هو الإمام الكبير العلاَّمة، السلفيُّ، المحقِّق، ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ الدكتور محمد بن خليل حسن هرّاس رحمه الله. - من محافظة الغربيَّة بجمهورية مصر العربية. - ولد (1916م) بقرية الشين _ مركز قطور _ محافظة الغربية (طنطا) _ مصر [وقرية الشين أخرجت كثير من العلماء ومنهم فضيلة الشيخ الدكتور _ عبد العظيم بن بدوى حفظه الله _ وكيل جماعة أنصار السنة المحمدية حاليا_ وصاحب كتاب الوجيز فى فقه السنة والكتاب العزيز] - ثم بدأ تعليمه في الأزهر الشريف عام 1926م ، ثم تخرج في الأزهر من كلية أصول الدين عام 1940م ، وحاز على الشهادة العالمية العالية (الدكتوراه) في التوحيد والمنطق. و كان موضوع الرسالة (ابن تيمية السلفي) - عمل أستاذًا بكلِّيَّة أصول الدين في جامعة الأزهر. - أُعير إلى المملكة العربية السعودية - بطلب من العلامة عبد العزيز بن باز - ودرَّس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ثمّ أُعير مرَّةً أخرى لكي يدرس العقيدة الإسلامية بمكة المكرمة، وأصبح رئيسًا لشعبة العقيدة في قسم الدِّراسات العليا في (كلية الشريعة سابقًا / جامعة أم القرى حاليًا) بمكة المكرمة [وقد أنشأ هذا القسم من أجل أن يشغله رحمه الله]. - عاد إلى مصر، وشغل منصب نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة النبوية، ثم الرئيس العام لها بالقاهرة. - وفي عام (1973م) ـ قبل وفاته بسنتين ـ اشترك مع الدكتور عبد الفتاح سلامة في تأسيس جماعة الدعوة الإسلامية في محافظة الغربية، وكان أول رئيس لها.
- كان رحمه الله سلفي المعتقد، شديدًا في الحقّ، قويّ الحجّة والبيان، أفنى حياته في التعليم والتأليف ونشر السنة وعقيدة أهل السنة والجماعة. قال عنه فضيلة الشيخ محمد رشاد الشافعي : (كان يلاقي رحمه الله من عنت الجبارين و كيد المبتدعين وزندقة الملحدين ما لا يطيقه إلا الصابرون و المحتسبون) حيث ظل رحمه الله طوال حياته مدافعا عن الحديث الشريف الصحيح من اعتداءات منكري السنة فكان رحمه الله أول من رد عليهم كيدهم فتعرض رحمه الله لمحاولات عديدة للقتل من متشددي الصوفية و منكري السنة و لكن الله أعلم بمكائدهم فنجاه الله حتى يكون شوكة في حلوقهم و قد ركز رحمه الله على كتابة كتب العقيدة مثل الصفات الإلهية عند ابن تيمية - شرح العقيدة الوسطية - ابن تيمية السلفي
مكانته العلمية كان رحمه الله على قدر كبير من التميز في دراسة العقيدة السلفية و ملما إلماما دقيقا بفكر الفرق الضالة المختلفة و كان رحمه الله له القدرة على أن يتكلم في موضوعات تحسبها لأول و هلة أنها من أعقاد قضايا الاعتقاد لكن الشيخ رحمه الله كان له القدرة على أن يجلي غامض الأمور وكان من معارفه و ممن كانوا رفقاء له و كانو يقدروه حق قدره و يعرفون مكانته العلمية جماعة من كبار العلماء من أمثال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الذي ألح على طلب إعارته للتدريس بمكة المكرمة و ذلك بعد معارضة الأزهر لذلك غير أن الملك فيصل رحمه الله طلب و ألح في طلبه و بقي في هذا المنصب حتى توفاه الله وكان من عارفيه أيضا الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله و فضيلة الشيخ عبد الرحمن الوكيل رئيس قسم العقيدة الإسلامية بجامعة أم القرى و فضيلة الإمام محمد حامد الفقي و غيرهم كثير.
تلاميذه ممن تتلمذ على يديه - رحمه الله - : 1. الشيخ محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله-. 2. الشيخ علي بن ناصر الفقيهي - حفظه الله -. 3. الشيخ عبد الفتاح سلامة - حفظه الله - 4. وغيرهم كثير.
- له مؤلفات عدة؛ منها: 1- تحقيق كتاب ((المغني)) لابن قدامة، وقد طُبع لأول مرة في مطبعة الإمام بمصر. 2- تحقيق وتعليق على كتاب ((التوحيد)) لابن خزيمة. 3- تحقيق وتعليق على كتاب ((الأموال)) لأبي عُبيد القاسم بن سلام. 4- تحقيق ونقد كتاب ((الخصائص الكبرى)) للسيوطي. 5- تحقيق وتعليق على كتاب ((السيرة النبوية)) لابن هشام. 6- شرح ((القصيدة النونية)) لابن القيم في مجلّدين. - وقد طبعتها دار المنهاج ( وهى دار سلفية - لا تنشر إلا كتب السلف والسلفيين - فجزاها الله خيرا ) 7- تأليف كتاب ((ابن تيمية ونقده لمسالك المتكلمين في مسائل الإلهيات)). 8- شرح ((العقيدة الواسطية)) لابن تيمية.
توفى رحمه الله في شهر سبتمبر عام 1975م (عن عُمر يناهز الستين) بعد حياة حافلة بالعطاء حيث كان له نشاط ملحوظ في العام الذي توفي فيه حيث ألقى عدة محاضرات في طنطا و المحلة الكبرى و المركز العام لأنصار السنة و كانت آخر خطبة له بعنوان "التوحيد وأهمية العودة إليه". http://shamela.ws/index.php/author/159
من أفضل الكتب والتي تُعَدُّ مدخل مبسط للفكر التيمي كتاب " ابن تيمية السلفي " للشيخ الكبير ( محمد خليل هراس) رحمه الله ، وهذا الشيخ عاش فترة من حياته كارهاً لشيخ الإسلام بسبب البيئة الأشعرية التي نشأ فيها ، مما دفعه إلى أن يخصص رسالة الدكتوراة الخاصة به للرد على شيخ الإسلام ابن تيمية ، فأقبل على كتب ابن تيمية دراسة وفهماً فإذا به يقع في حب الشيخ ، فتحول قلمه الذي كان يتهيأ لنصرة الأشاعرة إلى نصرة ابن تيمية ومنهجه السلفي ، حتى أنه أعدَّ دعوة ابن تيمية أساساً للنهضة الإسلامية .
كتاب ( ابن تيمية السلفي) هو دراسة مهمة عن فكر ابن تيمية ونقده للمتكلمين والفلاسفة ؛ فابن تيمية شخصية محورية في التأريخ للفكر العقدي ، وهذا يسجله الشيخ هراس في بداية كتابه فهو يقرر بكل وضوح "لعل تاريخ الإسلام في عصوره الوسطى والأخيرة لم يشهد شخصية اختلف فيها الناس اختلافهم في ابن تيمية " وهذا الإختلاف كان سبباً للشيخ هراس أن يكتب عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، مع ملاحظة أن الوقت الذي كتب فيه الشيخ هراس دراسته هذه كانت المكتبة الإسلامية تعاني فقراً شديداً في الكتب التي تتكلم عن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية .
في الباب الأول من الكتاب نجد عدة فصول مهمة كـ : ( عصر ابن تيمية) و ( ابن تيمية الطلعة) و ( ابن تيمية الناقد ) و( منهج ابن تيمية من مناهج الفلاسفة والمتكلمين ) وغيرها .. ، وأرى أن أهم ما في الكتاب هو موقف ابن تيمية الفكري من علم الكلام ومن الفلسفة لأن هذا الموقف هو سبب الحملة الشديدة عليه من خصومه ، ومن هنا قدَّم الشيخ هراس تفصيل لحالة علم الكلام في عصر ابن تيمية قبل الولوج إلى موقف شيخ الإسلام منه ، ويرى أن علم الكلام لم يبدأ من نقطة معينة ولم يتكون دفعة واحدة ، بل تقلَّب كغيره من العلوم في أطوار مختلفة ، ومن هنا يعيب الشيخ على ابن خلدون أنه أرَّخ لهذا العلم من وجهة النظر الأشعرية متغافلاً عن دور ابن تيمية وابن القيم في نقد هذا العلم ، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه الشيخ " محمد عبده" في مقدمة رسالته في التوحيد .
لماذا درس ابن تيمية علم الكلام والفلسفة ؟ ؛ ربما يكون هذا السؤال مهم لأنه سيجعل ابن تيمية في موضع مقارنة في هذا الأمر مع أبي حامد الغزالي ، فالغزالي نقد الفلاسفة بعد أن درس الفلسفة ، لكن مشكلة الغزالي أنه درس الفلسفة وغيرها من المذاهب بحثاً عن الحق ، في المقابل نجد ابن تيمية ينطلق في دراسته من عقيدة ثابتة لا تبحث عن الحق في المذاهب الضالة ولكن تنقدها نقداً ، ومن هنا يقول الهراس : ( تملكت ابن تيمية روح النقد والثورة على ما في عصره من عقائد مخالفة لمذهبه السلفي فانبرى لنقدها والرد عليها ....وحتى يمكن القول أنه أكبر نقاده في الإسلام ) ، ثم يشير بعد ذلك أن ابن تيمية ولاشك تأثر بنقد الغزالي للفلسفة وبنقد ابن رشد للمتكلمين ، ولكنه يوضح أن أسلوبه في النقد كان أقوى وألذع من أسلوبهما ، ومن هنا يَعُدُّ الشيخ الهراس هذه الشدة سبباً للخصومة التي جلبت عليه العداوة من خصومه . وعلى الرغم من تأثر ابن تيمية بالغزالي في نقده للفلسفة بالغزالي من وجهة نظر الشيخ الهراس إلا أنه نقد الغزالي نقداً شديداً ، فيري ابن تيمية أن الغزالي نقد الفلسفة ولكنه اتبع كثيراً من أصولها وإن كلامه لا هو إلى الإسلام المحض ولا إلى الفلسفة الصريحة ، أما موقف شيخ الإسلام من مناهج الفلاسفة والمتكلمين فقد كان يرى أن الفلاسفة اليونانيين كأرسطو أبعد الناس عن الأمور الإلهية وأن أكثر كلامهم فيه خبط وتخبيط ، أما الفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام فقد مزجوا الحق الذي أخذوه من الدين ثم بنوه على أصولهم الفلسفية الفاسدة ، أما المتكلمون كالمعتزلة فقد غالوا في تقديرهم لموقف العقل فنفوا صفات الله عز وجل ، بينما الأشاعرة ولاسيما المتأخرين منهم كالجويني والغزالي والرازي عمدوا إلى التأويل في الصفات الخبرية كغيرهم من الفلاسفة والمعتزلة .
الباب الثاني من الكتاب فيه عدة فصول مهمة مثل : ( منهج ابن تيمية في اثبات الله) و( منهج ابن تيمية في إثبات الوحدانية ) و( مشكلة الصفات وموقف ابن تيمية من المذاهب المختلفة فيها) و ( موقف ابن تيمية من الصفات) و ( صفة الكلام) و ( قيام الحوادث بذاته تعالى ) وغيرها ....، فالباب الثاني باب دسم فكرياً عرض فيه هذه القضايا بطريقة مختصرة وسلسة ، فالمتكلمون في كل القضايا السابقة سلكوا طرقاً متعرجة التمسوا خلالها معان باطلة لإثبات قضايا بديهية كقضية وجود الله تعالى على سبيل المثال ، فالمتكلمون سلكوا طرق متعرجة في ذلك كالجوهر والعرض ويري ابن تيمية انها طريقة مبتدعة مذمومة في الشرع [ولمزيد من التفصيل حول تلك المسألة راجع كتابنا المدخل إلى كتاب درء تعارض العقل والنقل ] ، مثال أخر مسألة " الوحدانية " فابن تيمية يقررها اعتماداً على منهج القرآن ، بينما الفلاسفة عندما أقروها اشتبه عليهم ما في الأذهان بما في الأعيان وتوهموا الأمور العقلية أموراً موجودة في الخارج ، بينما المتكلمون عمدوا إلى دليل التمانع وقد شرحنا هذا الدليل في كتابنا المدخل وشرحه الشيخ الهراس أيضاً ها هنا في كتابه ، لكن الشاهد هنا أن ابن تيمية لم يرفض دليل التمانع واعتبره حجة عقلية صحيحة إلا أنه يرفض زعم المتكلمين أن يكون دليل التمانع هو طريقة القرآن لتقرير الوحدانية .
الكتاب مهم جداً لمن أراد أن يقف على فكر ابن تيمية قبل الشروع في قراءة مؤلفاته ، فهو يساعد على فهم كلام الشيخ ، ولكن مشكلة القراءة لابن تيمية أنها تحتاج للتدرج والمنهجية لقراءة كتبه وربما يكون لهذا الأمر موضوع أخر .
بعدما عاش الدكتور محمد خليل هرّاس في الأزهر وفي أروقة المنطقيين كارهاً لابن تيمية.. قرر أن يخصص رسالة في الدكتوراة للرد عليه..
وبما أنه كرهه قبل أن يعرفه.. فقد تفاجأ أنه بعدما قرأ له أحبه! بل دافع عنه واعتبره أنموذجاً يستحق الدراسة والتأمل وأن كارهيه يحاولون جهدهم التقليل من شأنه وهم لم يتعرفوا عليه..فتحولوت رسالته للدكتوراة من نقد لابن تيمية إلى دفاع عنه وعن عقيدته وردوده المفحمة لخصومة..
هذا الكتاب هو عرض لشيء من سيرة ابن تيمية.. ولكنه عرض بسيط لسيرته.. وأكثر اهتمامه هو في الشأن العلمي من سيرته، في ردوده وعقيدته والخلاف بينه وبين خصومه من الفلاسفة في المسائل الشائكة..
يقال بأنه جيد كمدخل لدراسة ابن تيمية.. وإن كنت أرى أنه صعب أيضاً على المبتدئ في مواضع كثيرة..
وأراه ملخص جيد لأفكار ابن تيمية وخصومه.. ملخص لا يجمع كافة أفكار ابن تيمية طبعاً، ولا نصفها، بل ما يراه المؤلف مهم ويصلح للتلخيص والعرض.
يُروى أنَّ مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا=الشيخ مُحمَّد خليل هراس كان من أشد الناقدين والناقمين على ابن تيمية وتلاميذه كإبن القيم وغيرهم، وقد ورث هذا البغض من البيئة الأشعرية التي ترعرع فيها. ثم لما بدا له دراسة فكر ودعوة ابن تيمية دراسة هادئة مستفيضة -انطلاقاً من مؤلفات الرجل- تغيرت نظرته له تماماً وانتقل من خانة الخصم اللدود إلى موقع المناصر المؤيد، وراح يستل قلمه في تأييد دعوة ابن تيمية ضد مناؤيها، حتى أنه إعتبرها -كما في خاتمة الكتاب- أساساً للنهضة الإسلامية تماماً كمحمد عبده والأفغاني، و(الكتاب باين من عنوانه) :)
وهذا الكتاب ليس يتيماً، بل إنَّ البحوث والدراسات التي تدور حول شخصية ابن تيمية ومنهجه العلمي قاربت حد (الظاهرة) إن لم تصلها، وقد أورد المُتفنن إبراهيم السكران بعض ال(مؤشرات حول الوزن المعرفي لإبن تيمية) وتهافت الباحثين الغربيين نحوه قبل أسابيع في ورقة له بعنوان (كيف أسهم الإعلام الليبرالي في تعزيز شرعية الغُلاة، ص52).
****
إبتدأ المؤلف مؤلَفَهُ بالتعريف بالحالة العامة التي سادت في عصر ابن تيمية، وما فيها من الإضطراب والفساد والتعصب في الجوانب العلمية والسياسية والإجتماعية وغيرها. ثُّمَّ ثنَّى بذكر طرف من حال ابن تيمية، وأفرد بقية الكتاب كاملة (ثلاثة أرباع الكِتاب) لبيان موقف ابن تيمية من الفلاسفة والمتكلمين، موقفه من النقل والعقل، منهجه في إثبات وحدانية الله، الصفات الخبرية، القدر والتعليل، وغير ذلك.
محطَّات في الكِتاب:
*المحطة الأولى= نقفُ فيها مع مقدمة الكِتاب حيث ذكر فيها المؤلف رحمه الله بعضاً من التاريخ العقدي لدي المسلمين وأنَّ عقيدة الإسلام تمتاز بالوضوح وتستند على الفطرة الصحيحة أكثر من غيرها، الأمر الذي جعل أهل الصدر الأول يأخذون عقائدهم مباشرة من الكتاب والسنة دون الحاجة إلى القياس وما شابهه. ثم لما اتسعت دولة الإسلام بالفتوح دخل كثير من النصارى واليهود والصابئة والمجوس وغيرهم في كنفها وأسلم أكثرهم.ومع امتداد الدولة وكثرة الفتن والنوازل والفِرَق مال البعض كالمعتزلة إلى تعلم فنون الجدل والحجاج والمنطق ليردوا به على الخصوم، لكنهم تشربوا تلك أفكار أهل المنطق وغلوا في العقل وعارضوا به كثير من النصوص وكان ذلك بداية صراع كبير ضاقت كتب التاريخ والفرق بحكايته، واستمرَّ الوضع قريباً من ذلك حتى القرن الثامن=عصر ابن تيمية، حيث رفع لواء الدعوة إلى مذهب السلف ونبذ البدع والإقتداء بالأئمة وغير ذلك من سمات دعوته.
*المحطة الثانية= ونقف فيها مع ذَكره المؤلف من تعريف ب(علم الكلام). حيث لم يكن معروفاً في أغلب الصدر الأول، ويُقال أن أول ظهوره كان مع قتل عثمان رضي الله عنه واختلاف الناس في حكم قتلته أكُفَّار أم مؤمنون، ثم ظهور الخوارج. ويذكرُ ابن خلدون في تأريخه لبعض العلوم التي تُنسَب للإسلام، أن علم الكلام عُرف مع ظهور الإختلاف حول آيات الصفات وما شابهها حين غلا المعتزلة في التنزيه فنفوا وغلا البعض في الإثبات فجسَّموا وشبههوا -مع وجود مذهب السلف عند بعض العلماء- إلى أن جاء أبوالحسن الأشعري فتوسط بين الطرفين وتلاه كبار المتكلمين كالباقلاني والجويني. ثم توسَّع المتأخرون في علم الكلام في مخالطة كتب الفلسفة حتى امتزجت الفلسفة بعلم الكلام.
*المحطة الثالثة= ذكرنا آنفاً أن غالب موضوعات الكتاب تتحدث عن منهج ابن تيمية في إثبات الصِفات وأنها طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن اتبَّعهم بإحسان، وسل الأقلام على من ناوئها أو انتقصها. وبعد الإستقراء والت��بع لهذا المنهج التيمي لخَّص المؤلف هذا المنهج في بداية مبحث (مذهب ابن تيمية في الصفات) وأنَّه يقوم على ثلاث قواعد:
1-الأولى أن كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات يجب إثباته وما صرح الله أو رسوله بنفيه عنه تعالى يجب نفيه وما لم يصرح الشرع لا بنفيه ولا إثباته يجب إستفسار قائله، فإن أراد به معنىً صحيحاً موافقاً لما أثبته الشرع قُبِلَ وإلا وجب ردّه. 2-مضمون القاعدة الثانية نفي مماثلة الله عز وجل لشيء من خلقه في ذاته أو صفاته. 3-أن الكمال ثابت لله تعالى، بل الثابت له أقصى ما يمكن من الأكملية بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابتُ للرب تعالى. ومن أراد الإستفصال في تلكم القواعد فيمكنه الرجوع إلى المبحث المُشار إليه بالأعلى.
*المحطة الأخيرة=ونقف فيها مع آخر موضوعات الأول وزُبدة السبب الذي جعل المؤلف يعنون كتابه بذلك العنوان. أي السبب الذي جعل المؤلف يعتبر ابن تيمية باعث النهضة الإسلامية الحديثة ويمكن رؤية ذلك من عدة نصوص في الخاتمة، كقوله: (ولهذا كان ابن تيمية يسمي نفسه وأصحابه هو بالسلفية. أو أهل السنة والجماعة. ويعترف بأنه متبع لا مبتدع. وأن طريقته هي طريقة السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين. وهذا قول فيه كثير من الحق، ولكن مما شك فيه أن ابن تيمية قد عالج مسائل كثيرة لم يعالجها هؤلاء ولم يخوضوا فيها)، ثم قال بعدها: (كما أنه إستطاع أن يدافع عن هذا المذهب السلفي بحرارة وقوةً لم يسبق إليها مستخدماً في ذلك القياس الأرسطي إلى جانب النُصوص والآثار) ومن المُفارقات أن ما عدَّه المؤلف هنا من مناقب ابن تيمية، احتج به بعض منتقدي ابن تيمية -من المنتسبين لأهل الحديث- لولوجه في المنطق أحياناً وعدم الإكتفاء بالنصوص وحدها كما في كتاب (القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي). ثُمَّ واصل المؤلف رحمه إيراد ما يؤيد حكمه على ابن تيمية، كقوله: (وكان يرمي كذلك إلى القضاء على تلك العصبية المذهبية التي كانت قد تمكنت من نفوس العلماء ..).
فإذاً ابن تيمية هو (أبو النهضة الإسلامية الحديثة) و(واضع أساسها) لأنَّه كان سلفياً مُعظماً للنصوص، جامعاً في منهجه بين صحيح المنقول وصريح المعقول، محارباً للتعصب والتقليد الأعمى، موقراً للأئمة مع هجر ما خالفوا فيه الدليل إلى غير ذلك من سمات منهجه.
يُعد كتاب "ابن تيمية السلفي" للعلامة الجليل محمد خليل هراس رحمه الله، إضافة نوعية ومتميزة في المكتبة الإسلامية، فهو ليس مجرد سيرة ذاتية للشيخ الأجل ابن تيمية، بل هو دراسة عميقة ومنهجية لفكر شيخ الإسلام، وتأصيل لعقيدته السلفية التي تميز بها.
ما يميز هذا الكتاب هو الطريقة التي يتناول بها المؤلف شخصية ابن تيمية. فبدلًا من الاقتصار على سرد الأحداث التاريخية، يغوص هراس في أعماق فكر ابن تيمية، ويُظهر كيف أن منهجه في الاستدلال، وفهمه للنصوص الشرعية، ووقوفه في وجه البدع، كان مبنيًا على منهج السلف الصالح. يقدم الكتاب ابن تيمية كعالم مجدد، ومحقق مدقق، ومصلح يسير على درب السلف، وليس مجرد فقيه أو متكلم.
أبرز النقاط التي يتطرق إليها الكتاب هي:
تأصيل العقيدة السلفية: يشرح المؤلف بوضوح كيف أن ابن تيمية كان مدافعًا شرسًا عن عقيدة السلف في باب الأسماء والصفات، وموقفهم من الصفات الخبرية، وردوده القوية على المتكلمين والفلاسفة الذين أولوا النصوص أو عطلوا معانيها.
المنهج النقدي: يبرز هراس القدرة الفائقة لابن تيمية في النقد العلمي، سواء كان ذلك في الرد على الفرق الضالة كالشيعة والجهمية والأشاعرة، أو في تفنيد الخرافات والتصوف المنحرف. يُظهر الكتاب أن نقد ابن تيمية لم يكن من باب التعصب، بل من منطلق حماية الدين من أي دخيل.
السيرة في ضوء المنهج: يربط الكتاب بين حياة ابن تيمية العلمية والعملية، ويُظهر كيف أن محنته وسجنه ومواجهته للسلاطين لم تكن إلا نتيجة لتمسكه القوي بمنهج السلف وعدم تنازله عن الحق.
يُعد هذا الكتاب مرجعًا ثمينًا للباحثين وطلاب العلم، وكذلك لكل مسلم يرغب في فهم حقيقة منهج شيخ الإسلام ابن تيمية. بأسلوبه الواضح والمباشر، استطاع العلامة هراس أن يُجلي الغبار عن الكثير من الشبهات التي أثيرت حول ابن تيمية، ويُظهره كما كان حقًا: عالمًا ربانيًا يسعى لإحياء منهج السلف الصالح
This entire review has been hidden because of spoilers.
ابن تيمية السلفي ونقده لمسالك المتكلمين والفلاسفة، كتاب صغير الحجم غزير الفائدة .. لست ملماً إلماماً جيداً بما كتب عن ابن تيمية. لكني أزعم أن هذا من خير المداخل للمدرسة التيمية الكلامية حيث أورد فيها المؤلف -غفر الله له- أهم المسائل التي دار النزاع حولها بين ابن تيمية والفلاسفة والمتكلمين، وشرع بإيراد حجج المخالفين ثم أتبعها بردود ابن تيمية عليهم وإبطاله لمقالاتهم وآرائهم.
الكتاب حقيقٌ بالتلخيص لكونه يبحث في معظم المسائل المختلف فيها ثم يرد أهم حجج المخالفين وأبرز الردود عليها دون الإكثار من أوجه الردود أو إيراد الإستشكالات، مما يسهل المسألة على قارئه ويجعله ملماً بالحد الأدنى من هذه المسائل ثم له أن يبني عليها ما شاء الله له إن أراد أن يتوسع.
رحم الله شيخ الإسلام وغفر له .. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً
كتاب مهم للتعرف علي فكر ابن تيمية العقدي , و ادلته علي تلك العقيدة مع مقارنة مذهبه بمذاهب الفرق المختلفة فهو من هذا المنطلق كان مفيدا جدا في فهم عقلية ابن تيمية و ادراك ادلته التي استند عليها ( ادلته العقلية ) . دعوي الكاتب بأن هذه عقيدة السلف هو نفسه ينقضها في كتابه ضمنا لمن تدبر كلامه و لكن " حبك الشيء يعمي و يصم " الخاتمة : ليس لها اي قيمة و كله كلامي خطابي , علي غير النسق المقارب للبحث العلمي في كل الكتاب . لا يقرأ الا لمن درس علم الكلام , حتي تتم الافادة , لأن اغلبه مناقشات كلامية و فلسفية .
كتاب رائع جداً ، يعرض فيه الشيخ الهراس الفكر التيمي وأدواته ومناهجه وأهم المباحث الكلامية والفلسفية التي عالجها ابن تيمية وكيف أجاب عن شبه وعقائد الفلاسفة والمتكلمين وانتصر لمذهب السلف وطريقتهم في الاستدلال العقدي ... فكتاب الهراس هو بمثابة هيكلة وفهرسة لفكر شيخ الاسلام وتراثه العقدي والفلسفي .. حري بكل مهتم بشيخ الاسلام ابن تيمية أن يقرأ هذا الكتاب