ومن هنا بدأت الكارثة.. عرض الناس حيواتهم على (السوشيال ميديا) كعرض الملابس الداخلية على منشر الغسيل، وفرحوا بلعبة (الرأي والرأي الآخر) فقالوا (الرأي) ولعنوا أعضاء (الرأي الآخر). تعاظمت ذواتهم، وصار كل منهم عالما مفتيا أديبا سياسيا اقتصاديا مدربا لكرة القدم، والملايين غيره من الأنعام بل هم أضل سبيلا. والسؤال هنا: لماذا يقبل الناس مثل هذه التدخلات من الآخرين في حياتهم الشخصية؟ ولماذا لا تكون إجابتهم دائما على مثل هذه التدخلات هي الإجابة العظيمة السحرية.. "انت مالك؟"؟
حلل الكتاب العديد من الظواهر الاجتماعية التي يتضاعف إزعاجها وخطورتها مع زيادة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من إساءة تفسير وتنفيذ وصايا الأديان بأهمية التناصح والتغافل عن آداب النصيحة، حتى تحولت من خلق حسن يرقى بالناس وبالمجتمع، إلى أمر بغيض ومنفر يعمق الخلاف بين الناس وأداة يستغلها البعض ليتعالوا على غيرهم ويشبعون نقصهم بـ"التنظير" على حياة الآخرين. ومثلما ذكرنا الكاتب بفضل النصيحة ذكرنا كذلك بآدابها وشروطها وكيف يمكن أن يصنع كل منا لنفسه "ميزانه الحساس" قبل أن يقدم نصائحه هل هي: نصيحة في السر؟ عن علم؟ تقدمها بتواضع؟ هناك من طلبها أم أنك تفرض رأيك عليه؟ تقدمها بابتسامة وود؟ تهون الخطأ على المنصوح؟ تطرق كذلك إلى الخلط الشهير بين خفة الدم وإذابة الجليد بيننا وبين الآخرين، وبين جرحهم وتخطي حدودهم الشخصية، والتدخل في أمورهم الخاصة، الذي في الكثير من الأحيان يسبب جروحًا عميقة وأذى نفسيًا كبيرًا لا يمكن إصلاحه بسهولة. حلل الكتاب الأسباب النفسية وراء "شهوة الفتي" لدى الكثيرين، وانتشار "حراس الفضيلة" الذين يحاصرون الناس ليل نهار ويتدخلون في أدق شئونهم ويحاسبونهم عليها، والذين بالمناسبة لا يسلمون هم أنفسهم من الفعل نفسه، ما يجعلهم في الكثير من الأوقات لا يعيشون الحياة التي يريدونها ولا يقولون ما يؤمنون به فعلاً لأنهم يخافون أن تطالهم حراب زملائهم من "حراس الفضيلة". وأجاب الكتاب على سؤال مهم آخر هو "لماذا يقبل الناس مثل هذه التدخلات من الآخرين في حياتهم الشخصية؟