«فى نقدنا للمنهج السلفي واختلافنا معه فى كثير من الاتجاهات والنتائج، لا ننكر أن السلف كانوا من أعظم الرجال فى عصورهم، كما لا ننكر أن المنهج نفسه كان متفقًا مع عصره، ولم يكن يوجه إليه أي نقد وقتئذ. إن مضمون نقدنا هو أن سلامة المنهج عندما ظهر منذ عشرة قرون لا يقتضي ــ بالضرورة ــ سلامته فى الفترة المعاصرة لتباين الأوضاع تباينًا جذريًا، فلكل عصر مشاكله وقضايا وطرقه الخاصة فى معالجة هذه المشكلات والقضايا. فالاختلاف لا يقتصر على نوعية القضايا، ولكن أيضًا على طريقة حلها، وإن الحل لن يكون فيما قدره السلف، ولكن فى القرآن نفسه، ومباشرة، لأنه هو ــ وهو وحده ــ الذى يتسع لتحديات العصر وينتصر عليها. وهذا هو معنى «العودة إلى القرآن».
جمال البنا (ولد 15 ديسمبر 1920، البحيرة، وتوفي 30 يناير 2013 القاهرة) هو مفكر مصري. وهو الشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمون إلا أنه يختلف مع فكر هذه الجماعة.
كتاب جميل ، يتحدث الكاتب في بداية الكتاب حول قضية الانصراف عن القرآن والانغماس في أقوال الفقهاء و المفسرين و المرويات الى حد يصل الى تعطيل القرآن عن طريق ظاهرة النسخ التي تصدر لها عدد من الفقهاء و الأئمة وأيضا إيثار السنة على القرآن متسطرداً بإشكاليات التعاطي مع السنة بإعتبارها مصدراً مستقلاً كما يتعامل معها جموع المحدثين والأسراف في وصف الأحاديث بالتواتر .
وتحدث في نهاية الكتاب عن العودة للقرآن حيث يرفض الكاتب مسألة دعوى الإختصاص بحيث أن يكون فهم القرآن مقتصر على فئة من الناس وهذا يتصادم مع جموع الايات التي تحث جميع المسلمين الى التفكر و التعقل و القراءة فإحتكار الرأي يساهم في خلق بيئة كهنوتية لا تعترف الا برأي رجل الدين .
وهناك نص أعجبني قال فيه :
ان الذين يريدون الحيلولة بين المثقفين و بين إثراء الفكر الاسلامي بثمرة ثقافاتهم بحكم أنهم ليسوا من العلماء المذهبيين و المعممين ، ينقلون القضية الحرص على الدين ، و الكف عن تحريفه ، الى الحرص على الدنيا ، و الكف عن المنافسة في المهنة ! ويعملون على تقوقع الفقه ، و يحولون دون وجود تلك المنافذ الحرة التي تتطلع منها الأذهان و العقول ، و تتنفس عبرها الضمائر و القلوب حتى لا يكون الدين حجراً محجوراً أو ذخراً مستوراً عن الناس الذين أنزل لهم .
يتبادر إلى الذهن عند سماع جمال "البنا"لأول مرة، شقيقه "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدهم الأول. وبعد ذلك يتبادر سؤال مهم لذهن القارئ : هل ينتمي جمال البنا هذا لتيار أخيه وهل يحمل مثل أفكاره المسمومة ؟!.
الجواب هو لا، قطعا، حتى أنه من الطريف أن لكاتبنا مؤلفا بعنوان "الإسلام دين وامة وليس دين ودولة " وهو عنوان يحمل فكرة مختلفة تماما عمّا يدعو إليه و يردده ويتغنّى به حسن البنا من شعارات" كالإسلام دين ودولة، قرآن وسيف"...إلخ. في كتابه العودة إلى القرآن، ينتقد الكاتب المنهج السلفي في بعض اتجاهاته ونتائجه، ويرى كون المنهج هذا متفقا مع عصره وسليما عند ظهوره قبل قرون كما لم توجه إليه حينها انتقادات،لا يقتضي بالضرورة سلامته في الفترة المعاصرة لاختلاف وتباين الأوضاع والظروف . يستنكر جمال البنا في إطار نقده ما سمّاه بظاهرة تعطيل القرآن الكريم، إذ أصبح في نظره مصحفا يُقسم عليه وتعويذة يُتبرّك بها أو تقليدا تُفتَتح به الاجتماعات والبرامج الخ مقابل تفعيل الآراء المذهبية والاجتهادات الفقهية، بالتالي هو يستنكر أيضا ماسمّاه بالتقليد المذهبي لفقه القرن الرابع الذي أُغلِق وتجمّد فألفَينا أنفسنا نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا مجددا !! شتّان مابين نظم وآداب وروح القرآن وبين ما نراه متفشيا ومنعكسا على مجتمعاتنا الإسلامية. يقول البنا :"لو أننا وضعنا على يميننا القرآن وعلى يسارنا احد كتب الفقه ككتاب"الفقه على المذاهب الأربعة" أو "بداية المجتهد ونعاية المقتصد" وطالعنا هذا وذاك لاتضح ان هناك خلافا رئيسا_ليس فحسب_في بعض التفاصيل، ولكن في الروح العامة التي عنها يصدر القرآن وأحكامه..والتي يصدر الفقه الإسلامي عنها أحكامه".
بعد ذلك انتقل مفكرنا للحديث عن ظاهرة متفشيّة مهمة وهي المحاولة القائمة للحيلولة ببن "المثقفين" وبين إثراء الفكر الإسلامي بمشاركاتهم وأفكارهم وتجديدهم بحكم انهم غير متخصصين، ولا ندري حقيقة إن كان هذا حرصا على الدين أم حرص على الدنيا وتفادي المنافسة في المهنة !! غير ان مأدبة القرآن كما جاء على لسان الكاتب مفتوحة للجميع وليست لها بطاقات محددة ومحجوزة بحيث يُمنع من لا يحملها من الإنضمام. وهنا حضرني أحد أهم المفكرين الإسلاميين المجددين وهو الدكتور محمد شحرور رحمه الله والذي قبل ان تُناقش افكاره او يُرد عليها بالحجة يُهاجم أولا لكونه مهندسا وليس متخصصا أو أزهريا ... وبالحديث عن شحرور أتذكر موقفه من السنة وهو موقف مختلف تماما عن موقف البنا الذي لا مشكلة لديه في كون السنة مفصّلة للمجمل ومفسّرة للغامض في القرآن الكريم ولا إشكال لديه ان تأتي بعده وأن تُعتبر مصدرا تشريعيا ثانويا إلا أنه مستنكر لكونها تأتي في بعض الأحيان قبل القرآن !! ولمن يستقبح وينكر هذا القول امثلة عدة في الفقه الإسلامي اوردها البنا في كتابه . مفكرنا يصرح أن كفى ! الحل في العودة للقرآن وتفسيره به، فهو المتسِع الوحيد لتحديات العصر، مفكرنا يصرخ: الدين ليس عند الفقهاء الذين شبّوا وشابوا بين المتون والحواشي
الكتاب رائع لمن يقرأ من اجل القراءة فقط اما الباحث فبعد قراءة ما يمكن تسميته بالقليل الموجز في هذا الكتاب فعليه البحث معمقا و مطولا ليصل لاجابات ما اثاره الكتاب في نفسه !
ملخص الكتاب في نظري يتحدث عن ان اختلاف المذاهب و تفسير البعض له بأنه يسر في الدين يمكن بعد دراستها و توفيقها مع بعضها التوصل الى مذهب واحد يوافق مبدأ ان القرآن صالح لكل زمان و مكان اذ ما كان ينقص اصحاب المذاهب هو التواصل و الحوار و البحث المشترك ، على خلافنا اليوم لدينا موادهم و لدينا سبل التواصل فلم لا يمكن الجمع بين المذاهب ؟! كما اشار الى مسألة اعمال العقل و كيف مُنع العامة عنها ،مبررين مشايخنا و علماؤنا كثر الغلط و خوفا من التفسير بناء على غاية شخصية لذا ترانا نقلد و ننفذ احكاما صلُحت قبل عشرات القرون و هم يفسرون و يصدرون احكاما اما باجترار ما يقرأون للحنبلي و ابن تيمية وووو او يفسرونها او يأوّلونها كما يريدون !