ملكة شطرنج تذبح بوحشية في دوامة غضب عاصف. أهي مأساة؟ من صنعها؟ أهو والد الراوي، ذلك الأب الوديع، الشاعر الصوفي المحترق عشقًا في حضرة السناء الإلهي؟ أم ذاك الآخر الذي ينبغي التوغل في أنساب الشر لإدراك هول رعبه أمام اللات، تمثال إمرأة الغرانيق الأولى، صنم الضآلين؟ أم إنه، على الأرجح، ذلك الدخيل، الراعي القديم الذي سيحول صالون الشاي الفسيح-مدينة الراوي، ثكنة عسكرية؟
ثمة سر يعبر العصور، فضًا وجوهريًا ولا مناص من جبروته!
لكن، من هي، في البدء، تلك الملكة المبقورة؟ ملكة شطرنج شطرت نصفين وضمدت بسبعة أطواق من شريط لاصق؟ أم الملكة الأم-أم الراوي؟ أم معشوقته إبتهال؟ أم عنقاء تنبعث من رمادها؟..
مدينتان في هذه الرواية: روان والشيخ عثمان، ضاحية عدن. “مدينتان تتعارضان وتتكاملان، وتتجاهل كل منهما الأخرى، وتتغاضى الواحدة عن الأخرى، وهما مع ذلك أحرى بالجمع والتوأمة والتشبيك والتضافر والمزج والعناق والعشق والذوبان والإندماج والتوحد. فمن تهجينهما تولد إبنة النار والماء، أجمل الفتيات وأكثرهن فتنة وسحرًا” .بيد أن مدينة واحدة تسكن جميع أنسجة “الملكة المبقورة”. إنها المدينة-الجمل، التي قيل عنها: “أن تحيا في الشيخ عثمان يعني أن تنسى الزمان. قبل أن تموت عجوزًا في الأربعين، كل يوم منها أبد الآبدين”.
أكاديمي وروائي يمني. بروفيسور جامعي في علوم الكمبيوتر بقسم هندسة الرياضيات التطبيقية (كلية العلوم التطبيقية، روان، فرنسا)، منذ ١٩٩٢. يشرف على مشاريع فرق أبحاث جامعية مشتركة، وعلى كثيرٍ من أبحاث الدكتوراه. بيد أن شغفَهُ بل هوسَهُ الأوّل والآخر، الظاهر والباطن: الكتابة الأدبية، وذلك منذ أن نشر أوّل قصيدةٍ شعريّة في مجلة "الحكمة" في ١٩٧٠.
في هذا البلد الذي لا يعاني من مرض فرط التذكر، هذا البلد الفقير الذي تنخر فيه الأمية، وحيث تعمل القبلية لتشويه النفوس، وحيث الثأر سائد، والموت أمر عادي، أخشى أن يقتتل الناس فيما بينهم على نحو متواصل. وعندها كم ستكون جبال الجماجم التي سنراكمها؟ وكم ستكون الحروب التي سيخوضونها باسم القضايا الكبيرة؟
رواية أشبه بسيرة ذاتية للكاتب أو ربما هي ذلك. قصة عدن في زمن الشيوعية و الشعارات الجوفاء التي يتبجح بها جهلة لا يفهمون من معناها شيئا. السارد مراهق يروي تجارب حياتية مع أصدقائه و العائلة و حبيبته و المجتمع. مع ان الرواية فيها الكثير من التوصيف لليمن و اجوائها الا ان التجربة الإنسانية للمراهق عالمية. بالصدفة قرأت الحارس في حقل الشوفان قبل أقل من اسبوعين و بمقارنة بسيطة نحس بتأجج مشاعر المراهق في كلاهما. للعائلة دور مركزي في حياة ناجي (الملكة المغدورة) و كذلك الأصدقاء. تفاصيل مثيرة للاهتمام لمن يهتم بالتاريخ السياسي و الاجتماعي اليمني. هناك بعض الاطالة التي تشبه البوح الذاتي و كأن الكاتب بتكرارها يتحلل من ثقل الذكريات.
قرأت هذه الرواية قبل سنوات و أتذكر أني كنت منبهرة بها ، ربما لأن المعلومات التي احتوتها عن الوضع في جنوب اليمن كانت جديدة بالنسبة لي مع أني كنت أعلم القليل .. لكن الرواية آنذاك أروت شغفي . لما قرأتها قبل أسابيع لم أجد فيها مايدهش خصوصا أني قرأتها بعد رواية "طائر الخراب" لنفس الكاتب ، ربما لتشابه الموضوعات .. (قصة وطن و الوضع أيام السبعينات حينما كان الحكم بيد الجبهة القومية) .. هناك تكرار ربما لم يقصده الكاتب .. تكرار في الموضوع ، في طريقة التشبيهات البلاغية حيث يتم استدعاء الرياضيات دائماً في التشبيه -ربما لأنه تخصص الكاتب- الأم الطيبة الحنون ، والأب المتدين الصوفي ذو المواقف الجامدة أحيانا ، الحبيبة التي تنبثق منها رائحة العطر والبخور ممتزج بالهيل الذي تحلي به رضابها ، علاقة الحب التي تتمرد على العادات والتقاليد والمجتمع بأسره ، أعضاء الجبهة القومية الجهلة ... الخ .
ربما لو أعدت قراءتي لهذه الرواية قبل أن أقرأ "طائر الخراب" لاختلف التقييم ، ربما .. لا أستطيع الجزم .
جدير بالذكر أن الرواية كتبها سروري بالفرنسية وقام علي محمد زيد بنقلها للعربية بطريقة لم تفقد النص روحه ، ومن يقرأ لحبيب سروري سيفهم ما أعني ، فقد كان المترجم يستخدم الكلمات نفسها التي يستخدمها سروري فلم يأتِ بمرادفات أخرى لدرجة أني كنت أنسى وقت قراءتي للرواية أنها مترجمة .
تتميز الرواية بشرح مفصل للمشاعر والأحاسيس والأماكن بشكل جميل في كثير من الأحيان لاسيما عند حديثة عن محبوبته، لم أجد مثله من يصف لحظات الغرام للمراهقين بشكل مرهف وأخّاذ.