( نهاية الأمس ) .. الرواية العميقة التي أثرت في الكثيرين و إن لم يصرحوا بذلك .. رواية تأتي في الزمن الوسط بين ( ريح الجنوب ) أول رواية له ، و ( غدا يوم جديد ) آخر رواية .. زمن إبداعي تمكن من خلاله الراوي ( الأنا) من وضع أنامله على فجوات أزمنة أخرى مغايرة ، مشابهة ، و تحمل على الإقتداء و التأسي .. يشبهه جدا زمن ( ذاكرة الجسد ) لأحلام مستغانمي ، و ما أقرب البشير المعلم في القرية و الذي كان مجاهدا تربطه علاقة وطيدة بتونس .. ما أقربه من خالد بطل أحلام .. كان عبدالحميد يكتب ليقول أشياء كثيرة .. عبر فواصل رحلته الروائية .. و أزمنتها و تقنياتها .. كان مجربا شغوفا بالمغامرة .. و محافظا متشبثا بنصاعة لغته .. و روعة أسلوبه .. حين يمتطي الحكي بساطا لتبليغ هواجس الجزائري المقبل على تحديات شتى في حياته بدءا بالمجتمع مرورا بالسياسة و انتهاء بالثقافة و التثقيف .. رسالة هي ذاتها رسالة الشهداء و المخلصين لرائحة هذا التراب من جزائريين وغيرهم .. كان عبدالحميد في ( نهاية الأمس ) يستعجل زمنا آخر .. و يتخلص من وطأة حلم يقض مضجعه ليصل إلى اليوم الجديد .. و لما قال ( غدا يوم جديد ) تنهد بعمق .. و أحس بانتهاء رحلته .. فترك محطاته على دروبنا الوعرة .. و غفا متمتعا بنور الشمس .. عرفت ( نهاية الأمس ) في حي البرج العتيق .. يوم كنت يافعا تتجاذبني التيارات و المناهج .. و تشدني إليها الآفاق .. و لكنها مثلها مثل أي كتاب جيد ترسخت في ذهني و أرغمتني على قراءتها و تكرارها .. و لكم يحزنني أن لا أجد من يتذكرها في حيي و مدينتي .. و لكم يفرحني أن أمد لها يد الوصل اليوم .. و لعبدالحميد وقفات تليق بمقام رؤاه و تجلياته .. و لعبدالحميد ألف تحية بعمق محبتنا له .. و لعبدالحميدة ألف إنحناءة بموازاة تقصيرنا نحوه .. ( البشير ) بطل ( نهاية الأمس ) .. رمز و مدلول ورسالة و حقيقة و حلم ورؤية و أمنية .. البشير يحكي قصة الأمل الجزائري .. و يعكس قوة الشخصية الجزائرية و مدى تعلقها باشيائها الحميمة .. و مدى وفائها لجذورها .. و إن كانت هناك أمنية يسمح لي اليوم بصوغها .. فساقول بكل رجفة : أتمنى من القارئ أن يعيد اكتشاف عبدالحميد بن هدوقة في عمليه الجميلين ( نهاية الأمس ) و ( الجازية و الدراويش ) .. و أتمنى منه إعادة اكتشاف الجزائري في شخص ( البشير ) في ( نهاية الأمس ) .. و سأكون سعيدا لأنني سأغفوا مرددا مع عبدالحميد بن هدوقة : غدا يوم جديد
عبد الحميد بن هدوقة كاتب جزائري ولد في 9 يناير 1925 بالمنصورة برج بوعريريج (الجزائر). بعد التعليم الابتدائي انتسب إلى معهد الكتانية بقسنطينة، ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس ثم عاد إلى الجزائر ودرس بمعهد الكتانية بقسنطينة. نضاله ضد المستعمر الفرنسي الذي كان له بالمرصاد، دفعه إلى مغادرة التراب الوطني مرة أخرى نحو فرنسا ليتجه عام 1958م إلى تونس، ثم يرجع إلى الوطن مع فجر الاستقلال.توفي في أكتوبر 1996م. تقلد عدة مناصب منها: مدير المؤسسة الوطنية للكتاب، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، عضو المجلس الاستشاري الوطني ونائب رئيسه. علّم الأدب العربي بالمعهد الكتاني بين 1954- 1955 ثم التحق بالقسم العربي في الإذاعة العربية بباريس حيث عمل كمخرج إذاعي، ومنها انتقل إلى تونس ليعمل في الإذاعة منتجاً ومخرجاً. وبعد عودته إلى الجزائر عمل في الإذاعتين الجزائرية والأمازيغية لأربع سنوات ورئس بعدها لجنة إدارة دراسة الإخراج بالإذاعة والتلفزيون والسينما وأصبح سنة 1970 مديراً في الإذاعة والتلفزيون الجزائري. أمه بربرية وأبوه عربي مما أتاح له أن يتمتع بتلك الخلفيتين اللتين تمتاز بهما الجزائر وأن يتقن العربية والأمازيغية بالإضافة إلى الفرنسية التي تعلمها في المدارس رغم أن الفرنسية في تلك الحقبة من تاريخ الجزائر كانت ممقوتة لأنها لغة المستعمر، خصوصاً لدى سكان الريف الذين اعتبروا المتكلمين بها والدارسين لها بمثابة التجنيس. من هنا جاء قرار والده بإرساله إلى المعهد الكتاني الذي كان فرعاً للزيتونة في تونس. وكان أساتذة هذا المعهد من الأزهريين أو ممن تخرجوا من المدرسة العربية الإسلامية العليا بالجزائر. له مؤلفات شعرية ومسرحية وروائية عديدة ترجمت لعدة لغات. اكسبته نشأته في الأوساط الريفية معرفة واسعة بنفسية الفلاحين وحياتهم. ما جسده في عدة روايات تناولتها الإذاعات العربية.