الإسلام وأوروبا، حضارتان، تاريخيتان حيّتان، لهما منحى شمولي، تعرضتا لانكسارات وتحولات، لهما مركز وأطراف. تلك هي الصفات التي ترسم أوجه الشبه بين المصائر وتبرز الجهد المبذول في عملية المقارنة التي يجريها المؤلف في هذا الكتاب والتي يصور من خلالها أوروبا والإسلام في الماضي كثقافتين، عرفتا ولم تعرفا بعضهما بعضاً، وغالباً ما افتقرتا بعضهما بعضاً.
وفي الحاضر أوروبا والإسلام، تاريخان تواجها وتحاربا في مغامرة تبدو الآن متكاملة ليوضح على ضوء ذلك ذات أوروبا في حديثه عن ذات الإسلام، ولتبرز أسئلة مشتركة يحاول الإجابة عنها: ما هي الحداثة؟ ما هو الاغتراب؟ ثم ما هو المهم؟ المواجهة بين حضارتين، أم التحدي الواحد والوحيد الذي تواجهانه معاً؟
زاول هشام جعيط تعليمه الثانوي بالمدرسة الصادقية ثم وفي سنة 1962 تحصل على الإجازة في تاريخ. تخصص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت سواء في العالم العربي أو أوروبا. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس. وظل حتى آخر حياته أستاذا شرفيا بجامعة تونس، أستاذ زائر بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا.
الكتاب أساسا قراءة نقدية في الدراسات الاستشراقية الغربية وتطورها عبر الحقب التاريخية المختلفة التي مرت بها أوروبا، وما يمكن أن تكشفه عن ذاتية مقنّعة بقناع الموضوعية الدقيقة والصارمة. يركز جعيّط جهوده أساسا على المدرستين الفرنسية والألمانية، ويسائل أهمّ روادها ممّن اهتمّوا بالمسألة الشرقية، والثقافة العربية والدين الإسلامي أساسا. يصل إلى قصور هذه القراءات وارتباطها بذاتية أوروبية عميقة تفرض نفسها حتى مع أكثر القراءات ايجابية. وهو مع ذلك لا ينكر قيمة بعضها رغم النقص الكبير في المادّة المتوفّرة لهؤلاء (كلود ليفي شتراوس). يبهرك هشام جعيط بقراءاته المستفيضة والمتعمّقة في مجال بحثه، ما يجعل محاولة تعقب أفكاره صعبة على غير المتخصصين، خصوصا وأنه في كثير من الأحيان لا يهتم بالشرح ويكتفي بالتلميح لما يبدو له بديهيا أن يُعرف. لكن، يجب الإشارة أيضا أن هناك نوعا من الضعف في بنية الكتاب. لا يبدو نظامه واضح المعالم، ورغم الفصل بين دراسته للأدبيات الفرنسية والأدبيات الألمانية، ومحاولة الصعود المتدرّج في الزمن، إلا أنّك لن تنفك تنتقل إلى زمن مختلف وإلى فكرة مختلفة في كل فقرة تقريبا، ويبدو وكأن الرجل يكتب بسرعة أقل بكثير من تفكيره الذهنيّ، ما يجعل أغلب مراحل الحجاج تختفي وتجد نفسك أمام استنتاج لا رابط له بما سبقه. تعمل الترجمة أيضا عملها، رغم أنّها تمّت بموافقة الكاتب، إلا أننا نلمس بعض المشاكل في استعمال المصطلحات التي قد لا يتفق حولها الجميع. كان لزاما على المترجم وضع قائمة بها في نهاية المؤلَّف، فقد خضعت هذه العبارات لتأويلات شتّى داخل النص، وزادت من ضبابية بعض الأفكار المطروحة. كقراءة أولى لهشام جعيّط، شعرتُ ببعض الإحباط، ولكن أيضا بمزيد من الفضول لقراءة مؤلفاته الأخرى.
حاول فيها تفكيك عقدة الغرب في نظرته المتعالية إلى الشرق الإسلامي، ومع أن العرب لم يبلغوا سوى الأطراف الجنوبية من أوروبا: الأندلس وجنوب إيطاليا، لكن ليس بوسع المنصفين من الدارسين رؤية ما أحدثه ذلك من أثر لاحق في النهضة الأوروبية، ويكفي التذكير بما فعلته مؤلفات ابن رشد في هذا الغرب الذي كان لحظتها غاطاً في قرونه الوسطى، دون أن ننسى أن أهل ابن رشد، العرب والمسلمين، تجاهلوه واضطهدوه، فيما أدركت أوروبا أهميته
إن الإسلام في التقليد المسيحي اعتبر دينا مشوشا وزائفا نظر إليه من وجهة العاطفة لأنه ادعى الوقوف على الأرضية ذاتها مع المسيحية ، إن نجاحاته مهما تكن كبيرة فهو ليس سوى قادم جديد ، سيء التسلح ، بدائي ، ودون إعداد عقائدي ، وفي ٱخر تحليل هو تبسيطي . إن نجاحاته في العالم ليست دليلا على صحته ، لكنها تحد للحقيقة ...