What do you think?
Rate this book


471 pages, Hardcover
First published January 1, 1935
ليس ثمة ما يجلل طالب العلم في عصرنا بعار اكثر من حداثة معرفته بالهند ونقص هذه المعرفة."
وبين الموجودات في موهنجو- دارو آنية منزلية وأدوات للزينة، وخزف مطلي وبغير طلاء.. وتماثيل من الخزف، وزهر اللعب وشطرنج؛ ونقود اقدم من اي نقود وجدناها من قبل، واكثر من الف خاتم معظمها محفور ومكتوب بكتابة تصويرية نجهلها، وخزف مزخرف من الطراز الاول، وحفر على الحجر اجود مما وجدناه في سومر واسلحة وادوات من النحاس ونموذج نحاسي لعربة ذات عجلتين.. واساور واقراط وعقود مصنوعة من الذهب والفضة مصنوعة بدقة واتقان."
"الظاهر ان اقدم ديانة نعرفها عن الهند، تلك الديانة التي وجدها الغزاة الآريون بين "الناجا" والتي لا تزال قائمة في الاجناس البشرية البدائية... هي عبادة روحانية طوطمية لأرواح كثيرة تسكن الصخور والحيوان والأشجلر ومجاري المياه والجبال والنجوم، وكانت الثعابين والأفاعي مقدسات.. وكذلك شجرة "بوذا" المقدسة في عهد بوذا كانت تمثل تقديسهم لجلال الاشجار الصامت.."
"جعلوا السماء أبًا واسموها "فارونا"، وجعلوا الأرض أمًا واطلقوا عليها اسم "بريثيفي" وكان النبات هو ثمرة التقائهما بواسطة المطر، وكان المطر الآله "بارجانيا" والنتر هي "آجني" والريح كانت "فايو" واما ان كانت مهلكة فهي "رودرا"، وكانت العاصفة هي "إندرا" والفجر "أوشاس" ومجرى المحراث في الحقل كان اسمه "سيتا" والشمس "سوريا: او "مترا" او "فشنو" والنبات المقدس "سوما"."
"والطريق المؤدية الى الخلاص في رأي الجانتيين، هي توبة تقشفية، واصطناع "أهمسا" موفورة كاملة، و "أهمسا" معناها الإمتناع عن ايذاء اي كائن حي؛ ولزام على كل متقشف جانتي ان يأخذ على نفسه عهودًا خمسة: الا يقتل كائنا حيًا، الا يكذب، الا بأخذ ما لم يُعطَه، ان يصون عفّته وان ينبذ استمتاعه بالأشياء الخارجية كلها، وفي رأيهم ان اللذة الحسية خطيئة دائمًا."
"كانت فكرة بوذا عن الدين خلقية خالصة، فكان كل ما يعنيه سلوك الناس وأما الطقوس وشعائر العبادة وما وراء الطبيعة واللاهوت؛ فكلها عنده لا تستحق النظر."
"انك لن تجد في تاريخ الديانات من هو أغرب من بوذا يؤسس ديانة عالمية، ومع ذلك يأبى ان يدخل في تقاش عن الأبدية والخلود والله؛ فاللانهائي اسطورة -كما يقول- وخرافة من خرافات الفلاسفة، الذين ليس لديهم من التواضع ما يعترفون به بأن الذرّة يستخيل ان تفهم الكون؛ وانه تبسّم ساخرًا من المحاورة في موضوع نهاية الكون او لا نهائيته؛ كإنما هو قد تسلف بنظره اذذاك ما يدور بين علماء الطبيعة والرياضيين اليوم من مناقشة حول الموضوع."
"ان الايمان الاعمى بحقيقة التناسخ او تقمص الروح في اجساد متتالية له في الهند قوة وشمول بحيث يعتنقه كل هندوسي على انه بديهية او فرض لا بد من التسليم بصحته، ولا يكاد يكلف نفسه عناء التدليل عليه."
"وفي ختام الحياة يقام حفل ختامي. هو الاحتفال بإحراق جثمان الميت؛ فقد كانت الطريقة المألوفة في أيام بوذا هي الطريقة الزرادشتية في تعريض الجثة لسباع الطير، الا اذا كان الميت من الاعلام البارزين، فعنذئذ تحرق جثته بعد موته ثم يدفن رماده في ضريح يحفظ ذكراه لكن هذه الطريقة في احراق الجثة عمت الناس جميعًا فيما بعد."
"انقسم تراث بوذا الى 18 مذهبا... في الجنوب استمسكوا بمذهبه في بساطة وصفاء العقيدة واطلق عليهم "هنايانا" وكان بوذا لهم معلمًا لا إلهًا.. اما في الشمال فسادت "ماهايانا" التي اهلنت الوهية بوذا وأحاطوه بالملائكة والقديسين واصطنعوا تقشف "اليوجا"... وهؤلاء القديسون سؤعان ما ظفروا بحب الناس لهم... لقد اصبح كتاب "ماهايانا" بالقياس الى "هنايانا" ما كانت الكاثوليكية بالنسبة الى الرواقية والمسيحية الأولى."
"الحياة، بل الكون كله، لها في رأي الهندي ثلاثة وجوه رئيسية: الخلق، الاحتفاظ بالمخلوق، ثم الفناء؛ ومن ثم كان للألوهية عنده ثلاث صور: براهما الخالق، فشنو الحافظ وشيفا المدمّر؛ تلك هي "الأشكال الثلاثة" التي يقدسها الهنود (اعتقد قصده الهندوس) اجمعين ما عدا الجانتيين منهم."
"الاعتقاد في "كارما" وفي التناسخ هو أعظم عقبة من الوجهة النظرية تحول دون محو نظام الطبقات في الهند، لأن الهندي المتمسك بعقيدته يرى ان الفوارق الطبقية قد تقررت نتيجة لسلوك النفس في حيواتها الماضية، وأنها جزء من تدبير الله، ومن الكفر ان تغيّر فيما دبر الله."
"ان اسمى ما يتمناه الهندي هو ان ينجو من العودة الى الحياة في جسد آخر. وأن تزول عنه هذه الحمى التي تلتهب بها الذات كلما عاودتها الحياة في بدن جديد وولادة جديدة؛ وليس طريق الخلاص إيمانًا، كلا ولا نتاجا، إنما تاريخ الخلاص إنكار للذات إنكارً متصلًا، ونفاذ بالبصيرة الى الكل الذي يبتلع في جوفه الأجزاء، حنى ينتهي الأمر بالنفس الى الموت الذي يفنيها ولا يبقي منها ما يولد مرة اخرى."
"كابر" أعظم شاعر غنائي في الهند الوسيطة.. اعدته الطبيعة للمهمة التي اراد القيام بها، وهي توحيد الإسلام والهندوسية، وذلك لأنه -كما يقال- من أب مسلم وأم من عذارى البراهمة. يقول: ابن "رام" او "الله" فأنا احيا بقوة اسمك... ان اوثان الآلهة كلها لا خير فيها، انها لا تنطق، لست في ذلك على شك.. ماذا يجدي عليك ان تمضمض فاك، او ان تسبّح بمسبحتك، او ان تستحم في مجاري المياه المقدسة.. اذا كنت تملأ قلبك بنية الخداع وانت تتمم بصلاتك"
يقول "لابلاس": "انها الهند التي علمتنا الطريقة العبقرية في التعبير عن كافو الأعداد برموز عشرة، لكل منها قيمة تستمد من مكانه في العدد فضلًا عن قيمته الذاتية المطلقة؛ انها لفكرة عميقة هامة تبدو لنا اليوم من البساطة بحيث ننسى ما هي جديرة به من خطر؛ لكن بساطتها هذه، والسهولة العظيمة التي ادخلتها في العمليات الحسابية كلها قد جعلتا من علم الحساب عندنا مخترعا مفيدا هو في الصف الاول بين سائر المخترعات النافعة."
"يقول جارسن: " لقد اجرى قدماء الهنود كل العمليات الجراحية الكبرى تقريبًا، ما عدا عملية ربط الشرايين"، فقد بتروا الأطراف، واجروا الجرتحات في البطن، جبروا كسور العظام، أزالوا البواسير، وقعّد "سوشوترا" القواعد الدقيقة لإجراء الجراحة، ويعدّ اقتراحه تعقيم الجرح بالتبخير اول ما نعرفه من جهود في وسائل التطهير اثناء الجراحة. (اقيمت المستشفيات في سيلان سنة ٤٢٧ قبل الميلاد وفي شمال الهند منذ ٢٢٦ قبل الميلاد)"
."ان تفوق الهند أوضح في الفلسفة منه في الطب.... يبوّب الهنود مذاهبهم الفلسفية كلها في صنفين: المذاهب الأستيكية التي تثبت، والمذاهب الناستيكية التي تنفي.... وآلت السيادة الى ستة من المذاهب "الأصيلة" -المؤمنة بأصول الفيدات- او "الدارشانات" (ومعناها البراهين)... ان الغاية من المعرفة ومن الفلسفة ليست هي السيطرة على العالم بقدر ما هي الخلاص منه، وان هدف الفكر هو التماس الحرية من الألم المصاحب لخيبة الشهوات في ان نجد اشباعها"
ما هي اليوجا؟ معنى الكلمة الحرفي هو النير، وليس المقصود ان يخضع الإنسان نفسه، اي ان يدمجها في الكائن الأسمى، بمقدار ما يقصدون بالكلمة إخضاع الإنسان لنير النظام التقشفي المتزهد الذي يلتزمه الطالب ليبلغ ما يريده لنفسه من طهارة الروح من كل أدران المادة وقيودها، ويحقق ما يسمو على الطبيعة من ذكاء وقوة؛ إن المادة هي أس الآلام والجهل، ومن ثم كانت غاية اليوجا ان تحرر النفس من كل ظواهر الحس وارتباطات الجسد بشهواته."
"ليس ما بنشده "اليوجي" هو الله او الاتحاد بالله؛ ففي فلسفة اليوجا ليس الله (واسمه إشفارا) هو خالق الكون او حافظه، وليس هو من يثيب الناس او يعاقبهم، بل هو لا يزيد على كونه فكرة من فكرات كثيرة مما يجوز لنفس ان تركز فيها تأملها وتتخذها وسيلة لمعرفة الحقيقة، الغاية المنشودة في صراحة هي فصل العقل عن الجسد، ازاحة كل العوائق المادية عن الروح، حتى يتسنى لها - في مذهب اليوجا- ان تكسب ادراكًا وقدرة خارقتين للطبيعة..."
"في رأي عالم هندي ان "الماهابهاراتا" هي "اعظم آية من آيات الخيال التي انتجتها آسيا" وقال عنها سير تشارلز إليت انها "قصيدة اعظم من الإلياذة" ولا ارتياب في صدق هذا الحكم الأخير بمعنى من معانيه، بدأت الماهابهاراتا حوال 500 قبل الميلاد قصيدة قصصية قصيرة ثم اخذت تضيف الى نفسها في كل قرن حكايات ومقطوعات... حتى بلغ طولها 107000 زوج من ابيات الشعر الثمانية المقاطع. اي ما يساوي الالياذة والاوديسة مجتمعتين سبع مرات."
"إنا نقف إزاء الفن الهندي، كما نقف إزاء كل جانب من جوانب المدمية الهندية، وقفة الدهشة المتواضعة لما نرى من رسوخ في القدم واستمرار بين المراحل المتعاقبة.. تماثيل من حجر الجير لرجال ذوي لحى وتماثيل من كين لنساء وحيوان، خرزات مصنوعة من عقيق وحليّ من ذهب رقيق الصناعة مصقولها.. ختم نقش فيه بالبارز ثور، رسم رسمًا قويا ثابت الحفر، على نحو يغري الرائي بالوثوب الى نتيجة يؤمن بها، وهي ان الفن لا يتقدم، لكنه يغيّر صورته وكفى."
"للموسيقى في الهند تاريخ يمتد ثلاثة آلاف عام على اقل تقدير؛ فالترانيم الفيدية نظمت لتنشد، ولم يكن في الطقوس القديمة فرق بين الشعر والغناء، والموسيقى والرقص، فكل هذه عندها فن واحد وإن الرقص الهندي ليبدو لعين الغربي اللامعة بالشهوة شهوانيا فاجرًا، لكن هذا الرقص كان لونا من الوان العبادة ولم يحدث لراقصات المعبد ان يغادرن معابدهن زرافات ليمتعن اصحاب الدنيا وطلاب الشهوة الجسدية إلا في العصور الحديثة."
"كان أهل بورما من أعظم من شهدت آسيا من بناة للعمارة؛ فقد جاءوا هابطين على هذه الحقول الخصبة من منغوليا والتبت فوقعوا تحت تأثير الهنود وأخذوا منذ القرن الخامس ينتجون الفنون في كثرة غزيرة على طراز البوذية والفشناوية والشيفازية.. بلغوا ذروتهم في معبد "أناندا" العظيم في باجان التي وقعت فريسة لقبلاي خان فسلبها سلبًا"
"شهد الحكم المغولي آخر مراحل النصر التي بلغتها العمارة الهندية، إذ برهن اتباع محمد (!!!!) على انهم اساتذة في فن البناء حيثما حلوا بقوة سلاحهم- غرناطة، القاهرة، اورشليم، بغداد؛ فقد كان المنتظر من هؤلاء الرجال الاشداء ان يقيموا مساجد في تأنق مسجد عمر في بيت المقدس، وفي ضخامة مسجد السلطان حسن في القاهرة وفي رشاقة قصر الحمراء،... والبناء الذي يمثل مرحلة التطور هو "منار قطب" وهو جزء من مسجد بدئ في بناءه في دلهي القديمة."
"نسمع أعظم مؤرخي فن العمارة يصف لنا مقر الملك في دلهي، فيقول ان ذلك القصر في زمانه وبالقياس الى اضرايه "أفخم قصر في الشرق بل ربما كان اجمل قصر في العالم كل" (احتمت فيه حامية بريطانية داهماها الخطر في ثورة "سيبوى" وقوضت عدة قصور لتخلي مكانا لعدتها كما وقع نهب كثير)"
"طاغور.. شاعر كسر قلبه موت زوجته في شبابها، وقض ظهره ذل بلاده؛ وهو فيلسوف "منقوع" في تعاليم الفيدانتا، وهو متصوف يتذبذب بين المرأة والله، ومع ذلك تراه قد تجرد من عقيدة آبائه بمدى ما وصل اليه من علم، وهو محب للطبيعة يقابل رسل الموت فيها بعزاء وحيد، هو موهبته التي لا تبلى في إنشاد الغناء."
"ان التاريخ ليعلمنا ان اولئك الذين دفعتهم الدوافع الشريفة الى اقتلاع اصحاب الجشع بإستخدام القوة الغشوم، أصبحوا بدورهم فريسة لنفس المرض الذي كان يصيب أعداءهم المهزومين... ان اهتمامي بحرية الهند سيزول لو رأيتها تصطنع لحريتها وسائل العنف، لأن الثمرة التي تجنيها من تلك الوسائل لن تكون الحرية، بل ستكون هي الاستعباد" غاندي"
"لقد استطاعت الهند ان تبعث الينا.. النحو والمنطق والفلسفة والحكايات الخرافية والتنويم المغنطيسي والشطرنج ونظامنا العشري لكن هذه ليست صفوة روحها.. ربما علمتنا الهند مقابل ما لقيته على أيدينا من فتح وعنجهية واستغلال، التسامح والوداعة اللذين يتصف بهما العقل الناضج، والقناعة المطمئنة التي تتميز بها النفس إذا مفت عن الجشع في جمع المال، وهدوء البصيرة بحقائق الوجود، وحب الكائنات الحية الذي من شأنه ان يبث في الناس اتحاد وسلام"
"وحصن "أجرا" اليوم انقاض(كان خطأ يؤسف عليه من شاه جهان ان يجعل من هذه القصور الجميلة حصنًا، فلما حاصر البريطانيون "أجرا عام 1803 لم يكن لهم بد من توجيه مدافعهم الى الحصن) (الحق على شاه جهان ما خص المحتل البريطاني!!! منطق عقيم)"
"إنه ليستحيل علينا الى الأبد ان نقدر الفن الهندي حق قدره، لأن الجهل والتعصب قد قضيا على اعظم آثاره.. ففي "إلفانتا" اثبت البرتغاليون تقواهم بتحطيم التماثيل والنقوش البارزة على نحو من الهمجية لم يعرف حدودًا يقف عندها، وتكاد لا تجد مكانًا في الشمال لم يقوض فيه المسلمون تلك الروائع الباهرة التي يجمع رأي الرواة على انها كانت أرفع قدرًا من آيات العهد الذي تلا عهدها."
