أناقش في هذه الدراسة كتابات تستثير نقاشاً وتفرضه، لا لأنها تعالج موضوعاً هو الطائفية، وتقارب أزمة النظام السياسي في لبنان، فتقترح لها حلولاً هي، في منطقها الداخلي، واحدة، وحسب.
بل لأنها تحتل في حقل لافكر في لبنان موقعاً مختلفاً عن الذي كنت انطلقت منه لمّا عالجت، في كتابين اثنين، لسنواتٍ خلت، الموضوع إيّاه، وقاربت الأزمة إياها، فاستكشفتُ حقلاً من الإمكان ارتسم في أفق سيرورتها التاريخية، محكوماً بضرورة منطقها الداخلي، وبين الموقعين، بالطبع، تناقض، فلماذا لا يكون بينهما حوارٌ هو في الفكر، صراعٌ فيه تُنتج المعرفة؟ فليكن، إذن، ما سوف يتبع، نقدٌ ينعقد في النظري على السياسي في وحدة فكرة مناضل.
حسن عبد الله حمدان المعروف باسم مهدي عامل، ولد في بيروت عام 1936، كان مفكرا وطنيا علمانيا لبنانيا ابن بلدة حاروف الجنوبية قضاء النبطية.
تلقى علومه في مدرسة المقاصد في بيروت وأنهى فيها المرحلة الثانوية. نال شهادة الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون، فرنسا. درس مادة الفلسفة بدار المعلمين بقسنطينة (الجزائر)، ثم في ثانوية صيدا الرسمية للبنات (لبنان). انتقل بعدها إلى الجامعة اللبنانية معهد العلوم... الاجتماعية كأستاذ متفرغ في مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات.
كان عضوا "بارزا" في اتحاد الكتّاب اللبنانيين والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ورابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية. انتسب إلى الحزب الشيوعي اللبناني عام 1960، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر الخامس عام 1987.
في الثامن عشر من أيار عام 1987 اغتيل في أحد شوارع بيروت الوطنية، في تلك الفترة، مهدي عامل وهو في طريقه إلى جامعته الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية الفرع الأول، حيث كان يدرس فيها مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. وعلى إثر اغتياله، أُعلن يوم التاسع عشر من أيار من كل عام "يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي".
من مؤلفاته:
-مقدمات نظرية: لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني. 1972 الطبعة الأولى، 1986 الطبعة الخامسة.
-أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية. الطبعة الأولى 1974، الطبعة الثالثة 1989. ... -النظرية في الممارسة السياسية. بحث في أسباب الحرب الاهلية. الطبعة الأولى 1979. الثالثة 1989.
-مدخل إلى نقض الفكر الطائفي - القضية الفلسطينية في ايديولوجية البرجوازية اللبنانية. الطبعة الأولى 1980. الطبعة الثالثة 1989.
-هل القلب للشرق والعقل للغرب. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.
-في عملية الفكر الخلدوني. الطبعة الأولى 1985. الطبعة الثالثة 1990.
-في الدولة الطائفية. الطبعة الأولى 1986.
-نقد الفكر اليومي. الطبعة الأولى 1988. (لم ينتهي).
له العديد من المساهمات النظرية المنشورة والتي ستنشر ضمن الاعمال الكاملة.
في الشعر: تقاسيم على الزمان، الطبعة الأولى 1974. فضاء النون، الطبعة الأولى 1984.
"ولنا الآتي في زمن التغيير الثوري" اكتر كتاب سعيد اني قريته السنة دي ودي تالت تجربة مع مهدي بعد "في علمية الفكر الخلدوني" و"ازمة الامة العربية ام ازمة البرحوازية العربية" وحقيقي الفترة دي اكتر مفكر ثوري عربي ممكن يفيد شباب/ات الثورات العربية هو مهدي عامل. وعن الكتاب ده بالاخص هو مش دراسة خاصة ب لبنان وبفترة تاريخية معيتة ممكن تبقا لسه مستمرة لحد دلوقتي لا منهج مهدي الواضح والمصر عليه في كل كلمة في كتاباته ممكن واكيد تصلح لمدخل لكتير من قضايا وازمات الشعوب العربية وثوراتهم.
كتاب "في الدولة الطائفية" الصادر سنة ١٩٨٦، يعد أحد أهم إنتاجات المفكر العربي اللبناني الماركسي الدكتور حسن حمدان المشهور بمهدي عامل، وقد جاء استكمالا لدراسة سابقة للمؤلف نفسه، بعنوان "مدخل إلى نقض الفكر الطائفي" الصادرة سنة ١٩٨٠، والكتاب يعد من المؤلفات النادرة التي تصدت لتحليل ومعالجة المسألة الطائفية (أو مسألة الدولة الطائفية) من منظور الفكر المادي، الذي تمكن من خلاله، مهدي عامل، من نقد وتفكيك بنية الدولة الطائفية العربية ونموذجها الأبرز (الدلة الطائفة اللبنانية) بنجاعة، حيث لا تزال مخرجات التحليل صالحة إلى حد بعيد في تحليل بنية الدول الطائفية العربية اليوم، في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.
يقدم عامل من خلال فصول كتابه السبعة تحليلا عميقا لبنية الدولة الطائفية (اللبنانية تحديدا)، عبر اخضاع واقعها الحاضر لمقايس وأدوات تحليل الفكر المادي (الماركسي)، وتحديد عوامل تشكلها والتناقضات الكامنة فيها من خلال الانتقال من حاضرها إلى ماضيها. حيث اتخذ عامل من نقد نصوص مخالفيه ممن عاصروه (أو سبقوه) مدخلا لأطروحته، سواء نصوص عدد من مفكري اليمين البرجوازي اللبناني (الطائفي)، الرأسمالي مثل: ميشال شيحا (سابق)، أنطوان مسرة (معاصر)، ناصيف نصار (معاصر)، بسام الهاشم (معاصر)، إيليا حريق (معاصر) حازم صاغية (معاصر) وآخرون، أو تلك التي كتبها، حول ذات الموضوع، يساريون ماركسيين من معاصريه كمسعود ضاهر وأحمد بعلبكي، حيث العامل المشترك في تلك النصوص هو فوقية الأيديولوجي الطائفي وتعاليه (اللاتاريخي) عن السياق التاريخي والإغفال الكلي أو الجزئي للعامل الإقتصادي والربط بينه وبين العامل السياسي المهيمن الذي اصطنعته دولة البرجوازية اللبنانية.
أما عامل فيرى عبر تحليله للحاضر اللبناني، (في سياق أزمة البرجوازية الطائفية التي أفضت إلى النزوع إلى الحل الفاشي (المسيحي) طمعا في تجاوز البرجوازية المهيمنة لطور أزمة دولتها الطائفية، الذي أفضى بدوره إلى دخول لبنان في أتون الحرب الأهلية اللبنانية (١٩٧٥ - ١٩٩٠) واستدعاء الفاشية المسيحية (القوات اللبنانية وحزب الكتائب) للإحتلال الصهيوني للبنان في ١٩٨٢ وتوقيع معاهدة الذل معه في ١٩٨٣ قبل أن تسقطها جموع الشعب اللبناني العربي في ذات العام)، أن الطائفية المعاصرة كأيديولجية هي نتاج هيمنة الطبقة البرجوازية اللبنانية الرأسمالية الانتهازية في شكل دولتها الحديثة ذات النظام الرأسمالي الكولينيالي التابع للرأسمالية الإمبريالية الغربية (تشكل دولتها الحديثة الذي تزامن مع طور الأزمة الخاص بالرأسمالية العالمية)، وأنه لا يمكن فهمها أو فهم طور أزمتها إلا من خلال فهم طبيعة الصراع الطبقي في لبنان، أي الصراع بين تحالف البرجوازية وتحالف الطبقة النقيض لها، كما يصر على أن الإنعكاس الأيديولوجي الطائفي المعاصر (الذي يميز الدولة الطائفية) هو نتاج - وليس سبب سابق ل - العاملين الإقتصادي والسياسي الذي تشكلت في ظلهما دولة البرجوازية اللبنانية التي مأسست للطائفية ضمن جهاز الدولة، فأصبحت الطائفية مظهرا من مظاهرها، قائمة فيها -الدولة- وبها، وذلك لكي تحافظ تلك البرجوازية على هيمنتها الطبقية وتستقطب حشود الطبقة العاملة إلى تحالفها البرجوازي عبر حرف وعيها الطبقي بالأيديولوجيا الطائفية، وهو ما ظهر جليا في الحرب اللبنانية حينها وهو ما يظهر اليوم جليا في الإنقسامات الطائفية اللبنانية واصطفاف أبناء الطبقة الكادحة الواسع وراء قيادات البرجوازيات الطائفية الانتهازية التي تستغلها، بوهم أن ذلك الاصطفاف هو الضامن لحقوقها، مصالحها ومكتسباتها.
كما أوضح عامل في خضم تحليله طبيعة التناقض البنيوي بين نموذج الدولة البرجوازية المركزية، التي - من الناحية النظرية أقلها - تسعى الطبقة البرجوازية إلى بنائها (تمثلا بالنموذج الغربي)، وسياسات الدولة الطائفية التي حرصت الطبقة البرجوازية على تضمينها ضمن نموذج دولتها، ذلك التناقض بحسب عامل، هو ما يعني حتمية وصول الدولة البرجوازية اللبنانية لطور الأزمة، فالبناء الأيديولوجي الطائفي في نموذجه "التوافقي" يفترض التقسيم الجزئي ثم الكلي (لتلك الكيانات المستقلة بذاتها - "الطوائف") أساسا لحل مشكلة غياب الهيمنة الوازنة لإحداها، أما حل الهيمنة الطائفية في شكلها الأكثر تطرفا (هيمنة طائفة واحدة على حساب تهميش الطوائف الأخرى) فهو ما حاولته الفاشية اللبنانية المسيحية في الحرب الأهلية وفشلت فيه فشلا ذريعا، فلم يعد حلا قابلا للتطبيق ومن هنا فنموذج دولة البرجوازية اللبنانية ببنيتها الإقتصادية الرأسمالية الكولونيالية التابعة وصبغتها الأيديولوجية الطائفية (الساعية لتأبيد طائفية الدولة) محكومة حتما بالفشل، عبر سلسلة من الإخفاقات والأزمات المتلاحقة، التي قد تتخللها استثناءات تاريخية من حالة التلاؤم المؤقت (تلاؤم المتناقضات)، يتجدد فيها النظام البرجوازي بفضل عوامل توافق خارحية اقليمية وعالمية مؤقتة (من خارج بنية النظام)، وهو ما أثبت كتحليل نجاعته، أولا عبر بصيرة عامل في قراءته لواقعه واستشرافه للمستقبل المنظور وثانيا نجاعة التحليل المادي (الماركسي) في تبيان وشرح طبيعة الدولة الطائفية ومحددات الصراع الطبقي على كافة مستوياته في واقعنا العربي، وهما استشراف وتحليل احتفظا بوجاهتهما إلى يومنا هذا.
ويرى عامل أن الحل للخروج من أزمة الدولة البرجوازية الطائفية التي أفضت في طور أزمتها إلى الحرب الأهلية وما تبعها، تكمن في انتصار تحالف الطبقة النقيض للطبقة البرجوازية على تحالف البرجوازية، على أن يكون حزب الطبقة العاملة هو الحزب المسيطر على تحالف الطبقة النقيض، حيث أنه وحده القادر، بحكم تكوينه، طبيعته ووعيه الطبقي، على الإستفادة والبناء على مخرجات مشروع الإصلاح، ومن ثم الإنتقال إلى النموذج الإقتصادي والدولة المركزية ذات الإطار اللاطائفي (العلماني) الجامع، الذي يتبنى سياسات تقدمية تهدف إلى خدمة مصالح الطبقة العاملة الوطنية (بكافة مكوناتها الاثنية والطائفية دون تمييز)، حيث يصبح الانتماء الطبقي هو المهيمن السياسي، مقابل تراجع الطائفي إلى الهامش الفردي في مظهره الاجتماعي (اللاسياسي).
قيمة كتاب المفكر الشيوعي الماركسي، المناضل والشهيد مهدي عامل الذي اغتالته أيادي الرجعية الغادرة سنة ١٩٨٧ (حيث كان هذا الكتاب هو آخر ما نشر له في حياته)، أن مقاربته في تحليل وتفكيك الدولة الطائفية في سياقها العربي لا زالت فاعلة، وذلك لأن السياق العربي لم تطرأ عليه تاريخيا تغيرات/قفزات فارقة، فلازالت البرجوازيات الرجعية التي ورثت عن الاستعمار (عبر عمالتها للاستعمار والإمبريالية) السلطة في بلدانها، ولازالت أغلب الاقصادات العربية سواءا الرأسمالية الريعية أو الرأسمالية الكولينيالية التابعين للمركز(للرأسمالية الإمبريالية الغربية)، واقعا، كما لازالت الهيمنة الصهيونية ومحددات الصراع الطبقي عربيا على حالها، ولم يطرأ تغير على سياسة تبني البرجوازيات الرجعية للأيديولوجيا الطائفية (ومساعي التشطير الطائفي العمودي) كوسيلة للحفاظ على هيمنتها الطبقية، في دول كلبنان والعراق وغيرها بشكل كلي، أو/و دول كالبحرين بشكل جزئي، كتاب أكثر من مهم لمفكر عربي استثنائي.
اقتباسات:
"حين يستحيل النظام السياسي عائقا لتطور المجتمع وإعادة إنتاجه، فالحسّ السليم يقضي بتغييره." ص٥٢
"في فعل المقاومة هذا يتكثّف منطق التاريخ، كضوء في بلور يشع لعين قادرة على أن ترى فتنتج معرفة." ص٦٤
"ذلك أن الثورة عليها أن تكون سياسية حتى تكون اجتماعية." ص٨٤
وفي الدولة الطائفية، كل ممارسة للسلطة محكومة بضرورة أن تكون طغموية، (أو فئوية بالمعنى الطائفي لكلمة الفئة)، فإذا كانت نظامية دخلت في تناقض مع بنية الدولة، كدولة طائفية." ص٩١
"ولئن أردنا أن نميز منطق الفكر الطائفي بكلمة لقلنا إن ميزته الأساسية من حيث هو منطق الفكر البورجوازي، تكمن في تغييبه الاقتصادي، كأنه بحضور الاقتصادي يتهافت." ص١١٤-١١٥
"أن منطق الفكر الطائفي يحول بالمطلق، دون تكوّن الدولة كدولة مركزية واحدة. ولا تكون الدولة مركزية واحدة إلا بإلغاء طابعها الطائفي." ص١٤٨-١٤٩
"الفكر الطائفي لا يحب الأسئلة، يطمئن إلى بداهات فيها يتمظهر الجوهر. هكذا يكبت قلقاً مصدره الخوف من التاريخ." ص١٦٢
"والطائفية نظام سياسي لا لتعايش الطوائف، بل لسيطرة البورجوازية الكولونيالية اللبنانية." ص١٦٥-١٦٦
"إن الخوف الذي ينتاب الفكر الطائفي، بما هو فكر بورجوازي، ليس خوفاً على الوجود الديني للطوائف، بل هو خوف على وجودها السياسي، أن يكون زواله، بإلغاء الطائفية، أو التعددية السياسية، خطراً على وجود الدولة بما هي دولة بورجوازية. من هنا أتت ضرورة أن يستنفر هذا الفكر كامل طاقاته لإظهار أن وجود الطوائف رهن بوجود النظام السياسي كنظام طائفي." ص١٦٧
"منطق النظر المادي في المسألة الطائفية يقضي أولاً، بتحديد هذه المسألة، في واقعها الحاضر، كمسألة سياسية، ويربط هذه المسألة، بالتالي، ثانياً، بالنظام السياسي لسيطرة البورجوازية اللبنانية الكولونيالية، ويردها، ثالثاً، في تمفصلها على الاقتصادي، إلى بنية علاقات الإنتاج الكولونيالية المسيطرة في البنية الاجتماعية اللبنانية الراهنة." ص٢١٣
"الطائفية نظام سياسي بورجوازي. والممارسة الطائفية للصراع الطبقي ممارسة بورجوازية، سواء أقامت بها جماعات إسلامية أو مسيحية. بل هي ممارسة بورجوازية، وفي خدمة البورجوازية، حتى لو كانت تقوم بها قوى سياسية هي، من حيث المبدأ، أو الموقع، قوى وطنية، أو تقدمية مناهضة للفاشية. والوعي الطائفي شكل من الوعي الطبقي هو، بالضبط، شكله البورجوازي المسيطر. وهو هو هذا الشكل إياه حتى لو كان مسيطراً في وعي الطبقة العاملة، أو في وعي أقسام منها." ص٣٠٠
"يجب التمييز دوماً بين الموقع الطبقي الذي تحتله قوة سياسية معينة، في الحقل السياسي للصراع الطبقي، والشكل التاريخي المحدد من الوعي الطبقي الذي فيه تمارس هذه القوة صراعها، من موقعه ذاك المحدد موضوعياً، في شروط تاريخية موضوعية." ص٣٠٣
"وربما كان الشرط الأساسي لإمكانية انفتاح الثورة الوطنية الديموقراطية وسلطتها السياسية على أفق سيرورة الانتقال إلى الاشتراكية، هو أن يعود موقع الهيمنة الطبقية السياسية في التحالف ذاك إلى الطبقة المهيمنة النقيض التي هي هي الطبقة العاملة." ص٣٠٩
"منطق الثورة أن تكون الثورة مستمرة. هكذا تتعزز كلما تخطت نفسها، كأنها لهب متصاعد. وتزداد فتوة كلما تعززت، وتتكرس في الآتي، والماضي فيها يتجدد." ص٣١٠-٣١١ "فالطائفة في مفهومها البرجوازي، هي كيان مستقل قائم بذاته، متماسك بلحمته الداخلية. لذا، كانت العلاقات بين الطوائف بالضرورة، خارجية، لا وحدة بينها سوى ما تقيمه الدولة من أطر تعايشها السلمي. لا وجود لشعب ما دام الشعب طوائف، ولا وجود لوطن." ص٣٢٢-٣٢٣
"لكن الطائفية من موقع نقض هذه الإيديولوجية الطبقية المسيطرة هي الشكل التاريخي المحدد للنظام السياسي الذي تمارس فيه البورجوازية اللبنانية سيطرتها الطبقية. معنى هذا، بدقة، أن التلاؤم قائم بين هذا النظام السياسي والإيديولوجي والحقوقي للسيطرة الطبقية، وبين شكله التاريخي الذي هو شكله الطائفي." ص٣٢٣
"فما دامت الطبقات الكادحة موجودة في مثل هذه العلاقة من التبعية الطبقية التي هي فيها موجودة كطوائف، فإنها لا تمثل أي قوة سياسية مستقلة هي قوتها الطبقية المناهضة للبورجوازية. إن هذا الشكل التاريخي المحدد من وجود الطبقات الكادحة كطوائف في حركة الصراع الطبقي نفسه الذي تتحكم به البورجوازية المسيطرة عبر تمثيلها الطائفي لنقيضها الطبقي هو الذي يؤمن للبورجوازية المسيطرة ديمومة السيطرة الطبقية، عبر تأمينه ديمومة التجدد لنظامها الطائفي الذي هو هو نظام سيطرتها الطبقية من هنا أمكن القول بدقة، إن الشكل الطائفي الدولة البورجوازية اللبنانية أساسي لوجودها كدولة طبقية بورجوازية."ص٣٢٦
"أما في الحالة الثانية، فأهم من الإصلاح - على أهمية هذا الإصلاح - أن يكون مفروضاً على البورجوازية من القوى المناهضة لها. حينئذ، تنفتح في حقل الصراع الطبقي إمكانية أن تكون البورجوازية أسيرة نسبة من القوى في هذا الحقل، ليست في صالحها، فلا تنغلق المرحلة على نفسها بانتهاء ما تحقق من إصلاح، بل تظل بالعكس منفتحة على آت يجيء في إنجاز مهماتها، فيتسارع التاريخ بدينامية حركة من الصراع الطبقي هي التي تحدثها سيطرة القوى المناهضة للبورجوازية الفاشية في حقله، في بنية محددة من الزمن هي بالضبط، بنية زمن الانتقال الذي أشرنا إليه." ص٣٣١
"وبوضوح أيضاً نقول إن مفهوم "المشاركة" يندرج في منظومة مفاهيم الإيديولوجية البورجوازية في تحددها كإيديولوجية طائفية. وطابعه الطبقي البورجوازي يظهر بوجه خاص، في تغييبه الطابع الطبقي لنظام التوازن الطائفي، وفي عرضه الأمور وحلولها كأنها قائمة بين طوائف، في غياب كلي للطبقات وللصراع بين الطبقات." ص٣٣٨
"وبوضوح كلي نقول إن إسقاط نظام هذه الهيمنة ليس إسقاطاً لمشاريع الحلول الطائفية الأخرى جميعاً وحسب، بل هو بالدرجة الأولى إسقاط لنظام هيمنة الطغمة المالية نفسه. هذا هو بالضبط جديد المرحلة التاريخية الراهنة. وجديدها أيضاً أن لبنان الذي قادته البورجوازية، بقيادة الطغمة المالية، إلى خراب، لن ينهض إلا على أنقاض نظامها السياسي الطائفي، موحداً ضده وضدها، بمقاومة وطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد الغزو الإمبريالي. لقد فشلت البورجوازية في بناء الوطن، وفي توحيده، أقامته بنظامها مفتتاً، وقادته إلى تفتيت. كي تسلم، أسلمته إلى احتلال إسرائيلي به استقوت، مدعوماً بأساطيل الإمبريالية، كي تقوى بالفاشية عليه، فكان علينا - نحن جموع الكادحين - أن نحرره بمقاومة تبنيه جديداً في الحرية، للحرية، وطناً لشعب لا لطوائف ولنا الآتي في زمن التغيير الثوري." ص٣٤٩
في هذا الكتاب يعلمنا مهدي عامل الكثير، وبمنهجيته في البحث التي يمكن اتباعها لتحليل "إدارة الأزمات في أوطاننا" يثري أي شخص يسعى لفهم واقعنا تحديدًا في بلاد الشام ورغم أن ميدان البحث هو الحرب الأهلية، لكن إشكالية تأبيد الوضع القائم أو العودة للاقتتال هي إشكالية خلق خيارات وموت خيارات أو بالأصح قتلها للإبقاء على الوضع القائم. والحق أنني أحتار من أي صفحة اقتبس، رحمة الله عليه.
مهدي عامل يحلل وينقد في هذا الكتاب البنية البرجوازية اللبنانية والفكر الطائفي ويبين التناقض الحاصل ضمن هذه البنية والتي تخفيه لغة الأيديولوجيا كما يحب أن يسميها اللغة الفارغة لغة البداهات. كل ذلك باعتماده على أدوات النقد الماركسي مستشهدا بنصوص فكر ميشال شيحا من خلال نقد وكشف البنية العميقة لدراسات انطوان مسرة وناصيف نصار وآخرون عن لبنان تجربة أولى ممتعة وعظيمة لهذه النوعية من الكتب
لا تدافع الدولة الطائفية عن الطوائف الدينية في سياق دفاع عن التعدد الديني، بل إنها تدافع عن مؤسسات الدولة الطائفية بحالها وإلا لكان استقلال الطوائف الدينية في كونفدرالية/قومية منفصلة هو التعبير الصادق عن حالة التوحد بين السياسي والطائفي الذي تطرحه نخبة البرجوازية اللبنانية. الخيار الذي يوصف "بالتعددية المتطرفة" لتكون "التعددية المعتدلة" هي تلك التي تحافظ على الدولة اللبنانية بمؤسساتها الطائفية والتي تُصور وكأنها أبدية متجاوزة للتاريخ وجوهر كل سياسي في لبنان. وليصبح سبب الحرب الأهلية ليست الدولة الطائفية ذاتها بل الصراع العربي الإسرائيلي على أرض لبنان لتحدد هوية لبنان نفييا، هي فقط ليست عربية، وبالتالي فالخطر هو الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان وليس الإحتلال! وتصبح جرائم مثل صبرا وشاتيلا هي فقط من باب التطرف الذي سيلام عليه رموز مثل إيلي حبيقة لكنه يتواجد بكل أريحية ووقاحة على الساحة السياسية اللبنانية وليدافع عنه ميشيل عون بكل أريحية.