كنت قد فقدت ذلك كلّه.. الريح والليل وأزيز الرصاص ونباح كلبٍ وحيد في شتاء "رجاح".. حيث تتبعثر ما بين السور والسائلة قصاصات طفولة وخطوات كهول لا يدرون من خذل الآخر.. إنّها "رجاح" التي تشبه "ماكوندو" كثيراً.. لكن من يشبه "غارسيا ماركيز" الذذي حولها إلى أشهر قرية في العالم؟ "مائة عام من العزلة" سيرة ذاتية لقرية خذلها االزمن الأخير عندما اخترع مجموعة من القتلى والقتلة والحزبيين و"المكفلين" الذين حملوا امتعتهم وتركوها وحيدة تعاني الأرق.. مرت الطائرة غير أن "الحمدي" لم يطل من النافذة ولم يقذف بالشوكلاتا على رؤوس الأطفال في عيد الثورة.. كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها إب.. زحام وموسيقى عسكرية وخطباء وثوار وجماهير وأجواء كفيلة بإذهان طفل قروي جلس ينتظر الحمدي.
كتاب (مدن لايعرفها العابرون ) لكاتبه محمود ياسين .. جذبني العنوان لاجد محتوى رائع بأسلوب مثقف وراقي يقربني لمدن يمنية احببتها رغم اني لم ازرها باستثناء عدن التي اسكنها وتسكنني .. وان كان الكاتب في كثير من فقرات الكتاب ينقل لنا وجهة نظره فقط .. متنقلا بين إب الخضراء .. مأرب المتمردة على المدنية.. الحديدة البائسة والمسالمة حد القهر .. حضرموت الحرص والرقة والكرم والعلم ..صنعاء العاصمة والتراث والقدم ..صعدة الصراع والاسلحه والبرتقال والشيعة والسلفيين ... تعز التمرد والثقافة ... عدن التنوع والحب والسلام والبخور ...حجة وذاكرة الدم والثوار ... رداع بداية التمدن ... ذمار مصنع النكتة في اليمن ... تمنيت لو شمل الكتاب كل مدن ومحافظات اليمن يستحق القراءة ..
في مدن لا يعرفها العابرون يدور بنا محمود ياسين حول اليمن سارداً تاريخ مدنها وتفاصيل شعبها وتضاريسها وأهم الأماكن فيها. يميز الكتاب اُسلوب محمود ياسين الذي يشتهر بأنه أبرز من كتب في فن الرحلات في اليمن، كاتبٌ ينفخ الحياة في الحبر الذي يكتب به ليحملك معه في كل صفحة، تشعر بحر حضرموت، رطوبة السواحل، وعورة الطريق إلى حجة، وكل ما من شأنه بعث الشوق في القلب. هذا الكاتب الذي جعلني أشعر بتعاسة شديدة وغضبٍ وأنا أقرأ هذا الكتاب، أعادني لتفاصيل مدنٍ ظننت أن الزمن قد أنساني أياها، وجعلني أدرك أن هذا البلد السعيد كئيبٌ يرفض العالم تركه وشأنه ويأبى من حوله إلا أن يراه مدمراً، وشعبه المسكين الذي يقاوم قسوة التاريخ يستمر بالعيش كيفما أمكنه.
هذا الكتاب ممتع، مؤلم وهو رحلةٌ في تاريخ أرضٍ بتاريخٍ غنيٍ ومثقلٍ بالهموم والمواجع.
رائعة ....!! تلفها الكلمات المعبرة ، والقصص الجميلة ، والنقد الذاتي لصحافي بدأت أعشق أحرفه وعباراته ... محمود ياسين ... لك من العظمة الصحافية الكثير ، أسلوبك ، وأحساسيك ، وكلماتك .. مدن لا يعرفها العابرون ، بعد قراءتها تتكون لديك فكرة شاملة عن هذه المدن ، تصبح قريبةً جداً منك ، وتتكون بينكما علاقة حميمية ، وتصبح المودة عنواناً لأفكارك عن تلك المدن ، وبهذا يكون اللقاء قد أصبح واجباً وإلزاماً لا مفر منه ..
محمود ياسين مدن لا يعرفها العابرون .. أشياء لن أنساهاً طيلة حياتي ، لأنها حقاً تستحق الذكرى ..
" كثيرون اولئك الذين يدخلون صنعاء وينقسمون ويخرجون، وتبقى صنعاء مدينة أستثنائية لاتتكرر ولاتنقسم"
كتاب مدن لا يعرفها العابرون لمحمود ياسين هو تجميع لعدة مقالات كتبها الصحفي اليمني المميز والرائع محمود ياسين عن عده مناطق في اليمن، استمتعت جدًا بقراءة الجزء الذي حكى فيه عن زيارته لمسقط رأسي صنعاء الأبية، المدينة التي تحتضن الجميع بلا استنثناء.