أكثر من مائة عمل بين مقال ومحاضرة وخاطرة وقصيدة للأديبة الراحلة مي زيادة قام الباحث الدكتور جوزيف زيدان بجمعها وتحقيقها من سبع دوريات عربية، ولم يتم نشرها من قبل في كتاب ، بالإضافة إلى مقدمة تدرس حياة مي وسيرتها وأعمالها الأدبية. تقول الأديبة غادة السمان في تقديمها للكتاب: (( جميل أن تجد الشامية المصبرية مي زيادة الملاذ في حمى الإمارات ، وأن ينشر المجمع الثقافي بالذات أعمالها المجهولة التي جمعها الأستاذ الجامعي الدكتور جوزيف زيدان من أرشيفات صحف العشرينات والثلاثينات ، فإلى جانب القيمة الأدبية لهذا الكشف وأهميته يبقى لهذا النشر مدلوله القومي الجميل )).
مي زيادة (1886 - 1941) كانت شاعرة وأديبة فلسطينية، ولدت في الناصرة عام 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد. كانت تتقن ست لغات، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية. ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886. ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد. تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان. وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. وهناك, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية, وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
وفى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة. وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه, كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف, أنطون الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, و أحمد شوقي. وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته. أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة. ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.
نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية, مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف). أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية و أول أعمالها بالفرنسية اسمها أزاهير حلم ظهرت عام 1911 و كانت توقع باسم ايزس كوبيا, ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية. وفيما بعد صدر لها: (باحثة البادية) (1920), (كلمات وإشارات) (1922), (المساواة) (1923), (ظلمات وأشعة) (1923), ( بين الجزر والمد ) ( 1924), و(الصحائف) (1924). وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938, إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة, وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر, وأودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت. وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها. وعادت مي إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 17 تشرين أول (أكتوبر) 1941.
مقالات وخطب متناثرة في عدة صحف ومجلات للآنسة مي .. وقف على جمعها جوزيف زيدان بعد أن كاد يطولها النسيان وقدمت لها الأديبة غادة السمان .. بالرغم من أن الكثير من هذه المقالات كتبت في صحف فهي تناقش الواقع والسياسة والأحداث التي عاصرتها مي زيادة فتظهر شخصية مي الوطنية وعمق ثقافتها واهتمامها بشؤون المرأة وإعلائها .. لكنك لن تعدم أن تلمس لغة مي الأدبية الرقيقة .. تجسيدها للشعور و رومانسيتها في التعامل مع الجمادات والطبيعة والإنسان .. ستقع بين مقال وآخر على لغة شفافة وشعور خالد وجيع نثره قلم مي قبل أن يواريها الثرى ..