كتاب نادر في بابه. إذ ترى فيه شيئا من فلسفة التاريخ عند المسلمين. مؤلف هذا الكتاب هو أحد مشايخ السيوطي، يدعى بالكافيجي، نسبة إلى الكتاب الذي اشتهر بشرحه وهو الكافية في النحو لابن الحاجب. وهذا من العجائب أن ينسب المرء إلى كتاب.
الكتاب يبدأ بالثناء على علم التأريخ وبيان منافعه باقتضاب في المقدمة. ليشرع في الباب الأول(في مبادئ علم التأريخ) في تعريف علم التأريخ والزمان وكيف برزت الحاجة إليه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم يعرج على الشروط اللازمة للمؤرخ (وهي نفس الشروط اللازمة للمحدث). ومن هذه الشروط الإسلام. ولا يعني هذا القطيعة مع كتب المؤرخين الكفار بقدر ما يعني الانتباه والاحتراز بما يقع من أخبار من غير المسلمين، لأن العدالة والضبط قد لا تكون مشروطة لديهم.
وقد لفت نظري في هذا الكتاب إشارة المؤلف إلى التساهل في نقل الخبر ممن لم يحقق كامل الخصال والشروط، في حين يجب الالتزام بالشروط اللازمة للمؤرخ أو المحدث في نقل الأخبار التي يترتب عليها أحكام شرعية. فقد سمعتها من محاضرات الشيخ عبد الكريم الخضير بناء على مطالعاته في السيرة النبوية. ولم أتوقع أن أجد له سلف في هذه المسألة. وفي هذا كله تتضح منطلقات كتابة علم التأريخ الإسلامي.
الباب الثاني ( في أصول علم التأريخ ومسائله) يشرع فيه المؤلف في سرد بعض النظريات والتقسيمات. فيسود تقسيمات (الموجود) وتقسيمات الحادث وتقسيمات مقصود المؤرخ وتقسيمات طبقات البشر (كان تصنيفه للبشر ينحصر بين نبي وولي وما عداهما، اي أنه تقسيم مبني على نظرة شرعية). ثم يتحدث عن مراتب الخبر بالنسبة للناظر. ثم يشرح الهدف من التأريخ بناء على تلك المراتب. ثم بعد ذلك يسرد بعض القصص التي تؤكد صحة تقسيمه باعتبارها نماذج وأمثلة لتقسيماته.
سأشير إلى أن محقق الكتاب لم يبذل أي مجهود في دراسة الأحاديث التي سردها المؤلف، ولم يبذل أي مجهود للتعليق على الإسرائيليات التي سردها الكافيجي سوى عزوها إلى بعض المراجع. مع أن شروط توثيق الخبر عند المحدثين/المؤرخين أن يرويه العدل الضابط عن مثله (أي عن عدل ضابط مثله). ولا أظن بأن وهب بن منبه أو كعب الأحبار غفر الله لهما قد رويا عن مثلهما! فهما قد نقلا الإسرائيليات وعرفناها عن طريقهما.
كما أنه وصف الله في هذا الباب بصفة القديم. وهذه الصفة لا تصح نسبتها لله. بل هي من ابتداعات أهل الكلام.
الباب الثالث (في بيان شرف أهل العلم وفي فضل العلم وفي بيان ما يفيد التذكير والاعتبار) يسرد فيه بعض الأحاديث والآثار في فضل العلم. ثم يشرع في سرد إسرائيليات أخرى بغرض الاتعاظ.
الكتاب من المهم للباحث في فلسفة التاريخ عند المسلمين أن يدرسه. وليت الكتاب قد فرض علينا دراسته في المدارس..فقد وجدت أن دراسة مبادئ التاريخ تشكل حافزا ومبررا لنا لماذا ندرس التاريخ، بدلا من سرد ملل في كثير من الأحيان.