انطلاقاً من مجموعة الدراسات والأبحاث التي قدمها الدكتور محمد الرحموني في سياق بحثه في المفاهيم القرآنية، منها الجهاد والجاهلية..، وجد أمامه باباً مشرّعاً لإعادة النظر في مفهوم، وإن بدا قديماً، إلا أنه بات مثيراً للجدل، ألا وهو مفهوم "الدهر".
من هنا، قرأ الرحموني موضوع "الدهر" قراءةً واسعةً مرتكزة على القرآن الكريم، ووزع كتابه على قسمين: تناول الأول، ماهية الدهر من حيث اللغة والفلسفة وكتب التفسير، وتناول الثاني مفهوم الدهر باعتباره "إحساساً أعرابياً بالزمان" لا يمكن إدراكه إلا بإدراك المكان الذي يرتبط به.
فلما كان الأعراب يتحركون في فضاء بعيد عن المدينة ومؤسساتها، وجدناهم جاهلين تتخبط حركتهم بصورة عشوائية وتترجم إلى أتباع وهوى، وهذا، بدوره، استدعى النظر في قفا المكان الذي يتحرك فيه البدوي، وهو الزمان المعبّر عنه في القرآن بـ "الدهر"، فالتحكم بالزمان يضفي قيمة على الأعمال الإنسانية من جهة، ويخلق قدرة على بناء مختلف مستويات المجتمع من جهة ثانية. ولا يتم ذلك إلا من خلال عقلنة الزمان وإدراك المكان، والنتيجة ستكون نقلة نوعية من الجهل إلى العلم ومن الصحراء إلى المدينة ومن الضلال إلى الهدى.
هناك سمة أكاديمية جادة و تحديد دقيق لموضوع البحث لدى أهل المغرب العربي , لكن نقدي للرحموني - مع التسليم له في الجانب الأول- هو ذات النقد الموجه لأستاذه الشرفي من حيث كونه بدعوى الموضوعية البحثية و مساءلة الأسس , يصل إلى أن يكون نظرة استشراقية تنزع بادعاء الواقعية إلى أسطرة في التراث , التراث الذي يشمل في هذه النظرة القرآن نفسه , فتُحال مشكلة الإسلام و الكفر إلى نزاع الإسلام و البداوة , حتى تصوّر الآيات الدالة على الشرك باعتبارها صفات البدو كما كانوا في زمن القرآن , و هذا النظر الذي يتوسل التاريخية يبلغ ذروة اللاتاريخية حين يعامل النصّ بغير غاياته و دلالاته مقاصده حتى وقت نزوله نفسه . لعلّ أهمّ ما في الكتاب نقل ثنائية الفضاء البسيط و الفضاء المطلق عن دولوز و غتاري و تطبيقها على الشعر الجاهلي .
أجد الكتاب ضعيفًا مرتبكًا بدون منهجية مُطبّقة واضحة - رغم عرضه لمنهجية مُزعمة في بداية البحث - ودون أهداف أو نتائج واضحة. والكتاب كله يُلخص بدون أي إخلال يُذكر في صفحة الخلاصة في آخر كل باب. مع أخطاء علمية مثل نسبة التفسير المحيط لأبي حيان التوحيدي وهو لأبي حيان الأندلسي وكذا كتابة اسم الإمام الصوفي المالكي ابن عجيبة بالنون بدلاً من الباء فكان اسمه ابن "عجينة" طوال الكتاب. النتائج والمسلمات ظلت تتكرر بدون تدليل واضح أو تسلسل منطقي.