في عمله هذا يدرس الكاتب "عبد الجواد ياسين" فكرة "هل يمكن للقانون الذي يعالج معطيات نسبية ومتغيرة أن يكون جزءا من الدين كحقيقة مطلقة" ؟ إذ يرى الكاتب أن التدين أدى إلى تضخيم الدين بحيث صار ما هو إجتماعي أكبر مما هو مطلق في منطوق البنية الدينية التي تعمم على مكوناتها، تلقائيا، صفة القداسة المؤيدة، على اعتبار أن الدين يقدم ذاته كحقيقة مطلقة قادمة من خارج الإجتماع.
كتاب هام، يقدم قراءة معمقة في التشريع النصي، ويتتبع مساره، ويرصد العلاقة بين المؤثرات الإجتماعية الجديدة وفي مقدمتها ظهور الدولة، والفتوح، وصولا إلى تداعيات الصراع السياسي التي أفرزت المذهبية، وكذلك التطور الذي طرأ على بنية الفقه خصوصا في شقه النصي (القرآني) .. وهو يتساءل: هل نجا هذا الشق بسبب نصّيته من آثار التعددية التي فرضها الصراع المذهبي على بنية الفقه عموما؟ إلى آخر ذلك من أسئلة إشكالية تبدأ من وفاة الرسول (ص) وحتى عصرنا الراهن.
قسم الكتاب إلى فصلين جاء الفصل الأوول بعنوان: الإجتماع المنصوص: النص في سياق النزول، والفصل الثاني بعنوان: النص في سياق التطور: تضخم البنية الدينية.
مفكر متميز استطاع كسر أغلال السلفية التي كبلته لعقود من الزمن. قاضٍ مصري سابق من مواليد 1954، تخرج من كلية الحقوق في جامعة القاهرة سنة 1976، وتدرج في سلك النيابة العامة والقضاء منذ تخرجه. له مؤلفات في الفكر السياسي والفقه الدستوري، آخرها: تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر.
هذا البحث أجده نخبويا بتشبع لمن له غاية في تكريس ذاته فلسفيا لتلك القضايا التي لها علاقة بالنص الديني وتشريعاته والتي أتت ضمن سياق عالي الطرح كون أن الكاتب كتبه بلغة تشق على من أراد الدخول المباشر لمناقشة أمر يتعلق بما تضمنه....أضناني البحث وأرهق تركيزي فقد كنت أعيد القراءة لكثير من الصفحات لمرات متتاية لما في السياقات من بلاغة وعمق يتعذر فهمها من أول مرة ....كتاب رائع
من أصعب الكتب التى قرأتها مؤخراً .. ربما لطبيعة الموضوع نفسه ولثقل لغة الكاتب - كما اصطلح الصديق أحمد جميل : لغة نُخبوية - أو لغة أكاديمية معقدة. احتاج الكتاب الى تركيز شديد منى ومع ذلك سأحاول قراءته ثانيةً بعد فترة لاستيعاب كل ما جاء به ، سأعتبر هذه المرة قراءة سريعة فحسب. ينقسم الكتاب الى فصلين كبيرين : الأول يتحدث بإسهاب عن النصوص الدينية ( التركيز على النصوص الإسلامية واليهودية ) والأطر المختلفة التى دارت حولها زمنياً وموضوعياً. التفاصيل الدقيقة فى هذا الجزء شكلّت لدى صعوبات جمة فى متابعة فكر الكاتب، وأثارت لدى عاصفة من التساؤلات! .. دعك من كل ما سمعت عن حملات التشكيك فى البخارى من شخصيات مغمورة ودعنا نركز هنا فى دراسة أكاديمية لها وزنها!! الفصل الثانى يعرض لما سماه الكاتب تأثير التطور الإجتماعى على البنية الدينية ، وعرض لذلك بتطور الفقه والحديث منذ مرحلة الخلفاء الراشدين وحتى الدولة العباسية.
من الكتب المرجعية التى احتاج الى قراءتها - قبل قراءة هذا الكتاب- كتب متأصلة فى الفقه والحديث والتاريخ الإسلامى و الفلسفة. كما أشار المؤلف الى مجموعة كتب منها: - كتاب وائل حلاق : نشأة الفقه الإسلامى وتطوره - كتاب إسبينوزا: رسالة فى اللاهوت والسياسة - كتاب سيجموند فرويد: موسى والتوحيد
كما ذكرت حمل الكتاب لى الكثير من الأسئلة .. لا زالت رحلة بحثى طويلة!
هذا الكتاب الصعب الصريح الصادم، لن أبالغ إن وصفته بأنه أفضل ما قرأت في حياتي. هذا الكتاب يجب أن يقرأ مثنى وثلاث لكي تتشرب طرحه وتتفهم فكره وتتقبل شرحه بالكامل. لقد وصفته من قبل بأنه يفتت ذلك البنيان العملاق ليعيده إلى مجرى مياه التاريخ بعدما ركد وتوقف في نقطة منه لا يتزحزح عنها.. وقد كان. هناك كتب تعرض لك فكرة وهناك كتب تمنحك وجهة نظر لتفكر فيها وهناك كتب تغير طريقة تفكيرك بلا رجعة، وهذا الكتاب من النوعية الثالثة. الكاتب أسلوبه صعب وطرحه يمتزج فيه الفلسفي بالسوسيولوجي بالتاريخي.. لكن حين تستوعب ما يقول وما يطرحه ستنغرس أفكاره عميقًا في النفس والعقل والوعي. لم يحدث لي من قبل أن قرأت كتابًا ولم أجد فيه ما أعترض عليه.. لكن هذا الكتاب مختلف. أسلوب متماسك ومنطقي ومطّرد لدرجة أني أشعر بالريبة أني لا أجد ما أنتقده. والأدهى أنه فكك العقل السلفي تفكيكا.. كنت أقلب الردود السلفية على مدار صفحات الكتاب في رأسي لأفاجئ أنه تناولها بالتفكيك من ساسها لراسها.
هذه مجرد خواطر أولية عن الكتاب الذي انتهيت منه للتو.. وبعد أن أعيد قراءته مرة أخرى سأكتب عنه تعليقًا مطولًا..
في الختام أقول: قلة هم أولئك الكتاب الذين جعلوني بالفعل أشكرهم بعد قراءة أعمالهم. للمرة الثانية: شكرًا عبد الجواد ياسين
*****
في هذا الكتاب يطرح المستشار عبد الجواد ياسين نظريته عن الدين والتدين: الدين في ذاته هو حقيقة مطلقة مفارقة قادمة من خارج الاجتماع، وبالتالي فهي لا تتعدد ولا تتطور. أما التدين، فهو ممارسة هذه الفكرة المطلفة المتعالية في الاجتماع البشري، وبالتالي فهي اجتماعية بشرية تخضع لقوانين التاريخ والاجتماع البشري. يؤسس عبد الجواد ياسين نظريته هذه على ثلاث مصادرات أولية: 1- أن الدين من حيث يقوم على مبدأ الوحي الإلهي، يرجع إلى مصدر مفارق للإنسان، أي أن له وجودًا ذاتيًا سابقًأ على حضوره في الاحتماع، ومن ثم فهو فكرة كلية مطلقة ومتعالية لا تتعدد ولا تتطور بتغير الاجتماع. 2- إن الإنسان هو موضوع الدين ومجاله، ولذلك فإن الدين لا يتجلى إلا من خلال التجلي داخل الواقع البشري الاجتماعي. وبالتالي فإن حضور الاجتماع في البنية الدينية ضروري ليس فقط بحكم طبيعة الاجتماع بل بحكم طبيعة الدين نفسه. 3- أن الإنسان هو الذات التي تتلقى الدين وتمارسه، أي الذات التي تتدين. وبالتالي فلا سبيل لإدراك الدين والتعبير عنه إلا عبر وسائل اجتماعية بشرية كاللغة. ويترتب على ذلك حضور الخصائص والمثيرات المتباينة للذوات الفردية والهياكل الاجتماعية في منطوق البنية الدينية.
على مدار تاريخ الأديان التوحيدية، لم تكن الديانة تغلق بوفاة مؤسسها. بل كانت تظل مفتوحة وتتعرض لعملية "إعادة هيكلة" بينما تتمدد وتنتشر في بيئات وظروف ومؤثرات مختلفة، تضيف إلى بنية التدين أمورًا ليست من الدين في ذاته وإنما مستمدة من الاجتماع. ماذا يعني ذلك؟ يعني ان الدين، الفكرة المتعالية المطلقة التي لا تتعدد ولا تتطور، لا يشتمل إلا على الإيمان بالله، والأخلاق الكلية التي تتفق عليها الأديان والمجتمعات البشرية بالفطرة. أما ما سوى ذلك فهو ينتمي إلى التدين لا إلى الدين. وهذا الكتاب والذي يليه هو اختبار لهذه الفرضية. فإذا كان التشريع -بمعنى القانون لا الأخلاق- ينتمي إلى بنية التدين لا الدين في ذاته، فيلزم عن ذلك أنه يتغير بتغير الاجتماع وأنه يعمل في الإطار الاجتماعي القانوني العرفي الموجود أصلًا، ولا يستحدث تشريعًا ولائحة قانونية تفصيلية من العدم. أما الكتاب التالي فيناقش كيف أن اللاهوت -النقاش الكلامي الزائد عن الإيمان المجرد بالله- ينتمي هو بدوره إلى التدين -الشق الاجتماعي-.
بداية لنا أن نتساءل: ما دام التشريع والقانون والأحكام جزءًا من الدين في ذاته، مطلقًا لا يتغير ولا يتبدل بتغير الاجتماع ولا التاريخ، فلماذا كانت شرائع الديانات السابقة تختلف عن شريعة الإسلام؟ لماذا لم ينشئ الإسلام لائحة قانونية تفصيلية على غرار التوراة، بل نزل منجمًا مفرقًا ولم يعرف التشريع إلا في الطور المدني؟ لماذا سكت النص القرآني -ما دام ينوي إطلاق التشريع وتكوين شرائع أبدية- عن تكوين نظرية سياسية لتداول السلطة بينما قام بمناقشة قضية الظهار وهي قضية شديدة المحلية لنوعٍ من الطلاق موجود في الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي؟
السبب - حسب الكاتب- هو أن القرآن لم ينو أصلًا إنشاء تشريع متكامل وتفصيلي لكل نواحي الحياة كما انتهى إليه العقل الأصولي الفقهي لاحقًا عبر مقولة أنه ما من أمر من أمور المكلفين إلا ولله فيه حكم. كان النص القرآني يتسم بالإجمال ويترك التفاصيل -التي كان المخاطبون الأوائل واعين بملابسات نزولها-للعرف الذي يعمل أصلًا لسد الفراغ التشريعي حسب حاجة الاجتماع البشرية. كان الصحابة يعيشون بأعرافهم وقواعدهم الاجتماعية العربية وتنزل الآيات لتعدل أو تعمل أو تلغي بعض التفاصيل في هذه الصورة الكبيرة بشكلٍ مجمل في العادة، وكان المخاطبون غير محتاجين لتفسيرها وتأويلها واستنباط الأحكام منها عبر الآليات الأصولية التي نشأت فيما بعد لأنهم أصلًا كانوا مدركين سياق نزولها وملابسات هذا الحكم وعلاقته بباقي الأحكام والأوضاع الاجتماعية القانونية المحيطة بهم. لاحقًا، ومع تطور الاجتماع وعلاقة الدين بمعتنقيه وبمحيطهم التاريخي الاجتماعي، نشأت حاجة الاجتماع للتعبير عن نفسه دينيًا، فتمت إضافة بنى نصية وتشريعية وقانونية ولاهوتية وطقوسية جديدة لم يحتوٍ عليها النص الأصلي. وعملت المؤسسة الدينية على القطيعة مع الأصول الحقيقية للتشريع الإسلامي، فبدلًا من الإقرار بأن الرسول كان إنما يعمل باحكام قومه وبالعرف المتداول في الجزيرة العربية أصلًا، تمت نسبة هذه الأعراف والأحكام إلى الوحي عن طريق تقنين السنة والرواية باعتبارها وحيًا. وقس على ذلك في تطور بنية اللاهوت والسياسة والفقه وغيره مما يعتبر في الوعي المسلم جزءًا من الدين أيضًا.
هذا الكتاب يناقش في فصلين طويلين هذه الفرضية بشكلٍ مطول، مقارنًا أولًا النص القرآني في مرحلة النزول ومحيطه التاريخي (حيث ينتهي إلى أن التشريع ما هو إلا اجتماع منصوص) مع النص لحظة التدوين واكتمال التأصيل النظري للديانة بأطرها المختلفة ثانيًا في الفصل الثاني.
سلفيًا لاحظ العقل الديني ظاهرة امتناع التشريع في الفترة المكية وظاهرة أسباب النزول والنزول المفرق والنسخ. لكنه امتنع عن الإقرار بالشق الاجتماعي لهذه التشريعات ومضى في الاتجاه المعاكس ملصقًا الإطلاقية على تلك الأحكام لورودها في النص.
في لحظة الواقع، حيث كانت الآيات التشريعية تنزل لمعالجة الحالات الآنية قطعة قطعة، حدث بالفعل أن تغيرت أحكام تكليفية خلال فترة الوحي القصيرة نسبيًا [حقيقة لا ينكرها العقل السلفي، وهنا يجدر السؤال: هل كان الزمان يتغير وقت الوحي ولم يتغير بعدها؟] وفي النص القرآن المجمع ظهرت هذه الأحكام المتغايرة جنبًا إلى جنب في نص واحد طويل ما تغير منها وما لم يتغير. ولكن في حين بدا هذا "التغاير" حركة طبيعية في مسار الواقع، مفهومة لدى المخاطبين، بحكم معايشة الوقائع التفصيلية التي كان النص يعالجها بترتيب وقوعها، بدا في كثير من الأحوال غير مفهوم على صفحة النص المجمع الذي لم تتضمن آياته الإشارة إلى هذ�� الوقائع التفصيلية. فكان أن ظهرت الاحكام المتغايرة على سطح النص في شكل تناقضات ما أسفر إلى تبلور النسخ كآلية تأويل للقرآن بعدما كان مظهرًا لحركية الواقع يترجمها النص. "المشكل هنا هو أن النسخ مبحث يتعلق بالنص لا بالواقع، أعني أنه لا يكون مشكلًا حين يكون الواقع محل البحث". وهي فرضية مستبعدة في الفكر الإسلامي، حيث الواقع مغيب وراء النص بما هو مصحف، أي باعتباره موضوعًا للفقه لا بما هو حالات مقروءة في سياق تاريخي للجماعة المسلمة الأولى.
لم يفصل النص القرآني وهو يشرع لتفاصيل الجنايات والعقوبات وملابساتها وظروفها وشروطها، فلم يتكلم في طرق الإثبات ولا قواعد الاتهام أ الماكمة أو التنفيذ، ولا على مقدار الدية أو كيفية تنفيذ القصاص. المعنى اللازم هنا هو أن القرآن يحيل في ذلك كله -ما لم يرد فيه نص- على النظام العرفي السائد. في بعض الأحيان كانت هذه الإحالة تأخذ شكل إقرار الرسول وأحيانًا تسفر عن ذاتها بفعل السكوت النصي ذاته، أي كان النظام العرفي يقدم مفرداته التشريعية بشكل تقلائي طبيعي لسد الفراغ. وكثر من هذه المفردات سوف ينتقل إلى الفقه عبر الآثار المنقولة عن الصحابة والروايات المنسوبة للنبي. نظريًا لم يكن الفقه مستعدًا للإقرار بفكرة العرف -الجاهلي- كمصدر تكميلي للشريعة، فيما هو واقعيًا يمارس ذلك تححت مسمى السنة أو قول الصحابي أو قول التابعي او عمل أهل المدينة.
لا يستطيع التفكير السلفي إنكار هذه المقابلة ولكنه لا يترب عليها أي نتائج من جهة دلالتها على تاريخية التشريع وإقليميته. والسبب هو مفهوم الرؤية النصية الراسخ في العقل الديني. حيث يتحول المنطوق التفصيلي المتعلق بوقائع إلى مطلق إلهي لمجرد وروده في النص.وهي مسألة لم يكن الوعي بها بهذه الحدية في الصدر الأول الذي كان يعاين الواقع والنص معًا لحظة التفاعل. [مفهوم سيناقش بشكل أكثر توسعًا في الكتاب التالي -اللاهوت-]
ماذا يعني أن التشريع يعمل في الاجتماع؟ يعني ذلك أن أحكام القرآن المنصوصة وافقت احكام الجاهلية، وما سكتت عنه أحالته إلى تلك الأعراف. والمعنى أنه ما من حكم تشريعي إلا وله أصل في ممارسات العرب قبل الإسلام،بغض التظر عن احتمالية تأثرها بالثقافات البابلية واليهودية. أحكام مثل قطع يد السارق والرجم وحد الحرابة -التي يقدمها العقل الإسلامي اليوم على أنها الحل السماوي لمشاكل البشر- كانت موجودة بالفعل في البيئة العربية البدوية في القرن السابع للميلاد.
النص من قبل القرآن مثلًا على جرائم كالظهار والمداينة وإغفاله عن جرائم الأموال العامة كالرشوة والاختلاس والاستيلاء مفهوم تمامًا في ظل غياب الدولة، وغياب نظام اقتصادي نقدي في المدينة. بينما بعد تبلور الفقه والحديث ونشوء الدولة وتمدد الرقعة الإسلامية ووجود التعدد الثقافي والتشريعي برزت حاجات تشريعية أخرى استلزمت البحث عن مصادر تشريع أخرى لأن النص القرآني لم يكفي (السنة، القياس ..). ويضعنا ذلك يوضوح أمام الطبيعة التاريخية للتشريع حتى لو كان يتم من داخل أطر دينية، فإذا كان التشريع الديني مطلقًا -أي يقصد تقديم نظام شامل ومتعدي في الزمان فما معنى إغفال النص على حاجات المستقبل؟ وإذا كان الغرض من ذلك ترك كل زمن يعبر عن حاجاته فما معنى النص على حاجات الماضي؟
المعنى -من كل هذا- هو أن الدين كان يحاول تعديل التشريع والأعراف الموجودة أصلًا لتتماشى مع الأخلاق الكلية التي يدعو إليها.
في الفصل التاني يناقش الكاتب تطور بنية الدين على يد التدين والاجتماع البشري عبر التاريخ، وأكتفي ببعض الإشارات من هذا الفصل -لأني أطلت بما فيه الكفاية-:
في السياق السني تم اعتماد الروايات المنسوبة إلى النبي في مقام الوحي وإنزالها منزل الوحي بناءً على تأصيلات الإمام الشافعي النظرية، وتم تقنين الاجتهاد والرأي بالقياس فالنصوص الآن شاملة لكل الحوادث على مدار الزمان والمكان. مادة الحديث التي جرى جمعها وتدوينها على مدار قرنين في ظل صراع سياسي ومذهبي متواصل حملت اجتماعيات عصرين، عصر النص الأصلي -الرسول- وعصر التدوين اللاحق: من عصر النص الأصلي تضمنت ما جرى عليه العمل من سنن النبي العملية التي كانت في غالبها عائدة إلى أعراف العرب الجاهلية، ومن فتاةى الصحابة وأحكام الخلفاء. ومع تواصل التنصيص على مدار هذه الفترة عكست مادة الحديث نتائج التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية بدءًا من المفاهيم المذهبية الجديدة التي أفرزها الصراع السياسي إلى المفاهيم والأفكار الكلامية. وفقًا لهذا الطرح، تبدو إشكالية الحديث\السنة، باعتبارها خلقًا لنص جديد جامل لاجتماعيات تاريخية محلية، أكثر تعقيدًا مما هي عليه في ثقافة المنظومة السلفية. ففي هذه الثقافة الحاكمة حتى الآن على العقل السني، اختزلت الإسكالية إلى مسألة إسناد تدور حول حجية خبر الآحاد، في حين أن القضية ليست هنا، بل في المادة الإجمالية للحديث ومضمونها التاريخي الذي صار لزامًا. فهي قضية أولية تتعلق بنمط التدين ذاته، قبل أن تكون قضية توثيق. علمًا بأن الشق التوثيفي من المشكل لا ينحصر ي منهج النقل الآحادي بل يشمل مجمل السياق الظرفي الذي جرت فيه عملية التنصيص والتدوين ودواعيها من حيث المبدأ.
*****
تعليقات أخيرة: هذا الكتاب لن أبالغ إن قلت أنه أفضل ما قرأت في حياتي، من ناحية تماسك الطرح ومن ناحية تأثيره الكبير والعميق علي وعلى تفكيري. فقد كنت قرأت هذا الكتاب أثناء دراستي وبحثي عن علم الحديث والسنن النبوية وقد احدث لي قطيعة تامة مع تلك القضية جعلتني أدرك كيف أن كل هذه "الهليلة" التي نتجادل بشأنها فعل بشري اجتماعي تاريخي أولًا وأخيرًا الكتاب التالي (اللاهوت) يناقش الشق الاجتماعي الآخر ن نظرية الدين والتدين، وهو اللاهوت\العقيدة والطقوس إلخ. وهو يناقش مفاهيم كمفهوم الكتاب والنص والنبوة وهو مهم لكل مهتم بفلسفة الدين. وفيه يكمل المستشار مناقشة نظريته وموقفه من العقل الديني والعقل الوضعي على حد سواء.
أخيرًا: هذا الكتاب ليس لإخواننا السلفيين -أو اللي مش سلفيين بس بيحبوهم، أو بيقولو مش سلفيين بس من جوا سلفيين، فأنا كإسلامي سابق أحب أقول إنكم مش هتفهموا الراجل ده عايز يقول إيه أصلًا، فوفروا على نفسكم وروحوا اقرؤوا صحيح البخاري أحسن من الجدالات العقيمة.
الدين والتدين - التشريع والنص والاجتماع - عبد الجواد ياسين
الكتاب ثوري جدا في طرحة وفي لغتة وفي تعدية مناطق قد يراة البعض فيها ان كاتبة قد حاز مرتبة الكفر بجدارة الكتاب في حاجة شديدة الي الرأي المقابل والنقد حتي نري وجهه النظر الاخري ومع اني اعتقد واتمني ان اكون مخطئ انة سيلاقي نفس مصير الكاتب الكبير نصر حامد ابوزيد من التكفير والمطالبة بدمة لقد استطاع هذا الكتاب ان يضع يدي واعتقد الكثيرين مثلي علي ما كنت اراة انة ليس من الدين في شئ لانة منافي ليس لروح الدين بل وللاخلاق كالرجم والقطع والعبودية والفتوحات الاسلامية ومن هنا جاء الاساس الذي بني علية الكاتب بحثة ان الاخلاق الكلية هي التشريع الالهي الوحيد وكل مايخالفها ماهو الا تشريع بشري مُكتسب من فهم وليس من عقيدة قد يختلف من زمان الي اخر
مقتطفات من الكتاب
التفسير السلفي يتعامل مع النص مجرداً من اي معطيات خارجية بأعتبارها جزء من وثيقة كلية مكتوبة ذات وجود أزلي مقدر في اللوح المحفوظ ... ولكن قبل الحديث عن الدلالة يتعين اكتمال البنية ومع ان بعض النصوص تكون بنيتها مكتملة صياغياً الا انها تحتاج الي الإحاطة بالسياق الظرفي الذي نزل فية النص كي تتمكن من انتاج دلالتها الكاملة ---------------------- النص الديني الصحيح يتضمن ماهو مطلق ثابت وماهو اجتماعي قابل للتغير أي لا يجوز القول بتأبيدة لأن طبيعتة النسبية المتغيرة سوف تفرض ذاتهافي ارض الواقع بقوة الاجتماع وقانون التطور ... الاخلاق الكلية وحدها هي التشريع او القانون المطلق في الدين --------------------- ادي التدين الي تضخيم الدين بحيث صار ماهو اجتماعي اكبر مما هو مطلق في منطوق البنية الدينية التي تعمم علي مكونتها تلقائياً صفة القداسة المؤبدة --------------------- اما العبودية فبالنسبة لله جميع البشر من حيث هم خلقة شئ واحد اي سواء ومن ثم فإن القانون الالهي حيال البشر واحد وكل ماليس كذلك ليس قانوناً الهياً وهذا ما اعنية بالقول ان القانون الوحيد الالهي هو الاخلاق الكلية فهي القانون الوحيد الذي يصح وصفة بأنة واحد --------------------- ليس كل محرم دينياً مؤثماً في الاخلاق ولكن كل مؤثم اخلاقياً محرماً في الدين غزو الناس لدعوتهم الي الدخول في الدين هو امر لا معني لة إلا اكراههم علي الدخول في الدين لأني لا افهم ان يكون ان يكون الغزو وسيلة للدعوة فالتناقض واضح بين معني الغزو ومعني الدعوة --------------------- في حقيقة الدين لا يوجد شئ اسمة القتال لنشر الدين او القتال للدعوة الي الدين لأن الدين في ذاتة اعتناق واعتناق حر في الاساس ومن هنا لايمكن للقتال ان يتعلق بة يتعلق القتال حين يقع بظواهر واسباب في الاجتماع البشري مقطوعة الصلة من احد جوانبها بالله وينسبها الناس عن طريق المؤسسة الدينية الي الدين بينما ترجع اصولها إما الي منطق الدولة وتوسع الغزو او منطق التعصب في المذهبية والفرق او منطق الغرائز المادية المباشرة -------------------- ليس كل محرم دينياً مؤثماً في الاخلاق ولكن كل مؤثم اخلاقياً محرماً في الدين -------------------- حركة الفتوح من حيث تستهدف نظرياً نشر الدين تعني في النهاية قتال الناس علي الدين وهو معني مناف لجوهر الدين في ذاتة بحكم الطبيعة الاختيارية للايمان والاخلاق ولذلك فإن كون الفتوح العسكرية مشروع الدولة لا شرع الدين
ينطلق عبدالجواد ياسين بدافع التناقض الظاهر بين أخلاقيات العصر وما يعتبر أخلاقيات إسلامية، توقع المسلم في حرج حقيقي من إعتبار الدين مصدراً إلهياً مطلقاً . فيقارن بين تاريخ التشريعات في الأديان والحضارات المختلفة ويقارنها بالإسلام -القرآن على الأخص- دون إغفال ملابسات التشريع والمجتمع وظروف التدوين وتأثير الصراعات الفكرية والمذهبية. وكلها معطيات تؤكد على جدلية النص والمجتمع كمرتكز أساسي للتشريع.
انصح قبل قراءته بقراءة (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث-جورج طرابيشي) ثم (السلطة في الإسلام،العقل الفقه السلفي بين النّصّ و التّاريخ - عبد الجواد ياسين) الكتاب يتعارض مع الفهم السلفي السائد على طول الخط. خاصة بوجود فكرة اللوح المحفوظ وقدم القرآن وأحكامه المطلقة المنفصلة عن الإجتماع، لذلك تحدث الكاتب ببعض التعمق في مسألة خلق القرآن والجدل الكلامي في بداية الكتاب. يتعاطى الكاتب بسلاسة وأريحية في كثير من المناطق المحظورة ويتعامل مع "الممنوع" دون أي حرج أو تشكيك في مصداقية المصدرية المفارقة للدين. ويلقي الضوء على نقاط الضعف ومؤشرات الخطأ في الفهم السلفي كما يبين الأسباب التي حالت بينهم وبين هذه الفهم. الكتاب مهم جداً. مجهود كبير ضمن سلسلة بحث محترمة تؤسس وبعمق لفهم متجدد ومرن للدين، ليس الإسلامي فقط بل وحتى فهم علاقة الدين والتدين والاجتماع عامةَ.. لذا أتمنى أن يترجم .
عبد الجواد ياسين كاتب عظيم وقلم ممتاز وموضوعي ، في مشروعه عن الدين والتدين يفرق بين الدين في ذاته والذي يمثل الله والاخلاق الدينية وهو الثابت ونعبر عنه بالمطلق والذي نجده في السور المكية وبين التدين الذي يمثل التراكمات الاجتماعية عبر الزمان التي ادخلت في التاريخ لتصبح دينا لكنها ليست الدين في ذاته وهي متغيرة حسب الاجتماع وحسب الزمان محاولة ممتازة لبيان حقيقة التشريعات والقوانين في الديانات التوحيدية خاصة الاسلامية وكيف انها خاضعة لذلك الزمان الذي نزلت فيه يستعرض اغلب التشريعات الفقهية ويحقق في اصولها التاريخية في الجزيرة العربية وما تسرب اليها من الثقافة اليهودية والبابلية وكيفية تعامل العقل السلفي مع تلك التشريعات وعدم النظر الى طبيعتها التاريخية غير القابلة للتطبيق والخضوع لكل الازمنة مشكلة الكتاب هي عدم تقديمه لاي حلول لمشاكل التشريعات التاريخية هذا الكتاب من افضل ما قرات عمقا وتحليلا كتاب ممتاز انصح به
الكتاب: الدين والتدين، التشريع والنص والاجتماع، للمفكر المستشار عبد الجواد ياسين. وأزعم أنه كتاب شديد الأهمية في تشريح بنية العقل السلفي الإسلامي وتاريخ تبلورها. مراجعة مطولة لكتاب مهم.
يطرح الكتاب عدة أطروحات مهمة، سأتناولها بالشرح والتعليق في السطور التالية. أولًا؛ ينطلق المستشار ياسين من الفصل بين مفهومي الدين والتدين، وضع تعريفهما بنفسه في أول الكتاب، ما يجعل من الكتاب طرحًا فلسفيًا بامتياز؛ إذ يقدم فيه ياسين طرحًا سابقًا على الرؤية الشائعة للدين ابتداءً، فلا ينطلق من أي رؤية مسبقة أو تعريف مسبق للدين، سواءً بوصفه ظاهرة اجتماعية لا صلة لها بالسماوي، مثلما ترى الوضعية الاجتماعية ممثلة في أوغست كونت وإميل دوركايم، ولا النظرة الدينية السلفية التي ترى كامل البنية الدينية تقديسيًا، بصفتها وحيًا إلهيًا واجب الاتباع في كل زمان ومكان.
ينطلق ياسين من موقف وسط بين هذين الموقفين، فيطرح أن ثمة شق سماوي في الدين، يتمثل في الأخلاق الكلية والقيم الإنسانية المتعطشة للحق والخير والجمال، والمتمثلة في الصفات الإلهية القصص والعبر التي يغذي بها القرآن نسقه الأخلاقي، والعقيدة السليمة التي جاء الإسلام شارحًا لها. ولكن يطرح ياسين ويدلل بترسانة من الأمثلة على الحضور الطاغي للشق الاجتماعي في بنية الدين نفسه، ممثلًا في نصه المؤسس "القرآن"، وهذا مبحث يُعرف باسم "مبحث أسباب النزول" في علوم القرآن، فيشير ياسين في هذا الصدد إلى حضور تلك الفكرة في العقل السلفي رغم عدم فاعليتها، ويشير لحضور الاجتماع في النص القرآني نفسه، عن طريق مبحث آخر من ركائز علوم القرآن؛ الناسخ والمنسوخ، فرغم إقرار العقل السلفي بهذه المفاهيم، يضرب بها عرض الحائط مسلمًا بإطلاق دلالة النصوص وصلاحيتها لكل زمان ومكان. الحضور الاجتماعي في النص القرآني يظهر في آيات التشريع بوضوح، ما يشير إلى أن التشريعات لم تكن منظومة مستقلة عن الواقع الاجتماعي للبيئة العربية، بل جاء الشق التشريعي من القرآن استجابة لحاجات اجتماعية معينة. إذ يلاحظ ياسين أن الآيات الوارد نزولها مكيًا لم تحتوي على دلالات تشريعية، وذلك لطبيعة الرسالة المكية وعدم قيام الدولة بعد. لكن الآيات المدنية زاخرة بالتشريعات، بسبب قيام الدولة الإسلامية في المدينة، وطلب التشريعات من رأس الدولة (النبي) بصفته قائدًا سياسيًا لها، فجاء القرآن مستجيبًا لذلك فاصلًا في أمور تتطلب الفصل.
ثانيًا؛ وأود أن أفصل لهذه الجزئية فقرة كاملة، مبحث الناسخ والمنسوخ. الناسخ والمنسوخ يعني أن ثمة آيات أنزلها الله في القرآن بأحكام معينة، فجاءت آيات أخرى نسختها، أي عطلت حكمها لصالح حُكم جديد. يظهر في هذا المبحث تناقض العقل السلفي التقليدي جليًا. إذ يقر ضمنيًا عبر هذا المبحث التطور الاجتماعي للبنية الدينية، فكيف يتخيل أن الإله سينزل آيتين كل منهما يتسم بالإطلاقية ويلغي حكم واحدة دون الأخرى مع مرور الزمن، وفي آن، يسلم بإطلاق حكم الأخرى لكل زمان ومكان؟ يرى ياسين أن حضور النسخ في القرآن في آيات التشريع والأحكام دليل على الإقرار الإلهي بتطور البنى الاجتماعية للمجتمع، بتطور بنيته السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، وبالتالي يشير التشريع الإسلامي إلى تطوير منظومة التشريع كلما اقتضت الحاجة، وليس نسخ آيات مطلقة الدلالة بآيات أخرى مطلقة الدلالة، أي ليس كما يشير العقل الفقهي إلى "عموم اللفظ لا خصوص السبب".
ثالثًا؛ الاتصال الوثيق بين التشريعات القرآنية وتشريعات شبه الجزيرة العربية، يدلل ياسين بالعديد من الأمثلة التشريعية على التشابه الواضح بين التشريعات الإسلامية والتشريعات والأعراف السائدة في شبه الجزيرة العربية، عدا بعض الأجزاء المعدودة التي نص فيها القرآن على نسق تشريعي إسلامي منذ بدايته لنهايته. وعلى هذا فإن ياسين يرى أن التشريع ليس جزءً من بنية الدين، بل جزءً من التدين، المفهوم الذي يستخدمه للتعبير عن الشق الاجتماعي المتطور والمتغير تبعًا للزمان والمكان.
رابعًا؛ إقرار المنظومة التشريعية الإسلامية على العُرف وتشريعات الأديان السماوية الأخرى ومطالبة الرسول بالالتزام بها، استكمالًا للإشارة السابقة لتشابه التشريع الإسلامي مع تشريعات شبه الجزيرة العربية وتشريعات الجاهلية، التي يرادفها العقل السلفي مع التدنيس، يستشهد ياسين بآيات القرآن التي تحض النبي على الحكم بين اليهود بما أُنزل في التوراة، في الآية التالية في سورة المائدة: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43، سورة المائدة)" وهذه إشارة أخرى في القرآن لإقراره بالعُرف، أي ما يحتكم إليه مجتمع معين للحصول على التشريعات، دون إطلاق حكم الإسلام على الجميع، كمصدر تشريعي. والمسألة في التوراة شديدة الوضوح؛ فالتوراة كتاب مفرط الاتصال بالواقع الاجتماعي لليهود، وبما أنهم تمسكوا بما فيه حتى عهد نبي الإسلام، جاء القرآن مقرًا لما فيه.
خامسًا؛ التنزيل المنجَّم والمصحف المجمع؛ يشير ياسين إلى التنزيل المنجم للقرآن، والتنجيم في الإسلام يعني نزول آيات القرآن منفصلة أو مقطعة، فالنجم في العربية يعني القطعة. النزول المنجم دليل على استجابة القرآن للواقع الاجتماعي في نظر ياسين، إذ لو كان القرآن كله بناءً واحدًا لنزل في كتاب واحد على النبي. يقارن ياسين بين التعامل مع النص القرآني في مرحلة التنجيم والتعامل معه بعد الجمع في المصحف الواحد بعد العصر العثماني. يرى ياسين أن الفترة السابقة على الجمع ظهر فيها بوضوح إهمال بعض الصحابة مثل أبي بكر وعمر لصريح النص القرآني، مدللًا على ذلك بالأمثلة، مشيرًا إلى وعي هؤلاء الصحابة إلى عدم إلزامية تشريعات النص القرآني، وارتباطها بزمان ومكان محددين، دون إطلاق أحكامها على كافة الظروف والحالات، كما يشير إلى ترك الخلافة الراشدة لنفسها مساحة للتشريع والاجتهاد، في ظاهرة ستندثر تدريجيًا بعد جمع القرآن أولًا ثم تدوين الحديث في العهدين الأموي والعباسي.
سادسًا؛ الانقسام السني الشيعي. يطرح ياسين حادثة الانقسام السني الشيعي بصفتها أوج التطور الاجتماعي لبنية الدين الإسلامي، وتمظهرات التدين به، فالانقسام الناشئ عن خلاف سياسي محض، أسفر عن تمذهب شديد التباين بين المسلمين، أنتج كل منهما تراثًا نصيًا هائلًا في الكلام والفقه، للتدليل على صحة مواقفهم السياسية وإصباغها بالدين، في عملية يُطلق عليها ياسين مصطلح "التنصيص".
سابعًا؛ تدوين الحديث. التأصيل لدخول الحديث في بنية الدين، بعد أن كانت السنة مرادفة للمارسات العملية التي يطبق بها الرسول منطوق القرآن ويفصُّل لما ورد فيه من مطلق، إلى الحد الذي اعتبر فيه بعض الفقهاء الحديث ينسخ آيات من القرآن، لتساوي الدلالة الإلهية لكل منهما، فكل منهما وحي من الله، من مظاهر عملية التنصيص التي يتحدث عنها ياسين. بعد نشوء الدولة الأموية ظهر العديد من الحاجات التشريعية الجديدة، التي تطلبت من الدولة تشريعات جديدة، ولكي لا تُرفض تلك التشريعات، كان لزامًا على الدولة أن تصبغها بصبغة دينية، وعلى هذا نشأت حركات تدوين الحديث وامتزاجه بالفقه، وأمثل تعبير عن ذلك كما يرى ياسين كتاب الإمام مالك "الموطأ" الذي هو كتاب حديث وفقه معًا، ما يشير إلى المزج الغريب بينهما، وكأن الفقه كان المنتج الحقيقي للحديث وليس الحديث منتجًا للفقه.
ثامنًا؛ ظهور الفقه في مقابل القضاء. منظومة الفقه التي شرعت في التبلور في نهاية العصر الأموي واكتملت في العصر العباسي، تعبر عن أوج إطلاق الدين على كل شيء في الحياة، بداية من السلام البسيط على الغير إلى أدق تفاصيل الحياة الشخصية مثل الاستحمام والطهارة. بداية من اكتمال الفقه أصبحت الحياة معبرة عن نفسها دينيًا، على عكس الوضع السابق عليه، والتي حضر فيها الوعي نسبيًا بالاختلاف بين الديني والعرفي، كما يرى ياسين. انتقلت مهمة التشريع والتقنين من الهيئات التشريعية العلمانية مثل القضاء إلى الفقهاء.
تاسعًا، الدين والتدين. الدين عند ياسين مرادف للأخلاق الكلية والقيم الإنسانية، التي لا تتبدل في رأيه بين أزمنة أو أماكن مختلفة. أما التدين حضور اجتماعي للدين، وتفاعل بين الاجتماع والدين. وتكمن الخطورة عندما يُنتج التدين بناءً جديدًا يختلف في مضمونه صراحة مع المطلق الأخلاقي للدين، مثل استباحة القتل بالمخالفة مع احترام الأخلاق الكلية للروح البشرية وحرمتها. يرى ياسين هذا النمط حاضرًا في كافة الأديان، اليهودية والمسيحية والإسلام.
عاشرًا؛ نظرة نقدية وتقدير واجب، تجاهل ياسين الجانب الأيديولوجي وإعادة الصياغة التي همَّ بها الفقهاء العصريون، فمع تغير الاحتياجات لاجتماعية بوضوح في الحداثة وتغير المفاهيم، لم تتغير بعد الرؤية الدينية للعالم، بفضل التمويل السياسي وخصوبة التربة العقلية الإسلامية التي تستقبلها، فلا يدخر الفقهاء جهدًا في إعادة صياغة المفاهيم الفقهية المتقادمة في لغة عصرية ولا يدخرون جهدًا في استخدام أدوات الحداثة لنشر تلك الأفكار. ينطلق ياسين في دراسته "الدين والتدين" من تحليل تشريحي، مع غياب الحديث عن الآليات التي أسفرت عن تلك البنية، أي يقدم تحليلًا أركيولوجيًا ولا يقدم تحليلًا جينيولوجيًا، وهذا ربما لا يعيبه فقد وضح الغرض من دراسته في بدايتها، وربما تطرق لتلك الأنواع الأخرى من التحليل في كتابيه الآخرين السلطة في الإسلام واللاهوت. يتحتم الحديث عن الغاية الأنطولوجية التي جاء الدين مؤكدًا عليها ومعارضًا لمقابلها الجاهلي بعد قراءة دراسة ياسين، فهل جاء الدين مصححًا لعقيدة الوثنية الفاسدة فقط؟ أم جاء مؤكدًا على نظرية أخلاقية معينة فقط؟ هذا عندما نأخذ في الاعتبار عدم معارضته لكثير من الأعراف التشريعية في البيئة الجاهلية التي أنزل فيها. لم يناقش ياسين باستفاضة مسألة مبررات اختيار القرآن لبعض المسائل للمعالجة دون الأخرى، ولكن في الإطار نفسه أشار إلى إهمال العقل السلفي لسكوت النص التشريعي القرآني عن بعض التشريعات الجاهلية، مسلمًا بها وباستمرارها، ما دفع العقل الفقهي إلى استنطاق النص بما لا يحتمل في إطار "القياس" الذي أطر له الشافعي. ثمة نقطة محورية أخيرة، وهي مناقضة المفاهيم التي أضافها التدين لجوهر الدين وتأثير ذلك على التجليات الدينية، وتلك المعضلة يمكن إرجاعها إلى مفارقة النظرية والممارسة الفلسفية الشهيرة، لم يتطرق إليها ياسين بالرغم من المساحة الكبيرة في الجزء الثاني من الكتاب المخصصة للتحليل الاجتماعي الفلسفي لمفهومي الدين والتدين.
لا يسع المرء سوى تقدير جهود المستشار عبد الجواد الفكرية على إخراج عمل كهذا العمل المهم، وشكره على سعة إطلاعه وأمانته البحثية، وتساؤلاته وأطروحاته في هذا الكتاب، والمواضيع التي أثارها، بمعزل عن إضافته الفكرية فيها، فالمواضيع نفسها تستحق البحث والتمحيص مجددًا، والتساؤلات ستظل مفتوحة للتعديل والتبديل.
.منذ كتاب (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث) لجورج طرابيشي، لا أذكر أن كتاباً "هزني" مثلما فعل هذا العمل
وهذا لا يرجع لموضوع الكتاب الجريء والمثير للبحث والتأمل، بقدر ما يرجع لخلفية مؤلفه الفكرية (والذي شاهدتُ له عدداً من اللقاءات التلفزيونية قبل القراءة له) الذي بدأ شبابه باعتناق الفكر الديني الأصولي، لينتهي كباحث عقلاني ناقد للسلفية النصوصية، ومنتصراً لمبادئ العقل والحرية، والأخلاق الكلية التي .أتت بها الأديان
يتناول الكتاب (كما هو واضح من العنوان) مسألة الدين والتدين. الدين – في نطر الكاتب – يشتمل على أمرين لا ثالث لهما، الأول الإيمان بالله، والثاني هو الأخلاق الكلية، التي تعارفت عليها البشرية في مختلف أطوارها وظروفها. بالانتقال للتدين، أي باستقبال الجماعة المؤمنة للدين، يدخل الاجتماع بما يشتمل عليه من أعراف وتقاليد وتوازنات عشائرية وقبلية، إلى حيّز التدين، فيصطبغ الدين بهذه التلوينات الإجتماعية، حتى تصبح من أصول الدين، ومن تمام أركان . الإيمان
يعترف المؤلف بصعوبة تمييز اللحظة التي يكون فيها الدين مطلقاً لم يتماس بالاجتماع البشري بعد، ولذلك فهو يعتبر الدراسات النقدية لكانط ودوركايم وماركس، انتقادات موجهة في حقيقتها للتدين، أي للتلقي البشري للدين، وليس للدين في ذاته بما هو مطلق، ومفارق للاجتماع البشري. يرى الكاتب أن التدخلات البشرية في إعادة صياغة الدين، واحدة في جميع الأديان، بما فيها الديانات الثلاث الكبرى، اليهودية والمسيحية والإسلام، فكل واحدة منهما صبغت تعاليمها الدينية بالمناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد لدى البيئة التي تلقت تعاليم الدين. وهذا يعني وجوداً مسبقاً لأحكام وتشريعات وتفاهمات اجتماعية وُجدت قبل الدين، ثم دُمجت فيه وأصبحت "شريعة إلهية"، ذلك أن الدين – وخلافاً لما هو سائد – لا يأتي لاغياً لما كان قبله من أعراف، .هي من صميم طبيعة الاجتماع، الذي لاغنى لأي مجتمع دونها وينطبق الأمر ذاته على الإسلام. فالجزيرة العربية عاشت طوال فترة الجاهلية بأعراف واحكام مجتمعية، هي خليط بين ما فرضته طبيعة الحياة ونمط الظروف الاجتماعية والثقافية، وما بين مؤثرات يهودية وبابلية وفارسية وبيزنطية تسربت إلي البيئة العربية على فترات طويلة من الزمن. النقطة الرئيسة التي يقوم مشروع الكتاب، هي أن القرآن لم يأت لاغياً أو ناقضاً لما استقر في العرف الاجتماعي من أحكام ومعاملات، بل اقتصر دوره على الدعوة إلى الإيمان بالله وحده وهنا كان حاسماً في اختلافه مع تصورات المشركين العرب، إضافة لدعوته إلى الأخلاق الكلية، التي لا ينكرها إنسان في أي زمان ولا مكان. أما التشريعات والتفاصيل العُرفية، فاكتفى بتعديل أجزاء يسيرة منها، رأى أنها تتعارض مع المبادئ الأخلاقية الكلية. ومع ذلك مثلاً، نجد أن القرآن لم يُحرم العبودية، بما فيها من امتهان لكرامة الانسان وسلبه لآدميته واستقلاليته، وذلك يرجع لكون العبودية محركاً أساسياً في عملية الاقتصاد، وألغائها يعني ببساطة انهياراً اجتماعياً شاملاً، لا يبقى معه مفهوم الحياة من الأساس. كذلك فإن الحكم بقطع يد السارق كان موجوداً في اليهودية، وفي شريعة حمورابي، وفي العرف الجاهلي القديم، وكذلك حكم "الرجم" الذي ابتدعه الفقهاء لاحقاً، .وُجد عند اليهود، وكان للعرب معرفة به عن طريقهم وإن لم يمارسوه
أدركت الجماعة الأولى التي عاصرت نزول النص ، أن القرآن ينزل لمعالجة حالات آنية عملية، تمس بشكل مباشرة حياة الجماعة المؤمنة، وما تشهده من أحداث. وإلى جانب هذا استمر عملهم بالعُرف الاجتماعي السائد، دون أن يروا تناقضاً بينه وبين إيمانهم الجديد، إلا فيما يتعلق بقضايا التوحيد والعبادات. إلى جانب هذا لم يكن "النص" نصاً بالمعنى المتعارف عليه الآن، حيث لم يكن مُدوّناً بين دفتي كتاب كما أصبح لاحقاً، لذلك كان تعاملهم مع القرآن من جهة، .وأعرافهم من جهة أخرى، تعاملاً مرناً وعملياً لا يطغى فيه جانب على آخر يشهد لهذا التعامل المرن، التشريعات التي أصدرها عمر بن الخطاب، بصفته حاكماً في المقام الأول، قبل أن يكون خليفة للرسول، منها إبطاله تقسيم أراضي الفتوح، و"تحريمه" لزواج المتعة، وإيقافه لحد السرقة، فيما يعتبر مخالفة واضحة لنصوص القرآن وممارسات النبي، الأمر الذي سيوقع الفقهاء لاحقاً في . "إشكالية كبرى، فعمدوا إلى التوفيق بين النص (الذي أصبح مقدساً عندهم بما هو كذلك) وبين عمل الصحابي الذي اعتبروه "حُجة
في عهد عثمان، تم جمع النص بين دفتي كتاب، وبغض النظر عما صاحب عملية الجمع هذه من إشكاليات سواء ما تعلق منها بـ"منهجية" الجمع أو بانتقائية "اللغة" التي قُرئ بها، أصبح لدينا الآن مصحف، كنص مدوّن. عملية التدوين هذه كما جرت في سائر الديانات، هي الخطوة الأولى لانتقال المجتمع نحو . التدين" أي إسقاط الرؤى الثقافية والإجتماعية على النص وجعله محكوماً بها، حتى وإن ادُعيَ ظاهرياً أنه هو الحاكم" استمر العمل بالعرف الاجتماعي العربي القديم (الجاهلي) في فترة الاسلام، وذلك يرجع – مرة أخرى – إلى أن القرآن نفسه كان قد أقرّ هذا العرف، ولم يجد المسلمون الاوائل أنفسهم بحاجة إلى "نصوص" أو "قواعد قانونية" تتحكم في تصرفاتهم ومعاملاتهم. لكن بعد تدوين القرآن واتساع حركة الفتوح ودخول مجتمعات وأقوام أخرى للإسلام، برزت حاجة الاجتماع إلى وجود تنظيم أقرب للتشريعي يُسيّر الحياة الاجتماعية لمن باتوا يدينون بدين واحد. ولكن لأن المادة التشريعية للقرآن محدودة جداً وبنت بيئتها، اكتشف من تسموا لاحقاً بالفقهاء محدودية هذه الأحكام وبأنها لا تغطي كافة المتغيرات الاجتماعية، وبذلك بدأت عملية ."اختلاق" النصوص
لا يُعرف بالضبط اللحظة التي بدأ هذا الاختلاق، فقد بدأت الروايات التي تُنسب إلى الرسول وتُستخدم كتبرير للموقف السياسي، منذ الفتنة الكبرى وحروب علي ومعاوية، ثم تزايدت في العهد الأموي، الذي شهد ظهور مرويات كثيرة منسوبة إلى النبي تُدعم استبداد الحاكم، وتنتقد المعارضة. لكن مع ظهور الشافعي، حدث "انقلاب" جذري في مفهوم الدين نفسه، وذلك عندما حول هذا الفقيه ممارسات النبي إلى "سنة" وجعلها في مرتبة الحجية مع القرآن، ومع تنظيره أليات استنباط الأحكام، فيما عُرف لاحقاً بـ"علم أصول الفقه" تم "تأبيد" النصوص، وجعلها ملزمة لكل مسلم في أي زمان ومكان، وهكذا ظهرت فكرة التنصيص ومقولات مثل "لا اجتهاد إلا بنص" ولذلك كان طبيعياً ان تتضخم ظاهرة الكذب على النبي، واسناد الأقوال والأفعال – المتضاربة أحياناً – إلى الصحابة كتبرير تشريعي للأحكام الفقهية، التي انبثقت أصلاً حارج دائرة القضاء الرسمي، لكنها ما لبثت أن تحولت لأحكام ملزمة، عقب تحالف .السلطة الحاكمة مع الفقهاء، وإعطاء كل منهما الشرعية والحماية للآخر
لكن قبل ذلك، وبفضل احتكاك العرب المسلمين باهل الثقافات والديانات القديمة في البلاد التي غزوها، وبسبب الحاجات الطبيعية العقلية التي تدفع باتجاه إيجاد معالجات فلسفية للمسألة الإيمانية، وهنا كان ظهور ما سُمي بـ"علم الكلام". فالمعتزلة قالوا بخلق القرآن، بينما ذهب العقل السلفي إلى القول بقِدم القرآن، :ونزوله مجملاً في اللوح المحفوظ، مع ذلك أشار الكاتب إلى أنه “ سلفياً، لاحظ العقل التدويني ظاهرة الامتناع عن التشريع في القرآن المكي، ولاحظ ظاهرة النزول المفرَّق للقرآن، وأقر بعلاقة السببية التي تربط بين الآيات والحوادث، كما لاحظ تغير الأحكام خلال مرحلة التنزيل، ووقف علي الصياغات البنيوية المتباينة في النص ما بين العام والخاص. ومع ذلك لم يتسنّ لهذا العقل الوقوف علي المعني الاجتماعي في هذه الظواهر، ومن ثم التقاط البُعد النسبي للأحكام التشريعية وارتباطها بظروفها الجغرافية الزمنية، بل العكس من ذلك، مضي في الاتجاه المضاد فألحق هذه الأحكام بالمطلق الديني المؤبَّد، باعتبارها جزءاً من بنية النص التي صارت مقدسة في ذاتها. عاد العقل السلفي ففرَّغ ظاهرة التنجيم من مضمونها عبر تبنيه لمقوله النزول المُجْمَل للقرآن من اللوح المحفوظ. وصادر علي فاعلية أسباب النزول من خلال الحيل الأصولية التي ربطت السبب بالآية لا بالحكم الذي تحمله (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص التنزيل) كما تجاهل الدلالة الجدلية لتغير الأحكام خلال فترة التنزيل القصيرة، عبر التعاطي " .مع مفهوم النسخ كعملية نظرية تتعلق ببنية النص وليس كمسار واقعي لتاريخ الجماعة المسلمة الأولي في إطاره الإجمالي
ومع انتصار الرؤية السلفية للنص - أو للنصوص – كُرست مبادئ الفقه واصوله ومناهج التفسير وآليات تخريج الحديث وغيرها لتصبح "الدين" بألف ولام التعريف. وبالرغم من توالي القرون، إلا أن نمط الحياة الاجتماعي ظل في مجمله قريباً من البيئة التي اُنتج فيها الفقه، "فظلت البني الاقتصادية رعوية وريعية، ".والبنى الاجتماعية قبلية وعشائرية، والبنى العقلية أسيرة لمثالية التفكير اليوناني السابقة على التجربة
هذه المراجعة – على طو��ها – تبدو مبتورة وفوضوية إلى حد كبير، بسبب دسامة الكتاب، وثقل المادة التي يعالجها المؤلف، وتشعبها بين المباحث العديدة، لذلك فالأجدى قراءة الكتاب بتأنٍ وتمهل، وهو ما ستساعد عليه لغة الكاتب الدقيقة. وأخيراً أختم بهذا الاقتباس: "يحمل التاريخ العام للتدين التوحيدي عيباً مزمناً في التعاطي مع النص ومفهوم الدين، يقوم على تصور تحكمي خاطئ لطبيعة العلاقة بين الدين والاجتماع، ولحقيقة الحضور الاجتماعي في النص، بسبب استغراق البُعد الغيبي للحقيقة الدينية بكاملها، وهو تصور ترتد جذوره إلى مخلفاتٍ .من التراث الاعتقادي القديم الذي تجاورت فيه الميثولوجيا مع المفاهيم الأصلية للإيمان وربما كان هذا هو النموذج الأهم في الحالة الإسلامية، من حيث فداحة الآثار التي ترتبت عليه، وأعني بذلك التوجه العنيف الذي اتخذه مسار التدين الإسلامي وتاريخه، سواء على المستوى الخارجي تحت عنوان الفتوح، أو في الاقتتال الداخلي بين الفِرق، وانعكس على مستوى الذات الإسلامية المعاصرة، التي صارت عرضة للتناقض بين مفاهيمها "الملزمة" فقهياً، وبين ثقافتها الحداثية التي كشفت عن التهافت الأخلاقي والمنطقي في هذه المفاهيم، وعدم قابليتها عملياً ".للاستمرار، كما كشفت عن جذورها ذات الأصل الاجتماعي الصريح
الكتاب هو المشروع الفكري لعبدالجواد ياسين فبعد أن أثبت في كتابه الأول (السلطة في الإسلام -بجزءيه) تطور النص الروائي بما يخدم التطور السياسي و الفقهي، يحاول هنا أن يثبت علاقة الوضع الإجتماعي بالنص التأسيسي و هو القرآن الكريم.
يرى المؤلف أن المطلق في الدين هو فقط الإيمان بالله و الأخلاق الكلية. أما التشريع الوارد في النص فهو مرتبط بالإجتماع وقت التنزيل و مكانه، أي أنه لا يمكن تجميد هذه التشريعات مع تغير الزمان و المكان
لا شك أنه طرح جريء و صادم للموروث أتمنى أن أقرأ رد علمي و موضوعي لمن يخالفه بنفس العمق و المستوى بدلاً من التكفير أو الإكتفاء بترديد مقولة (التشريع في القرآن صالح لكل زمان و مكان)
الكتاب قيم وفيه جهد وإجتهاد كبيرين من المؤلف. فالتدين يكاد يوجه الدين نع كل هذه الإجتهادات والتعقيدات التي أدخلها أصحاب المذاهب على التفسير والحديث. سعى المؤلف وهو قاضي ممارس الى العودة الى جذور التشريع الديني، نشاته، تطوره، تطبيقاته السابقة واللاحقة لنزول النص. كتاب يمكن القول بأنه موجه لأهل الإختصاص. ما لفتني هل طول الجمل المستعملة حتى تكاد تضيع الفكرة فيها ويصعب على القارىء اللحاق بها. ويسجل للكاتب موضوعيته وعدم جنوحه لتفضيل مذهب على مذهب أو رأي شرعي على آخر بل سعيه دائماً للوصول الى حقيقة وأصل التشريع.
نجمتان فقط لمحاولته تفعيل علم الاجتماع في العلوم الشرعية ، لكن المؤلف بالغ كثيراً في إعادة كثير مما هو ثابت شرعاً العلة الاجتماعية .. بحيث يلغي كثيراً من التشريعات في النهاية بحجة أنه مؤقتة بحدث ومناسبة معينة !
استعراض وفي للكتاب (البحث). !من أروع ما قرأت! اقتنعت بالفكرة العامة للكتاب، و لكن تبقى بعض التفاصيل غير مقنعة لي. في إنتظار بحث آخر. http://al-akhbar.com/node/178483
كتاب جدلي ومرهق للمفكر المصري " عبدالجواد ياسين " .. اساس فكرة الكتاب هو الربط بين الاجتماع والدين وكيف ان الحركة الاجتماعية كان لها تأثير كبير في نشوء تشريعات داخل المنظومة الاسلامية , وكيف ان الاجتماع استطاع توجيه الدولة الاسلامية في عدة مواقف ... الدراسة هذي قائمة على الربط بين الاجتماع والدين وقسمها الكاتب الى فصلين : الاول كان يتكلم عن النص في سياق النزول يعني فترة حياة النبي , ويذكر كيف ان الاحداث الاجتماعيه كان لها تأثير في نزول بعض الآيات , وذكر ايضا الفرق بين الآيات المكية والآيات المدنية ... وفي الفصل الثاني تحدث عن تطور النص ويقصد فيها الفترة اللي تلت وفاة النبي على الصلاة والسلام , ويذكر كيف بدأت التشريعات في عهد الخلفاء الراشدين ومن ثم في عهد الدولة الأموية والعباسية وكيف نشأ " الفقه " وهل كان نشوءه في الاساس ديني ام نزعة جتماعيه ؟ .. عموما الجزء الثاني من الكتاب اللي هو اخر 90 صفحه تقريبا كان هو الاعمق واللي ركزت عليه اكثر لدرجة اني قرأته مرتين , لغة الكتاب عاليه شوي ومتعبه تحتاج انك تبحث كل شوي لأن المصطلحات الشرعيه عديده ولغة الكاتب عاليه ومرهقه .
الكاتب فرّق بين مفهوم الدين ومفهوم التدين .. يذكر ان الدين هو الأخلاق الكلية زي ( الصدق والأمانة والمحبة والإخاء ووالخ ) والتدين هو نزعة اجتماعية أدخلت على الدين واعتبرت شئ ثابت ومطلق .
الجميل في هذا الكتاب هو انه من كاتب عربي مسلم ويندر اننا نقرأ كتب زي هالنوعية من الجرأه والطرح لكتاب عرب ومسلمين ... لما تقرأ هالكتب من كتاب عرب تجدها اقرب واجود بالطرح من الكتاب المستشرقين , وطبعا قبل كل شي الكتاب يطرح وجهة نظر اجتماعيه حيال نشأة النص وكيفية ظهوره وهالشي بالنهايه رأي الكاتب ويحتمل الصحة والخطأ , لكن زي مابينت قبل انا ان عندي مشكلة مع الأحداث التاريخية بشكل مجمل .. يعني معي مشكلة مع حقيقة هذي الأحداث وهل فعلا وقعت ام انها مؤلفة ومغلوطه ؟ وهالشي اللي يخليني اشك بكثير من الوقائع اللي حصلت سابقا ونقلت لنا .
وعموما الكتاب حول 400 صفه وشوي ويتضمن أمور عديدة ومناقشات كثيرة صعب اني اتكلم عنها كلها بس بشكل عام فكرة الكتاب كانت جيدة وطرحه على انه صعب الا كان واضح بس يبيله تركيز , وهو من نوعية الكتب بالنسبة لي اللي ممكن بعد فترة ترجعله مهب من النوع اللي تقراه مرة وحده وتجدعه خلاص ..
وزي عادتي اكون مجمع كلام كثير وودي اتكلم بس لما اكتب يطير نص اللي ابي اقوله .
من اهم الكتب التي ألفت في الآونة الأخيرة ومن اهم الكتب التي قرأتها، كنت اتفق مع فكرته العامة حتى قبل أن أقرأه يميزه الدقة وكثرة الأمثلة والتحليل، هناك بعض نقاط لم يعالجها بشكل كافي
لكي أعرض الكتاب او اقيمه لا يكفي التعليق هنا أتبنى تعليك الأستاذ محمد نعمان على هذا الكتب:
من أفضل الكتب ال قرأتها ف السنين الأخيرة .. يمتاز الكاتب بأسلوب دقيق و مركز و كل كلمة ف الكتاب حرفيا مهمة جدا .. أرشحه بقوة لأي حد مهتم . لكني لا أتفق مع الفكرة العامة التي يحاول الكاتب تقديمها وهي إن الاجتماع هو مُلهم التشريع الأول و بذلك يضع الكاتب الاجتماع درجة فوق النص القرآني باعتباره كان مجرد انعكاس للاجتماع ف فترة زمنية محددة ف وقت محدد بوقائع محددة ! و أنا أخالف الكاتب جزئياً إن و إن كان القرآن نزل منجماً و كان بالفعل انعكاس لوقائع محددة ف اغلب الأحيان إلا إن النص القرآني التشريعي جاء عمومياً بشكل شامل ليكون مناسباً لتفاعل الحياة و المجتمع و الفقه معه ف الأزمنة المختلفة لصالح عموم المسلمين ف كل مجتمع وزمان .. ببساطة أنا متفق مع الكاتب ف قوة تأثير الاجتماع لكن ليس ع حضور النص ذاته - كما يرى الكاتب - لكن ع مدى تفاهمنا و تفاعلنا مع النص .. أي أن النص القرآني دائماً حاضراً مع التشريع الإسلامي ف المجتمع الإسلامي . و أي اجتهاد تشريعي حتي ولو وضعي لا بد أن تكون مرجعيته النص القرآني مع الأخذ ف الاعتبار البعد الاجتماعي الزمني و المكاني لحظة التشريع .
تقييمي للكتاب 5/5 . لقوة أسلوب الكاتب و لإعجابي بطريقة طرحه الأكاديمية المحترمة .
هكذا ادى التدين الى تضخيم الدين بحيث صار ما هو اجتماعي اكبر مما هو مطلق في منطوق البنية الدينية التي تعمم على مكوناتها تلقائيا صفة القداسة المؤبدة والاشكالية الاكبر هي امساك الاشخاص على الآراء بقوة وعدم التفرقة .. حتى على مستوى طلاب العلم وهناك اشكالية اكبر وهي .. لحل المشكلة السابقة نقل الى الجهة الاخرى وهي العقلانية.. اي العقل التجريبي.. لان العقل التجريبي الاجتماعي وهو يعمم نتائجه على مجموع البنية الدينية وصل الى انكار ما هو مطلق في الدين واعتباره في مجمله ظاهرة تاريخية من صنع الاجتماع وهكذا يقع الخلط بين الدين والتدين ليس فقط من قبل العقل اللاهوتي الذي يلحق التدين بالدين وانما ايضا من قبل العقل العلمي الذي يلحق الدين بالتدين
هذه الدراسة عميقة جدا ودسمة وهي عمل يحتاج الى دراسة وتأني في المطالعة
واحد من أهم وأتقل الكتب اللي ممكن تقراها.. أستاذ عبد الجواد ياسين هنا بيحاول تفكيك منظومة الدين الكلية لعناصرها الأولية واللي هي منظومة الأخلاق الكلية المعبرة عن روح الدين المطلق والثابت، والتدين المتأثر بالإجتماع والزمان والمكان واللي هو متغير بتغير العناصر دي. المشكلة في ناس قررت توقف الزمن عند الإجتماع في عصر معين وبيئة معينة عشان تفرضها بشكل مطلق ودائم كجزء من منظومة الدين الكلية، مش كما فهمها الأوائل كتفاعل مع العُرف والاجتماع في زمنهم. وازاى تطور مفهوم النص وتطور الوعي بفكرة التنصيص لحد ما سيطر الفقه عن طريق السُنة المنصوصة أو الحديث على الحياة، بينما السُنة كما فهمها الأوائل كانت برضو تفاعل مع محيطها الاجتماعي. والاهم هو التأثير السياسي والجغرافي اللي أدى لتمدد البنية الدينية وأدى للمذهبية.
هذا الكتاب رتب جزء من الفوضى والضبابية الفكرية في عقلي ، حول الدين وبعض الافعال والتشريعات الموجودة في القران، اضافة الى ما هو موجود اليوم من تشريعات وافتاءات في المنظومات الفقهية . مقدمة الكتاب دقيقة جدا ، بحيث احتوت عصارة فكرة المستشار عبد الجواد ، اما باقي الكتاب فهو ادلة لتلك النتيجة. شكرا عبد الجواد ياسين.
كتاب أكثر من رائع , يستحق الدراسه لا مجرد القراءه , هو من نوع تلك الكتب التي تغير تفكيرك الى الأبد , اتمنى أن تصدر كتب شارحه أو ملخصه له بشكل أكثر تبسيطا لأن لغة الكتاب نخبويه وقد تكون ثقيله على كثير من الناس , كتاب كهذا يجب أن يتم تدريسه إن كنا نريد فعلا التطور لمجتمعاتنا العربيه , شكرا للمستشار عبد الجواد ياسين .
قراءة للمرة الثالثة، وفي كل مرة فائدة؛ فهو كتاب تأسيسي. لم يكتف فيه المستشار عبد الجواد ياسين بنقد العقل الديني السلفي التقليدي في فهمه للمسألة الدينية والذي لا يفرق بين الدين الثابت المطلق والتدين الاجتماعي النسبي المتغير فحسب؛ بل تناول أيضا العقل الاجتماعي الوضعي بالنقد، حيث يرى أن علم الاجتماع، كما عبر عنه كونت ودوركايم وفيبر، درس الظاهرة الدينية ككل نابع من داخل الاجتماع، ولم يفرق هو أيضا بين دين وتدين، بين مطلق ونسبي، وهكذا مارس ياسين نقدا مزدوجا لعقلين مختلفين ليؤكد أن بالرغم من حقيقة وجود الشق الاجتماعي للدين، والذي يخضع لقوانين التغير والتنوع، فهناك شق يستعصي على الدراسة الاجتماعية، شق مطلق ثابت هو جوهر الدين، بل هو الدين بالتعريف، وأن الذات في أعماقها هي ملاذ الشعور بهذا المطلق المتمثل في الإيمان بالله والأخلاق الكلية.
أولا: في الإجمال الكتاب قيم يضع كثيرا من الإشكاليات التي تواجه دعاة الفكر السلفي،والتي كان متمكنا جدا منها بسبب احتكاكه السابق بالتيار السلفي
ثانيا:التكرار على الفكرة الأساسية كان بطريقة ملحة رغم وضوحها، أعتقد أنه أعاد المسألة أكثر من 20 مرة، رغم اختلاف الصياغة كان المعنى واحدا
عموما المراوغة الواضحة للكاتب كانت فنا تكتيكيا ممتازا منه بحيث من الواضح جدا أنه يتكلم عن المسألة من خارج نطاق العملية، الفكرة الأساسية هي التسامح، وبعد التسامح لا يبقى إلا القليل من الخوف ليهزمه الشخص بنفسه
رغم أنه من الواضح أنه يتكلم من الضفة الأخرى إلا أن النهر كان واحدا في النهاية
الكتاب يشرح بشكل واضح قضية التشريع في الآيات المدنية وعلاقتها بالعرف الاجتماعي الجاهلي وبقية الروافد الثقافية كاليهودية والبابلية يتطرق أيضا للتحول الحاصل بعد جمع القرآن في نص نهائي مغلق وعملية التنصيص وخطورتها على العقل الاسلامي
الكتاب غزير ومفيييييد جدا. صعب ألخص رأيي في كم سطر.
يقدم عبدالجواد ياسين قراءة أخرى غير تقليدية للتتشريعات القرآنية وتاريخ تطور العقل الإسلامي السني وأدواته .. حقيقةً الدراسة تجيب عن القليل وتفتح الباب للكثير من الأسئلة، لكن الموضوع شيق وهام ..