حصريا من كتب العالم ، شاهد متجرنا لمزيد من الكتب العربية وأحدث الإصدارات في مختلف المجالات ، تصفح الصور لمعرفة المزيد عن الكتاب ، نوفر الكتب الأصلية للحفاظ على حق المؤلف والناشر والقارئ ، هدايا مجانية مع كل كتاب ، ابحث عن كتابتك باللغة العربية ، الرابط المباشر للمتجر
أبو فهر محمود محمد شاكر أديب مصري، نافح عن العربية في مواجهة التغريب. اطلع على كتب التراث وحقق العديد منها. أقام منهجه الخاص في الشعر وسماه منهج التذوق. خاض الكثير من المعارك الأدبية حول أصالة الثقافة العربية، ومصادر الشعر الجاهلي.
خاض معركتين ضخمتين أولاهما مع طه حسين والأخرى مع لويس عوض كانتا من أبرز معالم حياته الأدبية والفكرية ويمكننا القول بأنه تفرع عنهما معارك فرعية وثانوية كثيرة، وكانت هاتان المعركتان بسبب شاعرين كبيرين من شعراء العربية هما: المتنبي والمعري.
حسنًا؛ أحبُّ أن أحكي قصة شرائه أولا ! فأنا أحب الثرثرة حول من أجد فيه بعض روحي! أو قُلْ بعض ذكرياتي !
" لم أذهب لشرائه بل ذهبتُ لشراءِ كتابًا آخر فأظهر لي نفسه متخايلاً من بين الرفوف؛ سأرحل معك رغم أنفك ولو عَدِمْتَ المال ! سأرحل معك الآن ولن أبقى وحيدًا فإني أستحسُّ نبضات ذكرى جَوَاك، سأرحلُ فإنِّي ومثلك في نِيْرِ الحبِّ سواء ! وفي نِيْرِ الذكرى سواء بسواء ! سأرحل معك لِيُضمِّدَ بعضُنا جراحَ بعض فإن في البوحِ بعضُ السلوى وإن فيه أيضًا كثير من الدمع، سأرحلُ فقد طال عذابُ ذِكرايَ وحيدًا ! "
وكأنه أخبرني ذلك بعد قرائتي لما قدحه أبو فهر من ذكراه، ألا قتلَ الله من كسر قلب هذا الوَلِهُ المُعذّب! مِنْ أي جنسٍ هي ! هي من جنسِ الوحشِ بلا ريب! كما قال هو:
.... تقرأ بعض الشعر فتُحِسُّ بالصنعة فيه ظاهرة، وبالتكلف في بعض أظهر إن لم يكن في كله، أما ما قال أبو فهر، فهو والله الطبع! وهو والله القلب الذي اغترف اللسان منه كلمة كلمة وحرفًا حرفًا، ففي هذا الشعر كما قال هو: ذكَـرْتُكِ بين ثنايا السُّطُور .. وأضمرتُ قلبِيَ بين الكَلمْ !
لم تكذب يا أبا فهر! وربي لم تكذب! وأي كذبٍ يصدقه ذائقٌ إذا قرأ:
اللَّظى زادي! فهل ينفعُني زادٌ مميتُ؟! اللظى رُوُحُكِ؟ أم روحِي سعيرٌ مُستميتُ؟ كلما مرَّتْ به النَّسْمَةُ من وَجْدِي حَيِيتُ ! أهي تُحْييني إذا مرَّتْ بناري .. أم تُميتُ !
خَبِّريني، واذهبي إن شئتِ .. لكن .. لا تعودي!
أم وهو يقرأُ:
أنا .. لا كُنتِ، ولا كان قَصيدي أو نشيدي لوعةٌ تُملي على الأكوانِ آلامَ العبــــيـــدِ أنا في الرِّقِّ أُعانِي ثورةَ الـحُـرِّ العــنــيــدِ أتـحـدَّاكِ .. ولكني ذلــيـــلٌ في قُــيـــودي!!
لا تَرِقِّي واذهبي إن شئت لكن .. لا تعودي !
أم وهو يقرأ (وهو قصيدٌ من المبكيات!):
ذكَـرْتُكِ بين ثنايا السُّطُور .. وأضـمـرتُ قلـبِـيَ بين الكَـلــمْ ! ولسْتُ أبوحُ بما قد كتمتُ .. ولو حَزَّ في النفس حَـدُّ الألمْ! تُــمَــزِّقُني –ما حييتُ- المُنى .. فَأرْقَـعُ ما مَـزَّقّـتْ بالظُّــلَـمْ فَكَمْ كتمَ الليلُ من سِـرِّنا .. وفي الليلِ أسرارُ من قد كَـتَـمْ!! تشابهَ في كَتْمِ ما نَسْتَسِرُّ .. سوادُ الـدُّجى، وسوادُ القلم!!
وفي بقية مقالِه ما يسلو به الجريح المُعذب فلينظره بعين قلبه ! (والسلام)
بتُّ ليلي في سهر، لمْ أنمْ إلا صباحاً، رُبما .. أرّقتني زمجرةُ الرياح، واكتسحت النوم من عيني كما اكتسحت كُلّ شيء، ولمْ تُبقِ على شيءٍ إلا وزلزلت أركانه، ولمْ يسلمْ منها حيٌّ أو جماد. رُبما .. خفتُ من دمدمتها، وقرعتْ نوافذي فأصابني الذُّعر، لمْ أرى في صوتها إلا النّذير .. والعتاب الصّارخ! ليتني كُنت قرير النّفس فأناجيكي يا رياحُ، وأردُّ على فحيحك بالدّعاء والبُكاء، ليتني .. انفردْتُ بكِ في الظّلام المُدلهمّ، وخرجْتُ إليك في الدّجى المستوحش ونازعتُكِ بالشّجون والجوى، .. وغلبتني يا رياحُ، كما غلبتْ عليّ أهواء ونزعات. وها أنا في غُرفتي ، وقد تذكّرتُ ديواناً بعنوان " اعصفي يا رياح " لمحمود شاكر، فحدثتني نفسي أن أقرأ فيه ما يطاوع خفقاتي المستمرة التي احتارتْ من كثرةِ ما راكمتها الأفكار، وكُنت أحسبُه صغيراً فوجدته ما يقرب الثلاثمئة صفحة، ومقدمتها - بارك الله - سبعة وثلاثون صفحةً بعد المائة. فمكثتُ عليهم حتى الفجر، وبعد عودتي أنهيت الدّيوان بالكامل! وهذه الصورةُ بها مقطعٌ من القصيدة، وهي حين تعصفُ غضبى من الخزى والشؤم، والخُبث واللؤم ، والأباطيل والأكاذيب التي اجترعها العالم، والدُمى الحاكمة للدول العربية يتحكّم فيهم الأعداء .. وغيره! وغير اعصفي .. هناك انصتي يا رياح، واسمعي يا رياح، واذكري يا رياح! كانت ليلةٌ ليلاء!
من قديم وأبو فهر يشغل جزءا من بالي، فقرأت له، وقرأت عنه، واستهواني فكره. وكنت قرأت سطورا قليلة عن حبه لفتاة أسرت قلبه وروحه، ثم هي تركته بلا سبب معلوم له، فظننت أني أفهم ما مر به، أما الان فأجزم أن ذلك كان وهما، فما فطنت إلى حقيقة شعوره إلا بتجربته، ثم أعدت قراءة هذا الديوان، وآهٍ من ما كتب عن هذا. ليتقطعن قلبك قطعا قطعا إن شعرت بأبي فهر في هذا. فـكُرْهُ كثير من الشعراء والعلماء للنساء لعل هذا سببا من أسبابه.
ماذا لو لم يتخلص أبو فهر من أكثر شعره؟ وها نحن نرى ما أفلت من قبضة تمزيقه ماثلا أمامنا بجمالية صوره الشعرية الصادقة، بعيدا عن كذب الشعراء الفاحش. شعر يجمع بين البنية اللغوية الجميلة والصور الشعرية المحكمة، هذا هو شعر محمود محمد شاكر أعلم الناس بالعربية في العصر الحديث.