«وهكذا؛ وبعد أن تمكَّن العبريُّون من تهويد تراث المنطقة، وجعلوا جماعتهم وأسلافهم قطبَ الدائرة في كتابهم، فنسبوا بطولات الملاحم القديمة إلى آبائهم الأوائل أحيانًا، وأدرجوا الأبطال في الميثولوجيا القديمة للمنطقة ضِمن النسل العبراني أحيانًا أخرى.»
لطالما أُثير الكثيرُ من الجدل حول مدى مِصداقية الرواية التوراتية، وكان «القمني» ضِمن مَن أسهموا في هذا المضمار من خلال دراساته حول تاريخ الشعب اليهودي، ويُعَد الكتاب الذي بين أيدينا إحدى هذه الدراسات التي ناقَش فيها مدى صدق الرواية التوراتية الرسمية، مؤكِّدًا أن اليهودَ في الأصل مجموعاتٌ آرامية تدفَّقت على تخوم الحضارة الكنعانية، متربِّصةً بها لانتهازِ فرصة الهجوم عليها والاستيلاء على تراثها الحضاري وادّ
سيد القمني من مواليد 13 مارس 1947 بمدينة الواسطى في محافظة بني سويف، معظم أعماله الأكاديمية تناولت منطقة شائكة في التاريخ الإسلامي. البعض يعتبره باحثاً في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسية والبعض الآخر يعتبره صاحب أفكار اتسمت بالجرأة في تصديه للفكر الذي تؤمن به جماعات الإسلام السياسي، بينما يعتبر السيد القمني نفسه وعلى لسانه من على قناة الجزيرة الفضائية إنه إنسان يتبع فكر المعتزلة. وصفه الكثيرون بانه مرتد أو بوق من أبواق الولايات المتحدة لتشابه وجهة نظره مع نظرة الإدارة الأمريكية في ضرورة تغيير المناهج الدينية الإسلامية وخاصة في السعودية علماً أن القمني وعلى لسانه كان ينادي بهذا التغيير لعقود سبقت الدعوة الأمريكية الحديثة التي نشأت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
انتقده الكثيرون لاستناده على مصادر معترف بها من الأزهر فقط، حاول في كتبه مثل الحزب الهاشمي الذي بيعت 40،000 نسخة منه حتى قبل أن يطبع والدولة المحمدية وحروب دولة الرسول أن يظهر دور العامل السياسي في اتخاذ القرار الديني في التاريخ الإسلامي المبكر بينما يظهر في كتابه النبي إبراهيم تحليلات علمانية لقصص الأنبياء الأولين. أشهر مؤلفاته «رب هذا الزمان» 1997، الذي صادره مجمع بحوث الازهر حينها وأخضع كاتبه لاستجواب في نيابة أمن الدولة العليا، حول معاني «الارتداد» المتضمَّنة فيه.
تصاعدت لهجة مقالات القمني ضد الإسلام السياسي وكان أكثر هذه المقالات حدّة ذاك الذي كتبه على أثر تفجيرات طابا في أكتوبر 2004. وكان عنوانه: «إنها مصرنا يا كلاب جهنم!»، هاجم فيه شيوخ ومدنيي الإسلام السياسي، وكتب: «أم نحن ولاية ضمن أمة لها خليفة متنكّر في صورة القرضاوي أو في شكل هويدي تتدخل في شؤون كل دولة يعيش فيها مسلم بالكراهية والفساد والدمار، ويؤكد وجوده كسلطة لأمة خفية نحن ضمنها». بعد هذا المقال، تلقى القمني العديد من التهديدات. إلى أن أتى التهديد الأخير باسم «أبو جهاد القعقاع» من «تنظيم الجهاد المصري»، يطالبه فيه بالعودة عن أفكاره وإلا تعرّض للقتل، فقد أهدر دمه ففي 17 يونيو 2005 أصدر تنظيم القاعدة في العراق رسالة تهديد وتم نشر رسالة التهديد على موقع عربي ليبرالي على الإنترنت تسمي نفسها شفاف الشرق الأوسط. على الأثر كتبَ سيد القمني رسالة بعثها إلى وسائل الإعلام والى مجلته روز اليوسف، يعلن فيها توبته عن أفكاره السابقة وعزمه على اعتزال الكتابة، صوناً لحياته وحياة عياله. استقالة القمني الذي عبر عنها بقوله وبهذا اعلن استقالتي ليس من القلم وحسب، بل ومن الفكر أيضاً.
قرر القمني وحسب تعبيره ان يكون جنديا من نوع آخر وان يضع يده على جوهر وجذر المشكلة والتي لم تكن مشكلة إخفاق عسكري وحسب بل كانت حسب رأي القمني متأصلة في الإطار الفكري الإسلامي وليس في الإطار الفكري العروبي وفي خطوته الأولى نحو هدفه اعلن رفضه لفكرة ان الموروث الثقافي العربي يبدأ مع بدء الرسالة الإسلامية بل إنه مجموعة من التراكمات الثقافية و الحضارية لشعوب كانت في منطقة الشرق الأوسط قبل وبعد ظهور الإسلام، وانه من المستحيل لثقافة أو حضارة أن تتكون من نقطة إبتداء محددة معلومة، وأن تفكير البعض أن الثقافة العربية بدأت مع بدء الوحي أمر غير منطقي يجعل الإنسان يتصور بأنه لم يكن هناك أي دور للحضارات و الشعوب و الديانات والعوامل السياسية التي سبقت الإسلام في الصياغة والإعداد لظهور الإسلام.
لم يأت القمنى بجديد عما جاء به فرويد فى كتابه موسى والتوحيد و ان كان بصورة مختلفة قليلا باعتبار ما فعله اليهود مؤامرة تم اعدادها مسبقا و بدأب شديد على مدار مئات السنين و هو شىء يصعب على أمثالى تصوره
عندما بدأت القبائل الآرامية بإرسال قرون استشعارها حول مناطق الخصيب في محاولة للاستقرار في مناطق يعم فيها الهدوء والرخاء، انفجرت من أحد بطونها قبيلة سمت نفسها عبر التاريخ بأسماء مختلفة مثل العبرانيين وبني إسرائيل وشعب الله المختار. هذه القبيلة، المكونة من عطشى وجوعى، وفي محاولة منها لاستيطان أرض الكنعانيين، قامت على أكتافهم أكبر عملية تزوير ونهب للتراث الإنساني. هكذا يرى الدكتور سيد القمني في كتابه "مدخل إلى فهم الميثولوجيا التوراتية" أن محاولة العبرانيين فهم أساطير تراث بلاد الرافدين والحضارة المصرية كانت مفتاحًا لوضع قدم على أرض فلسطين التاريخية. فمن المعلوم أن لكل حضارة إرثها التاريخي والديني بكل ما يحتويه من أساطير وملاحم، وهو ما استدعى أن يُهذب ويُشذب ليصبح لهم مرجع سماوي، مرجع يوضع فيه ربًا لا يذكر سوى تفوق هذه القبيلة ولا يرى الآخرين من البشر سوى مجموعة من "الاغيار" الذين وجدوا لخدمة هذه القبيلة أو توجب قتلهم. واستمر هذا الرب ينادي في كتابهم التوراة بأن هذا الشعب متفوق دائمًا على كل شعوب العالم الأخرى.
فمنذ حوالي الألف الثانية قبل الميلاد، حينما تحولت مصر إلى قوة كبرى، وعندما كانت العراق القديم قد انتقلت من نظام الدولة المدينة المتعددة إلى دولة مركزية كبرى، وتوالت على الحكم فيها عدة دول تركت بصماتها الحضارية في وادي الرافدين من السومريين إلى الأكاديين إلى البابليين إلى الأشوريين، وكذلك عندما بدأ الكنعانيون في فلسطين يتحولون من نظام المشتركات المعبدية إلى نظام الدول المدينة على شكل ممالك صغيرة متجاورة، ظنت هذه القبيلة أن الموضوع لن يتعدى الطريقة البدوية المتعارف عليها في الغارات والكرّ والفرّ والنهب، لكنها تفاجأت بنظم مركزية قوية لديها جيوش منظمة. وكانت هذه من عوامل تسريع عملية التزييف التاريخية التي حدثت، ثم محاولة إسقاط هذا الإرث الحضاري بالبعد الديني، وهو ما نجح فيه العبرانيون حينما انتقلوا من لغتهم الآرامية إلى الكنعانية مع قبولهم في البداية أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في أرض الكنعانيين.
ومن يقرأ التوراة يجد أن الملاحم والبطولات قد نسبت إلى آبائهم الأولين قبل أن يتم نسب أبطال ميثولوجيا المنطقة بالمطلق إلى نسل العبرانيين. وترى مدرسة "فلهاوزن"(WILLHAWSEN)، وهي من أشهر المدارس البحثية في التوراة، أن التوراة قد تم جمعها بعد عهد موسى بقرون، وأن جامعي وكاتبي التوراة كانوا من مختلفي التوجهات والمشارب. وتدلل هذه المدرسة على مجموعة من الأدلة من ضمنها اختلاف مسمى الإله وطبيعته وعلاقته باليهود بين الأسفار في التوراة، بالإضافة إلى تكرار القصص في الأسفار، مما يشير إلى أن كاتبي وجامعي التوراة لم يلتقوا في زمن واحد، ويتضح هذا أيضًا من خلال إشكالية تنافر النص واختلاف الأسلوب. ويذكر القمني أنه حتى عهد قريب كان المتعارف عليه أن كاتبي التوراة هم الناظمون الأوائل لميثولوجيا الخلق قبل فك رموز الكتابة الهيروغليفية المصرية والمسمارية الرافدية والأوغاريتية الكنعانية. حيث اتضح بعد بداية الاكتشافات الأثرية أن النصوص التوراتية ما هي إلا مجموعة من الملاحم القديمة التي عرفها العبرانيون مبكرًا وقاموا بصياغتها وتهجينها في توراتهم.
ومع اندثار الحضارات مات تراثها معها ولم يتم إظهاره أو سكب القدسية عليه مثلما فعل بنو عابر كما يصفهم سيد القمني. ثم إن سلب هذا التراث بدون إدراك لطبيعة منبته وتسلسل أحداثه ومغزى مكنوناته ودوافعه هو ما استدعى ملاحظة ارتباك النص وعدم انسيابيته وسطحية الدراما عند الحديث عن فكرة الخلق مثلاً. وهذا بالمجمل نتيجة طبيعية لعدم الوعي بمرامي تركيباته الأصلية وكذلك لانتزاعه من سياقه البيئي والاجتماعي والجغرافي والزمني. فعندما نتتبع الأسس الحقيقية لهذا التراث الذي تم تهويده، سنقف أمام محاولات الإنسان الأولى لفهم جدل عناصر الطبيعة ومحاولة التفاعل معها بوصفه الكائن المتميز في هذا الجدل، جدل نتج عن ظروف الأقدمين لتصوراتهم عن الكون في المراحل الأولى قبل دخولهم في تفاصيل أدت إلى كل هذه الأساطير والملاحم القديمة مثل طوفان نوح والشجرة المحرمة على الإنسان الأول أو انتظار المخلص لشعب مسحوق وفكرة النعيم والجحيم، وغيرها من ميثولوجيا تمت سرقتها على مراحل وتم تغليفها بقداسة دينية، لينتج عنها نصوص جمعت في كتاب يدافع عن قبيلة زيفت التاريخ، تاريخ ما زال بسببه تُراق دماء الأبرياء في أرض كنعان.
مدخل الى فهم دور الميثولوجيا التوراتية لا يعتبر كتاب بقدر ماهو بحث او ممكن ان يكون مقال مطول من 43 ورقة .. من الصعب تقييم هالنوع من الكتب المعلومات الي بي سبق ان قريتها بكتاب اللاهوت العربي و أسباب العنف الديني ليوسف زيدان لكن بصورة اقل صدامية من طرح القمني تاثر التوراه او العهد القديم بصورة اصح بالميثولوجيا البابلية هالشي معروف و قصة الثالوث أيضا معروف ان هي مأخوذة من الميثولوجيا المصرية (ايزيس و حورس ) الكاتب يصور من كتب العهد القديم ع درجة من الثقافة و الوعي و المكر و التكتيك بحيث ان يجمع ميثولوجيا البابليين مع ميثولوجيا الفراعنه و الكنعانيين ليصيغ التوراة في عصر باعتراف الكاتب كان مو أي احد يعرف الكتابه اعتقد اكو شي من المبالغه هالبحث يترك علامات استفهام كثيره
بينما كانت دولة مصر القديمة تعزز سلطانها بقوة العلم والعمل ليزيد التنافس بينها وبين بلاد الرافدين كانت القبائل الآرامية البدوية تمطر على بادية الشام بشكل ترحالي على شكل موجات تستشعر باستخباراتها القوتين العظمتين في الجوار محاولة منهم في فرض سيطرتهم بالقوة والحرب _ كعادة القبائل البدوية _ ولكن لا يفلح الأمر حينما تقابل هذه القبائل الغير نظامية جيوشاً منظمة تعتمد على العلم وتجتمع تحت راية دولة واحدة وليس على رغبات القبائل المتناحرة. لتاخذ هذه القبائل خطوة هادئة للوراء لتصير حليف صغير لتمد الممالك المجاورة بأخبار القبائل الأخرى التي تسعى لإعمال السلب والنهب وفى المقابل يغترف الحليف من الحماية والخيرات ما شاء. ليتطور الزمن ويتطور معه العقل البدوي لتتغير الإستراتيجية البدوية للتحول هذه القبائل ممن عصابات مأجورة إلى مواطنين من الدرجة الثانية بعد تسللها البطئ داخل الممالك الكنعانية باحثين عن الاستقرار وعن "شيء أخر بالتأكيد". لتبدأ بعدها الثقافة اليهودية في التشكل حول التراث الكنعاني ليشكلوا كتاب مقدس خاص بهم يجمع قصصهم وبداخلها تدس " أحلامهم البدوية التي تشع بالحقد على كل الممالك المجاورة " بينما كانت تضمحل الممالك المجاورة _ للأسف _. هود العبريون تراث المنطقة ليصبح عرقهم "السامي" هو قطب الدائرة في كتابتهم لتتحول الملاحم العراقية والمصرية إلى قصص عبرية تمجد النسل العبراني في شكل هجيني يحمل بين طياته الثقافة الرعوية البدوية وهي تحاول ان تمتزج غصباً مع معتقدات المجتمع الزراعي المجاور. يذكر الكاتب العديد من أراء علماء البحث والأثار التي تؤيد هذا الرأي من ضمنهم (إيغار لسنر) في كتابه الرائع (الماضي الحي) : "تابوت العهد، يعود بنا إلى مساكن آلهة النيل المتنقلة، وآثار السحر ترجع بنا إلى مصر، كلما تذكرنا قصة الطوفان والأرقام الغامضة ببابل، ويصير الإله البابلي جلجامشنمرودًا، وتصبح ثيران آشور المجنحة كروبيم العبريين، كما أن أسطورة الجنة، وشخصية الشيطان أهريمان وعالَم الملائكة ورؤساء الملائكة، تعيد إلى أذهاننا بلاد الفرس، ونتعرَّف على البعل في إله الفينيقيين والكنعانيين في أسماء إشبعل ومربعل" والعديد من الأمثلة الأخرى يذكرها الكاتب في بحثه المذهل في محاولة منه لإثبات وجهة نظره على أن هذه التأثيرات التي أستولى عليها النسل العبراني (قصص الخلق والتكوين والطوفان وعبادة الإله "إيل" وعقيدة المسيح الملك) لم تكن صدفة بل كانت مقصودة للسيطرة الثقافية على هذه الممالك العظمى.