هاجر عام ١٩١٩م إلى الولايات المتحدة، فعمل بمحطة للقطارات، ثم انتقل إلى «البرازيل»، فأتقن البرتغالية والألمانية والروسية عن طريق التعلم الذاتي، ثم عكف على القراءة في التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، مما ساعده على معاونة والده في إصدار جريدة «الجريدة» ومجلة «المجلة».
بدأ «أنطون» الكتابة في سن مبكرة، فكتب عام ١٩٢٢م عدة مقالات طالب فيها باستقلال «سوريا» وجلاء القوات الفرنسية عنها، كما تناول خطورة مشروع «الحركة الصهيونية» على سوريا الكُبرى.
حاول «أنطون» تكوين حزب سياسي بالبرازيل عام ١٩٢٥م تحت اسم «الشبيبة الفدائية السورية»، بهدف توحيد أبناء الجالية السورية، لكنه فشل، ثُم أسس «حزب السوريين الأحرار» فتوقف بعد ثلاث سنوات، فانتقل للعمل بالمعاهد السورية ﺑ «ساو باولو»، واشترك كذلك ببعض لجان تطوير المناهج هناك، وفي هذه الأثناء كتب أول رواياته «فاجعة حُب».
عاد «أنطون» لوطنه عام ١٩٣٠م، ثم انتقل إلى «دمشق» ليشارك في تحرير جريدة «الأيام» الدمشقية، وعاد إلى «بيروت» لينشئ «الحزب السوري القومي الاجتماعي» فعمل بشكل سري طيلة ثلاث سنوات إلى أن انكشف أمره، فاعتقل هو ومجموعة من معاونيه، وخلال فترة سجنه كتب كتابه الأول «نشوء الأمم»، وبعد خروجه من السجن تم اعتقاله لدعوته إلى حالة طوارئ بالبلاد فتم سجنه فكتب كتابه الثاني «شرح المبادئ»، وبعد انقضاء فترة اعتقاله تم اعتقاله مرة ثالثة، وخرج بعد ثلاثة أشهر فأصدر جريدة «النهضة» ولم تستمر لعام واحد.
انتقل «أنطون» إلى «الأرجنتين» بعد أن قرر قيادة الحزب من المهجر، فكتب هناك كتابه الثالث «الصراع الفكري في الأدب السوري»، وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سوريا عام ١٩٤٦م ظلَّ مُلاحَقًا من حكومة «بشارة الخوري» رئيس الجمهورية، وأثناء حرب «فلسطين» عام ١٩٤٨م أطلق حركة مواجهة قومية شاملة، مما استدعى قلق السُلُطات فأصدرت قرارًا بمنع الحزب من العمل العلني، فلجأ إلى «دمشق» فاستقبله «حسني الزعيم» ووِفْق صفقة قام بتسليمه للسلطات اللبنانية فحاكمته وأعدمته في يوم واحد وذلك في الثامن من يوليو عام ١٩٤٩م.
أحد الأشياء التي أشعر بأن عناية الأقدار قد ترفقت بنا بعدم حدوثها هو تولي الحزب السوري القومي الاجتماعي مقاليد السلطة في سوريا أو لبنان... هذا الكتاب يمكن وضعه بجانب كتاب كفاحي لأدولف هتلر، مع فارق جوهري هو استناد أنطون سعادة للعلوم والتاريخ وعلم الاجتماع في هذا الكتاب، وهو ما سأفنده في تقيميي الذي لا أنصح ناشطي الحزب بالاطلاع عليه، وذلك لأنني أمقت القوميات والنظر للبشرية على شكل سلاسلات راقية وسلاسلات أقل شأناً، وأنني من مؤيدي الفردانية على الطريقة الغربية، والتي أزعم أنها أعلى شأناً مما يقدمه هذا الكتاب. قد أغفر لانطون سعادة سعيه لتصوير الأعراق الراقية على أنها في أسيا وأوروبا والباقي كله أعراق بدائية على حد تعبيره، ربما لأنه غير متخصص وحاول التعدي على تخصصات الآخرين متأثراً بأجواء الداروينية الاجتماعية التي سادت في أوروبا والعالم الغربي على طول القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فهناك الكثير من البشر الذي استخدموا ما توصل إليه تشارلز داروين بصورة سياسية واجتماعية، كإحساس البيض في الغرب بأنهم متفوقون على جميع البشر في العالم لأنهم الشكل الأرقى للمخلوق البشري، والإنسان الملون كلما ازداد الداكن في بشرته أصبح أقرب إلى الحيوانات. لمثل هذه الأفكار التي يناقشها الكتاب قامت الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب الأهلية الإسبانية والحرب الأهلية الأمريكية وحروب الاستقلال في أربعينات وخمسينيات القرن الماضي، وكأنه لا يكفينا ما قدمه الغرب من نظرات متطرفة ودونية تجاه من يسكنون معهم على هذا الكوكب كي يأتي أنطون سعادة بنظرته هذه. البعض "ازبهل" من استخدام سعادة للمصادر العلمية، ولكنه (بحكم أنه غير متخصص) استخدمها بصورة سيئة وبلغة غير علمية مطلقاً، وهي أشبه بعملية ضرب النصوص الدينية (وخصوصاً المسيحية) مع المعطيات العلمية بالخلاط، ثم سكبها في هذا الكتاب بما فيها من تناقشات رهيبة يصعب على القارئ الدراس لمنهجية البحث العلمي تقبلها، ودون توضيح يقدم التفسير الأفضل للسؤال الذي طرحه سعادة منذ البداية "كيف نشأت الحياة؟". فقد قام بالدوران حول السؤال دون وضع أي إجابة له، محاولاً تجنب الاصطدام بالمعتقدات الدينية التي تقول بأن أصل الحياة "آدم وحواء" أو الابتعاد عما تقوله العلوم، مع التأكيد أن العلوم في عصرنا هذا قد حسمت الجدل وقدمت شرح مفصلاً عن هذا السؤال في مفهوم الإنفجار العظيم والذي فيه تشكل الكون (أنا غير متخصص لذلك لن أسرد أي تفاصيل إضافية كي لا أقع فيما وقع به سعادة). ومع ذلك قد نغفر له سوء الاستخدام هذا نظراً لأن وحدة المصطلح العلمي لم تكن موجودة كمفهوم في ذلك الزمن، كما أن مجمع اللغة العربية الذي يعرب الكلمات وخصوصاً العلمية لم يكن بتلك الفعالية والاطلاع إبان تأليف الكتاب، حيث عانى المؤلف من مشكلات كثيرة في المفاهيم الأساسية وفي تعربيها، فلغة هذا الكتاب أقرب إلى لغة رفاعة الطهطاوي البدائية خلال عصر النهضة العربية الأول، منها إلى اللغة العلمية التي نعرفها. يفتقر أنطون سعادة لأقل تفاصيل المنهجية العلمية. لقد وضع نتيجة واحدة في المقدمة وجعل كل السرد يتجه باتجاه هذه النتيجة: وهي أن الإنسان الفرد لا قيمة له، بل الجماعة الإنسانية هي الأهم، متجاهلاً الفوارق الكبيرة بين فرد وآخر، وهي فوارق غير متعلقة بالرقي والتقدم، وإنما فوارق شخصية ونفسية يمكن ملاحظة أدق تفاصيلها بين الفرد وشقيقه دون الحاجة للدراسة الميدانية. الفرد لا قيمة له بنظر أنطون سعادة وهنا الطامة الكبرى، لأن معنى هذا الكلام بأن أي شخص قادر على تأليف هذا الكتاب بنفس المصطلحات وبنفس الترتيب وبنفس كل ما فيه بدون أن يكون كأنطون سعادة، الفرد الذي سافر ودرس اللغات وتعرف على أفراد آخرين أثروا على تجربته دون غيره، ثم قام بالقراءة والاطلاع في هذه المصادر وقدم فهمه الخاص عن نشوء الأمم! كيف يمكن لأنطون سعادة أن يشعر بقيمة عمله إذا لم يشعر بقيمته كفرد مميز عن باقي الجماعة؟ لربما لو شهد مجريات الحرب الأهلية اللبنانية لعرف تماماً أن الجماعة لا قيمة لها وما هي إلا أسلوب قديم ومتهالك للتعريف بخواص ومزايا المجتمعات البشرية. في هذا الكتاب يقوم أنطون سعادة بربط الأساطير الفينيقية بأيات الإنجليل بنظرية التطور بما كتبه المسعودي وإبن خلدون، مرات يقول بأن الإنسان متحد مع باقي في المخلوقات في نظام يقوم على التطور وفقاً لتغير الظروف البيئية، ومرات يعود إلى قصص السلالات والأنساب وتفرع البشرية من ذرية نوح، ومرات يتحدث عما قاله إبن خلدون والمسعودي في وصف المجتمعات والسلالات، وفي مثل هذه التنقلات العجيبة بين المفاهيم النظرية يتضح أبرز عيوب فكر أنطون سعادة المنهجية. بالإضافة إلى الأخطاء العلمية التي جاءت بالجملة في هذا الكتاب، لعل أبسطها زعمه أن الإنسان الحالي ظهر في أسيا، علماً أن الحقيقة الثابتة أن الإنسان الحديث خرج من القرن الإفريقي في رحلة تنقل وانتشار في جميع أرجاء العالم. يضاف إلى ذلك عدم استخدام الرسومات والنماذج في هذا الكتاب، ليظهر كما لو أنه سرد مقالي أدبي لا علاقة له بالعلوم ولا بالمنهجية العلمية. العنصرية تفوح من هذا الكتاب تجاه السود وغيرهم من الشعوب التي لا تسكن في أسيا وفي حوض البحر المتوسط وفي أوروبا، حتى أنه وصف كل حالة بداوة (بما فيها بداوة العرب) على أنها حالة بدائية متوحشة خرجت عن التطور، كما لو أنها أصبحت بسبب البداوة أقرب للحيوانات. ثم اعتبر أن البشر على حوض المتوسط وفي العالم الغربي وفي أسيا هم البشر الذين لا يزالون يتطورون. ختاماً هذا الكتاب هو عمل أدبي طويل وممل، ليس له علاقة بالعلوم على الرغم من استخدام المصادر في الشرح والتعليل، والتي جلها إما مصادر إنجليزية أو مصادر ألمانية لم يتثنى لي تدقيق صحتها نظراً لأنني لا أجيد الألمانية، كما لم اطلع على الكتب الإنجليزية لأن معظمها طبعات قديمة جداً ولم أجد إلا بعض العنواين وبطبعات تعتبر حديثة مقارنة بتاريخ نشر الكتاب، ولكنني انتقدت الجانب المنهجي المتعلق بخلط النصوص الدينية بالشرح العلمي، واستعماله الخاطئ لأعمال إبن خلدون والمسعودي في سياق إثباتاته. الكتاب صنفته كأحد أغبى الكتاب التي قرأتها، وفيه الكثير من الأخطاء، بعضها يعزا إلى عدم تخصص الكاتب، وبضها إلى نزعته القومية والعنصرية، على أن الحسنة الوحيدة في هذا الكتاب هي جودة الصنعة الأدبية فيه، ومحاولة أولى لفرد من المنطقة الناطقة بالعربية للكتابة العلمية، بالتالي هذا الكتاب يصلح لكي يكون عمل أدبي يدرس ضمن سياقه التاريخي، وليس عمل علمي، ومن أراد قراءة التاريخ والعلوم فعليه بالمتخصصين وأن يدع ما يؤلفه السياسيون.
This entire review has been hidden because of spoilers.
مهم جداً، يكشف إن سعاده كان مفكراً من طراز خاص.. وسيفاجئ القارئ عندما يجد إن الكتاب كُتب عام 1937 ولكن الكاتب مطلع على أغلب الدراسات والنظرياة الإجتماعية والعلمية.. لولا اللغة -وهي مناسبة لعصر الكاتب- لاستحق خمسة نجم..
الكتيب عبارة عن ملخص لآخر ما توصل له العالم الغربي من نظريات و قناعات حول نشوء الأمم في نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين. لقد أعطى أنصار أنطون سعادة هذا الكتاب أكبر من قيمته و صاغوا حوله الخرافات مثل خرافة أنه يدرس في مناهج الجامعات الكبرى في أوربا و أمريكا. الكتاب تنقصه المنهجية العلمية لأن غايته كانت التمهيد للجزء الثاني الذي أراد منه أنطون سعادة أن يشرح 'نشوء الأمة السورية'. أعتقد أن الكتاب مهم لدراسة النظرية السورية القومية الاجتماعية في نشوء الأمم و ليس مهما ككتاب في علم الاجتماع بشكل عام.
تنشأ الّتقاليد من اختبارات الحياة والاعتقادات بشأنها وتنشأ العادات من ظروف الحياة واستحسان بعض أساليبها ورموزها. وهذا يعني أن الّتقاليد والعادات تنشأ بعامل الاجتماع في المجتمع
والأمة اّلتي تتحجر تقاليدها وعاداتها تكون هي نفسها في حالة تحجر. فإن صلابة تقاليدها حرمتها التقدم بقدر ما فصلتها عن تقاليد العالم المتمدن. إن التقاليد تصبح في مثل هذه الحالة آالأغلال والقيود لا يمكن الأمة أن تحيا حرة إلا بتحطيمها
قلة هم الأشخاص كأنطون سعادة الذين يطرحون تلك الأسئلة الكبيرة.. لذلك ربما لا يزال اسمه مقترنا ببعض السياسيين في لبنان.. كتاب يطرح الكثير من الأسئلة ويعرض الكثير من الأجوبة بطريقة ممتعة وسلسة..