يتناول الإمام الشاطبي في مصنفه هذا موضوع البدعة. وقد جعل مباحث ما كتبه في عشرة أبواب جاءت عناوينها على التوالي: 1-تعريف البدع ومعناها. 2-ذم البدع في سوء منقلب أهلها. 3-في أن ذم البدع والمحادثات عام، وفيه الكلام على شبه المبتدعة ومن جعل البدع حسنة وسيئة. 4-في مأخذ أهل البدع في الاستدلال. 5-في البدع الحقيقية والإضافية، والفرق بينهما. 6-في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة. 7-في الابتداع يختص في العبادات، أم تدخل فيه العادات. 8-في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان. 9-في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين. 10-في الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه المبتدعة.
إبراهيم بن موسى بن محمد أبو إسحاق اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، وكنيته التي عرف بها أبو إسحاق، لم تُسلط - كتب التراجم المعتمدة - الأضواء على مكان ولادته، ولا عن تاريخها، ولا عن كيفيّة نشأته، إلا أن الذي يبدو - والله أعلم - أن أصله كان من مدينة شَاطِبَة، وأنه ولد في مدينة غرناطة، قبيل سنة 720هـ.
تتلمذ الإمام أبو إسحاق الشاطبي على جماعة من العلماء، منهم الإمام علاّمة وقته بإجماع أبو عبد الله المقري، والعلاّمة المحقّق المدرس الأصولي أبو علي منصور بن محمد الزاوي، وغيرهم.
بعض تلاميذ الإمام أبي إسحاق الشاطبي: قال أحمد بابا التنبكتي: "أخذ عنه جماعة من الأئمة كالإمامين العلامتين أبي يحيى بن عاصم الشهير، وأخيه القاضي المؤلف أبي بكر بن عاصم، والشيخ أبي عبد الله البياني، وغيرهم".
هو مالكي المذهب، ومن الأدلة على هذه المسألة أن الإمام الشاطبي - نفسه - قد اعتنى بذكر أقوال الإمام مالك، وغيره من أئمة المذهب، يظهر ذلك جليا من خلال كتبه.
وكانت غرناطة - في عصر الإمام الشاطبي - مجمع فلول الهزائم، وملتقى آفات اجتماعية نشأ عنها انتشار بعض البدع التي أدت إلى ضعف المسلمين، وكانت هذه الحال لا ترضي الإمام الشاطبي، وهو يعلم أنه مأمور بإنكار المنكر، فقام في هذا الجانب خير قيام، وألف في ذلك كتابًا حافلاً نصر به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقمع به بدع المبتدعين، وقد تحدث هو بنفسه عن بعض مما قام به في هذا الشأن فقال: "... لم أزل أتتبع البدع التي نبّه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منها، وبيَّن أنها ضلالة، وخروج عن الجادة، وأشار العلماء إلى تمييزها والتعريف بجملة منها؛ لعلي أجتنبها فيما استطعت، وأبحث عن السنن التي كادت تطفئ نورها تلك المحدثات؛ لعلي أجلو بالعمل سناها، وأُعد يوم القيامة فيمن أحياها...".
موضوع هذا الكتاب العظيم هو البدع بأنواعها وأحكامها وكيف تنشأ وما يترتب عليها وكيف يواجهها العلماء ... أول قراءة لي من هذا النوع وبالرغم من بعض الصعوبة إلا أن ما وجدته فيه من متعة وإفادة كان أكثر ... أدهشني أسلوب الإمام الشاطبي الواضح السلس القريب من واقعنا ومشاكلنا بشكل يفوق الكثير من العلماء المعاصرين ... أهم ما تعلمته هنا أن أبشع ما نواجهه اليوم مر على من كان قبلنا فنحن لسنا بدعا من الأمم لكن الفرق _ ربما _ أن عمق غربتنا وتفرقنا وبعدنا عن هويتنا العقدية أغرقنا في يأس من الإصلاح خاصة أنه بمرور الزمن يقل حظنا من العلماء الراسخين الذين يحفظون دين هذه الأمة ودنياها ... اللهم إنا نعوذ بك من رؤوس جهال يفتون بغير علم فيضلون ويُضلون .
(إِذا ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ الرجال، فالحق أيضاً لا يعرف دون وساطتهم، بل بهم يتوصل إليه وهم الأدلة على طريقه). آخر كلمة في الكتاب.
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم.
حديث عن البدع بنكهة أصولية من عالم نحرير سرى في دمه علم الأصول حتى رشح من مسامه وفاح منه ريحه وانقدحت فيه الحمية للسنة في مواجهة المبتدعة من متكلمة ومتصوفة ومتفيقهة، لو أكمله المؤلف لزاد حسناً على حسن وضياء على ضياء، ولكن "وما يمسك فلا مرسل له من بعده" فسبحان مقدر الأقدار ومحوِّل الأحوال...