شاعر وسارد فازت مجموعته القصصية "أحلام بيضاء رطبة" بجائزة كتاب الجمهورية له تحت الطبع مجموعة قصصية بعنوان "صباح مناسب للقتل" وكتاب توثيقي عن مدينة "صور" العمانية كأول مدينة عربية تشرق عليها الشمس كتب مؤخرا مقالا سينمائيا في جريدة الرؤيا العمانية له مقالات في الفن التشكيلي في مجلة "الخيال" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة .. ومهتم بقضايا ذوي الإعاقة .. كعضو نشط في الاتحاد الدولي للتأهيل "ريهاب"
هنا ديوانٌ ثـريُ .. وجميُل .. ورااائع ... ببراعته التي لمحتها منذ سمتعه أول مرة ..منذ نحو 5 سنوات، يمزج "أسامة" باقتدار بين موسيقى الشعر ونثره في هذا الديوان الذي أظن أنه عدة دواوين .. لتخرج منه بحالةٍ شعرية تتلبسك حتى لا فكاك منها .. قادرُ هو تمامًا على أن يمنحك الصور الشعرية المدهشة .. متجاورة مع اللقطات الدالة العابرة الموحية تمامًا .. ديوان ممتع، ويُقرأ في ظنِّي أكثر من مرة .... شكرًا أسـامة وفي انتظار مجموعتك القصصة، وروايتك .. وكل إبداعاتك ..
كمن يخشى أن يُتهمَ بالشعر، تردد كثيرا في نشر هذا الديوان، ديوانه الأول. هو، من يحمل "ضوءًا، أرسلته نجمة في مخاضها الكوني، وماتت"...يسير به في "مَدينة مظلمَة، تمضي الكائنات نائمةً في شوارِعِها وهي تَحلم بأنها لم تَمتْ" و كلما إشتدت عليه وطأة الضوء، يهرع إلى كهفه ليتحصن به، و الكلمات الخضراء التي نبتت للتوّ من أثر الوميض تدق جدران رأسه الصغيرة و هي تصرخ : دثرني، دثرني...
و كلماته، بالمناسبة، لا تشبه كلماتنا التي، غالبا، ما نسرِف في هذرها...إنها تنبت في فمه طواعيةً "كالأسنان اللبنيّة"، و لأنه يمتلكُ "حاسةً مدهشةً في الحقيقةِ لشمِ الكلماتِ و وزنِ شعرِيتِها من خلال شهقات تفاجِئه بلا تفسير واضح" فإنه غالبا ما يتفوّق على القارئ فيتركه في حيرةٍ من أمره وهو يحاول، أن يُضيف بعضا من الماء إلى نصوصه المركّزة جدا، تماما كاللبن كامل الدسم، لعله يستطيع وقتها، أن يظفر ببعض من تلك المعاني المكثفة في نصوصه، أو ليس هو القائل :
التعلق حزن مختبئ واليأس فرح البدايات الجديدة
أيها القارئ، كن حذرا إذًا و أخلع نعليْك كلّما وقفت بعتبة إحدى نصوصه، فقد لا تنجو و قد تضطر للقفز عاليا و أنتَ تحاول الإمساك بذيل تلك "الـ كُنْ" الممتدة منذ الأزل "بين كَشفِ الكافِ ومكنونِ النون". ذلك أن عنوان كل نص، هو في حد ذاته مؤامرة واضحة المعالم لاستدراجك، أيها القارئ، إلى "سراديب الطفولة المسكونة بالعناكِبِ والرعب و أميراتِ الأحلام" أو إلى "مدائن النمل" أو "أثير الغابة" أو "إلى أرض بيضاءَ لا يعيش الظلُّ فيها"...تأمل جيدا سيمائية كل واحد منها و ستهز برأسك موافقا.
أيها القارئ، ألازلتَ تحاولُ الإمساك بطرف "الجميلة" أم أنه تسرب من بين أصابعك مجددا كالزئبق؟أمسكت به؟ دقّق النظر إذًا في زخرفته، متانة الغُرزة و دقتها...جمال الحَرف، تدافع الجُمل و تنضيدها...تأمل هذا "الإيقاع البصري" الذي كثيرا ما يتفوق على "الإيقاع السمعي" للنص ليبلغ ذروته في قطعة البروكار هذه :
و لأنه هوَ، و لأنه مسكون بهاجس الوجود و الوطن و النساء و العشق، و لأنه كنبيّ بلغ أشُدّهُ فصار يتقن فن التنبُّؤ والوعظ، فإن "الجميلة سوف تأتي" ليس أقل من بهو للمرايا...يركض فيه الأطفال "بالمرايِلِ المدرَسية"، و تستريح على أطرافه الأشجار المنهكة "من مشْي طويل"، و تنشغل فيه الملائكة "بطلاء الأحلام"...و عند الغابة، حطّاب مختبئ بين الشجرات، يراقب "ذات الرداء الأحمر" وهي تطارد الذئب و تصرخ :"أحبُّكَ يا ذئبي"...
و في وسط هذا البهو، يقف أسامة جاد بكل أناقته ومن خلال إعتماده على اللغة المكثَّفة، المجاز، السرد المختزل...ليطلق جموح النصّوص/المرايا حتى تطارد تصوراته عن الموت و الضفة الأخرى و شكل الذاكرة و الذكريات و التجارب و تلك الكائنات الخضراء و الزمن و اللغة و الأحلام و العشق و الأنثى و النزوات العابرة و عن تاريخ القبلة الأولى و عن الثورة و الشهداء...
كثيرة هي النصوص التي تترك فيكَ أثر بهجتها، الدهشةَ، رائحة الولادة البيضاء...وهي تجر حبلها السرّي بيدها...و كثيرة أيضا هي النصوص التي تبعث فيك الفزع : تأمل فقط تواريخ بعض النصوص و ووميض الأسطورة في بعضها الٱخر...و ستدرك ذلك. ألم أقل إن "الجميلة سوف تأتي" هو أكثر من ديوان شعر؟!