وحده مايكل الذي لا ينزعج من ردي بالعربية التي لا يعرفها على كلامه الإنجليزي الذي لا أعرفه ويبتهج إذا ما قلت شيئا بسيطاً بلغته. وجدته يقف باندهاش وبحب كما في مرات عدة سابقة، أمام ثلاجتي الفستقية ماركة Westing House والمصنوعة في مطلع ستينيات القرن العشرين. فتح بابها وتفرج على طعامنا، ألقى نظرة على دواليب المطبخ وأخذني إلى الحمام. فتش الغسالة وشم عبوات الشامبو وعندما وصلنا إلى غرفة المعيشة تمهل كما في كل مرة وتطلع إلي منتظرا أن أقول جملتي الإنجليزية المشبعة بالخوف My wife and my children فابتسم وهو يتراجع.
نقلوا قاذفات أنبوبية، ومناظير، وأجهزة بشاشات وهوائيات وصناديق لم يسبق لي رؤيتها، كلفوني بمهمة ترتيب علب الذخيرة. يحدث هذا عندما يكتشفون أنني يمكن أن أكون مفيداً. قبل أربعة أشهر عهدوا إليّ بمهمة حمل جهاز مكعب الشكل يصدر صفيراً خافتاً كل دقيقة. وعندما طلبت من مايكل أن ألمس بندقية M16 نهرني بغضب وأخذ مني الجهاز وجعلني أجلس على الأرض قرابة نصف ساعة تحت حراسة ذلك الذي يقول لي دائما Fuck you. هذه الأمور تحدث عندما ننسى بشكل مفاجئ وغامض قوانين العداء التقليدية. أحياناً أجدهم يعيدون ملعقة ساقطة إلى مكانها الطبيعي أو ينجذبون في مبادرات حنين عارض وغير مسيطر عليه إلى واجب بيتي، مثل إرجاع الكراسي إلى منضدة الطعام وتنسيق الزهور الاصطناعية في مزهرية منسية.
قاصّ وروائيّ عراقيّ وُلد في بغداد عام 1967. نالت روايته الأولى «ليلة الملاك» اهتماماً واسعاً ومُنحت عام 1999 جائزة أفضل رواية عراقيّة عن اتّحاد أدباء العراق، وجائزة الإبداع، وهي أرفع جائزة رسميّة عراقيّة. كما حقّقت مجموعته القصصيّة «رائحة السينما» رواجاً كبيراً، وأعيد طبعها أكثر من مرّة. عمل بعد عام 2003 في الصحافة، حيث أدار تحرير جريدة «المدى»، كما أسّس جريدة «تاتو» الثقافيّة.
■ أما الأمريكيون فقد صنعوا من غزوهم لبلادنا ملاحم شتي بين مرئي ومسموع ومكتوب ، سطَّروا فيها ما ادَّعَوا كذبا أنها بطولاتهم وتضحياتهم وآلامهم وأحزانهم أثناء قتلهم لأهلنا ونهبهم لثرواتنا وتدميرهم لبلادنا وزرعهم لفتن بيننا ستمتد لعشرات السنوات القادمة حتي بعد خروجهم ، ملاحم ليست فقط عن ذلك الجندي الذي أوغل في دمائنا واستوطن أرضنا بل وحتي ذلك الجندي القابع فيما وراء البحار عندهم ممن يقتلنا بطائرات بدون طيار ، حتي هذا صنعوا له ما يمجد في انسانيته ومدي مايتعرض له من ضغوط وآلام نفسية أثناء تنفيذ أوامر القتل
. ■ أما نحن كعرب فقط اكتفينا بمجموعة متواضعة للغاية من الروايات والقصص التافه شأنها ولأقصي حد ممكن ، اهتم مؤلفوها فقط مغمورهم قبل مشهورهم بمراعاة قواعد النقد الأدبي وحسب طمعا في الجوائز ، ولم يتعرضوا لواقع العراق تحت الاحتلال إلا بالرمز وحسب ، ولم يسجلوا للأجيال القادمة تضحيات أو بطولات أو وقائع فارقة أو حتي يوثقوا واقع أليم نحياه منذ مطلع الألفية في بلاد العرب من شرقها لغربها وليس في العراق وحسب
. ■ أحداث الرواية الخيالية طبعا - وكأن ما يحدث في العراق لا يفوق أي خيال - عن صحافي عراقي عضو بمنظمة سرية تأسست في القرن الثامن عشر بدعم من الآباء الدومنيكان للقيام بأعمال البر والخير تتحول بعد دخول الجيش الأمريكي للعراق لإعادة بناء الهوية الثقافية للوقوف بوجه ثقافة التعصب والانغلاق التي تنشرها ما قال أنه قوي الظلام والتطرف ، يصعِّب علي الرجل مهمته احتلال فرقة من فرق الجيش الأمريكي لمنزله ليجعلوه نقطة مراقبة للطريق العام الذي يأت منه المقاومون
. ■ أي خيال وقح هذا يارجل الذي يجعلك تتخيل منظمة سرية في القرن الثامن عشر هدفها البر والخير وليس التبشير أو حتي زرع الأرض بالمشاكل والفتن ، وأي حماقة تلك التي تقول أن وقت الاحتلال نتدخل لإعادة بناء الهوية الثقافية وليس مقاومة الاحتلال ، مع التركيز طوال الوقت علي الفتنة القائمة دون التأكيد أن من أِشعلها من البداية وزكاها لتخفيف الضغط علي نفسه كان المحتل
. ■ في النهاية الرواية قد تكون جيدة علي مستوي صنعة الأدب واللغة والسرد والشخصيات وأشياء أخري لا علاقة لها اطلاقا بفكرة الرواية الأساسية ، وهي برأيي مجرد فرصة أخري ضائعة لكتاب يتم نشره دون أن نفيد منه ، وحكاية أخري مفتعلة نرويها دون أن نوثق أو نكتب عن مئات القصص الواقعية التي حدثت بالفعل منذ احتلال العراق في ال٢٠٠٣م وساهمت في وصوله ووصولنا لواقعنا الحالي تماما كما فعلوا