كلّما عصفت بالوطن العربي عاصفة جديدة، تسارعت الأبحاث والنظريات بشأن فكرة القومية العربية وإمكان قيام الوحدة العربية. ومن هذه الأبحاث ما يُبلسم النفس بالآمال، ومنها ما هو سوداوي قاتم، بحجة الموضوعية. واليوم يطالعنا محمد جابر الأنصاري بكتابه الجديد الذي يبحث في قضية الوحدة العربية والتجزئة لكن بنظرية "جغرافية موضوعية"، إن صح التعبير. فالتجزئة، في رأيه، لم تكن وليدة الاستعمار فحسب، بل كان لعامل الجغرافيا أو "الفراغ الصحراوي بين الحواضر العربية" دور مهم في هذه التجزئة. كما أن الأنصاري يدعو إلى ضرورة المحافظة على الدولة القطرية، وإن لم تصل السلطة فيها إلى مستوى الدولة، كنقطة انطلاق إلى الوحدة الشاملة.
أما هدف الكتاب فهو "لفت انتباه الوعي العربي إلى أن الأزمات السياسية المتلاحقة التي يعانيها العرب ليست وليدة الحاضر الراهن وحده، وليست نتاج لحظاتها الآنية المنعزلة؛ وإنما هي أعراض لتراكم واقع موضوعي طويل الأمد، تداخلت فيه عوامل المكان والزمان والتكوين الجمعي؛ أي بكلمة أُخرى: "عوامل الجغرافيا والتاريخ والتركيبة المجتمعية العامة المتوارثة، والممتدة إلى عمق الحاضر المُعاش في مختلف مظاهره وأعراضه التي يعانيها عرب اليوم." (ص 7). وبناء عليه، يعتبر الأنصاري أن العرب لم يعرفوا أنفسهم إلى اليوم؛ لأنهم غير موضوعيين في مناقشة الأزمة العربية، وذلك بسبب أبحاثهم ونظرياتهم الأيديولوجية. وفي رأيه "ليس صحيحاً أنه لا ثقافة بلا أيديولوجيا، وإنما الصحيح أنه لا أيديولوجيا فاعلة ومتماسكة دون ثورة ثقافية معرفية تتقدمها... وتقودها... وتقربها من أفق الحقيقة" (ص 8). غير أن الأنصاري لم يوضح لنا مرتكزات هذه الثورة وأسسها، إنه يريد فقط نبذ الأيديولوجيا، أو "نقد الواقع"، لكن ليس تغييره.
الدكتور محمد جابر الأنصاري المستشار الثقافي للعاهل البحريني. كاتب ومفكر بحريني، أستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، وعميد كلية الدراسات العليا في جامعة الخليج في البحرين وعضو المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون في البحرين.
ولد في البحرين عام 1939، تعلم في البحرين الي انهائة لدراستة الثانويه من بعدها انتقل للتعلم في الجامعة الأمريكية في بيروت حتي نال منها:
* بكالوريوس آداب عام 1963م * ماجستير في الأدب الأندلسي عام 1966م * الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية الحديثة والمعاصرة عام 1979م
بالإضافة لذلك تابع تعليمه وحضوره للدورات الدراسيه في عدد من الجامعات المرموقه في العالم ك جامعة كامبردج. في عام 1982 توجه الي فرنسا لدراسة الثقافة الفرنسيه في جامعة السوربون بباريس. وحين وفاته كان يعمل في منصب: مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية في مملكة البحرين
هذا الكتاب يحمل غلافُه أكثرَ العناوين إجمالاً لما قد تحتويه صفحاته من أفكار، فالأنصاري يناقش موضوعًا-تكوين العرب السياسي- يُسهِمُ في صنع آخر-مغزى الدولة القطرية- ويسعى بالنهاية الأنصاريُ لـ-إعادة فهم الواقع العربي-.
أفكار سريعة من هذا الكتاب: - نمطا الخطاب العربي السياسي(الإسلامي التراثي والأيديولوجي المعاصر) كلاهما لا يمسان الواقع العربي المعاصر. - الخلل ليس منحصرًا في السلطة أو الطبقة السياسية، وإنما هو خلل شامل يمتد للخلفية الفكرية والاجتماعية للإنسان العربي. - لعبَ العامل الجغرافي "الصحراء" دورًا في صنع واقع التجزئة الذي تعانيه الأمة العربية. - الأنصاري ينتقد بن خلدون في منهجه الاجتماعي التحليلي، إذ اقتصر-بحسب الأنصاري- على دور وأثر البادية العربية في التأثير على الحضارة الإسلامية، متجاهلاً نوعًا ما دور البوادي الأخرى، وخصوصًا الآسيوية. - لم تمر الدولة الإسلامية، أو الحضارة الإسلامية عمومًا بمرحلة الإقطاع التي عاشتها أوروبا، والتي شكلت فيما بعد القاعدة التي بنيت عليها الدولة القومية في أوروبا. - الدولة القُطْرية هي وحدة لتجزؤ أكبر، لذلك الأنصاري ينظر لها كخطوة أساسية نحو الوحدة العربية. - وجود السلطة لا يعني بالضرورة وجود الدولة.
للاطلاع على مراجعة أوسع وأشمل، أرجو التفضل بقراءة هذه التدوينة:
كتاب مهم ومرجع جيد للفكر العربي السياسي. ينتقل الانصاري في الكتاب من حالة العرض المجرد للمعلومات الى حالة المثقف الذي يحلل أشكاليات الفكر العربي. يطرح الكاتب الفكر العربي القومي بدون رومنسية تفقد الطرح قيمته. لعل ابرز فصول الكتاب الفصل الذي تطرق فيه الى فكرة كون الدولة القطرية خطوة اولية نحو الوحدة. حيث يرى ان التجربة القطرية متى ما نضجت فهي في طريقها الى الوحدة وطرح مشاريع وحدة محتملة بين الامارات وعمان في سبيل رغبة الدولتين في التكامل لمواجهة المد الايراني (كتب الكتاب في 1995). هذا الكتاب ذو الحجم المتوسط يمثل فرصة جيدة لمن اراد الاطلاع على اشكالات الفكر العربي. والاهم ان الطرح يتناول الدولة و الامة كا ظاهرة فلسفية.
كتاب أكثر من رائع لمن أراد الاطلاع على الواقع العربي بصورة موضوعية ومنطقية، الكتاب قادر على تفسير أي ظاهرة تتعلق بالمنطقة العربية من سياسات وأنظمة والعديد جدا من الموضوعات التي ينبغي لنا جميعا أن نطلع عليها