What do you think?
Rate this book


356 pages, Hardcover
First published January 1, 1935
"لقد اخرجت الصين القديمة أكمل صورة من صور الإنسانية.. وأنشأت اعلى ثقافة عامة عرفت في العالم كله.. وإن عظمة الصين لتتملكني وتؤثر فيّ كل يوم أكثر من الذي قبله.. وإن عظماء تلك البلاد لأرقى ثقافة من عظماء بلادنا (الامريكيون)... وإن اولئك السادة لهم طراز سام من البشر.. ان تحية الصيني المثقف لتبلغ حد الكمال!.. وليس ثمة من يجادل في تفوق الصين في كل شأن من شئون الحياة.. ولعل الصيني اعمق رجال العالم عن بكرة ابيهم" الكونت كيسرلنج
الصين من اقدم المدنيات القائمة وأغناها: تقاليد قديمة للشعر يرجع عهدها الى ١٧٠٠ ق.م.. سجل حافل بالفلسفة الواقعية العميقة... براعة في صناعة الخزف والنقش لا مثيل لها من نوعها... اخلاق قويمة قوية لم نر لها نظيرًا عند شعوب العالم في اي وقت.. نظام اجتماعي دام احقابًا... مجتمع كان راقيا ومتمدنا حين كانت اليونان مسكن البرابرة..."
"كما ان الهند أرقى بلاد العالم في الأديان، وعلم ما وراء الطبيعة، فكذلك الصين ارقاها في الفلسفة الانسانية غير الدينية، إذ لا يكاد يوجد في الادب الصيني كله كتاب ذو شأن في علم ما وراء الطبيعة غير تلك الوثيقة العجيبة التي يبدأ بها تاريخ التفكير الصيني المدوّن، وهي الوثيقة المعروفة بإسم إى-جنج او كتاب التغيرات."
أني اعتقد انه لو عيّن رجل حكيم قاضيًا.. ليحكم اي الشعوب افضل اخلاقًا من سواها، لما تردد في الحكم للصين بالاسبقية في هذا المضمار" ليبنتز"
اما المقالة الصينية فهي اجمل من التاريخ الصيني وأعظم منه بهجة. ذلك ان الفن فيها غير محرم والفصاحة مطلقة العنان. وأوسع كتّاب المقالات شهرة هان يو العظيم الذي يقدر الصينيون كتبه أعظم تقدير، ويجلونها إجلالًا بلغ من قدره انهم يطلبون الى من يقرؤها ان يغسل يديه بماء الورد قبل ان يمّسها."
ان اكثر ما يروعنا في هذه الحضارة هو نظام حكومتها. وإذا كانت الدولة المثالية هي التي تجمع بين الدمقراطية والارستقراطية فإن الصينيين قد انشأوا هذه الدولة منذ الف عام او تزيد؛ واذا كانت خير الحكومات هي اقلها حكمًا، فقد كانت حكومة الصين خير حكومات العالم على الاطلاق. ولم يشهد التاريخ قط حكومة كان لها رعايا اكثر من رعايا الحكومة الصينية او كانت في حكمها اطول عهدا واقل سيطرة من تلك الحكومة."
وفي ايام هذه الاسرة (الامبراطور هوى دزونج) دخلت الطباعة البلاد فأحدثت في حياة الصين الادبية ثورة كاملة...وكان هذا الاختراع الصيني الخالص اعظم اختراع في تاريخ الجنس البشري بعد الكتابة."
وكان صنع الاوراق النقدية من اقدم ما اخرجته الطباعة بالقوالب، وقد ظهرت هذه الاوراق في سسوان في القرن العاسر الميلادي ... واتبعت بلاد فارس في عام ١٤٩٢م هذه الطريقة الجديدة... اما اوروبا فلم تعرف النقود الورقية إلا في عام ١٦٥٦ حين اصدرت اولى عملتها منها."
اذا اخذنا نتحدث عن الفن الذي تمتاز به الصين عن سائر الأمم، والذي لا يجادل احد في انها هي حاملة لوائه في العالم كله، وجدنا في انفسنا نزعة قوية الى اعتبار الخزف صناعة من الصناعات.... اما الصينيون فقد كانت صناعة الخزف عندهم فنًا من الفنون الكبرى، تبتهج له نفوسهم العملية المولعة مع ذلك بالجمال، لانه يجمع بين النفع وبهاء المنظر."
في عام ١٧٦٧ وصل ثمن إناءين من الخزف بلون العقيق يعرفان "بكلبي فو" في احد المزادات الى خمسة اضعاف ما وصل اليه ثمن صورة "الطفل يسوع" لجيدروتي، والى ثلاثة امثال ما وصل اليه ثمن صورة "الاسرة المقدسة" لرفائيل."
وتبدل نظام التعليم من اوله الى آخره فألقت المدارس بكنفوشيوس من النافذة وأحلت العلوم الطبيعية والرياضية محله، وان لم يكن من الضروري ان تتخلى عنه لتحل العلوم محله لان تعاليم كنفوشيوس لا تتعارض مطلقًا مع روح العلم."
وأكبر الظن ان الصين ستنتج من الثروة ما لم تنتجه قارة من القارات حتى امريكا نفسها، وان الصين ستتزعم العالم في نعيم الحياة وفنها كما تزعمته مرارا في الزمن القديم في التنعم وفي فنون الحياة"
لقد أخرجت الصين القديمة أكمل صورة من صور الإنسانية. وكانت فيها صورة مألوفة عادية. وأنشأت أعلى ثقافة عامة عرفت في العالم كله. وإن عظمة الصين لتتملكني وتؤثر في كل يوم أكثر من الذي قبله. وإن عظماء تلك البلاد لأرقى ثقافة من عظماء بلادنا. وإن أولئك السادة لهم طراز سام من البشر، وسموهم هذا هو الذي يأخذ بلبي. إن تحية الصيني المثقف لتبلغ حد الكمال! وليس ثمة من يجادل في تفوق الصين في كل شأن من شؤون الحياة، ولعل الرجل الصيني أعمق رجال العالم على بكرة أبيهم
- الكونت كيسرلنج
الصينيون يعتقدون أن الشعر كله يجب أن يكون قصيرا، وأن القصيدة والطول لفظان متناقضان، لأن الشعر نشوة وقتية بنت ساعتها تموت إذا طالت ومدت حتى صارت محلمة، وأن رسالة الشاعر أن يرى الصوةر ويرسمها بضربة ويسجل الفلسفة في بضعة سطور، وأن مثله الأعلى أن يجمع المعاني الكثيرة في أنغام قليلة.
وان بعض الصفات الدقيقة التي يتصف بها هذا الشعر تخفيها عنا ترجمته: فنحن لا نرى في هذه الترجمة الرموز الصينية الجميلة؛ التي يتكون كل منها من مقطع واحد ولكنه يعبر مع ذلك عن فكرة معقدة ولانرى السطور تجري من أعلى إلى أسفل ومن اليمين الى اليسار، ولا ندرك الوزن والقافية، ولانستمع للنغمات التي يترنم بها الشعر الصيني .
لم أعيش بين الجبال الخضراء؟
إني أضحك من هذا السؤال ولا أجيب عنه، إن روحي ساكنة صافية
إنها تسكن سماء أخرى وأرضا ليست ملكا لإنسان
إن أشجار الخوخ مزدهرة والماء ينساب من تحتها
إن ريح الجنوب إذا هبت أطارت روحي المشوقة إلى وطني
وحملتها معها إلى حانتنا المعهودة
وهناك أرى شجرة خوخ على الجانب الشرقي من البيت
بأوراقها وأغصانها الكثيفة التي تموج في الضباب الأزرق
إنها هي الشجرة التي غرستها قبل أن أفارق الدار منذ سنوات ثلاث
لقد نمت شجرة الخوخ الآن وطالت حتى بلغت سقف الحانة
في أثناء تجوالي الطويل إلى غير أوبة
طلب الحكمة والهيام بالجمال هما قطب العقل الصيني، وفي استطاعتنا أن نعرف بلاد الصين بأنها بلاد الفلسفة والخزف. وكما أن طلب الحكمة لم يكن معناه في بلاد الصين الجري وراء أخيلة ميتافيزيقية لا علاقة بها بالحياة، بل كان فلسفة إيجابية تهدف الى ترقية الفرد والنظام الاجتماعي، فكذلك لم يكن عشق الجمال إحساسا به كامنا في النفس أو هواية خيالية للأشكال الفنية التي لا صلة لها بالشؤون الانسانية، بل كان تزاوجا أرضيا وثيقا بين الجمال والمنفعة، وتصميما عمليا لتزيين موضوعات الحياة اليومية وأدواتها.


ولعل إحساس الصينيين المرهف في مسائل الذوق والفن هو الذي حدا بهم الى نبذ ما عساه أن يبدو من العمائر خاليا من الاحتشام مفرطا في الضخامة


