إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان أحد مؤلفات الإمام ابن قيم الجوزية، وهو كتابٌ استقصى فيه مصايد الشيطان ومكايده، ومهَّد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها، وقد اعتمد في هذا الكتاب على نصوص الكتاب والسنة، وآثار السلف، وشيءٍ من الشعر في المواعظ والآداب، مع الإرشاد إلى تزكية النفوس، والهداية إلى الصراط المستقيم.
علاقتي بما كتبه الإمام بن القيم على مدار سنين طويلة هو ما يقتبس من كتبه - وجزء كبير من الداء والدواء- ، وإن كان فيها ما فيها من الفوائد والخلاصات لكن ليس كقراءة كتابا كاملا، وهذه التجربة الأولى معه وقد شوقتني للقراءة أكثر فى تراثه، فأسلوبه فى الكتابة ممتع يمكن تسميته بالأسلوب الأدبي مع تحقيق للمسائل بلغ الغاية، وما يظهر من سعة اطلاعه، ثم مجاراته لأحوال عصره الاجتماعية كما بدا واضحا عند حديثه عن مشاكل الزواج والطلاق والحيل فيهما، الكتاب موسوعي أقصد تطرق فيه لأمور كثيرة في السلوك و العقيدة والديانات والفقه وأصوله وغيرها من العلوم.
هذا الكتاب استقصى فيه المؤلف مصايد الشيطان ومكايده، ومهد لها بأبواب في أمراض القلوب وعلاجها. وقد كان المؤلف من أطباء القلوب البارعين، تناول هذا الموضوع في عدد من كتبه بأسلوبه الخاص، يعتمد فيها على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ويمزجها بشيء من الشعر في المواعظ والآداب، ويُرشد الناس إلى إصلاح عقيدتهم وسلوكهم وتزكية نفوسهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم. رتب المؤلف الكتاب على ثلاثة عشر بابا: تحدث فيها عن انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت وذكر حقيقة مرض القلب و انقسام أدوية أمراض القلب إلى طبيعية وشرعية. كذلك عن طبيعة حياة القلب وإشراقه مادة كل خير فيه، وموته وظلمته مادة كل شر وفتنة فيه وبيان أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره. كذلك بيان أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون إلهه هو معبوده و أحب إليه من كل ما سواه وبيان أن القرآن الكريم متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه. لينتقل المؤلف للحديث في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه و علامات مرض القلب وصحته وعلاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه وعلاج مرض القلب بالشيطان ليصل إلى مقصد الكتاب الاساسي حيث الحديث عن مكائد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم.
وقد ذكر المؤلف أن هذا الباب الأخير هو الذي وضع الكتاب لأجله، ولذلك توسّع فيه كثيرا، واستقصى جميع المكائد التي يكيد بها الشيطان الإنسان، والمصايد التي يصيده بها. والأبواب السابقة تعتبر مدخلا و تمهيدًا لهذا الباب، وكلها لا تزيد على من الكتاب، والبقية في تفصيل الباب الثالث عشر المعقود لذكر مصايد الشيطان.
المؤلف رحمه الله منهجه في هذا الكتاب مع سائر كتبه من حيث الاحتجاج بنصوص الكتاب والسنة وآثار السلف من الصحابة والتابعين والأئمة، وحسن الترتيب والتنظيم للمادة العلمية، وقوة البيان وعذوبة اللفظ، والتفصيل والإيضاح للموضوع الذي يتناوله، وذكر الأمثلة الكثيرة والوجوه المتعددة لتأييد الفكرة أو رفضها، والتنويه ببعض الأبحاث الجليلة التي ينفرد بها الكتاب، هذا وقد وتكرار بعض الموضوعات في عدد من مؤلفاته، والاهتمام بعلاج أمراض المجتمع في أخلاقه وسلوكه وعقيدته.
نحن -وأتحدث عن نفسي خاصة- في حاجةٍ إلى تذكير أنفسنا بأن هذه الدنيا فانية وبأن الآخرة هي دار القرار، وفي حاجةٍ إلى تطبيب قلوبنا ونزع عنها حب الشهوات واتباع الهوى، ولم أجد منبهًا ينبهني كل يومٍ إلى هذا الأمر أشدُّ أثرًا من كتاب "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان"؛فلم يترك ابن القيم -رحمه الله- مسلكًا أو حيلة يتحيل بها الشيطان على عباد الله إلَّا وتحدث عنها وذكر فيها من الأمثلة القرآنية والنبوية الشريفة ما تقشعرُ له الأبدان وتصبو إليها القلوب والجوارح.
بدأ الكاتب بالحديث عن الفرق بين القلب الصحيح السليم والميت والمريض، ومن ثم ذكر حقيقة مرض القلوب وأدوائها، ومرورًا بطهارة القلب من أدرانه وأنجاسه، وفي علامات مرض القلب وصحته وفي علاجه من استيلاء النفس عليه، ومن ثم تحدث عن مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم، وكان هذا الموضوع هو المحور الأساسي للكتاب؛ فتحدث عن الوسواس، والطلاق، والحلف بالطلاق، والتحليل، والحيل والمكر والخداع، والفرق بين الكذب والمعاريض،وفتنة القبور، والأنصاب والأزلام، وسد الذرائع، وعشق الصور، وإخلاص المحبة لله، والعديد من المواضيع الشائقة التي انتهت بالرد على النصرانية واليهودية.
هذا الكتاب من كتب "الرقائق" التي سبق وتحدثتُ عنها من قبل، والرقائق يُعنى بها: الكتب، والموضوعات التي ترقق القلوب، وتزهد في الدنيا، وترغب في الآخرة، وتحض على الطاعات، وتنفر من المعاصي.
قد يخشى القارئ أن يبدأ في الكتاب لكبر حجمه ولأن هنالك نسخٌ تتكون من مجلدين كالتي معي، ولكن نصيحتي هي أن يستعن بالله وبأن يبدأ به، فهوَ سهلٌ رقيقٌ لا يشعر القارئ بصعوبةٍ في فهمه أو بالوقت ينسل من بين يديه وهوَ يقرأه، وجزى الله ابن القيم عنّا كل الخير ورحمه وغفر له؛ فقد جئته واللهفة تأكل قلبي، فلم يتركني الكتاب إلّا ودواخلي مُرممة، بفضلٍ من الله.
ك عادة ابن القيم في شمولية كتبه إذا ما تناول موضوعا، فأتم ما أنهى به مجلده الأول ب ذكر مصائد الشيطان التي نصبها للعباد و طرق النجاة منها ف عدد في ذلك حيله في الظلم و العشق و اللواط و الفرق بين الكذب و المعاريض. و رجع بانتظام إلى التسلسل الزمني فحدثنا عن حيله التي نصبها لآدم عليه السلام و تاريخ الأصنام مفصلة و أنواع المشركين على مر الوقت وصولا إلى عيسى عليه السلام ثم فصل ما احتال به الشيطان على العباد في تغيير النصرانية و ذكر تاريخ كل الأحداث. ثم تحدث عن اليهودية مفصلا لن أنكر أن بعض الفصول كانت طويلة للغاية و أصابني الملل و ربما قسمتها على مراحل لنفاذ صبري في إتمامها و لكن هذا من قصر فهمي و اشكال الأمثلة الفقهية عليّ لا لعيب في أسلوب الكاتب ، فإن المتمرس فقهيا قد يجد لذة في تعداد الحالات على عكس من لا يفقه إلا المعلوم من الدين بالضرورة
الكتاب رائع جدًا وقيّم، كما هو أسلوب ابن قيّم، أعجبني الكتاب وسيكون من مفضلاتي، أحببت تحليله وشموله للمكائد الشياطينية ويعضدها بأدلة، ويستطرد في إيراد المسائل والخلافات الفقهية وهذا لم يعجبني كثيرًا، فصّل كثيرًا في الحيل وأوصلها لعدد كبير وأظنه مرجع فيها.